المنهج التربوي الإسلامي للأسرة

حرب على كرامة الإنسان
ديسمبر 11, 2023
المقرئ أحمد الله القاسمي الباغلفوري إلى رحمة الله
مايو 4, 2024
حرب على كرامة الإنسان
ديسمبر 11, 2023
المقرئ أحمد الله القاسمي الباغلفوري إلى رحمة الله
مايو 4, 2024

بأقلام الشباب :
المنهج التربوي الإسلامي للأسرة
الأستاذ سبحان عالم خان الندوي – لكناؤ
اعتنى الإسلام بالأسرة عنايةً خاصةً ، ليكون المجتمع سليماً من العيوب ، بعيداً عن اختلاط الأنساب ، سليم البنية ، موحد الطبيعة منسجم الأجزاء ، فشرع الإسلام العديد من الوسائل التي من شأن الالتزام بها أن يفضي إلى ديمومة الأسرة واستقرارها كي تؤدي الثمار المرجوة منها حافظةً للنسل ، حاميةً للشرف والعرض صاينة للنسب . ومن هذا المبدأ أحاط الإسلام العلاقة بين الذكر والأنثى بسياج من الآداب التربوية التي تكفل بقاءها في إطار النقاء والطهر ، وتحميها من كل إثم ودنس ، وذلك سداً للذرائع الموصلة إلى فساد المجتمع ، وإلى الوقوع في الفاحشة . من هذا المنطلق إذا تأملنا في سورة النور تجلى أنها تضمنت السبل الواقية للمجتمع الإسلامي من الفاحشة ، فالاستئذان وغض البصر ، وحفظ الفروج ، والعفاف ، وعدم تبرج النساء هي قواعد أساسية ، ومعالم تربوية واضحة لتحقيق الطهارة والنقاء للمجتمع على مستوى الدولة والأمة بشكل عام . فالمنهج التربوي الإسلامي يجعل من الأفراد جماعةً ، وذلك بإشاعته الود بينهم ، وحسن العشرة ، وعلاقات المحبة والأخوة ، ليشكلوا مجتمعاً متميزاً بأفراده ، وفريداً بعلاقته الاجتماعية التربوية التي تربط أعضاءه ، وتجعل منه أسرةً واحدةً متكاملةً ، ومترابطةً ، ومتحابةً .
وقد عُني المنهج التربوي الإسلامي بتشريع الآداب والأخلاق التربوية التي تكفل كل ذلك ، وهي لفتات تربوية بالغة الأهمية ، تلعب دوراً تربوياً خاصاً في تنقية المجتمع من الآفات الاجتماعية المدمرة ، فكان الاستئذان وغض البصر والحجاب سلوكيات تربويةً تؤدي إلى إيجاد مجتمع خال من البغضاء والشحناء ، ومن كل ما يعكر صفوه . فتنشئة أفراد المجتمع على هذه الأخلاق والقيم التربوية يكفل للفرد خصوصيته ، وللمجتمع حقوقه ، ففي الاستئذان يقول الله تعالى : ( وَإِنْ قِيْلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا . . . ) إلا أن اللافت في مجتمعنا أنه قلما تجد من يصارحك القول بالرجوع ، فقد يتهرب صاحب البيت ، أو يراوغ ، ويلتجأ إلى الكذب ، لأنه يدرك غضب المستأذن للمصارحة في هذا الشأن ، فالأفضل لمجتمع فاضل كالمجتمع الإسلامي أن يطبق الأدب الذي علَّمه القرآن الكريم إيَّانا ، ومن ثم الابتعاد عن كل المواقف التي تؤدي إلى الحرج والمراوغة .
وقد بينت سورة النور تنظيماً للعلاقات الاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء ، قال تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ، فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .
فهذه الآيات ترسم السبل لنقاء المجتمعات الصغيرة ، كالبيت ، والأسرة ، ومجموعة الأصدقاء ، فتوضح الأخلاق التي ينبغي أن يطبقها المسلم مع أهله وأقاربه وأصدقائه ، لئلا يجعل القرابة والصداقة والمخالطة مبيحةً لإسقاط الآداب ، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب التربوية مع القريب والبعيد ، ولا يغرنه قول الناس : ” إذا استوى الحب سقط الأدب ” . وتنظيم هذه العلاقات بآداب تربوية يوفر الصلات الحسنة ، ويستكمل أواصر القرابة والمودة والمعاونة . وبينت سورة النور الآداب التربوية الخاصة بالمجالس العامة ، كمجلس التعليم قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، فكما أن الاستئذان يكون عند الدخول للبيوت ، كذلك يكون عند الدخول والخروج من المجالس ، فهذه الآيات تحوي الآداب النفسية التنظيمية بين الجماعة وقائدها ، وبين الأسرة ورب الأسرة فلا بد من التأدب مع القائد والراعي سواء كان أميراً ، أو أباً ، أو معلماً إذ يجب أن تبقى للمربي والمعلم منزلة في نفوس من يربيهم ، يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم ، ويستحيون أن يتجاوزوا معها حدود التوقير ، ويتبين من الآيات أن من الأدب التربوي مع المربي والمعلم أن يكون خطابه متميزاً ، يقول الإمام الآلوسي : ” إن المربي في جماعته كالنبي في أمته إذ ينبغي أن يحترم في مخاطبته ويميز عن غيره ، فالآيات أصل من النظام التربوي للجماعات ، لأن من السنة أن يكون لكل اجتماع إمام ورئيس يدير أمر ذلك الاجتماع ، فلا ينصرف أحد عن اجتماعه إلا بعد أن يستأذنه ، لأنه لو جعل أمر الانسلال لشهوة الحاضر لكان ذريعةً لانفضاض الاجتماعات دون حصول الفائدة التي جمعت لأجلها ، ولأدى ذلك إلى اختلال الأمور ، فالاستئذان من المربي والمعلم مسبقاً أمر ضروري لاسيما إن كانت الاجتماعات دوريةً كحلقات الدرس ، أو المحاضرات الراتبة كمحاضرات الجامعة . . . وهذه من الآداب التربوية بين الفرد ورئيسه الواجب مراعاتها .