” عمر يظهر في القدس ” لنجيب الكيلاني : دراسة موضوعية

دور النساء في تطوير الشعر العربي : الخنساء نموذجاً
مايو 4, 2024
دروس وعبر من قصة هدهد سليمان عليه السلام مع دراسة بلاغية
يونيو 4, 2024
دور النساء في تطوير الشعر العربي : الخنساء نموذجاً
مايو 4, 2024
دروس وعبر من قصة هدهد سليمان عليه السلام مع دراسة بلاغية
يونيو 4, 2024

دراسات وأبحاث :
” عمر يظهر في القدس ” لنجيب الكيلاني :
دراسة موضوعية
الباحثة مارية مشتاق 
تطورت الرواية العربية في القرن العشرين الميلادي تطوراً ملموساً ، واختار الروائيون اتجاهات عديدةً من تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية وترفيهية ، وذاع صيتهم في هذا الـمجال . وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر عديد من الأدباء الذين دعوا إلى الأدب الإسلامي ، وإن كانت هذه النزعة أي استلهام التراث الديني وتقديمها في شكل القصة والرواية كانت تجري من ذي قبل ، ولكن هؤلاء الأدباء الإسلاميين الذين معظهم ينتسبون إلى الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية في العالم الإسلامي قد اهتموا بها لهدف خاص . ومن أهم أهدافهم تزويد الشباب بالقيم الإسلامية وتصوير مآثر آبائهم الذين رفعوا سمعتهم في العالم أمام الشبان المسلمين . فتركوا آثاراً كثيرةً في الأدب الإسلامي ، ومن أهم هؤلاء الأدباء : عبد الحميد جودة السحار ، ومن أشهر مؤلفاته في الرواية : سيرة شجاع ، ووا إسلاماه ، والفارس الجميل ، وعلي أحمد باكثير الذي كتب ” محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه ” في ٢٠ جزءاً ، وأبوذر الغفاري ، وأحمس بطل الاستقلال وغيرهم الذين كتبوا ببراعتهم الأدبية عن الأوضاع السائدة في بلادهم العربية ، ولكن هناك بعض الأدباء الذين خرجوا بالروايات خارج بلادهم العربية وجعلوها عالميةً ، وطافوا بها ومعها بلداناً أخرى كثيرةً متفاعلين مع بيئاتها المختلفة ، وفي طليعة هذا النوع الأخير من الكتاب الدكتور محمد نجيب الكيلاني الذي امتاز في رواياته بخصائص فنية عالية وبقدرة فائقة على توظيف المعاني الإسلامية في العمل الروائي بما لا يتعارض أو يخل بالجانب الفني للرواية . وهو أول روائي إسلامي ، ولقبه الروائي الشهير نجيب محفوظ ” منظر الأدب الإسلامي ” وحاولت في هذه الدراسة المتواضعة تقديم الجوانب الإسلامية في رواية ” عمر يظهر في القدس ” للروائي نجيب الكيلاني مع تحليل نصوصها وإبراز محاسنها الأدبية .
تعريف بالروائي نجيب الكيلاني :
ولد الدكتور نجيب بن عبداللطيف بن إبراهيم الكيلاني في أول يونيو عام ١٩٣١م في قرية شرشابة بالمحافظة الغربية في مصر ، فكان أول مولود يولد لأبويه ، وكانت أسرته تعمل بالزراعة ، وكان منذ صغره يمارس العمل مع أبناء الأسرة في الحقول ، وكانت أسرته تتسم بقيم التفاهم والتسامح ، والحرية ، ولم يوجد فيها أي نوع من القسوة والإكراه ولهذا نجد في شخصيته رجلاً ريفياً ، وحياته مليئة بصعوبات مالية .
حصل الكيلاني على تعليمه الابتدائي في قريته ، ودخل في كتاب لتحفيظ القرآن في الرابعة من عمره ، حيث تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وقصص القرآن والحديث الشريف ، وحفظ نصيباً من القرآن الكريم . وفي السابعة من عمره التحق بالمدرسة الأولية ، ثم انتقل إلى المدرسة الإرسالية الأمريكية الابتدائية بقرية سنباط التي تبعد عن قريته خمس كيلومترات ، وكان يذهب ماشياً على الأقدام الحافية ، وقضى المرحلة الثانوية في مدينة طنطا عاصمة المحافظة الغربية .
وحين أتم نجيب دراسته الثانوية التحق بكلية الطب في جامعة فؤاد الأول ( القصر العيني ) إرضاءً لأبيه الذي أرغمه على الالتحاق بكلية الطب . فوافق نجيب براً بوالده ، على الرغم من أنه كان يفضل الالتحاق بكلية الآداب أو الحقوق ، لكنه ما لبث أن أحب دراسة الطب ورغب فيها ، وقد فتحت له دراسته هذه آفاق العلم والمعرفة ، وتعمق فيه روح الموضوعية والالتزام الدقيق بالنظام .
انضم الكيلاني لجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر من حياته ، حيث أثرت في أفكارها ومعتقداتها ، وكان لها أثر بالغ في تكوين فكره السياسي والأدبي ، واعتقل مرتين : أولاهما عندما كان في السنة النهائية بكلية الطب عام ١٩٥٥م لانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات ، ثم أفرج عنه في منتصف عام ١٩٥٩م بعفو صحيٍ ، ثم أعيد اعتقاله في سبتمبر عام ١٩٦٥م ، وأخرج عنه مارس عام ١٩٦٩م ، وسافر بعد للوظيفة إلى الكويت ، ثم إلى الإمارات العربية المتحدة وقضى نحو ١٦ عاماً عيشة الاغتراب .
أعمال نجيب الكيلاني الأدبية والعلمية :
ينتمي أدب نجيب الكيلاني إلى اتجاهٍ أو مذهبٍ جديدٍ ، في الساحة الأدبية الحديثة ، يعرف بالأدب الإسلامي . للدكتور الكيلاني ما يقارب تسعة وخمسين كتاباً في موضوعات علمية وأدبية متنوعة ما عدا الكثير من المقالات التي ينشرها بين الحين والآخر في الموضوعات الإسلامية والدينية ، والجدير بالذكر أن معظم كتبه الروايات والقصص حيث بلغت رواياته إلى ثلاثة وثلاثين ، وبلغت مجموعاته القصصية إلى ستة ، ومن أشهر رواياته قاتل حمزة ، عمر يظهر في القدس ، عمالقة الشمال ، ليالي تركستان ، النداء الخالد ، عذراء جاكرتا وغيرها . ومن أبرز مجموعاته القصصية عند الرحيل ، موعدها غداً ، فارس هوازن ، دموع الأمير . ومن أهم بحوثه ومقالاته الطريق إلى اتحاد إسلامي ، أعداء الإسلامية ، الإسلامية والمذاهب الأدبية ، نحن والإسلام . وله مسرحية واحدة بعنوان ( على أسوار دمشق ) ، وهي خمسة ، وقد كتبها أثناء وجوده في السجن ، كما كتب سيرته الذاتية باسم لمحات من حياتي في ( خمسة مجلدات ) .
الأدب الإسلامي عند نجيب الكيلاني :
كان الكيلاني أديباً ملتزماً بقضايا أمته ودينه معاً ، وكان الأدب الإسلامي والنقد الإسلامي من أهم موضوعاته . وقد صرح بأهمية الدين في أكثر من موضع ، بل لم يترك كلما سنحت له فرصة لاستغلالها لهذا الغرض ، فهو في كتابه النقد التنظيري ( الإسلامية والمذاهب الأدبية ) يخصص مبحثين مهمين لهذا الغرض ثم للعلاقة بينه وبين الفن ، وقد صدّر كتابه هذا بالآية الكريمة ( وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ) .
والدين كما يراه الكيلاني ” عقيدة شاملة لتنظيم الحياة وتفسيرها واستجابة لحاجات النفس البشرية ، ومشعل يضيئ الطريق أمام الناس ويبلغ بهم غايات السعادة والاستقرار ، ووسيلة لتقويم العلاقات العامة والخاصة . . . مثل أعلى لا يتنافى مع واقع الحياة ولا يتصادف مع نواميسها . . . إنساني وعام في معناه ، الناس تحت سواسية ” .
ولا خلاف لدى الكيلاني بين الدين والفن الحقيقي ، فمثلها هي ” مادة الفن الحياة والنفس الانسانية ، ومقوماته هي الصدق والأصالة الفنية والمضامين السليمة ” ، فإن ذلك في جوهر الدين أيضاً ، إذ ” مادة الدين هي الحياة والنفس الإنسانية ، ومقومات الدين الصادق المنزل من عند الله هي الصدق والأصالة والمثل العليا ” ، وإن كانت غاية الفن الحق ” الإمتاع ، والإفادة ، والتحريض على بناء مجتمع أفضل ” فإنه بالمقابل نجد أن غاية الدين لا تخرج عن إسعاد البشرية ، واستمتاعها بحياتها ، وسيطرة المثل الفاضلة على علاقات البشر والدول والحكام . . . والتنفيز من المظالم والانحرافات والعمل على هدمها .
الملامح الدينية في رواية عمر يظهر في القدس :
رواية ” عمر يظهر في القدس ” إحدى الروايات التي ذاع بها صيت الكيلاني في أنحاء العالم على الرغم من غزارة إنتاجاته وتنوعها ، وهي الرواية التي اجتمع فيها التاريخ والواقع معاً ، والماضي والراهن بتأليف طريف ، بل إن فيها مستقبلاً ممثلاً لذي بصيرة ، وتدور هذه الرواية حول خمس شخصيات حسب ما يلي :
البطل الأول في الرواية هو الشخصية التاريخية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، فهذه الشخصية محور الرواية ومضمونها ، فقد جسَّدها الكاتب لنا تجسيداً رائعاً ، من خلال تصويره لصفاته التي يتصف بها حيث أعطى لها مكانةً مرموقةً ، وذلك لإيمانه وعدله وجعل عهده في أعلى درجة من التقدم وهي شخصية رئيسية .
والبطل الثاني المهم هو الابن الفدائي إن وصف شخصية الراوي من الخارج لم يظهر في الرواية ، فتعتبر شخصية الراوي شخصيةً رئيسيةً ثانيةً ، حيث كان لها الحضور الدائم في المتن الروائي ، ويظهر ذلك في النماذج الآتية : ” الحقيقة أنني أشعر بحزن ثقيل ينوء به قلبي ، وبمرارة عارمة تتشبع بها روحي ، ويتملكني يأس معاند ، لا يفتأ يطالعني من وقت لآخر ، ومع كل هذا لا موجب للقلق يا أماه ” يمثل هذا النموذج حواراً دار بين الراوي وأمه ، إذ تمثل هذه الشخصية محور الرواية بعد عمر .
إضافةً إلى هذه الشخصيات نجد شخصية ” إيلي ” وهو عاشق راشيل ، انتهى أمره في النهاية بالانتحار بعد سماعه لخبر وفاة راشيل .
ومن بين هذه الشخصيات نجد شخصية ” راشيل ” التي أعطاها الكاتب أهميةً بالغةً ، الملامح الإسلامية تظهر في تأثر راشيل بعمر ومبادئه ودينه وإعلان إسلامها .
ودافيد بطل مهم جداً ، وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره المتشبع بالثقافة الصهيونية المنتمي لأحد أحزابها ، ويحفظ العديد من صفحات التوراة .
وهناك شخصيات أخرى ثانوية في الرواية التي تأثرت بالخليفة ، هم : عبد الوهاب السعداوي ، وهيب عبدالله ، الممرضة رجاء ، ومحمود العنائي .
وهذه الرواية تثير عديداً من القضايا الفكرية والعقائدية والعاطفية كما نرى في مقدمة روايته .
” أخي القاري . . . . .
أعرف أن هذه الرواية قد تثير عديداً من التساؤلات الفنية والفكرية والعقائدية ” .
وتتكون هذه الرواية من فصول مرقمة تبلغ أربعة وعشرين فصلاً وتحتوي على مأتين وسبعين صفحةً ، تدور أحداث الرواية حول ظهور عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه في مدينة القدس في العصر الحديث وبعد سقوط القدس في يد الاحتلال الإسرائيلي إثر هزيمة حزيران عام ١٩٦٧م .
مدينة القدس هي المدينة التي تمثل عاصمة فلسطين ، وكانت مدينة الإسراء والمعراج وأرض الأنبياء ، وأولى القبلتين وثالث الجزئين الشريفين ، إلا أنها أصبحت اليوم تحت سيطرة اليهود ، مما جعل المسلمين يصابون بالخذلان وخيبة الأمل ، وما أصاب الأمة الإسلامية من تفرقة ، وهذا ما نلمسه في الرواية والتي شكلت محوراً أساسياً في الرواية التي توحي إلى ما آلت إليه أرض فلسطين من جرّاء الاحتلال الصهيوني ، إلا أن هذه المدينة لا تزال تحمل سمات الماضي العريق ، متشبثة بأواصرها التاريخية ، وفي هذه الرواية ” عمر يظهر في القدس ” لنجيب الكيلاني نجد تكرار ذكر القدس في مرات عديدة على لسان الشخصيات ، نجد الراوي يقول : ” ثم ينهض ، وشدني من حيرته حينما تساؤل قائلاً : ” ما هذه المدينة ” ؟ ( بيت المقدس يا أمير المؤمنين ) ” .
ويشير نجيب الكيلاني في الرواية بشكل مفصل إلى القضية الفلسطينية ، وكانت غايته التعريف بالقضية وحث الناس على إعادة النظر في مواقفهم وأعمالهم ومعتقداتهم .
ومن النماذج : ” في القدس اليوم الإسرائيليون آفة العصر ، حاملو ألوية القذر والحقد والدمار ” .
ومن نموذج آخر : ” القدس تحت نيران الاحتلال . . . . أخذوا القدس القديمة هي الأخرى ، القدس العربية في نكبة ” حزيران ” . . دورياتهم تجوب الشوارع ، وتقف على نواصي الحارات ، وتراقب المارة ، وتفتش السيارات ، لا يفلت منهم أحد ، حتى النسوة والأطفال والعجائز ، تغيرت الدنيا ، وظاهرتهم أمريكا . . العار يفرح في أرضنا التعسة منذ سنين ” .
ولقد أعطى نجيب الكيلاني صورةً حقيقيةً في وصف مسجد القدس بكل وضوح ، ويظهر ذلك في قوله ” وعندما جلس في ركن من أركان المسجد الواسع ، وتحسس السجاد الفاخر ، ونظر إلى الثريات الكبيرة ، واللمبات الكهربائية الضخمة ، بدا له أن ذلك نوع من البذخ لا مبرر له خاصةً في وقت حرب كهذا الوقت ، وتعجب للمنبر العالي المنمَّق الذي يعبر عن فن دقيق جميل ، وظهر الضيق على وجهه حينما رأى الكثيرين من المصلين يتخطون الصفوف كي يجلسوا في المقدمة ، فلم يتوان عن الوقوف ، وأخذ يعلمهم أن تخطي الرقاب في المساجد أمر غير متساغ ومنهي عنه ” .
ونجد كذلك : ” مساجدكم ضخمة ، يروع الناظر رونقها ونظافتها ، ومنابركم عالية مزينة بالزخارف والألوان الوقورة . . والثريات المدلاة من السقف تفوق ثريات قصور كسرى وقيصر . . . وازدحام العبّاد يروع البصر ” .
تتجلى في هذه الرواية شخصية عمر واضحة ، يبدو كأنها إلبوم يصف شخصية عمر من أمثال بياض لحيته لنقائه وعينيه الواسعتين لسعة صدره ووقاره وإيمانه كما بينت لنا سمته الرائعة في يقينه وصدقه وإخلاصه ، وسعيه إلى هداية الناس إلى الإسلام ، وتوجد في الرواية نماذج كثيرة تعمل على هذا التعبير حيث دعا الكيلاني المتلقى للانفتاح والتعامل مع غيره من خلال أخلاق عمر ، فهناك العديد من الشخصيات التي تأثرت بعمر منها : شخصية عبدالوهاب السعداوي الذي كان طبيب الخليفة عمر ، وهو أول من آمن به وهو من التابعين والمساندين له ، ونجد كذلك أم الراوي – وكذلك محمود العنائي ، كل هذه الشخصيات كانت تلعب أدواراً في الرواية ولكل شخصية صفات ، صفات داخلية وخارجية تتصف بها فمثلاً : ” استقام عمر في سريره ، ومسح على جبينه وشعره في لطف وقال : ” أنت الطبيب الوحيد الذي آمن في وجودي هنا ، حسناً . إنه شيئ يسعد قلبي ، غير أني لا أرى مبرراً لتقبيل قدمي ، إنه ضرب من العبودية لا أحبه . . تعالَ هنا . . جفف دموعك ، وارفع رأسك عالياً ” .
ونجد أن الأديب نجيب الكيلاني في روايته قد اعتمد كثيراً على القرآن الكريم ، وله نماذج كثيرة مبعثرة في صفحات مختلفة من الرواية ، وذلك لأن له قدرة على توظيف القرآن في نصه كما نجد قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍۢ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍۢ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ، وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .
وله نموذج آخر ، وهو ” حيث توجد المبادئ متمثلة في رجال مؤمنين لا يخافون إلا الله وحده . . . يوجد النصر ، وتشرق شمس العدل والكرامة . . ويسعد الناس . . ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . . آه . . مات حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يعدون بالألوف . . أنظروا اليوم إلى أنحاء الدنيا . . الملايين تعبدالله على أنوار دعوته . . ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰعَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين ) .
ومن آثار الطابع الديني المقاطع العمرية التي يدعو فيها إلى الإيمان والتمسك به ، وأعتقد هذا جوهر الرواية وشعار عمر الدائم المبني على الإصلاح في الأرض ” وللإيمان يا فتاة تكاليف باهظة . . . أقلها الموت في سبيل الله . . . يجب أن تخلصي إيمانك من الغرض الدنيوي والعرض الزائل ، والخلاص من أهواس النفس ومجاهدتها هو الجهاد الأكبر كما قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . والحب هنا صورة جديدة . . . المؤمن إن أحب المرء لا يحبه إلا لله ، وإن كرهه لا يكرهه إلا لله . . . . هذا شيئ مهم من صفات المؤمن ” .
نكتفي بتقديم هذه النماذج التي يتجلى فيها استلهام الكيلاني بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية والتراث الإسلامي ، وفي بطون هذه الرواية تتبعثر مثل هذه النماذج ، وبما أن الكيلاني كان من الدعاة إلى الأدب الإسلامي والتزامه في أعماله الفنية والروائية فاستلهم هذا التراث الديني في هذه الرواية وفي أعماله الأخرى وتفرد به بين الروائيين .
خلاصة البحث :
الكيلاني يقدم في هذه الرواية معلومات تاريخيةً إسلاميةً ، ويتخيل الراوي أن الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يظهر فجأةً في أرض القدس ويرى ما آل إليه وضع العالم الإسلامي ، وبينت الرواية مشاكل المسلمين وضعفهم وقامت بالمقارنة بينهم وبين الأجداد وصور أمام الشعب ما كان لآبائهم من شجاعة وبطولة وغيرة إسلامية وحماية دينية وما يتصف بها المسلمون اليوم من ضعف وعجز واستكانة وذل ، ثم دعاهم إلى الاتصاف بهذه الصفات الجوهرية . واستخدم فيها الكيلاني اللغة الفصحى كأعماله الأدبية الأخرى ، وإن استخدم بعض الكلمات العامية في الحوار ، كما وجدنا أنه كثيراً ما يستلهم نصوصاً من القرآن والحديث والتراث ، وقد استطاع الكيلاني أن يوظف هذه النصوص بكلمات واضحة ، فهذه الرواية ممتعة جداً وهي إضافة قيمة في الأدب العربي .