عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الثانية )
مايو 4, 2024مكانة الصحابة رضي الله عنهم في ضوء الكتاب والسنة
يونيو 4, 2024الدعوة الإسلامية :
إنكم لمن المقربين
الدكتور أشرف شعبان أبو أحمد
ما يريده الكثير منا من جراء اجتهاده في عمله وإخلاصه في وظيفته هو زيادة في الأجر ، علاوة مكافأة وترقية وتدرج في المناصب للوصول لأعلاها ، والتنقل بين الوظائف المختلفة للحصول على مزيد من الامتيازات وزيادة سلطاته ونفوذه ، وخضوع المزيد من العاملين لسلطانه ولقراراته ، وقد يمضي الفرد منا عمره كله فانياً شبابه وصحته باذلاً قصارى جهده في الحصول على بعض منها أو إحداها ، وقد لا يحصل على أي منها ، ولكن هناك ما هو أهم وأكبر من ذلك بكثير ، ويمكن الحصول عليه بأقل مجهود وفي أقصر وقت ، ألا وهو التواجد قرب صاحب العمل أو صاحب القرار في أي إدارة أو مؤسسة أو دولة كانت ، وأعظمهم هو التقرب من الحكام ، وهو أغلى جائزة توهب للفرد .
والمرء منا كائناً من كان ، سواء أكان رئيساً أو مرؤوساً ، آمراً أو مأموراً ، تابعاً أو متبوعاً ، فلا بد له بمن يقربهم إليه ويتقرب إليهم ، يستأنس بهم ، ويفضي إليهم بما لا يبوح به لغيرهم ، يشاورهم في كثير من أموره ، ويأتمنهم عليها ، وهؤلاء ما يطلق عليهم بطانته أو صحابته ، قد يكونون أصدقاء أو زملاء دراسة أو عمل أو جيراناً أو تربطهم صلة قرابة . أو قد يكونون ممن بينهم علاقة منفعة تبادلية ، وهؤلاء مثلهم كالذي يحاول بشتى الطرق والسبل التقرب لصاحب العمل أو للأعلى سلطة ومنصباً أو لولي الأمر ، أو للحاكم ، والعمل ضمن بطانته وأعوانه ، ومثلهم أيضاً كالذي يحاول الحاكم أو القائد أو المسئول شخصياً ، جعلهم من بطانته وأعوانه والمقربين إليه ، هؤلاء جميعاً يجمع بينهم توافق في الآراء والطباع والأمزجة ، إذ أن النفوس المتماثلة تتجاذب فيما بينها ، كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) ، فالصاحب دليل على صاحبه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ” ، ولقد استقرت حكمة الله عز وجل في خلقه وأمره ، على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه ، وانجذاب الشيئ إلى ما يوافقه ويجانسه ، وهروبه من ما يخالفه ويضاده ، ونفرته عنه ، ويميل كل فرد إلى نظيره ، وفي الأمثال العربية إن الطيور على أشكالها تقع . ولأن أي صحبة لا تخلو من التأثير والتأثر ، فالمسؤولية تفرض علينا حسن الاختيار ، وإذا أراد المرء منا أن يحتاط لأمر دينه ، عليه أن يختار صالحي المؤمنين لبطانته ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ” لا تصاحب إلا مؤمناً ” ، وأن يلاحظ مدى حرص خليله على إرشاده للمعروف وجلب الخير إليه ، فإن أفضلهم صحبةً ، أكثرهم حرصاً على جلب الخير إليه ، وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، قال عليه الصلاة والسلام : ” وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ” ، وحين سأل ابن مسعود عن أيام الهرج متى تكون ؟ أجابه عليه الصلاة والسلام : ” حين لا يأمن الرجل جليسه ” ، فهذا أمر يحتاج إلى التحري والاصطفاء البعيد عن الهوى ، حتى يجد المرء من يأمنه ، ومن يطمئن لصحبته . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ” ، كما قال : ” ما من وال إلا وله بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالاً ، فمن وقي شرها فقد وقي ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ” ، قال تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) [ آل عمران : 118 ] .
والعلاقة النفعية التي تربط الحاكم ببطانته ، وتجعله يحرص على تواجدهم فهي إما لحاجة ، سواء كانت هذه الحاجة علماً أو مهارةً معينةً وبالطبع الغلبة هنا لأهل الثقة على أهل الخبرة ، أو خشية منهم لكثرة علاقاتهم بمن هم أكثر نفوذاً وتأثيراً ، أو طمعاً لشيئ في حوزتهم ، أو قد يكونون من أصحاب القدرة على التفوه والتحدث بطلاقة للإقناع بما لا يتقبله الآخرون ، أو للقيام بأعمال يأنف غيرهم القيام بها ، أو ككونهم عين له على زملائهم ، أو غيرها من الأمور ، وهم أشبه بجنود إبليس يحتاجهم لغرض في نفسه ، يخرجهم من جحورهم كلما دعت الحاجة إليهم . قال الله تعالى في سورة الأعراف ، الآيات 104 – 114 ( وَقَالَ مُوسَىٰ يا فِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ . حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ .قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ . فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ . قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ . قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ . وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ) ، وقال تعالى في سورة الشعراء ، الآيات 29 – 42 ( قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ . قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ . فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ . قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ . قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ . فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ . وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ . فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا َلأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ) ، اعتقد فرعون أن ما جاء به موسى سحر ، ولذلك أراد أن يجمع السحرة ليتحدى موسى عليه السلام ، وعندما تواعد مع موسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين ، شرع فرعون في جمع السحرة من مدائن مملكته ، واجتمع الناس لميقات يوم معلوم ، وجلس فرعون على سرير مملكته ، واصطف له أكابر دولته ورعاياه ، خدمه وحشمه ووزراؤه ورؤساء دولته وجنود مملكته ، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً ، وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم ، ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم ، يقولون : أأن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين ، قال : نعم وإنكم إذا لمن المقربين ، أي أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني ، فهذا هو العطاء الأهم ، وهذه هي الجائزة الكبرى ، ويلاحظ أن السحرة قد سألوا الأجر ، وأن فرعون هو من عرض عليهم القربى منه ، أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي ، فعطاؤه أجزل من طلبهم ، والقربى تنفع كلا الطرفين ، فمثل هذه القربة تفيض على المقربين في جميع المستويات بكثير من النعم ، بدايةً من تلقي كل تعظيم وتبجيل وطلب المودة والرضا والاستجداء من المرؤوسين ، إذ بتقوية نفوذهم مع المسئول الأول ، ينقلون أوامره إليهم ، ويبلغونها إلى بقية المرؤوسين ، وكأنهم هم من أصدروها ، فيكونون هم كصاحب الأمر والنهي ، فضلاً عن تحقيق مكاسب مالية ، ما كانوا يحلمون أن يجمعوها في حياتهم بعيداً عن ذلك المسئول ، من وراء استغلال قربهم منه فيلهثون وراءه لانتزاع توقيعاته بالموافقة على أسفار أو اجتماعات أو مقابلات يقومون بها ، وفرضهم لعمولات أو إتاوات على أصحاب الأعمال والمنشآت المحتاجين لمركزهم ومكانتهم لتيسير أعمالهم ، والانتفاع من وراء الأعمال الموكلة إليهم ، وممارسة نفس النشاط من الباطن لحسابهم الخاص ، وإنشاء شركات بأسماء وهمية أو بأقارب لهم بتيسيرات ومنح لا تعطى إلا لهم محققة الكثير من الأرباح ، واستخدام القوة البشرية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال المخصصة لهم ، وشغل الوظائف بالأقارب والمعارف بغض النظر عن كفاءتهم ، واستخدام الوساطة شكلاً من أشكال تبادل المصالح والعطايا ، وما ينتج عن ذلك من عقود توقع وأراضي تملك واتفاقيات تبرم وتوكيلات تسند ، وحسابات في بنوك تتضخم إلى جانب امتيازات وحقوق وأولويات في تمليك شقق واشتراكات نواد ومناصب وزارية وكراسي نيابية إلى ما شئت أن تتصور أو لا تستطيع تصوره من هذه العطاءات . وكثيراً ممن همهم الحصول على الأموال والمناصب ، يخطون نفس الطريق ، فمن لديه السلطة لديه المال والمناصب ، وهذه هي العلاقة التي تربط بين أصحاب السلطة ، وبين المشتاقين للمناصب ، المهمومين بجمع المال ، وغالبية هؤلاء ليس لهم مبادئ ولا انتماء لوطنهم ولا ولاء لزملائهم ولا لدينهم ، وللأسف على مر العصور كان بعض من أهل العلم ، همهم الأول والأخير الزلفى إلى الحكام والتذلل لهم ، ومدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم ، وتزيين لهم ما يقومون به من أعمال ، والدفاع عنهم وسياستهم ، وإن كانت غير صائبة ، وقلبهم للحق باطلاً وللباطل حقاً ، فهم الذين يشجعون الطاغوت على الاستمرار فيما هو فيه من ظلم وفساد وبغي ، ويحجبون عنه حقيقة الواقع ومعاناة الرعية ، وفي مقابل هذا التصرف منهم تجدهم يتهمون المخالفين لهم بالتشدد والتطرف ، أولئك يلبسون ثوب الخلق والفكر والدين ، ويعتبرون أنفسهم الأحرص على الأمة ومستقبلها ، وأنهم هم الذين يمثلون الإسلام الوسط ويمثلون الاعتدال ، هكذا يزعمون ويدلسون ويكذبون . فالمثل إلى مثله مائل ، وإليه صائر ، والضد عن ضده هارب ، وعنه نافر ، فيميل الأخيار إلى الأخيار ، والأشرار إلى الأشرار ، وشبه الشيئ منجذب إليه ، فالبغاة يتجمعون ويتعارفون ، وأهل الفساد والخلاعة يتعارفون ويتصادقون ، والصالحون يتعارفون ويتعاونون ويتماسكون ويتجالسون ويتحابون . وورد في الأثر : إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ، وفي خبر آخر : من أكرم فاسقاً فكأنما أعان على هدم الإسلام ، وكل من أعان ظالماً فلابد أن يقتص الله عز وجل منه في الدنيا بجانب قصاص الآخرة ، كما كان أيضاً على مر العصور من يصدع بالحق ولم يخش في الله لومة لائم ، فهؤلاء هم المجاهدون الكبار ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ” ، رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني .
وأخيراً لا يفوتنا الحديث عن أعظم القرب وأجلها وأكثرها جزاءً ألا وهي التقرب من الله عز وجل ، وإليها يسعى المسلم الحق ، قال تعالى في الحديث القدسي : ” وما تقرب إلي عبدي بشيئ أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ” ، وقال : ” أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً ” ، فهناك قربى من العبد للرب ، وهناك قربى من الرب للعبد ، ومن وسائل القربى إلى الله حسن الظن بالله ، وأداء الفروض من صلاة وزكاة وصوم وحج في أوقاتها وعلى أكمل وجه واتباعها بالسنن والنوافل والحرص على الطاعات وفعل الخيرات والأعمال الصالحة والمداومة عليها ، فمن أحب الأعمال إلى الله المداومة عليها ، الإكثار من ذكر الله في انفراد وفي الجمع ، وقراءة القرآن ، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في كافة الأوقات ، والتصدق على الفقراء والمساكين ، وترك المعاصي والآثام واجتناب الكبائر ، والتوبة الصادقة الصحيحة ، وبر الوالدين ، وحسن الخلق ، ونفع الناس بما يفيدهم ويحتاجون إليه ، وإعانة ذي الحاجة وتفريج كرباتهم ، ولزوم الصحبة الصالحة ، حيث إن الأصحاب الأخيار يعينون المسلم على طاعة الله ، وأما القرب من الرب للعبد ، فهو يتقرب من عباده متى شاء وكيف شاء ، لكننا لا نعلم كيفيتها ، تقريراً على القاعدة القرآنية ، ليس كمثله شيئ ، فهو يقرب من عبده كيف شاء بدون تكييف ولا تمثيل ، فهو فعال لما يريد على الوجه الذي يليق به ، ومن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولو بشيئ قليل ، يقابله الله بالكثير ، ويتقرب منه بأكثر من ذلك ، يتقرب إليه أضعافاً ، ويخصه الله بمحبته ، وإذا سأله أعطاه وإذا استعاذ به أعاذه ، فضلاً عن ما يدخره له يوم القيامة ، والمسلم يؤجر ويثاب على ما يقوم به من أعمال بالحسنات ، قال تعالى : ( مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) [ الأنعام : 160 ] ، قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى ، قال : ” إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنةً كاملةً ، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنةً كاملةً ، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدةً ” ، وكلما زادت حسناته يرتقي في درجات الجنة ، فقد دلت النصوص الصحيحة على أن الجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيماً ، وأنها مائة درجة ، وهذه الدرجات تسمى المنازل ، والواحدة منها تسمى منزلةً ، وأن أعلاها درجةً وأعظمها مرتبةً هي الفردوس الأعلى ، وينبغي لكل مسلم أن يسألها ، قال عليه الصلاة والسلام : ” في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى ” . وأهل الجنة يتفاوتون في المنازل وتلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم ، قال تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ) [ الأنعام : 132 ] ، وقال : ( ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) [ الإسراء : 21 ] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً ، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوةً إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ” .
وإذا كان الأجر الجزيل والمنزلة الرفيعة هي التي يسعى لها كل امرئ ، وإذا كان هذان الأمران هما اللذان يعد بهما فرعون كل عصر سحرة وقته ، إن انتصروا للباطل ، وسألوه إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين . فيجيبهم نعم وإنكم لمن المقربين . أي سأجمع لكم بين الأجر والمنزلة القريبة مني ، ولكن هيهات ثم هيهات بين القربى من الله عز وجل ، وبين القربى من دون سواه .