وفقة تأمل للمدارس والجامعات
مايو 4, 2024من وحي الحرب على غزة ( الحلقة الثانية الأخيرة )
مايو 4, 2024التوجيه الإسلامي :
الآلهة الكاذبة وعاقبة الكفار
الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله
تعريب : محمد فرمان الندوي
( مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً . وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً . وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً ) [ الكهف : 51 – 53 ] .
قال الله تعالى ، وهو يخاطب المشركين : ما كان هؤلاء الشركاء حاضرين حينما يخلق الله السماوات والأرض ، ولو كانوا حاضرين لما أسند الله إليهم أمره ، بل الواقع أن الله خلقهم أيضاً ، فهل هؤلاء ينظرون حينما يخلقهم الله ، أو رأوا خلق أنفسهم ، فإنهم لم يكونوا شيئاً عند الله ، ولا يحملون مكانةً عند الله من بعد ، ثم قال : لا نتخذ المضلين منهم عضداً ، والعضد باللغة العربية : من عضد شأنه ، وتستعمل هذه الكلمة للنصر والتائيد ، لذلك قال : وما كنت متخذ المضلين عضداً .
ثم يقول الله تعالى : إن الذين تعتقدونهم آلهةً وتستغيثون منهم ، وتطلبون منهم منافع ، لا قيمة لهم ، فهل هؤلاء كانوا شاهدين زمن خلق العالم ، وهل شاركوا أعمالنا ، وهل كانوا يعرفون هذه الأمور ، الحق أنهم ما كانوا موجودين ، فكيف يمكن أن نستعملهم في إدارة العالم ، وهل نجعلهم وسيلةً إلينا ؟ وهل نحتاج إلى أن نوكل إليهم أمرنا ؟ الحقيقة أننا لسنا في حاجة إليهم .
إن الله إذا أراد شيئاً قال : كن فيكون ، فبمجرد مشيئته يأتي ذلك الشيئ إلى حيز الوجود ، ولا يحتاج إلى ذريعة أو وسيلة ، فليس بينه وبين العبد واسطة ، فإن علمه ومشيئته يكفيان لوجود شيئ ، فتكررت كلمة : ” لا يعلم ” في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ يونس : 18 ] ، ليس معنى ذلك أن الله غير مطلع على شيئ ، بل معنى عدم علم الله أنه ليس لذلك الشيئ وجود ، لأن علم الله علامة وجود شيئ ، ولا يمكن وجود شيئ بدون علم الله ، فيبين الله تعالى أنهم يتكلمون بكلمات فارغة ، ويدعون دعاوي كاذبة أن الله لا يعلم ، فسبحان الله عما يشركون .
قدرة الله تعالى :
لا بد لنا من معرفة حقيقة علم الله تعالى ، فإن ما نراه في هذا الكون هو نتيجة علم الله تعالى ، ولو صح التعبير لقلنا : إن الله تخيل شيئاً ، فتشكل وجوده ، ووجود الشيئ مقرون بمجرد علم الله تعالى ، فالله لا يحتاج إلى واسطة في إجراء أمر ، ولا في تعيين موظف أو إداري في إنجاز شيئ ، والملائكة عند الله مثل الشيئ الجامد ، وإذا أراد الله تعالى أمراً فيعمل الملائكة ، ويطلعون على مشيئته ، ويشتغلون بتنفيذها ، فلا بد لنا من أن نستحضر أن هذا الكون الهائل الذي هو بين أيدينا يسير بعلم الله تعالى ، ويعرف الملائكة علم الله تعالى ، ثم يعملون وفقاً له ، قال تعالى : ( وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [ النحل : 50 ] .
عاقبة المضلين والمجرمين :
ذكر الله في الآية الثانية عاقبة المضلين : إذا كان يوم القيامة حضر الآلهة التي كان المشركون يعبدونها ، أي الشخصيات العظام التي كانوا يعتبرونها مؤثرةً في الأعمال والأفعال ، وقد سمعوا عنها : أنها صلحاء الأمة ، فكانوا يعاملونهم معاملة الأصنام والأوثان ، ويسألون منهم ، ويستغيثونهم من دون الله ، فكلا الطرفين يكونان حاضرين ، هنالك يقول الله تعالى للمشركين : نادوا شركائي الذين زعمتم من دون الله ، وعاملتم معهم مثل عبادة الله ، واعتقدتم أنهم ينصرونكم ، وأنهم يحملون قوةً خارقةً للعادة ، فادعوهم اليوم ، لينصروكم ، وكنتم تتصورون في الدنيا أنهم مؤثرون في كل شيئ ، فهذا اليوم هو يوم نصركم ، فينادون شركاءهم : انصرونا ، وساعدونا ، وأنقذونا من هذا الموقف الحرج ، فنحن أحوج إلى نصركم ، كنا نسألكم في أمور الدنيا ، ونقوم أمامكم بكل أدب واحترام ، وندعو أدعيةً ، فلا يلبي هؤلاء الشركاء على ندائهم ، ولا يردون شيئاً ، لأنهم يكونون في مصيبة تلو مصيبة : حساب ، وعرض وقيام بين يدي الله تعالى ، فلو كانوا في حالة النصر والمساعدة لما أمكن لهم تقديم النصر إليهم ، لأنهم لا يزالون يعانون خطراً أفدح في ذلك اليوم ، يقول الله تعالى : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً .
وذكر الله تعالى في الآية الثالثة أن المجرمين الذين عصوا الله في الدنيا يرون نار جهنم أمامهم مشتعلةً متوقدةً ، ولا يجدون لهم مصرفاً ، بل يردون إلى النار ، ويعتقدون أنهم مواقعوها ، فتتقدم إليهم النار ، ولا سبيل لهم للفرار منها ، فيدخلون فيها ، وقد أخبر الله تعالى بأنهم لا يجدون مكاناً أو سبيلاً للخروج منها ، ليجتنبوا النار ، بل إن نار جهنم تحيطهم من جميع جوانبهم .
الواقع أن هذا المشهد يواجهه المجرمون ، فليعتبر المشركون في الدنيا أي شيئ معبوداً ومسجوداً ، وليختاروا أي رجل ناصراً ومعيناً ، ينصرهم في حوائجهم ، وفي الحوائج التي ترتبط بالله تعالى ، لكنهم حينما يذهبون إلى القبور ويسجدون أمام الأصنام ، فيعتقدون أن هؤلاء الآلهة يكملون أعمال الله تعالى ، أما أعمال الإنسان فإنهم ينجزونها بأنفسهم ، والإنسان حسب اختياره يعمل كما وفقه الله تعالى ، وحيثما ينتهي اختياره بحيث إن المرض مضن ، وقد استعمل جميع الأدوية والعقاقير ، وأنفق في ذلك جميع ما في وسعه ، ولم يكتب له الشفاء ، فإنه يلجأ إلى من هو أكبر منه ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بأن المشركين بسفاهتهم وحمقهم يرتكبون من شرك الله ويشعرون في الآلهة الكاذبة به من تأثيرات ، لكنهم يوم القيامة يكونون هم وآلهتهم أمام الله تعالى ، وينادونهم ، لكن لا يسمعون نداءهم ، ولا يتكلمون شيئاً .
غاية أمثال القرآن :
( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) [ الكهف : 54 ] .
ذكر الله تعالى في هذه الآية أنه ضرب أمثلةً متنوعةً لموعظة الناس ، واختار أساليب مختلفةً لترسخ في أذهانهم هذه الفكرة أن كل ما يقع في هذه الدنيا ، يقع بإذن الله ، فليس بينه وبين العالم واسطة ، فإذا ما أرضيتم الله بأعمالكم تتعرضون يوم القيامة لنار جهنم ، لكن طبيعة الإنسان أنه يجادل كثيراً ، ويسعى في تنفيذ رأيه في كل مناسبة ، فإذا انتقده أحد دافع عن رأيه الخاطئ ، ويحاول في إثبات كلامه الفج ، لئلا يظن الناس أنه أحمق ، فدفاع الإنسان عن خطأه جدال ، وهو مفطور على الجدال ، فهو يجادل ، وإذا أخبر بشيئ ، قام بتأويله ، ودافع عن كلامه ، لذلك ذكر الله تعالى أنه صرّف في هذا القرآن من كل مثل ، ووفر وسائل لموعظته ، لكن الإنسان عنيد ، ومتماد في أمره ، ولا يقبل الحق والصواب .
عائق في سبيل الهداية :
( وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً ) [ الكهف : 55 ] .
كأن الله تعالى ضرب على الوتر الحساس ، بهذه الآية القرآنية ، ويقول : كأنهم لا يؤمنون بدون أي سبب ، فقال : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاء هم الهدى ، رغم أنهم يفهمون الحق بكل وضوح ، لكنهم لم يؤمنوا بالهدى والحق ، ولم يستغفروا الله تعالى ، فليس وراء هذا العمل إلا أنهم ينتظرون سنة الأولين ، فكانت النتيجة أن الله جعل لكل قوم نظاماً وسنةً ، جاءهم الرسول ، فقام بالدعوة فيهم ، لكنهم بدؤا يجادلون الرسول ، فكان أمر الله أن نزل العذاب عليهم ، فهل ينتظره أهل مكة ؟ لماذا لا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر الله تعالى أمثلةً تحقيقاً لهذا الغرض ، فإنهم يسمعون القرآن الكريم ، ويفهمونه ، لكنهم رغم ذلك كله يريدون أن يأتي ما أتى الأمم السابقة ، فليس على الله بمستنكر أن يعاملهم الله تعالى كما عامل الأمم الماضية ، فإذا لم يؤمنوا ، ولم يمتنعوا عن فعالهم ، واختاروا نفس الأسلوب الذي اختارته الأمم الماضية ، كان قدر الله عليهم بالعذاب ، وقد ذكر الله هذا الأمر في القرآن الكريم مراراً وتكراراً أنه عامل الأمم الماضية ، وكيف نزل عليهم العذاب ، وكيف قام أنبياؤهم بالدعوة إليهم ، وكيف جادلوهم ، وناقشوهم ، وأخيراً لم يستسلموا لله ، فنزل عليهم العذاب ، فلابد من التذكير بهذه المناسبة : هل هؤلاء المشركون يريدون نفس الأمر ، وما الذي يمنعهم عن الإيمان ، إلا أن يقال : إنهم ينتظرون مثل العذاب الإلهي الذي نزل على القرون الخالية ، فيتعرضون مباشرةً لعذاب الله تعالى .
مهمة بعثة الأنبياء :
( وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِى وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً ) [ الكهف : 56 ] .
ذكر الله في هذه الآية مهمة بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام والصلاة أنه لا يرسل الأنبياء والرسل إلا ليبشروا المؤمنين الصالحين بالجنة ، وينذروا الكافرين بالعاقبة الوخيمة ، لكن هؤلاء الكافرين بدأوا يجادلون ، ويناقشون ، ويحاولون في خلط الحق بالباطل ، ليدحضوا به الحق ، فهؤلاء هم الذين يسخرون من آيات الله ، ويتخذون بيناته وما أنذروا به هزواً ، وقد اختار الكفار هذا الموقف من قبل .
حال الظالمين وعاقبتهم :
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً ) [ الكهف : 57 ] .
ومعلوم لدى الجميع أنه من يكون أكثر ظلماً من الذي ذُكر بآيات الله ، ووُعظ بالحق والصواب ؟ لكنه يرفض كل شيئ ، ويعرض عنه ، فإن أمراً واحداً من الله كان كافياً ، لكن الله اختار طرائق قدداً لموعظة الناس ، فجعل الآيات القرآنية سهلةً ميسورةً ، ليدرك عامة الناس معاني القرآن الكريم ، وقد ضرب الله أمثلةً بسيطةً للناس ووعظهم بقوله : لا تذهبوا إلى الضلال ، فإنه لا ناصر لكم إلا الله ، وإن ما اتخذتم من دون الله آلهة تذهب بكم إلى الهلاك ، وسيأتي اليوم الذي لا تملكون فيه شيئاً ، لكن الكافرين بدأوا يجادلون ، ويحاجون في الله ، ويستهزءون بآياته ، فقيل في هذه الآية : ومن أظلم من ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ، الواقع أن هؤلاء الكافرين قد نسوا أو تناسوا أعمالهم الخاطئة والمجرمة ، بل كثيراً من أعمال البغي والمعصية ، ولا يدور بخلدهم أنهم كم يرتكبون من الذنوب شناعةً وفظاعةً ، وقد نُهوا عن هذه المعاصي ، لكنهم لا يمتنعون .
خطورة التمرد وعاقبته :
ونظراً إلى تمرد الكفار وتماديهم في الضلال قال الله تعالى : وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً ، فهؤلاء الكفار قد سدوا عقولهم ، فجعل الله على قلوبهم أكنةً ، وفي آذانهم وقراً ، فلا يمكنهم أن يسمعوا ، فإذا لم تكن آذانهم صالحةً للسمع ، فسددنا آذانهم ، فلا يتأملون الحق ، وقد اتضح هنا جلياً أن كل ما يقع في الكون يكون بأمر الله تعالى ، فإن قول الله : إنا جعلنا على قلوبهم أكنةً يعني أن هذا الأمر وقع بأمر من الله ، لأنه حينما نشأ فيهم تمرد وعصيان وسوء أدب ، بحيث جعلوا يسخرون ، فقضينا أنهم ليسوا جديرين بالجنة، بل قلنا : كونوا في غوايتكم ، فجعلنا على قلوبهم أغطيةً وستوراً ، هكذا استحال لهم الإيمان بالله والاعتراف بنعمه ، لأنهم كانوا يخوضون في الباطل ، وهذه سنة الله تعالى أن الإنسان إذا صدر منه خطأ سهواً غفر له ، لكنه إذا جادل ، واستكبر ، وتمرد وعصى قضى الله له أنه يدخل النار .
وقال في آخر قطعة من الآية : إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً ، يخبر الله تعالى بعلمه أن أمر هؤلاء الكفار يصل إلى الهلاك والدمار ، فإنهم يضلون بسوء أعمالهم ، ويعاقبون عقاباً من عند الله ، هذا ما كان في علم الله ، فلا تنفعهم موعظة نبيهم ليلاً ونهاراً ، ولا دعوتهم علناً وجهاراً ، فلا يؤمنون بالله تعالى .
الغفور الرحيم وحكمة نزول العذاب على الأمم :
( وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ ) [ الكهف : 58 ] .
ذكر الله في هذه الآية أن رب العالمين هو الغفور الرحيم ، فلو يؤاخذهم على سيئاتهم ، وما ارتكبوا من ذنوبهم لأنزل عليهم العذاب عاجلاً ، لكنه قضى لهم أجلاً ، فليفعلوا ما شاء ، ولا ينزل عليهم العذاب ، وإذا جاء أجلهم فلا يجدون من دونه موئلاً .
أما قصة الأمم الماضية التي كانت في سالف الزمان أنها كلما عصت واعتدت على أوامر الله تعالى كثيراً ، فلم يعجل الله لهم العذاب ، بل قرَّر لهم وقتاً لنزول العذاب عليهم ، وإن الحكمة التي تختفي وراء تأجيل العذاب كما أظن أن يمتنع الناس عن معاصيهم ، ويتوبوا إلى الله تعالى ويجدوا فرصةً لمراجعة أعمالهم ، وقد وعد الله في بعض الأمم أنه سينزل العذاب عليهم ، فلم يأتهم العذاب فوراً ، بل نزل العذاب حسب مشيئة الله بعد أربعين سنةً ، فالله سبحانه وتعالى يهمل الإنسان للتوبة والاستغفار ، ويوفر له فرصاً ، فإذا انتهت هذه المدة أخذه الله أخذ عزيز مقتدر .