شرح كتابي بدء الوحي والإيمان من صحيح البخاري

(4) فقه الدعوة لدى الإمام يوسف القرضاوي
يناير 14, 2024
منشورات معهد الدراسات العلمية لندوة العلماء
مايو 4, 2024
(4) فقه الدعوة لدى الإمام يوسف القرضاوي
يناير 14, 2024
منشورات معهد الدراسات العلمية لندوة العلماء
مايو 4, 2024

تعريف بكتاب :

شرح كتابي بدء الوحي والإيمان من صحيح البخاري

بقلم : الأستاذ الدكتور أبي سحبان روح القدس الندوي [1]

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

وبعد : ” فاتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم ، واتفق الجمهور على أن ” صحيح البخاري ” أصحهما صحيحاً ، وأكثر هما فوائد ” ، قاله النووي [2] .

وزاد عليه شيخنا الغنيمان قائلاً : ” هو كتاب عظيم ، نافع جداً لمن قرأه وتدبره ، وقد أودعه من التراجم التي تعين على الفهم الشيئ الكثير ، وهي تدل على عظيم فقهه في الحديث ، ودقة استنباطه ، وقد بلغت ( ٣٨٨٣ ) ترجمةً ، وتزيد على ذلك في بعض النسخ ” [3] .

وقد اعتنى العلماء بصحيح البخاري عنايةً بالغةً ، وألفوا شروحاً كثيرةً ، عُني بذكرها الحاج خليفة في ” كشف الظنون ” ، والدكتور فؤاد سزكين في ” تاريخ التراث العربي ” ، وعبد السلام المباركفوري في  ” سيرة البخاري ” ، وغزالة حامد بنت الأستاذ عبد القيوم في ” شروح صحيح البخاري ” ، ومحمد عصام الحسيني في كتاب أفرده لذلك ، سماه ” إتحاف القارئ بمعرفة جهود وأعمال العلماء على صحيح البخاري ” وكلها مطبوع .

أما كتابا ” التوحيد ” و ” الإيمان ” من صحيح البخاري فهما من أهم الكتب المودعة فيه ، لأن ” كتاب التوحيد ” منه يتضمن ” الإلهيات ” ، وهو أول واجب على العباد ، وأساس الدين وقوامه ، وملاك دعوة الرسل ومغزاها .

و ” كتاب الإيمان ” يتناول ” الإيمانيات ” ، وأعظم ما أنزل إلينا هو الإيمان بالله ومعرفته ، فالإيمان به وأسمائه وصفاته أعظم الأشياء المنزلة إلينا بلا فصل .

والإيمان فيما فسَّره البخاري – رحمه الله تعالى – ” هو قول وفعل ، يزيد وينقص ” .

وهذا التعريف للإيمان يشمل جميع شعب الحياة .

ومما لا شك فيه أن ” التوحيد ” بأقسامه و ” الإيمان ” بشعبه ، من مرتكزات الفكر الإسلامي ، ومع هذا لم يحظ هذان الكتابان           ” التوحيد ” و ” الإيمان ” من صحيح البخاري منذ ظهوره إلى عالم النور بما هو مقصود المؤلف من إيراده للنص وبيان وجه استدلاله بذلك ، ووجه الرد منه على أهل البدع ، لأن غالب من شرح كتاب البخاري ليسوا على مذهبه فيما أثبته من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته .

” وكثير من الصفات التي يثبتها البخاري مستدلاً عليها بنص من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاولون ردها ، إما بالتحريف الذي يسمونه تأويلاً ، أو بدعوى الإجماع على خلافها ” [4] . ” ولا سيما الشروح المتداولة اليوم ، ولهذا نجد أحدهم يوجه الكلام من النصوص يتفق مع ما يعتقده ، ولو بالتعسف ” [5] .

قال ابن عباس في قوله تعالى : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) [ المائدة : ٣ ] ، ” أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً ، وقد أتمه الله تعالى فلا ينقصه أبداً ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً ” [6] .

وعلَّق عليه شيخنا الغنيمان قائلاً : ” فإذا كان الله تعالى قد أكمل لهم الإيمان ، فكل مالم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الإيمان ، ولم يأمر به ويبينه للأمة فهو باطل ، وليس من الدين الكامل الذي جاء به ” [7] .

لا جرم ، أن أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ( ١٩٤ – ٢٥٦هـ ) ” من كبار علماء السنة الذين ردوا على أهل البدع في كتاب أفرد لذلك سماه ” خلق أفعال العباد ” [8] .

ولم يقتصر فيه على ما يفهم من الاسم ، بل رد فيه على الجهمية والقدرية وغيرهم ، كما رد على المرجئة في ” كتاب الإيمان ” من الجامع الصحيح ، ورد على الجهمية والمعتزلة ومن سلك طريقهم في ” كتاب التوحيد ” الذي ختم به ” الجامع الصحيح ” ، وسلك فيه طريقاً واضحاً في الرد ، إذ اقتصر على ذكر النصوص من الكتاب والسنة التي فيها بطلان مذاهب هؤلاء المشار إليهم ” [9] . فكان من الواجب أن يتولى شرح صحيح البخاري من هو على منهج البخاري ولا سيما في العقيدة              ( الإلهيات والإيمانيات ) ويفهم مقصده ، وماذا يريد من إيراده للنصوص ؟

أما شرح ” كتاب التوحيد ” منه ، فقيض الله له ذلك الرجل السلفي الفاهم لقضايا العقيدة تمام الفهم ، المعتني بتراث السلف فيها والذي يساجلهم منقبةً وقدراً وإن تأخر عنهم طبقة وعصراً ، ألا وهو شيخنا وشيخ الجيل العلامة المحدث عبد الله بن محمد الغنيمان وقام بشرحه على ما يُرام من إبراز مراد البخاري من إيراده للنص ، وبيان وجه استدلاله بذلك ، ورد القول الباطل الذي لا تؤيده النصوص ، إذ لا دخل لقياس وعقل في إثبات أوصاف الله – تعالى – ، لأن مبناها على ثبوت النص في ذلك ، وطبع شرحه في جزئين كبيرين .

أما ” كتاب الإيمان ” من صحيح البخاري فلم يخدم حتى اليوم على منهج البخاري في إثبات الإيمانيات عنده وفق ما جاء به الكتاب ونطقت به السنة .

وفي العشر الأواخر من شهر رمضان سنة ١٤٣٧هـ نزلتُ مدينة القصيم عند صاحبي المفضال فضيلة الشيخ ” ماجد بن محمد المرسال ” ، ومكثت أياماً ، وزرت شيخنا الغنيمان ، والتمسته أن يشرح ” كتاب الإيمان ” من صحيح البخاري مثل شرحه لكتاب التوحيد منه ، فلم يقبل الشيخ التماسي هذا ، بل أسند القيام بهذا العمل الجليل إليَّ ، إما اعتماداً عليَّ وحسن الظن بي ، أو إعجاباً بتأليفي ” روائع الأعلاق شرح تهذيب الأخلاق ” في الحديث ، ومهما يكن من أمر ، هذا وذاك ، امتثلت أمره تحقيقاً لرجائه المرجو ، وقضاءاً للحاجة إلى ذلك ، وشمرت عن ساق الجد وخضت غمرات هذا المضمار الشائك ذي الشجون ، متوكلاً على الله الموفق ، وتطفلت على كتب الحافظ ابن حجر ( ت ٨٥٢هـ ) في الحديث ورجاله ، وأخرجت ما فيها من غرر ودرر ، وجمعتها في شرحي كما يراها القارئ  ، وسميته ” شرح كتابي ” بدء الوحي ” و ” الإيمان ” من       ” صحيح البخاري ” وقد اعتمدت في توضيح المفردات الحديثية وبيان معناها المراد ، وفك أغراض البخاري في تراجم الأبواب ومطابقتها للحديث المساق فيها ، وكذا في إبراز مراده على ” فتح الباري ”  للحافظ ابن حجر ، إلا في مواضع لم يسلك فيها الحافظ مسلك البخاري ، بل حذا حذو الأشاعرة ونهج منهجهم فيها .

أما التعريف الموجز برجال الحديث الواردين في الحديث سنداً ومتناً ، وكذا شيوخ البخاري فيه فكان جل رجوعي إلى كتب الحافظ نفسه مثل : ” تهذيب التهذيب ” و ” تقريبه ” و ” تغليق التعليق ” و ” هدي الساري ” مع ” فتح الباري ” وما إليه .

وعملي هذا مقتضب كل الاقتضاب من ” فتح الباري ” ( ١ – ١٣ ) مع المقدمة ، ولم أتعرض لغيره من شروح البخاري ، لأن ” الفتح ” أغنى عن ذلك ، وأوفى المراد وأوعب المعنى المقصود .

أما منهجي فيه فهو كالتالي :

(1) سرد الحديث بسنده دون حذف شيئ منه .

(2) ترجمة موجزة لرجال الحديث الوارد ذكرهم في السند والمتن .

(3) إبراز مراد البخاري من إيراده للنص في الباب وبيان وجه استدلاله بذلك .

(4) الإلمام بذكر لطائف الإسناد في مواضعها أحياناً ، ليس دائماً .

(5) بيان معنى المفردات .

(6) بيان وجوه الإعراب تارةً .

(7) بيان الفوائد المستفادة من بعض الأحاديث .

(8) بيان معنى المصطلحات الإسلامية لغةً واصطلاحاً .

وقد أوردت ترجمةً موجزةً للإمام البخاري وتعريفاً موجزاً بصحيحه ،انتزاعاً من مطلع كتاب ” عشرون حديثاً من صحيح البخاري دراسةً أسانيدها وشرح متونها ” للعلامة عبد المحسن بن حمد العباد ، وتعليقاً عليها ما يلزم . وقد وضعت تعليقي تحت الخط الأحمر الفاصل بين عبارة الشيخ وتعليقي .

وشكري موصول إلى شيخي ” الغنيمان ” فهو الذي حرَّك همتي للقيام بهذا العمل المبارك ، وإلى صديقي الحميم ” ماجد المرسال ” الذي أضافني في القصيم ، جزاهما الله خيراً .

[ وأسرة المجلة تقدم إلى الأستاذ الدكتور أبي سحبان روح القدس الندوي أستاذ الحديث وعلومه بدار العلوم لندوة العلماء ، تهنئةً قلبيةً على إنجاز هذا العمل الحديثي . فبارك الله في أعماله ، ونفع به . التحرير ]

[1] أستاذ الحديث وعلومه بدار العلوم لندوة العلماء .

[2] في شرح صحيح البخاري ، ص ٧ .

[3] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري ، ٢١ : ١ .

[4] المصدر نفسه ، ٢٢ : ١ .

[5] المصدر نفسه ،  ٢٢ : ١ .

[6] رواه ابن جرير بسنده في ” تفسيره ” ، ٩ : ٥١٨ ، ط المعارف .

[7] شرح كتاب التوحيد ، ١ : ٤ .

[8] يرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصمد ، والفربري أيضاً كما في ” هدي الساري ” ، ص ٤٩٢ ، طبع بتحقيق العلامة  شمس الحق العظيم آبادي ، ( ت :١٣٩٢هـ ) في دلهي سنة ١٣٠٦هـ .

[9] شرح كتاب التوحيد ، ١ : ٢٠ .