الجُهُودُ الفِقْهِية في فرنْسَا ( المطبوع في مدينة تِطْوَان المَغْربية )
يناير 14, 2024تعريف بكتاب :
الإعجاز البياني للقرآن الكريم
للدكتورة عائشة بنت الشاطئ : دراسة تحليلية
إعداد : الدكتورة ثمينة كوثر*
الإعجاز البياني للقرآن الكريم ، كتاب مهم من كتب الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ، يشتمل هذا الكتاب على مقدمة ومقالة ومباحث ، وفي مقدمة الكتاب ذكرت بنت الشاطئ مؤلفات القدماء ، وعلقت على أن الناس في كل زمان ادعوا بأن كلماتهم كلمات أخيرة في هذا الخصوص ، ولكن القرن القادم نسخ دعواهم هذه ، وثبت إعجاز القرآن وراء جميع هذه الادعاءات .
يتناول الفصل الثاني تحقيقات بنت الشاطئ عن إعجاز القرآن ، وقسمتها إلى ثلاثة فصول :
(1) إعجاز القرآن في الحروف ، (2) إعجاز القرآن في الكلمات ، (3) إعجاز القرآن في الأساليب .
وحاولت محاولةً ناجحةً في هذا الخصوص لإثبات أن القرآن لا يستعمل أي كلمة زائدة ولا محذوفة ولا في مكان كلمة أخرى .
يتعلق البحث الثالث عن مسائل ابن الأزرق ، وهي مجموعة كلمات من غريب القرآن في المسائل ، المعروفة بمسائل ابن الأزرق ، وتقول الرواية: إنه سئل عبد الله بن عباس فيها ، فأجاب عنها واستشهد لكل كلمة فسرها ببيت .
الفصل الأول يتعلق بإعجاز القرآن ، يشتمل على أربعة مباحث ، وهي كما يأتي :
(1) المعجزة ، (2) قضية التحدي وآيات المعاجزة ، (3) وجوه الإعجاز والبيان القرآني ، (4) البلاغيون والإعجاز .
في كلامها عن إعجاز القرآن أكدت بنت الشاطئ على أن العرب كلهم كانوا فصحاء ، وكانت لهم الحاسة النقدية وسليقتهم اللغوية الخاصة ، الفصاحة كانت عامة وإن تفاوتوا في مراتب البلاغة والقدرة على فن القول ، وفي هذا الخصوص نقدت على الباقلاني إذ كتب في كتابه إعجاز القرآن :
” أن يكون الرجوع فيه إلى جملة الفصحاء دون الآحاد ” [1] .
وترى أن الباقلاني اختلط عليه الفرق بين المعجزة وبين التحدي ، وأوضحت الفرق بين المعجزة والتحدي في المبحث الثاني من هذا الفصل .
فتعتقد أن القرآن معجزة لكل عصر ولسائر الناس ، لا يخص به القرآن بلغاءهم أو فصحاءهم ، وأما التحدي فهو أيضاً للإنس والجن جميعاً أن يأتوا بمثله ، ولكن الخطاب فيه موجه إلى مشركي العرب الذين جادلوا في المعجزة ، ولذا نفهم من هذا أن التحدي للبلغاء والفصحاء من أهل العرب ، وينقل لنا التاريخ أن العرب في أخريات الجاهلية كانوا يجتمعون ، فينشد شاعر منهم قصيدة ، ويتحداهم أن يعارضوها بمثلها ، فلا يفهم أنه يتجه بالتحدي إلى عامة القوم ، وإنما يتجه به إلى أكفائه من الشعراء .
واستدلت بنت الشاطئ بقصة موسى عليه الصلاة والسلام في هذا الخصوص أنه أعجز عن آيته قوم فرعون ، لكن التحدي كان للسحرة من قوم فرعون فقط .
مع ذلك وضحت بنت الشاطئ مسألةً بالغة الدقة ، قد يدخلها من التباس بأن التحدي كان موجهاً إلى العرب في عصر لمبعث ، أو أنه قائم أبداً على امتداد الزمان ؟ وتقول : إن فريقاً ممن كتبوا في الإعجاز ذهب إلى أن التحدي كان خاصاً لأهل العصر الأول ، وقال فريق آخر : إنه لسائر الناس على مر العصور والأجيال ، والسبب لهذا الخلاف عند بنت الشاطئ أننا لا ندرك الفرق بين الإعجاز والتحدي ، ثم تكتب موضحةً هذا الفرق مزيداً :
” الإعجاز قائم في كل عصر لا يختص به أهل زمان دون زمان ، وهذا هو ما نفهمه من كلام الإمام الطبري عما أيد الله به المصطفى من معجزة ” على الأيام باقية ” وعلى الدهور والأزمان ثابتة ، وعلى مر الشهور والسنين دائمة ” .
تناولت بنت الشاطئ في نفس الفصل وجوه الإعجاز البياني للقرآن ، وترى أربعة وجوه لهذا الإعجاز :
(1) الصرفة ، (2) الإعجاز بقيمه ومثله وأحكامه ، (3) إخبار عن الغيب ، (4) الإعجاز البلاغي .
أما الأول فمعناه أن الله تعالى صرف الهمم عن معارضته ، وتقول : إن القول شاع عن المعتزلة ، ومع ذلك ذكرت أن أهل السنة خالفوا من قرر الصرفة وجهاً للإعجاز ولم يحاولوا للتفكر في المعجزة ، ونقلت قول بعض المتكلمين الذي يشمل قول أهل السنة :
” إن كان القرآن معجزاً في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته ، فقد حصل المدعى ، وهو المطلوب ، وإن كان في إمكانهم معارضة بمثله ولم يفعلوا مع شدة عداوتهم له ، كان ذلك دليلاً على أنه من عند الله لصرفه إياهم عن المعارضة مع قدرتهم على ذلك ” [2] .
وذكرت الوجوه الأخرى بالتفصيل ، واستدلت بأقوال المفسرين من القدماء والمحدثين ، ثم نقدت بنت الشاطئ على الذين يحاولون تفسير القرآن تفسيراً علمياً ، وأشاروا وقاموا بتأويل آيات قرآنية في اختراع الذرة وسفن الفضاء وقانون الجاذبية ودوران الأرض وهندسة السدود وغيرها من الاكتشافات التي لم تخطر على بال أي عربي في عصر المبعث وصدر الإسلام ، ثم وضحت موقفها بأنها لا تعني أن نترك التدبير والتفكر في القرآن ، ولكن المسألة أن الذين يؤلفون في القرآن ليسوا أهل اختصاص : ” لا أحد يجحر على أي انسان في أن يفهم القرآن كما يشاء ، ولكن المحنة أن يؤلف فيه من ليسوا من أهل الاختصاص ، وتروج البيئة الإسلامية أقاويل وتأويلات مقحمة على القرآن نصاً وروحاً ، لا يعرف لها فقهاء العربية والإسلام والمتخصصون في القرآن سنداً ولا دليلاً ، وإنما تستند من ملتقطات من معارف المحدثين في تشريح علم الأجنة ورياضيات والفلك وبيولوجيا القمر . . . ، ولا شيئ من هذا كان بحيث يتاح للرسول والصحابة لكي يفهموا هذا الإعجاز العلمي ، فضلاً أن يبينوا للناس ” [3] .
الفصل الرابع من الكتاب يتحدث عن البلاغيين والإعجاز البياني أي محاولتهم في الإعجاز البياني ، ومنهم : الخطابي في كتابه بيان إعجاز القرآن والرماني في النكت في إعجاز القرآن والقاضي عبد الجبار في المعنى والباقلاني في إعجاز القرآن والجرجاني في الشافية والجرجاني في دلائل الإعجاز .
المبحث الثاني من الكتاب يشتمل على آراء الدكتورة بنت الشاطئ في الإعجاز البياني ، وفي هذا الخصوص تناولت إعجاز القرآن في فواتح السور أولاً ، وهي الحروف المقطعة التي افتتحت بها ست وعشرون سورة مكية ، وثلاث من السور المدينة المبكرة .
وأعربت الدكتورة في بداية هذا المبحث عن اعتقادها أن إعجاز القرآن البياني للقرآن الكريم لا يمكن أن يحدد ، بل يجاوز مدى طاقتنا على آفاقه الرحبة العالية ، وتقدمت بنت الشاطئ في هذا الميدان الجليل خاشعةً ووضعت محاولتها في فهم هذا الإعجاز إلى محاولات السلف .
وتقول : إن المشهور عن تسمية الفواتح في القرآن هو أن السور تفتح به ، وهذه الفواتح هي الحروف المقطعات أو حروف التهجي ، ولكن البلاغي المصري ابن أبي الإصبع صنف كتاباً عنوانه ” الخواطر السوانح في أسرار الفواتح ” ، وقسم هذه الفواتح إلى عشرة أنواع ، وهي :
(1) حروف التهجي ، (2) الثناء على الله وتسبيحاً ، (3) النداء ، (4) الجملة الخبرية ، (5) القسم ، (6) الشرط ، (7) الأمر ، (8) الاستفهام ، (9) الدعاء ، (10) التعليل .
المبحث الثالث في هذا الكتاب يتعلق بمسائل ابن الأزرق وهي مجموعة كلمات من غريب القرآن في المسائل العروفة بـ ” مسائل نافع بن الأزرق ” كما جاء في الرواية أنه سأل عبد الله بن عباس فيها ، فأجابه عنها واستشهد لكل كلمة فسرها بيتاً .
نقل الحافظ جلال الدين السيوطي هذه المسائل في كتابه ” الإتقان في علوم القرآن ” في باب معرفة شروط المفسر وما ينبغي له من معرفة علم اللغة : أسماءً وأفعالاً وحروفاً ، وقد ذكر فيه قول ابن عباس : ” إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإن الشعر ديوان العرب ” [4] .
وترى بنت الشاطئ إيراد السيوطي لهذه المسائل تحت عنوان ” ما ينبغي للمفسر من معرفة باللغة ” وتمهيده لها بالمروي عن ابن عباس في التماس غريب القرآن من الشعر : ديوان العرب ، كعناية بها اتجهت إلى الجانب الأدبي ، من حيث هي شاهد ودليل ، لمن يحتجون لقيمة الشعر ، على من قالوا بكراهته في الإسلام ، وذكروا فيه آية يس : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ ) ، وآية الشعراء : ( وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ) ، وذكروا معهما أحاديث نبويةً في كراهة الشعر والشعراء ، وتقول بنت الشاطئ : إنه أمر لا عجب فيه إذ نرى أن علماء اللغة والأدب عنوا بمسائل نافع بن الأزرق أكثر من أصحاب التفسير ، وأقدم من التفت إليها منهم فيما تعلم الدكتورة بنت الشاطئ أبو عبيدة إمام العربية في القرن الثاني الهجري والمبرد محمد بن يزيد إمام العربية في القرن الثالث الهجري .
وسأل ابن الأزرق عن قوله تعالى : ( وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ) . فقال ابن عباس : الوسيلة : الحاجة ، ولما سأله نافع : وهل تعرف العرب ذلك ؟ أجاب : نعم ، أما سمعت قول ” عنترة ” :
إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلي وتخضني
” الكلمة من آية المائدة 35 : ( يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
ومعها آية الأسراء 57 : ( أُولَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) .
وليس في القرآن غيرهما من المادة .
وتفسير الوسيلة بالحاجة لا يكون إلا وسيلة تقريب ، فالقرآن استعمل ” حاجة ” نكرة ، ثلاث مرات في آيات :
يوسف 68 : إِلاَّ حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ
غافر 80 : وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ
الحشر 9 : وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ
وكونها حاجةً في النفس وفي الصدور ، يؤذن بأنها أمر يتعلق به شعور نفسي ، عن رغبة فيها أو ضيق بها أو غضاضة ، ولا تكون الوسيلة في آيتيها بالقرآن إلا إلى الله سبحانه تقوىً وخشيةً وجهاداً ودعاءً .
ولفظ الحاجة على قربه ، لا يؤدي ما في الوسيلة من معنى التوسل إليه تعالى والقربة ، والتماس السبيل إليه سبحانه بما يرضيه ” [5] .
وأخيراً في الكتاب ذكر سبب تأليف هذا الكتاب أي الإعجاز البياني ودراسة مسائل ابن الأزرق ، وهو جواب لسؤال وجهه إلى بنت الشاطئ بعض طلابها في جامعة القرويين ، وقد رأوا تمسكها بالكلمة القرآنية في فهم النص ، لا تعدل عنها إلى سواها : ” أليست العربية لغة القرآن الكريم ، ففيم لا نفسره بها ؟ ” ، وجوابها واضح من كلماتها التالية :
” بالعربية نفهم دلالة الكلمة في لغتها ، ومن شعر الفصحي ديوان العرب نلتمس الشواهد على هذه الدلالة ، ومن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام – مبلغ القرآن ومبينه – نتبين مغزاها ، وبأقوال الصحابة والمفسرين نستأنس لما نفهمه منها .
ثم تبقى الكلمة القرآنية فوق ذلك كله ، متفردةً بجلالها وإعجازها ” [6] .
*قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة مولانا آزاد الوطنية ، حيدرآباد ( الهند ) . Email: drsamtabish@gmail.com
[1] إعجاز القرآن ، الباقلاني ، ص 42 ، نقلاً عن الإعجاز البياني : بنت الشاطئ ، ص 38 .
[2] الإعجاز البياني ، ص 78 .
[3] الإعجاز البياني ، ص 85 .
[4] لفروق اللغوية ، أبو هلال العسكري ،12 نقلاً عن الإعجاز البياني ، 220 .
[5] الإعجاز البياني ، ص 278 – 279 .
[6] الإعجاز البياني ، ص 508 .