دراسة لآراء الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في الأدب الإسلامي

كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية
يوليو 28, 2023
خدمات الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في إثراء مكتبة  السيرة النبوية
ديسمبر 11, 2023
كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية
يوليو 28, 2023
خدمات الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في إثراء مكتبة  السيرة النبوية
ديسمبر 11, 2023

رجال من التاريخ :

دراسة لآراء الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

في الأدب الإسلامي

بقلم : الباحث شكيل أحمد دار

الدكتور عبد الوحيد شيخ *

كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله رائداً من الرواد الذين شهدهم تاريخ الهند الإسلامي ، وإماماً من أئمة المسلمين في العصر الحديث ، وأديباً من الأدباء الموسوعين في تاريخها ، قل ما نجد من ينافسه أو يساويه بين معاصريه في معرفة الأدب والنقد والدين والثقافة . كان عالماً ربانياً ومفكراً عظيماً ومؤرخاً أميناً ، وكذلك كان أديباً مبدعاً وصحفياً ماهراً وناقداً بارعاً ومعلماً شفيقاً وباحثاً ومربياً ، فكان في العلم والدين مثل البحر الزاخر الذي تتلاطم فيه أمواج شتى . وقد اكتسب مكانته الأدبية الرفيعة بكفاحه المتصل وجهده العنيف ، زوّد نفسه بالعلوم والمعارف ، واحتل الدين والإصلاح والأدب قلبه ، وشغله عن كل متاع الدنيا . وقد تطور نحو الأفضل والأحسن بفضل نزعته الدينية وغيرته على الإسلام وإخلاصه لعقيدة التوحيد ، وكذلك بمواهبه وقدراته الفنية . استخدم قلمه للأدب الإسلامي والحث على الاهتمام به ، ذكر فيه مزايا الإسلام وميزاته في الحياة الاجتماعية والعلمية .

برع الشيخ الندوي في اللغة الأردية واللغة العربية معاً ، فاللغة الأردية هي لغته الأم ولغة بلاده الدينية ، واللغة العربية هي لغة العلوم الإسلامية ، وكان يجيد التعبير عنهما ، فله عشرات من الكتب والمقالات في العربية والأردية مثل ” قيمة الأمة الإسلامية ومنجزاته ”         ( بالعربية والأردية ) و ” منثورات من أدب العرب ” ( بالعربية ) و ” الأدب العربي بين عرض ونقد ” ( العربية ) و ” تاريخ الأدب العربي : العصر الإسلامي ” ( بالعربية ) و ” الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ” ( بالعربية )   و ” أضواء على الأدب الإسلامي ” ( بالعربية ) و ” العالم الإسلامي : قضايا وحلول ” ( بالعربية ) و ” في ظلال السيرة النبوية على صاحبها ألف ألف تحية وسلام ” ( بالعربية والأردية ) و ” سراجاً منيراً سيرة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ” ( بالعربية والأردية ) و ” الهداية القرآنية سفينة نجاة للإنسانية ” ( بالعربية والأردية ) و ” جزيرة العرب ” ( بالعربية والأردية ) و ” المجتمع الإسلامي حدوده وآدابه في ضوء سورة الأحزاب ”     ( بالعربية والأردية ) و ” الفقه الإسلامي والعصر الجديد ” ( بالأردية )      و ” الأدب والدين ” ( بالأردية ) و ” الأوضاع الراهنة والمسلمون ” ( بالأردية ) و ” الأمة المسلمة وثقافتها ” ( بالأردية ) و ” المجتمع الإسلامي : المسؤوليات والمتطلبات ” ( بالأردية ) وغيرها من المؤلفات الأخرى . ومعظم هذه المؤلفات المذكورة وغيرها من المؤلفات الأخرى هي مساهمة في الأدب الإسلامي وإضافة قيمة فيه . ولا يخلو عمله الأدبي من الوضوح والروعة سواءً كان في الأردية أو في العربية ، وأسلوبه في كتاباته متسم بالسلاسة الأدبية والرزانة العلمية وغزارة المعرفة ، وكان يتخذ أسلوباً وعبارةً واضحةً متناسبةً مع الموضوع وسهلاً سائغاً للقراءة .

وقد كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي شخصيةً شاملةً ، فلا تستطيع مقالة أو كتاب أن يشمل جوانبها المختلفة المتنوعة ، بل تحتاج إلى عشرات من المقالات والكتب والدراسات لتبرز جوانب حياته المتنوعة من الذاتية والأدبية والعلمية والعملية والتدريسية والصحفية والدينية والاجتماعية وغيرها من الجوانب الأخرى ، وإذا نظرنا إلى حياته الأدبية وجدنا أنها لم تكن متقيدةً بموضوع واحد ، بل له مؤلفات مختلفة في موضوعات متنوعة من الأدب العربي ، والتفسير والسيرة والفقه والدعوة والترجمة والجغرافية والتعليم والتربية وقضايا الأمة المسلمة . وهذا المقال سيهدف إلقاء الضوء على آرائه في الأدب الإسلامي .

صدر للشيخ الندوي كتابان في مجال الأدب الإسلامي ، الأول     ” الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ” وهو بحث أعدّه للندوة العالمية الأولى للأدب الإسلامي المنعقدة في دار العلوم ندوة العلماء . تحدث فيه الندوي عن صلة الأدب بالحياة ، وصلة الأدب بالإسلام ، وعن الفرق بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي ، وسعة الأدب الإسلامي ، وأقسام الأدب الإسلامي من أدب الدعوة والدين والأدب العام ، وعن تقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم للأدب النزيه مع ذكر خصائص كلامه من الشعور الرقيق وجزالة الأسلوب والعاطفة الإنسانية والحب ، والرحمة ، والتشبيهات والتمثيلات ، والمنهج التربوي والأسلوب الوصفي الهادف ، وكذلك ذكر أدب الصحابة من النثر والشعر . وأما الكتاب الثاني        ” أضواء على الأدب الإسلامي ” فهو مجموعة لكلمات ومقالات كتب الشيخ الندوي معظمَها في كافتتاحيات لأعداد الصحيفة العربية الناطقة للجمعية الأدبية الإسلامية رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وبعضها الآخر كتب كبحوث لندوات علمية أدبية في الهند وغيرها . فقد تحدث فيه عن النظرة الإسلامية إلى الأدب ومسيرة الأدب الإسلامي ، وتحدث عن الفرق بين الأدب الإسلامي والأدب الجاهلي وأثر الدعوة الإسلامية على الأدب ، وأنماط جديدة للأدب ، وغيرها من المقالات الأخرى .

الأدب له أهمية خاصة في المجتمع والحياة ، لأنه انعكاس للوقائع والأحداث التي تقع في مجتمع ما ، فهو يصوره ويمثِّله في مجالاته المختلفة ، ويلعب دوراً مهماً داخل المجتمع حيث يقوم برفع الوعي في أفراده ، ويعرض قضاياه الفردية والاجتماعية ويعبر عن آماله وآلامه . فعلاقته به عميقة وصلته به وثيقة ، ولذلك لا شك أن له تأثيراً عميقاً في الفرد والجماعة لأنه يلعب دوراً بارزاً في نشر الأفكار والنظريات والقيم ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الأدب الإسلامي أولى أن يهتم به ، لأنه أكثر تأثيراً ونفوذاً من الآداب الأخرى ، فيصبح أكثر أهميةً وقيمةً ، لأنه يتجنب القذارة والفساد والفحش والرذيلة . وأما الشيخ محمد الرابع الندوي فكان شخصيةً دينيةً ، ولذلك كان أولى أن يشعر بهذه الأهمية وهذه الميزة ، فذكر سعة الأدب الإسلامي وأهميته بقوله : ” فقد اشتمل الأدب الإسلامي على الشعور بالألم والسرور ، وعلى السخط والرضا . . . وهو يشتمل على التاريخ والسيرة ، وعلى القصة والرسالة ، وعلى الخطبة والحوار ، وعلى الوصف والتصوير ، وعلى التعبير المؤثر الجميل . . . إنه مرآة كلامية للحياة الإنسانية في أحوالها النفسية وأحوالها الكونية ، غير أنه يتجنب في كل ذلك القذارة والفساد .

وهو لكونه تعبيراً عن ظواهر الحياة الإسلامية أو مصطبغاً بالصبغة الإسلامية يستحق أن يسمى أدباً إسلامياً ، لأنه أدب يمثل الحياة الإسلامية ، أو أدب إسلامي يمثل الحياة” [1] .

فالأدب الإسلامي هو الأدب الذي ينبع من روح الإسلام ، ويضعه الأديب على الفكر الإسلامي لبيان اعتقاد الإسلام وتعاليمه ، وهو الأدب الذي يقدم فيه صاحبه التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان ، وهو الأدب الذي يشتمل على مصلحة الحياة الإسانية ، ويكون لائقاً بالإنسانية ، ملتزماً بالمفيد والصالح خلافاً للأدب غير الإسلامي ، ولهذا هناك فرق واضح واختلاف بيّن بينهما . وإذا نظرنا إلى حديث الشيخ الندوي عن الفرق بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي فهو يذكره بقوله : ” إن الأدب الإسلامي يرى مجالات العمل في الكون والحياة ، ويميز بين اللائق بإنسانية الإنسان وغير اللائق بها ، فهو أدب ملتزم في هذا المعنى ، ولكنه ملتزم بالمفيد الصالح لا بالجمود والتقليد ، وأما الأدب غير الإسلامي فهو لا يبالي بمجالات العمل في الكون والحياة ، يدخل في كل مكان مثل البهيمة الهاملة . . . لا تفرق بين الصافي والعفن ، والطيب والخبيث . . . الأدب الإسلامي يتلقى روحه وهدايته من الإسلام ، ومن حياة نبيّ الإسلام ، والأدب غير الإسلامي يتلقى روحه وإرشاده من هوى الإنسان ، وحياة كل هائم من الحيوان ” [2] .

الأدب الإسلامي هو أدب وُضع على الفكر الإسلامي ومناهجه وثقافته ، وهو تعبير فني عن واقع الحياة والكون ، ولذلك يمتاز بمميزات بارزة وخصائص واضحة عن المذاهب الأدبية الأخرى . فمن تلك الخصائص والمميزات التي يمتاز بها أنه أدب أخلاقي ، حيث إنه يلتزم في كل أشكاله أحسن النماذج الأخلاقية ، وهو أدب الوعي ، وذلك لأن صاحب الأدب يشعر بالمسؤولية التي تكون على كاهله ، وهو أدب الثبات لأنه يستمد أفكاره وتصوراته من الإسلام الثابت ، وهو أدب استقلالي وذلك لأن الأديب يتخلص من تأثير الأدباء الآخرين وأدبهم الجاذب ، وهو أدب الالتزام ، يلتزم بالإسلام وقيمه وأفكاره ومبادئه وغاياته ويلتزم بالحق والنزاهة ، وهو أدب يتولد لخدمة الإنسان في إصلاح حياته ، وهذا من أكبر الخصائص التي يتسم بها الأدب الإسلامي ويتجرد عن معظمها سواه . يقول الشيخ الندوي وهو يذكر خصائص الأدب الإسلامي : ” فالإسلام لم يعارض الأدب ، ولم يتخلّ عن مجال من مجالاته الكثيرة إلا في حدود التزامه بالحق والنزاهة ، ونفيه للانحراف والعدوان . . . أن ميزة الأدب الإسلامي هي خدمة الحياة بالبناء والإصلاح . . . وذلك لأن الإسلام لا يرضى بالحرية التي تكون متعةً ولذةً لواحد ، وهتكاً واعتداء على الآخر ، أو إفساداً وهدماً لسلامة الإنسانية وخيرها [3] . ويقول : ” والأدب الملتزم بالإسلام يحمل رحابةً وسعةً كبيرةً وهو يمتاز في هذه الصفة ، ويفوق على المذاهب والاتجاهات الأدبية الأخرى ، فإنه إذا روعي فيه بما يقتضي الدقة والاحتياط فلن يكون لديه مانع من قبول أي أسلوب من الأساليب الأدبية ومن التفاعل مع أي خيال إنساني جميل ، فإن صدر الأدب الإسلامي رحب في كل ذلك [4] .

فالأدب يمثل الحياة ويصورها ، وهو يعرض على القارئ جوانبها المختلفة وأشكالها المتنوعة لمجتمع حينما لا يمكن له أن يشاهدها مباشراً ، وهو يستطيع أن يخلّد أحداثها ووقائعها وصورها فيعيشها القارئ بزمن بعيد بعد وقوعها من خلال هذا الأدب ، ويطل على حياة الإنسان البعيد عنه زماناً ومكاناً ، وبهذا يظهر أن للأدب صلة وثيقة بالحياة وعلاقة عميقة بها . كان هذا الأدب الذي أصبح وسيلةً لتخليد دعوة الإسلام وأفكاره ونظرياته ، لذلك له صلة بالإسلام أيضاً ، وهناك سؤال ما هو الأدب الذي يمكننا أن نعده إسلامياً وندخله في هذا الصنف أي في الأدب الإسلامي ،  فلذلك قسم الشيخ الندوي الأدب الإسلامي بصلته إلى الحياة إلى قسمين : قسم يخدم الإسلام عن طريق نشر دعوته وأفكاره ، قسم يتصل بالحياة العامة للمسلمين ، وهذا القسم الثاني يجب عليه أن يخضع للإسلام في تعاليمه وينتهي مما نهاه عنه . يقول :      ” الأدب الإسلامي ينقسم بصلته إلى الحياة قسمين : قسم يؤدي دور نشر الوعي الإسلامي وتبليغ الدعوة والفكر الإسلامي ، ويشتمل على الابتهالات والدعوات ، وقسم آخر يتصل بالحياة الإسلامية العامة ، ويخدم جانباً من جوانبها ، وهذا القسم الثاني يحمل حيناً شعاراً إسلامياً واضحاً ، وقد يخلو من شعار واضح منه ، ولكنه يخضع للإسلام بالتزامه بالإطار المسموح للأدب من الإسلام ” [5] .

هذه بعض آراء الشيخ الندوي رحمه الله عن الأدب الإسلامي الذي كان له به شغف كبير ، وكان له إسهامات بارزة في هذا المجال ، لأن أكثر أعماله الأدبية هي في الأدب الإسلامي ، خدم بها الإسلام وذاد عنه على المستوى الإقليمي والعالمي .

* كشمير – الهند .

[1] محمد الرابع الندوي : الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 21 – 22 .

[2] محمد الرابع الندوي : الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 19 – 20 .

[3] محمد الرابع الندوي : الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 26 – 27 .

[4] محمد الرابع الندوي : أضواء على الأدب الإسلامي ، ص 91 .

[5] محمد الرابع الندوي : الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 27 .