المدارس الدينية لها دور رئيس في نهضة المسلمين

ردود على أسئلة وُجهت إلى
نوفمبر 19, 2023
حارس الإسلام ورائد المسلمين
نوفمبر 19, 2023
ردود على أسئلة وُجهت إلى
نوفمبر 19, 2023
حارس الإسلام ورائد المسلمين
نوفمبر 19, 2023

حوارات ولقاءات :

المدارس الدينية لها دور رئيس في نهضة المسلمين

ترجمة : الدكتور محمد محبوب عالم *

[ أجرى أحد رؤساء تحرير صحيفة ” تعميرِ حيات ” النصف الشهرية باللغة الأردية سابقاً ، الصادرة عن مؤسسة الصحافة والنشر بندوة العلماء بلكناؤ ، هذا الحوار النافع مع الأستاذ الراحل محمد الرابع الحسني الندوي – رحمه الله – بهدف معرفة واقع الادعاءات الباطلة ضد المدارس الإسلامية والعوامل والدوافع وراء هذه الحملة وكيفية وضع استراتيجيات لمعالجتها . ونُشر هذا الحوار أولاً في عدد أكتوبر من صحيفة ” تعميرِ حيات ” عام 2002م ، وتم إعادة نشره ضمن الحوارات الأخرى في كتاب ” مسلم پرسنل لا بورڈ: کام اور پیام ” ، الذي قام بترتيبه الأخ محمد إلياس الهاشمي الندوي رحمه الله ( من حيدرآباد ) . وإليكم هذا الحوار بقدر من الإيجاز . ]

س . هل يمكن اعتبار الحملة على المدارس الدينية حملة مخططة لها آثار بعيدة المدى ضد قيمنا الدينية والثقافية ؟

ج . من الواضح أن بقاء ديننا مرتبط بالمدارس الدينية ، وإذا مس الضرر المدارس الدينية – لا قدر الله – فلا يمكن ضمان بقاء الدين بعد جيل واحد ، إلا أن هذا الدين سيبقى إلى يوم القيامة ، ويحفظ الله تعالى هذا الدين ويتكفل بحفظه من خلال المدارس الإسلامية ، فلذلك لدينا أمل قوي في ألا يمكن القضاء على هذه المدارس . وسيحفظ الله تعالى المدارس الإسلامية بشرط أن يستمر القائمون على شؤون المدارس الإسلامية في القيام بعملهم لرسالة الحق بكل إخلاص وصدق وأمانة وبحكمة وبصيرة ، وأن يتحلوا بالأخلاق الفاضلة ويتصفوا بالعادات النبيلة وحسن السيرة والسلوك .

س . هل يمكن أن يكون هناك سوء تفاهم وراء الاتهامات الموجهة إلى المدارس الدينية ؟

ج . إنها وليدة أنجبتها الدعايات ، وعلى سبيل المثال مصطلح كلمة ” الجهاد ” ، فمعنى كلمة ” الجهاد ” لغةً هو السعي لتحقيق أهداف نبيلة . ولكن للأسف ، في هذه الأيام صار مصطلح ” الجهاد ” يُراد به ضرب الأعداء وقتلهم ، ويُوصف بأنه عمل غير إنساني ، مع أن كلمة       ” الجهاد ” لها مدلول أوسع يتضمن حبس النفس عن الشر ، وصدَّ من يضلِّل الإنسانية عن أفعاله والسعي إلى الحق . والجهاد هو في الواقع نضال من أجل تحقيق أهداف سامية . ولكن في حالة وجود صراع من الجانب الآخر أو مواجهة ظالم ويقتضي الأمر أن الحل الوحيد هو استخدام القوة ، فاختيار القوة أيضاً الجهاد . ولكن في الأساس يجب على كل فرد معرفة أن الإسلام دين أمن وسلام ومحبة ومودة ، حتى لو جاهد بالقوة ، فإن هدفه هو خلق القيم الإنسانية وبيئة السلام والأمن . فإن دين الإسلام يدعو إلى السلام والأمن . فقد بيّن الإسلام مبادئ الدعوة إلى الله ، فقال الله تعالى في القرآن الحكيم : ( اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ النحل : 125 ] .

ولكن إذا استخدم أحد كلمة ” الجهاد ” للظلم والاعتداء ، فهو مسيئ في تغيير معنى كلمة ” الجهاد ” ، ولا يمكن أن يتم إساءة سمعة كلمة ” الجهاد ” باستخدامها في غير محلها .

س . ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها لمعالجة نقاط سوء التفاهم هذه وإزالتها ؟

ج . إن وسائل الإعلام التي يتم استخدامها للدعايات ، يجب أن نركّز أيضاً على استخدامها لأغراض إيجابيّة وبنّاءة . بل هناك حاجة ماسّة إلى أن نستخدم وسائل الإعلام على نطاق واسع ، ونتخذ التدابير لتصبح جهودنا مفيدةً وفعالةً .

س . ما هي الاستراتيجية التي ينبغي للمدارس الدينية أن تضعها لمواجهة الاتهامات والادعاءات الباطلة ؟

ج . قد تكون هناك جوانب عديدة للاستراتيجية في هذا الصدد ، مثلاً : يجب تعريف أبناء الوطن بما تحمله المدارس الدينية من فائدة وخير ، وكذلك إخبارهم بأهداف تأسيسها وأغراض إنشائها . وهناك عدد كبير من الناس لا يعرفون شيئاً عن واقع المدارس الدينية . وخاصةً في ظل ظروف من الدعايات السلبية ، تزداد مسؤوليتنا تجاه الاهتمام بهذا الجانب .

ثانياً : يجب أن نعرِّف أبناء وطننا بمعتقداتنا الدينية وعقائدنا الإسلامية ، وكذلك التعاليم الأخلاقية التي تدعو إلى التمسك بقيم السلام وتعزيز الأخوة الإنسانية والتعاطف والمواساة . وبهذه الطريقة ، سيتم إزالة سوء التفاهم الذي نشأ في أذهانهم ، وسيكون العالم على دراية بمحاسن الإسلام وفضائله .

وينبغي لنا أيضاً أن نوضح لهم أنه من حقنا الدستوري والديمقراطي أن نثقف أجيالنا حول معتقداتنا الإسلامية . وإلى جانب ذلك ، فإن مسؤولية التربية والتعليم التي تتحملها المدارس الدينية هي مشاركة بذاتها في أداء المهام والمسؤوليات المرتبطة بالتعليم والتربية التي تقع على عاتق الحكومة . وبهذه الطريقة ، تقوم هذه المدارس بتلبية الاحتياجات التعليمية والتثقيفية للبلاد .

ثالثاً : علينا أن نبقى على اتصال أيضاً بكل من الطبقة الحاكمة ومسئولي الحكومة ورجال السياسة ونبيّن لهم عن المدارس وواقعها وأهدافها النبيلة ، وكيف تضيئ هذه المدارس الدينية شموع المعرفة ضد الجهل في البلاد . فإذا كانت المفاهيم الخاطئة حول المدارس الدينية توجد في أذهانهم ، فعليهم مقابلة المعنيين بإدارة شؤون المدارس الدينية وفهمُ الواقع من أجل محو المفاهيم الخاطئة وتصحيحها .

رابعاً : يجب علينا أن نحافظ على نظامنا الداخلي شفافاً للغاية وخالياً من نقاط الضعف حتى لا تتاح لأحد فرصة لتوجيه أصابع الاتهام إلى المدارس الإسلامية .

س . تتبنى الدوائر الحكومية موقفاً متعاطفاً – على ما يبدو – تجاه المدارس الدينية ، فيدور الحديث عن تقديم الدعم المالي لها ، إضافةً إلى تقديم اقتراحات لتكييف مناهج المدارس الدينية مع المتطلبات الحديثة ، فما رأيك في هذا الأمر ؟

ج . هذا أمر مستحسن وقابل للالتفات في حد ذاته على ما يبدو ، ولكن من موقف مسؤولي الحكومة ضد المدارس الدينية ، قد تظهر الشكوك في أن مثل هذه الجهود محاولات لتغيِّر اتجاه المدارس الدينية . فإن المحاولات المؤيدة لإدخال المواد المعاصرة في المقررات الدراسية للمدارس الدينية إلى حد بحيث تتضرر المواد الدينية والشرعية ، فمن الواضح أن مثل هذه المحاولات ستفضي إلى فقدان المدارس الدينية روحها الأصيلة . وقد يؤدي قبول الدعم المالي الحكومي أيضاً إلى إتاحة فرصة للحكومة للتدخل في شؤون المدارس الدينية ونظامها التعليمي ، فيضر بالمدارس الدينية وتنصرف عن أهدافها الأصيلة وأغراضها النبيلة . وفي ظل مثل هذه الظروف ، نود أن نقول : إن المدارس الدينية الكبيرة التي تستطيع تحمل تكاليفها لا ينبغي لها أن تقبل الدعم المالي الحكومي حتى لا يكون هناك أي احتمال لتدخل الحكومة في شؤونها .

س . من وقت لآخر ، يقدم بعض المخلصين للمدارس أيضاً اقتراحات للقيام بتعديل طفيف في المقررات الدراسية للمدارس الدينية ، فما الأمور الأساسية التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بإدراج العلوم والفنون المعاصرة في المقررات الدراسية ؟

ج . في كثير من الأحيان ، تمس الحاجة إلى إبداء الآراء حول هذا الموضوع ، فكان أحد الجوانب المهمة والأساسية لحركة ندوة العلماء وأحد أغراضها هو إصلاح المناهج الدراسية . فمن المهم أن نفهم أن العلوم المعاصرة يمكن تقسيمها إلى قسمين : القسم الأول يتعلق بالعلوم الاجتماعية ، مثل التاريخ والجغرافيا ، والقسم الثاني يتعلق بالعلوم الطبيعية . وأما العلوم الاجتماعية فيجب إدخال هذه العلوم في المقررات الدراسية للمدارس الدينية بقدر ما هو ضروري ، ولكن من المهم مراعاة أن هذه العلوم لا تكون خاليةً من الروح الإسلامية ، وأن لا تترك العلوم التي تشكلت تحت رعاية أوروبا ، والتي من أجلها توجد روح الإلحاد فيها ، أثراً سلبياً على طلابنا .

وفي الواقع ، هناك حاجة إلى صياغة هذه العلوم في قالب جديد مطلوب . وإن القيام بأسلمة تلك العلوم والمواد مهم جداً ولا غنىً عنه . ودراسة هذه العلوم يمكن أن تجعل الإنسان ملحداً وكذلك مسلماً  . . . فلذلك ، إذا تم القيام بهذه المهمة ، فستكون خدمةً جليلةً في مجال         ” العلم النافع ” ، ومنةً عظيمةً على البشر في العالم .

وأما العلوم الطبيعية ، فلا يمكن إنكار أهميتها وفوائدها ، ولا بد من اكتسابها وإنشاء مدارس للحصول عليها ، بل يمكن أن تكون مصدراً لمعرفة الله للإنسان ، وتؤدي إلى توضيح قدرة الله تعالى . ولهذا السبب نقول : إنه من اللازم أن لا يدرسها نفر من المسلمين باعتبارها فرض كفاية فحسب ، بل يجب أن يبلغوا ذروة الكمال في هذه العلوم .

ولكن فيما يتعلق بإدخال العلوم الطبيعية في المناهج الدراسية للمدارس الإسلامية ، فيجب أن يقال : إنه يمكن تدريس أساسياتها في المدارس ، بل من الضروري أن يكون طلاب المدارس الإسلامية على دراية بها . ولكن المناداة بإدخال العلوم الطبيعية في المناهج الدراسية بشكل واسع لم يكن صحيحاً ولا يمكن تنفيذها عملياً أيضاً . فهل يمكن تقديم التعليم الطبي والهندسي في وقت واحد ؟ وإذا كان ذلك غير ممكن ، فكيف يمكن أن تقوم المدارس التي أُنشئت للتخصص في علوم الشريعة والقرآن والحديث والفقه بتدريس هذه المواد الطبيعية إلى جانب العلوم الشرعية . وتجدر الإشارة إلى أن الوظيفة الرئيسة للمدارس الدينية تتمثل في إنجاب علماء الدين والخبراء في العلوم الشرعية . فإذا انحرفت المدارس الدينية عن تأدية وظيفتها الأساسية ، فكيف يمكن أن تبقى كمدارس دينية ؟

س . في سياق الاتهامات الموجَّهة إلى المدارس الإسلامية ، ماذا تود أن تقول لرجال الحكم ؟

ج . كما قلت سالفاً إنه يجب على رجال الحكم إزالة سوء الفهم الذي نشأ في أذهانهم ، فإن مدارسنا ليست كما يتصورونها . ويجب أن يأتوا بأنفسهم إلى المدارس ويروها ويفهموها . ففي هذه المدارس ، لا يتم تقديم أي تعليم ينتهك دستور الهند أو يتعارض مع الدستور الهندي .

س . ماذا تود أن تقول عن أبناء الوطن المحبين للسلام وذوي العقول الصافية ؟

ج . لِنستخدم وسائل الإعلام من أجل إزالة وتصحيح سوء الفهم من أذهانهم ، ونحاول أن نُفهمهم بلغتهم وأسلوبهم .

س . ماذا تود أن تقول للقائمين على شؤون المدارس العربية ؟

ج . يجب أن يركّز القائمون على شؤون المدارس انتباههم على العمل الإيجابي والجاد ، وأن لا ينسوا أنهم يضطلعون بهذه المسؤولية ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وأن يخدموا علوم الدين بهذا الفكر . وعلاوةً على ذلك ، يجب أن يفهموا ويدركوا متطلبات الدين وسبل تقوية الأمة .

كما يجب عليهم أن يستمروا في تعريف الآخرين بأهمية المدارس الدينية وفوائدها . ويجب عليهم أيضاً تجنب إشهار ما يقومون به من خدمة دينية ، وتجنب السعي وراء الشهرة ، وهذا يتسبب في سوء الفهم ، فيجب أن يكون هدفهم العمل وليس الإشهار .

وعليهم أن يحترموا القانون ، وأن يكونوا حذرين ، ويجب عليهم عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تمنح أحداً أي فرصة لإلقاء اللوم عليهم ، فلا بد من أن يعملوا في إطار المبادئ الديمقراطية والدستورية .

ويجب على أصحاب المدارس الإسلامية أن يعلووا فوق مصالحهم الشخصية ، وأن ينتبهوا إلى الأعمال الإيجابية والعملية ، فإنهم سيحصلون – إن شاء الله – على عون من الله سبحانه وتعالى ، وسيكون عملهم فعالاً ونافعاً ومثمراً أيضاً .


* جامعة جواهر لال نهرو ، نيو دلهي ، الهند .