كتاب ” معلم الإنشاء ( الجزء الثالث ) ” : دراسة عامة
نوفمبر 19, 2023الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر :
نوفمبر 19, 2023الأدب العربي بين عرض ونقد : دراسة وتحليل
د . محمد إدريس الندوي *
لقد كان الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في طليعة الجيل السعيد الذي تخرج على يدي سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي وفي الرعيل الأول من تلامذته الذين قاموا بإعداد أنفسهم لحمل أعباء الدعوة إلى الإسلام ونشر الصحوة الدينية والنهوض بالأدب العربي وتطويره في شبه القارة الهندية ، فكان الشيخ يقتفي أثره ، وينتهج منهجه وينجز أعماله ومشاريعه ويكمل ما بدأه من أعمال ومناشط في حقل التعليم والتربية ، وكان سماحة الشيخ يعقد به الآمال والأحلام ويثق به كل الثقة ويسند إليه أهم المهمات وأجل الخدمات ، وحقاً قام الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله بتحقيق الأهداف الرفيعة والقيام بالمسؤليات الجسام التي ألقيت على عاتقه ولا سيما في مجال إعداد المقرر الدراسي للأدب العربي للمدارس الهندية ، ومن أبرز أعماله في هذاالمجال المهم القيم النافع الذي حاولت في هذه المقالة البسيطة دراسته والكشف عن مزاياه ومحاسنه وهو كتاب ” الأدب العربي بين عرض ونقد ” . تناولته بتحليل ما اشتمل عليه الكتاب بغاية من الإيجاز ، فالكتاب يحتوي على 251 صفحة ، وهو في الواقع مجموعة من الدروس والمحاضرات التي ألقاها على تلامذته في دار العلوم بلكناؤ في الهند ، وطُبع بشكل الكتاب من : مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، لكهنؤ – الهند . وصدرت طبعته الأولى : سنة 1385هـ 1965م . ولا يزال منذ ذلك الوقت حتى الآن داخلاً في المقررات الدراسية في دار العلوم التابعة لندوة العلماء والمدارس الأخرى في شبه القارة الهندية من الهند وما يجاورها من البلدان : باكستان وبنجلاديش وبعض الدول الأفريقية كذلك .
موضوع الكتاب : عنوان أي كتاب يكون خير دليل على التعريف بموضوع الكتاب ، فالعنوان الرئيسي المركزي الذي يدور حوله الكتاب هو استعراض تاريخ الأدب العربي منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث . ويتحلى الكتاب بمقدمة الشيخ أبي الحسن علي الندوي رحمه الله ثم كلمة المؤلف ، وقسم المؤلف الكتاب إلى الفصول ، وهي حقيقة الأدب ، النقد والتحليل ، النماذج وقيمتها الأدبية ، وهذا الفصل الأخير يتناول الأدب حسب العصور : الأدب الجاهلي ، عصر الأدب الإسلامي الأول ، عهد المدنية والحضارة . النهضة الحديثة . وهنا كلمة تعريف بالكتاب قبل مقدمة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله فيما ذكره الكاتب العربي المعروف الأستاذ أحمد الجندي : ” إن هذا الكتاب على صغر حجمه يعتبر خدمةً جليلةً لطلاب الأدب العربي في بلد غير عربي ، وخلاصةً مفيدةً لأدبنا ، وهو يستحق لهذا كل تقدير وإعجاب ” [1] . تحدث سماحة الأستاذ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله في هذا الكتاب المتوسط الحجم ، والكبير القيمة عن كلمة الأدب لغةً واصطلاحاً ، ثم تدرج في التفصيل عن كلمة ” الأدب ” التي قد مرت بمراحل وأطوار مختلفة عبر العصور .
وهذه حقيقة أن كلمة الأدب نشأت و تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية ، وتوسع نطاقها حسب مرور الزمان ، إذ وردت كلمة الأدب أولاً بمعنى الدعوة إلى الطعام في العصر الجاهلي ، وقد جاء ذلك على لسان طرفة بن العبد :
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدِبَ منّا ينتقر [2]
أي الدعوة العامة إلى الوليمة أو المأدبة ، والآدِب في البيت هو الداعي . ثم استعملت كلمة الأدب في عصر صدر الإسلام بمعنى التعليم والتربية ، والخلق الحسن كذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” إن اللَّه عز وجل أدبني فأحسن تأديبي ” ، وهو قول ينمّ عن دلالة تعليمية ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود : ” إنّ القرآن مأدبة الله في الأرض ” ، وورد الشعر لكعب بن سعد في رثاء أخيه في الأخلاق العالية :
حبيب إلى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب [3]
أي أنه ذو أخلاق عالية لا ينطق بفاحش القول . أما العهد الأموي فظهر فيه مصطلح ” المُؤَدِّب ” ، بمعنى المربِّي أو المعلم ، فقد كان خلفاءُ وأمراءُ بني أمية يختارون مؤدباً لتعليم أبنائهم وتثقيفهم ، وتلقينهم كل العلوم والمعارف المعروفة يومئذ ، أما العصر العباسي فأُطلقت كلمة الأدب على الكلام الجيد من المنظوم و المنثور ، يدل بيت مشهور لأبي الطيب المتنبي على معنى الإنتاج الشعري ، والبراعة اللغوية ، فقال :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم [4]
أما في عصر النهضة فتدلّ لفظة الأدب على الكلام الحسن سواءً كان من الشعر أم من النثر الذي يُثير شعور القارئ ويؤثر في نفسه أثراً بالغاً . وهذا ما ذكره المؤلف في الكتاب بكل اختصار ، ثم أسهب المؤلف الكلام في بيان قسمي الأدب الرئيسين : الشعر والنثر ؛ والشعر ينقسم إلى غنائي وقصصي أو إلى وجداني وتمثيلي وملحمي وتعليمي ، أمـّـا النثر فقسمه إلى علمي وأدبي ، والنثر العلمي يشتمل على المقالة والتاريخ والسيرة والمناظرة والبحث والتحقيق ، والنثر الأدبي يتوزع إلى الوصف والرواية والقصة والرسالة والخطابة والخاطرة وما أشبه ذلك . وأفاض الكلام في وصف الأصناف الأدبية من النثر الإنشائي والتوصيفي وما يتصل به من الأسلوب الأدبي مع عناصره الأربعة ، وهي العاطفة والفكرة والخيال والصورة اللفظية ، ثم تطرق في شرح دراسة النصوص الأدبية ، وطرق معالجتها ومراجعتها وتفهيم مواضع الجمال والدقة والفن والروعة والبلاغة والفصاحة . وقدم نماذج من النظم والنثر لأشهر الأدباء والكتاب والشعراء الذين نبغوا في مختلف العهود : الجاهلي ، وصدر الإسلام ، والأموي ، والعباسي ، وعصر الانحطاط ، والعثماني ، والعصر الحديث . وقام بشرح الأبيات والقصائد والنصوص النثرية مع التركيز على إبراز مواضع الفن ومواطن الحسن والجمال ، كما ألقى الضوء على أسلوب القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأفاض الكلام في عصر النهضة الذي توسع فيه النظم والنثر بالأشكال الجديدة المتنوعة من القصة والرواية والحكاية والمسرحية والصحافة والمقالة .
والحقيقة أن هذا الكتاب – كما كتبه الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله – يسد حاجةً وفراغاً في مكتبة تدريس اللغة العربية والأدب العربي في الهند . الفراغ الذي ظل باقياً بعد ما ألفت مجموعات ومختارات للقطع الأدبية الرائعة ، والتي نالت إعجاب رجال التعليم وأصحاب الذوق السليم في بعض البلاد العربية ، وهذا كتاب يجمع بين النصوص الأدبية وبين لمحة من تاريخ الأدب العربي ، وما مرَّ به من أدوار وأطوار ، وما واجهه من نزعات وتيارات وأحداث وعوامل ، تسبغ عليه لوناً جديداً ، وتجعل القارئ على بصيرة من أمر هذا الأدب الذي لم يزل يمر بأدوار من الطفولة والشباب والكهولة ، والآفات والعلل والمؤثرات الخارجية من الصحيح والسقيم ، والصالح والطالح ، والطبيعي والمصنوع من الأجواء التي كانت تكتنفه والحوادث التي تقع حوله ، والقوى والطاقات التي تؤثر فيه كما هو حال كل كائن حي ، ويخضع لها في قليل أو كثير كل إنسان واع ، مرهف الحس ، رقيق الشعور [5] . والكتاب وسط بين العرض والنقد والجمع والتاريخ ، وهي الحلقة الأخيرة في سلسلة تدريس الأدب العربي ، والحلقة الأولى في سلسلة تدريس النقد الأدبي ، وعلى هذا الأساس يقدر عمل المؤلف فينظر إليه ويحكم عليه على أنه أول كتاب يوضع لشباب لم يعرفوا من الأدب العربي إلا مجموعات ومختارات في النثر والشعر ، ومعلومات بسيطة بدائية عن تاريخ الأدب العربي ونقده ، وسيعملون إذا وفقوا في حقول التعليم وفي مجال الأدب والثقافة والتأليف في شبه القارة الهندية .
أسلوبه : أما أسلوبه فاختار المؤلف رحمه الله أسلوباً علمياً ، لأن موضوع الكتاب كان يقتضي من صاحبه أن يتوخى هذا الأسلوب العلمي الذي لا تظهر فيه شخصية الكاتب ، فحاول تقديم معلومات تاريخية مع نماذج أدبية من النظم والنثر موثقة بالبيانات ، وذلك بكلمات سهلة بسيطة ، سائغة لأذهان الطلاب ومستواهم . ومغزى القول أن المؤلف قد اتخذ في الكتاب موضوع تاريخ الأدب العربي ، فأبرز تلك الخصائص والسمات الأدبية التي مر بها الأدب العربي عبر العصور من الجاهلية إلى عصر النهضة ، وأبان الموضوع وأوضحه عن طريق تقديم النماذج النثرية والشعرية مع ذكر نبذة من حياة أصحابها ، وقدمها أمام الطلاب بأسلوب بسيط وسهل حسب ما تقتضيه المقررات الدراسية ، ولا يقدر قيمة العمل الذي قام به الشيخ إلا من كان مطلعاً على تلك الأعمال الأدبية المفصلة التي ظهرت في العالم العربي عن تاريخ الأدب العربي ونقده والتي تحتوي على مجلدات ضخام وأسفار طوال ، ثم أنعم النظر في هذا الكتاب ، ورأى كيف أن المؤلف قام بتهذيب المباحث المتنوعة المسهبة وتلخيص المواد الطويلة الذيل المختلفة الأغراض ، فقد حالفه التوفيق ورافقه المدد الإلهي في تقديم خلاصة تاريخ الأدب العربي الممتد على أدوار مختلفة وأطوار متنوعة مع الإشارة إلى حقيقة النقد الأدبي والإلمام بركائزه وأركانه وشرائطه ، وتقديم بعض النماذج الرائعة في هذا المجال .
* الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية ، بجامعة لكناؤ .
[1] من مقدمة ” الأدب العربي بين عرض ونقد ” ، للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، ص 4 .
[2] ديوان طرفة بن العبد ، تحقيق : عبد الرحمان المصطاوي ، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 2003م ، ص 51 .
[3] خزانة الأدب ، البغدادي ، ج 10 ، ص 462 .
[4] ” الشعر في رحاب سيف الدولة الحمداني ” للمؤلف د . سعود الجبا .
[5] مقدمة الكتاب ، ص 6 .