الرؤى الأدبية للشيخ الندوي من منظور إسلامي

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي : قائداً حكيماً
نوفمبر 19, 2023
الشيخ السيد محمد الرابع الندوي : صحافياً وأديباً
نوفمبر 19, 2023
الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي : قائداً حكيماً
نوفمبر 19, 2023
الشيخ السيد محمد الرابع الندوي : صحافياً وأديباً
نوفمبر 19, 2023

الرؤى الأدبية للشيخ الندوي من منظور إسلامي

د . سعيد بن مخاشن *

صلة الأدب بالإسلام :

إن الأدب له صلة وطيدة مع الإسلام ، مع أن اللغة العربية نشأت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها ترعرعت في مهد الإسلام وفي حضنه ، وكان النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أفصح العرب بل أفصح الناس على الإطلاق ، لذا نرى أن اللغة العربية لم تزل تواصل مسيرتها في جنب الإسلام ، فحلت حيث حل الإسلام وبلغت إلى أقاصي البلاد وأدانيها تحمل لواء الإسلام وأوامره . وإن الإسلام لم يقصر جهوده على جوانب العبادة وحدها ، بل تناول جميع أشكال الحياة ، صعودها وانحدارها ، حلوها ومرها ، ليلها ونهارها ، فخطت اللغة العربية مع آدابها جميع خطى الإسلام وانتهجت منهجه فلم تحدد فعالياتها على العبادة وحدها .

يقول الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله عن مدى اللغة العربية واتساعها : ” ومن أغزر اللغات أدباً ، وأطولها مدةً ، هي اللغة العربية وآدابها ، فإن امتدادها لا يقصر من خمسة عشر قرناً بالتواصل والتوالي ، لم تنقطع هذه اللغة ولا آدابها في هذا الامتداد فترةً ، ولم تنسحب عن المجال الأدبي ، غير أنه قد اعتورها في عهود مختلفة ضعف واستكانة لأسباب متغيرة وطارئة ، وكان الإسلام أقوى وارد على اللغة العربية وعلى آدابها ، ولقد تلقاه الأدب وحمله بل وتزعم به ، وأصبح لباساً مطابقاً له ، واحتمل مسؤولية عرضه وتقديمه ، فقد كان رسول هذا الدين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم – وهو الداعي الأعظم للإسلام – من أكثر هذه اللغة وآدابها قوةً وإجادةً ، لم يكن قائلاً للشعر ، ولكنه كان مجيداً لفهمه ، ومتذوقاً لمحاسنه ، أما النثر الأدبي فقد كان صلى الله عليه وسلم أروع الناس جميعاً كلاماً فيه وفهماً له .

ثم إن الدين الإسلامي لم يكن ديناً قاصراً محدوداً في العبادات وحدها حتى يقال عنه : إنه إذا سايره أدب كان أدباً منحصراً في العبادات وحدها ، بل إنما الإسلام هو الدين الفريد الذي اتسع كاتساع الإنسان ، وامتد كامتداد حياته ، ولم يتعارض إلا مع ما يتعارض مع مصلحة الحياة الإنسانية ذاتها ومع ذوقها الجميل ، وإنه إذا تعارض فيتعارض مع عمليات الهدم والإخلال بصالح الإنسان وإنسانيته .

فلم يكن للعمل الأدبي أن يجد صعوبةً في منادمة الإسلام ومسايرته ، ولم يكن له عائق عن أن يجد تحقيقاً لأهدافه في تصوير جوانب الحياة المتلائمة مع الإسلام ” [1] .

الدين لا ينافي الأخلاق والسمة الأدبية في الكلام :

” فمن الظلم أن يزعم رجل أن معاني الأخلاق والدين إذا دخلت في كلام زالت عنه السمة الأدبية ، مع أن الأخلاق والدين وسيلة لتحسين الحياة الإنسانية وتهذيبها ، تنال الحياة منهما الجمال والطهارة ، أما الإسلام فشأنه أوسع وأشمل ، إنه يجمع الدين مع الدنيا ، والدنيا مع الدين فهو يشتمل عليهما جميعاً .

فنحن عندما نقول ” الأدب الإسلامي ” فنعني به أدباً هو دين ودنيا في وقت واحد ، وذلك لأنه يتسع اتساع الحياة ، ويتنوع بتنوعها ، ولكن بطريقته وبمنهجه ، فإن ضوءه يشع في مجالات الحياة الفردية بأنواعها المختلفة من عاطفية ، وفكرية ، ونفسية ، وفي مجالات الحياة الاجتماعية من سلوك الإنسان مع أخيه ، ومع جاره ، ومع زوجه ، ومع إنسان غريب وأجنبي .

فنحن حينما نستخدم مصطلح الأدب الإسلامي لا نريد به تحديد الأدب بالزهد في مرافق الحياة ، أو إلزام الأدب بالانكماش والانزواء في ركن خاص من أركان الحياة ، بل إنما نريد به السمة الإسلامية النزيهة في الأدب ” [2] .

الحدود الإسلامية للأدب :

” إن الحدود الإسلامية للأدب واسعة كسعة الحياة الإنسانية ، فيه دقة كدقة الحياة البشرية ، وروعة كروعة الأزهار الجميلة والرياحين الفاتحة ، وليس فيه حجر وتضييق جائر ، بل إنما هو ملاءمة بين الفن وبين الإنسانية الصافية . إنه أدب يؤدي عمله بكرامة ، ويلعب دوراً تتطلبه آمال الإنسان اللائقة ، وهو يتلاءم مع حاجاته ومصالحه ، إنه ينهل من المنهل القرآني المتدفق بالروعة والجمال والتأثير أولاً ثم يقتبس من البيان النبوي الرائع الحافل بالتصور الإنساني البليغ ، وبالتعبير المؤثر الجميل ، ثم يقتبس بكل نموذج أدبي يتلاءم مع القيم الأدبية الصافية التي انبثقت من نماذج أصحاب الأساليب البليغة من المسلمين في مختلف أصناف الأدب ومجالاته المتنوعة ” (9) .

الأدب الإسلامي واسع مع الالتزام :

إن الأدب الإسلامي يتمتع بالسعة والشمول ، والالتزام والامتناع كما عبر به الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله أنه واسع مع الالتزام ومقيد مع الشمول ومعبر عن الطبيعة الإسلامية ، فقال : ” أما الأدب الإسلامي فواسع مع الالتزام ومقيد مع الشمول ، يتصل بجميع مجالات الحياة الدينية والدنيوية ، ولكنه ملتزم في حدود الطبيعة الإسلامية .

والطبيعة الإسلامية هي الفطرة التي فطر خالق الناس الناس عليها ، ففيها سرور وحزن ، وفيها شعور الارتياح والأسى ، وسرور الرضا والسخط ، وفيها العتاب والاستعتاب ، والعفو والانتقام ، والمباعدة والوئام ، وليس الأدب في أي لغة من لغات البشر إلا حديثاً عن كل ذلك ، ولا يفرض التوجيه الإسلامي على أدب المسلم إلا أن يتجنب السوء والخبث ، وهذه هي الطبيعة التي فطر الناس عليها ، والوحي المرسل من فاطر الفطرة إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أوضح لنا أبعاد الخير والشر فيها ، كما أودع في الفطرة الإنسانية أيضاً شعوراً بذلك ، فقد ورد في الحديث الصحيح : ” البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ” [3] .

الأدب الإسلامي إنساني التصور طبيعي الوضع :

الأدب في الإسلام إنساني التصور طبيعي الوضع ، جميل الأداء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما توفي نجله الكريم إبراهيم : ” العين تدمع والقلب يبكي ولا نقول إلا ما يرضى الرب ، وإنا على فراقك يا إبراهيم محزونون ” . وقال في صلح لم تكن النفوس في باطنها راضية به : ” هدنة على دخن ” ، وقال لحادي الإبل التي تركبها النساء : ” رفقاً بالقوارير ” [4] .

الأدب الإسلامي ليس بشيئ جديد:

إن الأدب الإسلامي مليئ بنماذجه وملامحه ومظاهره منذ أن طلعت شمس الإسلام على السماء ، ونورت الكون بأشعتها الصافية النيرة ، فهناك عدد كبير في العصر القديم وفي العصر الحديث ، على حد سواء ، من الأدباء والشعراء الذين أثروا هذا الجانب الهام من الأدب العربي . لكن الرجال المختصين بالأدب خصوا أنفسهم بأعمال الرجال الذين احترفوا الأدب وقدموا للعالم كل ما قدموه بأنفهسم ، وأغمضوا أعينهم عن إسهامات الآخرين واغتفلوا عن مآثرهم  حتى أصبحت مظاهر الأدب الإسلامي مختفية عن منصة الأدب العربي .

هذه حقيقة لا تجحد أن العالم قد شهد عدداً كبيراً من المظاهر التي اتسمت بالأدب الإسلامي من العصر القديم حتى العصر الراهن من الأحاديث والآثار والخطب والرسائل والوصايا والقصائد والحكم ، وما ظهر في العصر الحديث من المقالة والرواية والقصة والمسرحية وما إلى ذلك . تناول الشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله هذا الجانب المهم قائلاً :

” ولدينا تاريخ طويل للنماذج الأدبية الرائعة للإسلام منذ أن بسط الإسلام أشعته في هذه الأرض ، وفي مقدمتها النماذج الرائعة من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من أدعية ، وأحاديث وخطب ، ومن كلام صحابته الأولين ، وفيها نماذج سيدنا علي بن أبي طالب بصورة خاصة ، وهي خطبه ورسائله وكلماته مما صحت روايتها ، ثم تلتهم طائفة من أصحاب الكلام البليغ الرائع ، في كل المجالات المختلفة من الحياة ، وفيها قصص وفيها وصف وفيها إثارة ، وفيها تعبير للملامح النفسية وتصوير للمشاعر الإنسانية ، وعرض للتصورات الأدبية .

ولكن المحترفين بالأدب قصروا عنايتهم بالأدباء المحترفين ، ولم يسلطوا الأضواء إلا على أدبهم وحدهم ، وأغفلوا عن النماذج الأدبية الرائعة التي جاءت خلال كلام غير المتسمين بالأدباء والشعراء . والذين لاقوا في هذا المجال ظلما أكبر ، هم الملتزمون بالسمة الإسلامية ، والمتمسكون بمنهج من مناهج الإسلام ” .

وتابع قائلاً : ” ولكن ما فتئ أن أصبح الفن الأدبي أسيراً في أيدي النفعيين والمستغلين يسخرونه لأهوائهم وشهواتهم ، ويرفضون ما يأتي من أهل الصلاح والاستقامة وينفون عنه صفة الأدب حتى ظن بعض  الناس أن الأدب لا صلة له بالدين والاستقامة ، فكانت الحاجة ماسةً إلى أن تقوم حركة لتحرير الأدب من هذا الأسر وإبراز صلته بالحياة مع الموافقة مع السيرة الإسلامية في ذلك ، ومهتدية بهدي القرآن وبيان الرسول عليه الصلاة والسلام بحيث يكون الأدب جامعاً بين المتعة والفضيلة وبين الجمال والخير وبين التأثير والتزام الحق ” .

وقال أيضاً : ” ولقد شعر بهذه الحاجة عدد من أصحاب البيان الأدبي من الأوفياء للإسلام فسلكوا استخدام الأدب للأغراض الطيبة بإجادته وإحسانه ، وتحركت أقلام وعملت أفكار فبدأت تبرز من ذلك ملامح اتجاه إسلامي للأدب من نماذج أدبية إسلامية تجمع بين الخيرين تدل على ذلك أمثلة من تراثنا الإسلامي الأدبي القديم ، ونماذج من عصرنا الحديث نحو أمثلة من هذه النماذج في كلام شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال في شبه القارة الهندية ، وفي كلام الأستاذ محمد عاكف في شبه الجزيرة التركية ، ونماذج رائعة في شعر الشاعر العربي الكبير محمد شوقي ، ونجد نماذج رائعةً في النثر أيضاً كتبته أقلام أدباء العصور السابقة وفي هذا العصر من الأدباء الإسلاميين في الشرق الإسلامي والغرب العربي .

وتوسع الأمر حتى تحول إلى فكرة وتصور معين يتسم بصفات إسلامية وخصائص أدبية واضحة يمكن بها وضع منهج إسلامي للأدب ” [5] .

الفارق الأساسي بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي :

تحدث الشيخ السيد محمد الرابع الحسني رحمه الله عن الفارق الأساسي بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي ووجه الأنظار إلى الأدب الإسلامي ومصطلحه وأهدافه ومناهجه وعدم احتياج تقسيم الأدب إلى إسلامي وغير إسلامي في أول الأمر ، وشيوع الأفكار السليمة الصادقة ، والأدب التائه المنحرف الذي اشتط عن الخط الصحيح ، ونشأة النظريات الأدبية المعارضة للإسلام ، وتأثير الاتجاهات الغربية في الأدب والفكر والثقافة ، والاحتياج إلى تقسيم الأدب إلى إسلامي وغير إسلامي ، فقال :

” ليس مبدأ الأدب الإسلامي هو قص الجناح ، بل إنه ترشيد للقصد ، وليست ربوع من الحياة الإنسانية محظورةً عليه ، ولكن القضية هي قضية التحري للخير وتجنب مواضع الشر ، فالأمر هو أمر النظر والفكرة ، فهما إذا كانتا صالحتين فكل المناهج والمجالات الأدبية مفتوحة على الأدب الإسلامي ، فهو أدب الرسالة والخطابة ، وأدب القصة والرواية ، وأدب الشعر والنظم ، وهو نقد وتاريخ ، ومقالة ، وهو شعر وجداني وقصصي ، هو كل شيئ من هذا وذاك ، ولكنه ملتزم في كل ذلك بفكرته الإسلامية الرشيدة ، وبمنهج إنساني جميل ، وضع خطوته ومهد سبله القرآن الكريم ، ثم أدب الرسول صلى الله عليه وسلم وأدب أتباعه الملتزمين .

ومصطلح الأدب الإسلامي لم يكن مستعملاً في القديم ، وذلك لأن الحاجة لم تكن تقتضي في حالة سيادة الفكرة الإسلامية للحياة أن يقسم الأدب إلى إسلامي وغير إسلامي ، فكل ما كان تحت سلطان هذه الفكرة من الأدب كان يعد إسلامياً ، وكل ما كان خارجاً من هذا السلطان كان يعد منحرفاً وجاهلياً ، وفي حالية سيادة الفكرة الإسلامية كان إذا نقض من أدب التزامه واشتط عن خطه الصحيح كان يوصف تائهاً منحرفاً ، وإذا حافظ على التزامه فكان يعد صالحاً سليماً ، لأن أصحاب الأدب – وأكثرهم مسلمون – كانوا في ثقافة الإسلام وفي بيئاته ، فلم يكونوا يرجعون في تصوراتهم وأفكارهم إلى نظريات أدبية وافدة من البيئات الجاهلية المضادة للإسلام ، فكلهم كانوا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ، أما التفاوت فيهم فكان في مقدار الالتزام بمثالية الإسلام ، وكانوا يتمايزون فيما بينهم على هذا الأساس ، لا على أساس نظريات أدبية معارضة عن الإسلام ، ولا على ثقافته وغير ثقافته ، فكان أدبهم الملتزم يعرف بالصالح  ، ويعرف غير الملتزم منه بالمنحرف ، وذلك بمقدار التزامه أو تحرره ،  وكان لا يخرج ولا يتمرد في كلتا الحالتين على الإسلام ، فكان إسلامياً بصورة عامة ، لا يقرر الفرق بين نماذجه إلا بمدى التزامها .

ولكن أتى على المسلمين زمان أصبحوا في تأثير الاتجاهات الغربية في الأدب والفكر والثقافة ، واختلط عليهم الأمر لا يعرفون بناءاً عليه ما هو أصيل وما هو دخيل ، وطغت مفاهيم الأدب والنقد الغربية الجاهلية على مفاهيم الأدب والنقد الشرقية والإسلامية ، بحيث طمست معالمها ، وذلك بإخضاع الآداب لنظريات سائبة وأفكار نابعة من البيئات الضالة بدون رعاية لما فيه الخير وما فيه الشر ، فكان أمراً خطيراً ومفسداً للموازين الإنسانية الفاضلة ، ومخالفاً لما جاء الإسلام من تغيير شامل من أوجه الفساد والشر إلى اتجاهات الصلاح والخير ، وكان عودة إلى القيم الجاهلية القديمة ، وإن كان ذلك بعنوان الجديد المتقدم الراقي ” [6] .

وقال : ” فموضع الاختلاف بين الأدب الإسلامي وغيره من أجناس الأدب هو في رعاية مصلحة الحياة الإنسانية وعدم رعايتها ، حيث إن الأدب الإسلامي يرى مجالات العمل في الكون والحياة ، ويميز بين اللائق بإنسانية الإنسان وغير اللائق بها ، فهو أدب ملتزم في هذا المعنى ، ولكنه ملتزم بالمفيد الصالح لا بالجمود والتقليد ، أما الأدب غير الإسلامي فهو لا يبالي بمجالات العمل في الكون والحياة ، يدخل في كل مكان مثل البهيمة الهاملة ، ترعى فيما تشاء ، ولا تفرق بين الصافي والعفِن ، والطيب والخبيث ، ولا تبالي بالفرق بين المراعي الفائحة والقاذورات النتنة .

الأدب الإسلامي لا يحب هتك العورات ، ولا إثارة المزابل إلا في نطاق هادف محدود . أما الأدب غير الإسلامي فلا يبالي أين وقع ، وماذا أفسد ، بل إنه حينما يجرد نفسه من الالتزام يرى أحب مجالات عمله كل صورة مثيرة للعواطف ، وكل معنى يغذي النزوات مهما أتى به في إثره من فساد وانهيار ، وهذا هو موضع الخلاف بين الأدب الإسلامي والأدب غير الإسلامي .

الأدب الإسلامي يتلقى روحه وهدايته من الإسلام ، ومن حياة نبي الإسلام . والأدب غير الإسلامي يتلقى روحه وإرشاده من هوى الإنسان ، وحياة كل هائم من الحيوان . وليس صحيحاً أن الأدب بعد التزامه بالإسلام يصبح محدوداً وقاصراً ، لأننا حينما نشطب جانب الفساد والقبح من الحياة فالذي يبقى بعده في الأدب هو واسع وكثير ومتنوع الجوانب ومختلف الصور والأشكال ، ولن يشعر الممارس له والمستفيد به أي قصور فيه لقضاء حاجته من الأدب ، بل إن ما يجده يخدمه في كل ما يعينه في حياته ” [7] .

وقال : ” ويمكن معرفة الفارق بين النظرة الإسلامية والنظرة الجاهلية إلى الحياة ، وسريانهما في الأدب ، ودلالتهما على اختلاف الأدب الإسلامي عن غير الأدب الإسلامي ، بحيث تتبين به ملامح كلا الأدبين وفكرتاهما ، من الكلمة السائرة في عرب الجاهلية ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ” ، فقد كان مفهومها الجاهلي نصر الأخ بدون النظر إلى صواب عمله أو خطئه ، ونعى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المفهوم الفاسد ، ونهى عن استخدامه ، وأرشد إلى المفهوم الإسلامي عوضاً عن هذا المفهوم ، وهو نصرة الرجل على أساس الحق لا على أساس القرابة والنسب ،  وقام بتربية النفوس المسلمة على هذا النظر الإسلامي ، فتربوا عليه ، وأصبحت الأولية في نظرهم للعدالة والحق ، وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم نفسه بهذه الجملة : ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ” فيتعجب صحابته على هذا التعبير ، ويستفسرونه عن مراده ، فيشرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نصرة الظالم هو منعه من الظلم ، فدخل بذلك على الفقرة السابقة مفهوم جديد ، وحل محل المفهوم القديم ، وأصبح للفقرة مفهومان ، مفهوم إسلامي ومفهوم جاهلي ” [8] .


* أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة مولانا آزاد الأردية الوطنية ، البريد الإلكتروني : sayeed_makhashin@yahoo.com

[1] محمد الرابع الحسني الندوي : الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1405هـ ، ص 18 و 19 .

[2] أضواء على الأدب الإسلامي ، ص 16 .

[3] نفس المصدر ، ص 54 و 55 .

[4] أضواء على الأدب الإسلامي ، ص 9 .

[5]  أضواء على الأدب الإسلامي ، ص 18 ، 19 ، 20 .

[6] أضواء على الأدب الإسلامي ، ص  29 و 30 .

[7] الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 19 و 20 .

[8] نفس المصدر ، ص 22 و 23 .