وداعاً يا علامة الهند

العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني كما عرفته
نوفمبر 19, 2023
العالم الرباني المربي الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
نوفمبر 19, 2023
العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني كما عرفته
نوفمبر 19, 2023
العالم الرباني المربي الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
نوفمبر 19, 2023

وداعاً يا علامة الهند

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

بقلم : أ . د . محمد بلاسي *

يشجِّع ديننا الحنيف على العلم ، ويكرم العلماء ، ويرفع درجاتهم ، فقد بيّن الإسلام مكانة العلماء وفضلهم ، وثمّن وجودهم ، فهم في الأمة حفظ لدينها ، وصون لعزتها وكرامتها ، حيث إنهم ورثة الأنبياء في أممهم .

فقد ورد في الحديث الشريف : ” وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ” . ( رواه أبو داود ) .

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ، وفي رواية : من العباد – ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبق عالماً : اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ” . ( متفق عليه ) .

فأي فاجعة أكبر من موت عالم ؟

فرحيل العلماء ثلمة لا تُسد ، ومصيبة لا تحد ، وفجيعة لا تُنسى ، فالعلماء ليسوا كغيرهم من الناس ، فغيبتهم أشد من غيبة سواهم .

فالعلماء لهم منزلة خاصة ، حيث رفعهم الله على سائر الناس :     ( يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) [ المجادلة : 11 ] .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ” . ( رواه      أبو داود والترمذي وابن ماجه ) .

أقول : ولا شك أن وفاة سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ليس خسارةً للمسلمين في الهند فحسب ، وإنما هو خسارة للعالم الإسلامي ، فقد فقد العالم بوفاته عالماً نحريراً ، وأديباً بارعاً ، وصحفياً محنكاً ، ومعلماً قديراً ، ومربياً كبيراً ، وداعيةً إسلامياً ، ومفكراً دينياً .

فقدنا عالماً وهب حياته للعلم وللدعوة الإسلامية ، وعمل بإخلاص لنشر اللغة العربية ، وجاهد من أجل الدعوة للأدب الإسلامي ، فضلاً عن جهوده الحثيثة في حل قضايا المسلمين في العالم الإسلامي .

ففي يوم الخميس 21 من رمضان المبارك 1444هـ الموافق 13 من أبريل 2023م رحل عن عالمنا الأديب الكبير والعالم الجليل الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي إلى رحاب الله ، بعد حياة طويلة حافلة بالعمل الدعوي ، دفاعاً عن الإسلام واللغة العربية في شبه القارة الهندية .

وكان الراحل بسمته الهادئ الوديع يتفجر حماسةً بالنشاط والقراءة والدرس والبحث ، من أجل تقديم أجيال جديدة من المسلمين الهنود ترتبط بتراثها الإسلامي واللغة العربية [1] .

التقيت الفقيد في القاهرة – منذ أكثر من ربع قرن – في أحد مؤتمرات ” رابطة الأدب الإسلامي العالمية ” ، فوجدته : شعلة من النشاط لا تهدأ ، وعاملاً من أجل إثراء الحوارات والنقاشات التي تخدم الأفكار المطروحة من جانب المتحدثين والمشاركين .

حياته ومسيرته :

وُلد سماحة الشيخ محمد الرابع الندوي ، عام 1929م في بلدة راي بريلي في ولاية أترابراديش بشمال الهند .

وهو من أسرة علمية عريقة في العلم والنسب ، إذ أن خاله هو العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والذي أشرف على تعليمه وتربيته .

دراسته :

درس الشيخ محمد الرابع في دار العلوم ندوة العلماء ، ونُسب إليها ، ثم درس على بعض علماء الحديث في الهند من أمثال : خاله العلامة أبي الحسن الندوي ، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ، والشيخ حسين أحمد المدني ، والدكتور عبد الفتاح أبو غدة وغيرهم .

نشاطه في التدريس والإدارة :

عين الفقيد مدرساً في ندوة العلماء في عام 1367هـ ، ودرّس فيها ما يقارب أربعين سنةً ، وقد تخرج على يديه عدد كبير من العلماء والمشاهير في الهند .

وقد تولى إلى جانب مهمة التدريس إدارة ندوة العلماء في عام 1413هـ ثم رئاستها بعد وفاة خاله العلامة أبي الحسن الندوي في عام 1420هـ .

عضويته في المؤسسات العلمية والأكاديمية العالمية :

  1. اختير أميناً عاماً لـ ” ندوة العلماء ” ورئيساً لجامعة دار العلوم عام 1420هـ الموافق لسنة 2000م ، بعد وفاة خاله الشيخ أبي الحسن الندوي .
  2. من مؤسسي ” رابطة الأدب الإسلامي العالمية ” ، وكان نائباً لرئيس الرابطة ورئيساً لمكتب شبه القارة الهندية وعضواً في مجلس الأمناء .
  3. عضو في ” رابطة العالم الإسلامي ” في مكة المكرمة .
  4. نائب الرئيس لـ ” رابطة الأدب الإسلامي العالمية ” .
  5. رئيس مجلس الأحوال الشخصية الهندية لمسلمي الهند .
  6. عضو ” مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية ” في بريطانيا .

الجوائز :

          حصل على جائزة رئيس الجمهورية الهندية في خدمة اللغة العربية عام 1981م .

عطاؤه العلمي :

          لقد أثرى الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي المكتبة الإسلامية والعربية بمؤلفاته وكتبه التي تربو على الستين مؤلفاً ، بالإضافة إلى مقالاته في التربية والمجتمع والأدب الإسلامي . ومن أبرز مؤلفاته :

  1. أضواء على الفقه الإسلامي ومكانة الاجتهاد فيه .
  2. أضواء على الأدب الإسلامي .
  3. الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ( مع نماذج لصدر الإسلام ) .
  4. في ظلال السيرة ، على صاحبها الصلاة والسلام .
  5. العالم الإسلامي اليوم …. قضايا وحلول .
  6. رسائل الأعلام بين الشيخ الندوي ودعاة الإسلام .
  7. رسالة المناسبات الإسلامية .
  8. ندوة العلماء : فكرتها ومنهاجها .
  9. مقالات في التربية والمجتمع .
  10. قيمة الأمة الإسلامية ….. منجزاتها وواقعها المعاصر .
  11. في وطن الإمام البخاري .
  12. سراجاً منيراً ( سيرة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ) .
  13. تاريخ الأدب العربي – العصر الإسلامي .
  14. منثورات من أدب العرب .
  15. الهداية القرآنية – سفينة نجاة للإنسانية .
  16. حركة الإصلاح والدعوة وآثارها في شبه القارة الهندية ، والجزيرة العربية في القرنين الماضيين .
  17. جهود إصلاح العقيدة .
  18. جغرافية جزيرة العرب .

ومجمل القول :

عاش عالمنا حياةً حافلةً بالعطاء ، سواءً في ميدان التدريس وتربية الأجيال ، والدعوة إلى الله على هدى وبصيرة .

هو من العلماء الذين أحسنوا فهم الإسلام الوسطي ، وتمسك بمنهج الاعتدال ، ورفض الإفراط والتفريط ، يدعو إلى الحق ، ويشيع الخير ، ويذود عن الحمى ، ويقاوم كل من يريدون تحريف الدين ، وتزييف الوعي ، والبعد عن حقيقة القرآن والسنة .

هو أيضاً من ( الخلف العدول ) الذي جاء فيهم الحديث : ” يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ” . ( رواه الترمذي ) .

رحم الله الشيخ الجليل ، العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمةً واسعةً ، بقدر ما قدّم للإنسانية وأفادها من فيض علمه ومنبع معرفته ، وأسكنه فسيح جناته مع الخالدين .


* أكاديمي – خبير دولي – عضو اتحاد كتاب مصر ، عضو المجلس العالمي للغة العربية ، prof.plasy@gmail.com .

[1] د . حلمي محمد القاعود : محمد الرابع الحسني الندوي . ” حارس الإسلام والعربية في شبه القارة الهندية ” . موقع إسلام أون لائن ، 2023م .