رجال غيّروا مجرى التاريخ

دور أبي الكلام آزاد في النهضة التعليمية في الهند
يونيو 23, 2023
كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية
يوليو 28, 2023
دور أبي الكلام آزاد في النهضة التعليمية في الهند
يونيو 23, 2023
كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية
يوليو 28, 2023

رجال من التاريخ :

رجال غيّروا مجرى التاريخ

الأستاذ الحافظ أحمد سالم الهدوي *

قد أنجب الإسلام شخصيات بارزةً وأعياناً عمالقةً غيّروا مجرى التاريخ ، ولعبوا دوراً مهماً في نشر نور الإسلام في كل أنحاء المعمورة بما فيهم الغُزاة والمجاهدون والربانيون والقادة المبجلون . ومن أشهرهم :

سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه ( 592 – 642م ) :

وهو صحابيّ وقائد عسكري مشهور في الخطة العسكرية في فتوح العراق والشام خاصةً في عهد الخلفاء الراشدين . قد حارب القوات العديدة مثل الإمبراطورية الرومانية والساسانية والبيزنطينية ولم يُهزم . وأذاق جيش الروم أشدّ الهزيمة في معركة اليرموك سنة 636م تحت قيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح . وروي أنّ خالد بن الوليد قال وهو على فراش موته : لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح .

عقبة بن نافع ( 631 – 683م ) :

تابعي وقائد يُعرف بفاتح أفريقية . وقد تولّى ولاية أفريقية مرتين : إحداهما في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان ، والأخرى في عهد ابنه يزيد . قد شارك في فتح مصر تحت رئاسة عمرو بن العاص ، وكان والياً على برقة من قبل ابن العاص . ثم ولاّه الخليفة معاوية على أفريقية . ومن مساهماته أنه بنى مدينة قيروان لتكون معسكراً لرباط المسلمين وامتدّت مدّة بنائها إلى أربع سنوات . وبنى بقيروان مسجداً عظيماً وهو المشهور حالياً بجامع عقبة بن نافع . ولا تزال ذاكرة الزمان تعي هذه الشخصية الفريدة حيث إنه حامل لواء الإسلام إلى شواطئ أفريقية .

طارق بن زياد ( 670 – 720م ) :

قائد مغوار ، عُرف بفاتح الأندلس وشبه الجزيرة الأيبيرية . كان مولى لموسى بن نصير والي أفريقية من قبل عبد الملك بن مروان ، الخليفة الأموي وولاّه على طنجة . لمّا شكا أهل الأندلس لموسى بن نُصير عن حاكمهم لذريق الظالم ( Roderick ) أرسل جيشاً جراراً معظمهم من البربر تحت قيادة طارق بن زياد . فسار بهم حتى نزل بجبل طارق             ( Gibraltar ) وفتح الحصون ذوات الأهمية الاستراتيجية . لمّا انتهى إلى الأندلس حرّض الجيش وحثهم على الجهاد وخطب خطبة بليغة جذابة لا مثيل لها في التاريخ . لمّا تولّى سليمان بن عبد الملك الخلافة عزل طارقاً وقتل ابنه فأهمله الناس ومات فقيراً .

صلاح الدين الأيوبي ( 1138 – 1193م ) :

هو بطل الإسلام ومحرِّر القدس ومؤسس الدولة الأيوبية التي وحّدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظلّ الراية العباسية بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية في مصر . هو الناصر أبو المظفر يوسف صلاح الدين بن نجم الدين أيوب . كان أبوه نجم الدين أيوب والياً على قلعة تكريت في العراق ، وكان يدعو الله أن يمنح له امرأةً تنجب له ولداً يُحرِّر بيت المقدس .  ذات يوم لما رأى صلاحَ الدين يلعب مع أترابه قال له : لم أُنجبك لهذا ، وإنما أنجبتك لتحرير بيت المقدس . قد تلقّى صلاح الدين الأيوبي تربيةً مثل هذه التربية منذ نعومة أظفاره .

وكان تلميذاً لعمّه الملك نور الدين محمود الزنكي ، فورث منه الأدب والورع وحب الجهاد . وكانت مصر في ذلك الوقت مركز الفاطميين وطمع فيها الصليبيّون بسبب ثورات داخلية فأرسل نور الدين محمود جيشاً تحت قيادة أسد الدين شيركوه يساعده ابن أخيه صلاح الدين . ولما علم الصليبيّون بقدوم الجيش تركوا مصر وتولّى أسد الدين شيركوه ولاية مصر ثم خلّف عليها صلاح الدين . سكّن صلاح الدين الثورات الداخلية في مصر بعد وفاه الخليفة الفاطمي العاضد سنة 566ه‍ وحكم مصر كنائب لملك نور الدين . توفي السلطان نور الدين سنة 569ه‍ واستقرّ الأمر لصلاح الدين في مصر واستقلّ بحكمها وجمع الى سلطنته الشام وحلب ودمشق بعد إخماد الثورات فيها وأسّس الدولة العباسية .

وقعت معارك حاسمة بين صلاح الدين والصليبييّن ، ومن أشهرها معركة حطين الواقعة سنة 1187م التي هزمهم فيها أشد الهزيمة وكسّرهم كسرةً شنيعةً وحرر منهم بيت المقدس – حرم المسلمين – بعد ما احتلّوها في الحرب الصليبيّة الأولى . وعامل القدس وسكانَه معاملة حسنة  لا يوجد لها مثيل في التاريخ . كانت هذه الواقعة فصلاً مهماً في تاريخ الإسلام ، وكذا الغرب حيث علم الغرب قوة الإسلام الروحيّة والمادية .

توفي الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي وقال حين قربته الوفاة : لولا أن الموت أتاني لجعلت جميع الدول الأوروبية تدين الإسلام . وكانت حياته حافلةً بالخدمات الإسلامية وقد أمضى أكثر من 20 عاماً راكباً على الخيل يجاهد في سبيل الله وشغله الجهاد عن حج بيت الله الحرام . وكان يقول : إني أستحيي من الله أن أضحك والمسجد الأقصى أسير .

عثمان الغازي ( 1258 – 1324م ) :

هو عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه القايوي مؤسس الدولة العثمانية التي امتدت ستّة قرون تقريباً . كان أبوه أرطغرل عاملاً للدولة السلجوقية وقائد قبيلة الكاي التي كانت تسكن في الأناضول الواقعة بتركيا حالياً . وكانت هذه القبيلة تتنقل من مكان لآخر في طلب المعيشة . وفي الآن ذاته كانت المغول وسلاجقة الروم تسيطر على بعض الأنحاء من أوروبا وآسيا الوسطى . وكانت الأمة المسلمة معظمها تستظل تحت راية الخلافة العباسية . بعد وفاة أبيه أرطغرل ولّى عثمان قيادة القبيلة وأنشأ نظاماً وترتيباً في مناطقه بفضل الخليفة السلجوقي . ولما هاجم المغول على السلاجقة أعلن عثمان استقلاله عنهم وأنشأ دولةً مستقلةً سُميت فيما بعد باسمه الدولة العثمانية .

قد حارب الأعداء الألداء – المغول والبيزنطيين – في حروب متعددة وفتحَ مدناً ضخمةً وحصوناً متينةً مثل يارحصار وإزنيك وبرصة . حقّق عثمان الغازي هذه الفتوحات بدعم شديد وتحريض من شيخه الشيخ أديب علي الصوفي المشهور . وكان من أمنية عثمان الغازي أن ينشر نور الإسلام في كل جهات العالم عبر سلسلته ونسله ، وقد حقّق الله هذا الحلم بأبنائه وأحفاده الذين ضحّوا بنفسهم ونفيسهم في إعلاء كلمة الحق مثل السلطان سليمان القانوني ومحمد الفاتح وعبد الحميد الثاني وغيرهم .

السلطان سليمان القانوني ( 1494 – 1566م ) :

هو ابن السلطان العثماني سليم خان الأول وعاشر السلاطين العثمانيين والملقّب الثاني بأمير المؤمنين بعد وفاة أبيه الخليفة الأول سليم خان . قد امتدت مدة سلطنته من 1520 إلى 1566م أي ما يقارب 50 سنة . وبلغت الدولة العثمانية في عهده إلى قمة المجد وذروة العظمة . وكان السلطان سليمان حاكماً بارزاً حيث لقّبه الغرب بسليمان العظيم والشرق بسليمان القانوني لِما أصلح في النظام القضائي العثماني بإصلاحات قيمة جديدة فريدة . شاهد العلم دهاءه ومهارته في المجالات المختلفة من السياسية والاقتصادية والعسكرية . قد غزا القوات الأوروبية وفتح المراكز المسيحية مثل بلغراد ورودس وبدابدست . ومن إنجازاته الممتازة حصار فيينا (Vienna  ) سنة 1529م .

وهذه الواقعة أظهرت مهارته في قيادة الجيوش ، وملأ قلوبَ الأعداء بالخوف . سيطرت الأساطيل العثمانية في عهده في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر تحت قيادة الرؤساء والقادة المشهورين مثل       خير الدين بربروسا وإخوته البحّاريين . وكان الملوك الأوربيون يطلبون الدعم والمساعدة من السلطان القانوني خلاف أعدائهم كما طلب ملك هولندا المساعدة العسكرية منه لما حاول إسبانيا احتلال هولندا .  قال عنه المؤرّخ الألماني هالمر : إن سليمان أخطر على أوروبا من صلاح الدين الأيوبي . توفي سنة 1556م لأسباب طبيعية .

السلطان محمد ألب أرسلان ( 1029 – 1072م ) :

هو ضياء الدين أبو شجاع محمد ألب أرسلان بن شاغري بن سلجوق بن دقاق . واحد من السلاطين السلجوقيين وصاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذكرد سنة 1071م . بلغ حد حكمه من أقصى بلاد ما وراء النهر إلى أقصى بلاد الشام . كان ألب أرسلان مشهوراً ببسالته وشجاعته منذ صغره حتى لُقب بألب أرسلان أي الأسد الباسل . تولى الحكم بعد وفاة عمه طغرل بك  مؤسس الدولة السلجوقية سنة 1063م . كان وزيره نظام الملك معروفاً بالذكاء وقوه النفوذ حيث إنه لعب دوراً مهماً في تثبيت حكم السلطان ألب أرسلان وابنه ملكشاه بعده .

كان ألب أرسلان كعمّه قائداً بارعاً ظهرت مهارته في الاستراتيجية الحربية خاصةً خلاف القوات البيزنطينية . ومن أهم إنجازات السلطان فوزه في معركة ملاذكرد سنة 1071م . فاز فيه السلاجقة فوزاً كاسحاً على القوات البيزنطينية تحت قيادة الإمبراطور رومانوس جالينوس . وهذا الفوز أدّى الطريق للأتراك للدخول إلى الأناضول ونشر رسالة الإسلام فيها . ومن خطبته المشهورة قبيل معركة ملاذكرد : إني أقاتل محتسباً صابراً فإن سلِمتُ فنعمة من الله وإن كانت الشهادة فهذا كفني . ثم ربط ذيل فرسه بيده ولبس البياض كَفَناله . انهزم الروم وأسر إمبراطورهم فطلب من السلطان الفدية بالمال فاشترط السلطان عليه أن يُحرِّر كل أسير مسلم في بلاد الروم . وعقد البيزنطيون صلحاً مع السلاجقة وطالت مدته 50 عاماً . توفي سنة 1072م بسبب طعن رجل يسمى يوسف الخوارزمي ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه .

السلطان محمد الفاتح ( 1429 – 1481م ) :

هو الملك المجاهد والسلطان الغازي محمد خان الثاني بن مراد الثاني العثماني صاحب البشارة النبوية وفاتح القسطنطينية وسابع سلاطين آل عثمان . ولد سنة 1429م بمدينة أدرنة ، ويُروى أن والده مراد الثاني لم ينم طوال الليل لما علم بمخاض زوجته خديجة خاتون . وما زال يقرأ القرآن ولمّا بلغ سورة الفتح أتته البشارة بأن زوجته أنجبت صبياً ففرح وقال : الحمد لله لقد تفتّحت وردة محمدية في روضة مراد . نشأ وترعرع في جوّ دينيّ وتعلّم العلوم الدينية واللغتين العربية والفارسية من معلمه أحمد بن إسماعيل الكوراني ثم تعلم علوم القرآن وعلم الحديث والفقه وأصوله والجغرافية والمنطق والرياضات والفلك على يدي مرشده ومربّيه المشهور شمس الدين محمد بن حمزه المشهور بآق شمس الدين . وهذان الشيخان غرسا في قلب السلطان منذ صغره بأنه هو صاحب البشارة النبوية عن فتح القسطنطينية في الحديث الشريف : لتفتحّن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش .

جلس محمد الثاني على العرش العثماني مرتين : الأولى بعد وفاة شقيقه الأكبر علاء الدين واعتزال والده عن الحياة السياسية بسبب الهزيمة من قبل الصّليبييّن ، وفي تلك الفترة ما كان السلطان يمسك الحكم إمساكاً متيناً . فطفقت ثورات داخلية وخارجية من قبل الأعداء باستغلال عزلة السلطان مراد الثاني ، فأجبر على العودة وأسكن الثورات بجيش جرار . الثاني بعد وفاة أبيه مراد الثاني وهذه الفتره كانت مرحلةً ذهبيةً في التاريخ الإسلامي . قد حكم البلاد حكماً عادلاً وأقام العدل وأثبت التسامح الديني وبنى المساجد والمدارس وأزال الظلم . ومن إنجازاته العظيمة فتح القسطنطينية ، عاصمة الدولة البيزنطينية سنة 1453م . وهذا الفتح أنهى الحكم الروماني ، وكان فاتحة عهد جديد لا في التاريخ الإسلامي فقط بل في تاريخ البشرية جمعاء .

كانت خطته الحربية في فتح القسطنطينية مثيرةً للدهشة والتعجّب ، لأنه لمّا علم بعدم استطاعته على عبور مضيق بوسفرس إلى القرن الذهبي أتى بخطة عجيبة ، وهي أنه مهّد طريق البَّر الذي يبلغ طوله ثلاثة أميال ووضعت فوقه ألواح من الخشب وصُبّت عليها كميّة هائلة من الزيوت والشحوم لتسهيل انزلاق السفن عليها . وبهذا أمكن نقل حوالي 70 سفينة من البرّ إلى البحر في ليلة واحدة . واستعمل الجيش العثماني المدافع العظيمة لضرب الحصون والبروج المشيّدة .

وبعد الفتح عاملَ سكان القسطنطينية معاملةً حسنةً ومنح لهم الحرية الكاملة ونقل عاصمته إلى القسطنطينية المسماة باسطنبول حالياً . وقد هاجر بعض أصحاب الفنون والمهرة والعلماء الى الأوطان المجاورة مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا ، وكانت هذه الهجرة سبباً في عصر النهضة الأوروبية في القرن الخامس والسادس عشر . توفي سنة 1481م بسبب إصابته بالنقرس ، وهو المرض الوراثي لآل عثمان ودفن في إسطنبول بجهه قبلة المسجد الجامع الذي بناه .

ففي الجملة،  فهذه شخصيات بارزة كانت حياتهم حافلةً بالخدمات الإسلامية والإنجازات التي لا تزال تعيها ذاكرة الزمان على كرّ الأزمان والدهور . ووقفوا كالطود الشامخ والجبال الراسية أمام التّحديات وأيقظوا في قلوب الناس الشعور الديني ، وهم كالنجوم الساطعة التي يهتدى بها في الظلمات .  فقد آن الأوان للمسلمين أن يتنبّهوا من سباتهم العميق وأن يسيروا على نهج هؤلاء الشرفاء الكرماء المذكورين . أسأل الله أن يوفقَنا وللمسلمين لخدمة الإسلام مع الإخلاص الكامل . آمين .


*  محاضر في كلية دار الحسنات الإسلامية ، مالافورم ، كيرالا .