قواعد علم أصول الفقه وأثرها على تفسير نصوص القانون

التسويق الشبكي الهرمي
يونيو 23, 2023
خصائص فقه المعاملات في الإسلام
ديسمبر 11, 2023
التسويق الشبكي الهرمي
يونيو 23, 2023
خصائص فقه المعاملات في الإسلام
ديسمبر 11, 2023

الفقه الإسلامي :

قواعد علم أصول الفقه وأثرها على تفسير نصوص القانون

بقلم : الدكتور إبراهيم محمد موسى محمد *

المطلب الأول : مفهوم القواعد الأصولية :

الفرع الأول : تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً :

أولاً : القاعدة لغةً : القاعدة جمعها قواعد ، ومادة قَعَدَ في اللُّغة تفيد معنى :

  1. الاستقرار والثبات ، ومنه قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً ) [ النور :  60 ] ، جمع قعيدة ، سُمِّينَ بذلك لثبوتهنَّ ، واستقرارهنَّ في بيوت آبائهنَّ ، أو أوليائهنَّ ،أو أزواجهنَّ  [1] .
  2. ومن معاني القاعدة : الأساس ، فقواعد البيت أساسه ، ومنه قوله تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) [ البقرة : 127 ] . وأما في الفقه وأصوله فسميت القاعدة بذلك ، وذلك لبناء الأحكام الفقهية عليها كابتناء الجدران على الأساس [2] .

القاعدة اصطلاحاً :

وقد عَرَّف الفقهاء القاعدة بمعناها العام تعريفات عدة – لا مجال لذكرها في البحث – نختار منها : ” أنها قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها [3] .

الخلاصة :

إذاً وفقاً لما سبق من تعريفين أن القاعدة في اللغة لها عدة معانٍ ، منها الاستقرار والثبات ، وهذا المعنى يتوافق مع موضوع البحث ، إذ أن طبيعة النص القانوني الثبات والاستقرار ، والمعنى الثاني : الأساس ، وهذا أيضاً يتوافق مع قولنا أساس الحكم المادة كذا وكذا ، وأساس الحكم قوله تعالى … إلخ .

المطلب الثاني : القواعد الأصولية عند تفسير القانون :

فإن علاقة القانون والقواعد الأصولية الفقهية والقانون علاقة قديمة ، بل هي علاقة لا يُمكن الاستغناء عنها البتة ، إذ أن النصوص القانونية تحتوي على الأوامر والنواهي ، والعام والخاص ، والمطلق والقيد ، والنص والظاهر ، والمجمل والمتشابه ، والتعارض والترجيح ، ولا يمكن تحقيق العدالة وتطبيق النص القانوني إلا عبر القواعد الأصولية عند تطبيق أي نص قانوني ، وذلك تحقيقاً للعدالة وتجنباً للتطبيق الخاطئ للقانون والعدالة ، فلا يستطيع القاضي أو المحامي فهم النص أو تفسيره تفسيراً صحيحاً إلا إذا استصحب معه القواعد الأصولية عند تطبيقها ، لذا فإنه من الضرورة بمكان أن يهتم القاضي والمحامي والمشرِّع بالقواعد الأصولية والفقهية .

وعليه سنساعد القارئ في تناول بعض من هذه القواعد الأصولية ، والذي يساعد القاضي والمحامي عند تفسير نصوص القانون ، ولكن سيذكر الباحث ثلاث قواعد أصولية فقط في هذا المطلب ، لأن طبيعة البحث تقتضي الاختصار ، وهي على النحو التالي :

القاعدة الأولى : لا اجتهاد مع النص :

يجب أن تكون عقيدة القاضي وقناعته مبنيةً على القواعد الأصولية لاسيما هذه القاعدة ، أي أنه لا يجوز أي اجتهاد مع وجود نص قانوني واضح صريح ، حتى وإن كان ذلك يخالف مذهبه أو قناعته الشخصية ، فإن القاضي جهة تطبيق القانون والعدالة ، الاجتهاد والتفسير لأي نص صريح مخالف لمبادئ العدالة وتطبيق القانون .

وقد جرت عادة القضاء السوداني في استيعاب القواعد الأصولية عند تفسير القانون وتطبيقه ، وقد ورد في ذلك سوابق قضائية كثيرة منها :

سابقة قضائية :

عبد الرحمن فرح سنادة     ” الطاعن “

( ضد )

مجلس معاشات القضاة   ” المطعون ضده .

الرقم : م/ط/أ س من 2012/4/23م والتي جاءت أن القرار المطعون فيه أصاب عندما أسند إلى المادة 4(1) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م في شطب الطعن لعدم الاختصاص عملاً بالقاعدة : ” لا اجتهاد مع النص ” .

واختلف أعضاء المحكمة العليا المكونون من ثلاثة قضاة : مولانا سعودي كامل السيد ، ومولانا علي أحمد قشي ، ومولانا الأمين عوض علي .

واختلف الأعضاء على رأيين :

الرأي الأول : يرون أنه : ” لا يقتصر اختصاص قاضي المحكمة العليا المختص بنظر الطعون الإدارية على نظر الطعون في القرار الصادر من الجهات المذكورة في المادة 4(1) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م .

والرأي الثاني : رأي مخالف  يرى أن : ” القرار المطعون فيه أصاب عندما استند إلى المادة 4(1) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م في شطب الدعوى لعدم الاختصاص عملاً بالقاعدة : ”  لا اجتهاد مع النص ” .

الخلاصة :

يرى الباحث في السابقة أعلاه أن صاحب الرأي الثاني قد أصاب عند تمسكه بقاعدة لا اجتهاد مع النص ، وعليه فإن الباحث يرى أن رأي الأول في محاولة تأويل النص الواضح الصريح وتفسيره من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م لم يجانبهم الصواب في ذلك ، لأن النص واضح وصريح ، إذاً يجب تطبيق قاعدة لا اجتهاد مع النص ، لأنه أقرب لتطبيق القانون .

القاعدة الثانية : تخصيص العموم بالنية والقصد :

وهذه القاعدة تتوافق مع مبادئ القانونية العظيمة عند تطبيق القانون ، خاصةً في قضايا الجنايات ، ومحاولة تفسير حسن نية المتهم أو سوء نيته أمر واجب ولازم لتطبيق العدالة ، لذا فإن المشرِّع السوداني  لسنة 1991م في المادة (3) قد عرف كلاً من مصطلح  سوء قصد ، وحسن نية . وعرف المشرع ” سوء قصد : بأنه : ” يُقال عن الشخص أنه فعل شيئاً         ” بسوء قصد ” إذا فعله بقصد الحصول على كسب غير مشروع لنفسه أو لغيره ، أو تسبب بخسارة غير مشروعة لشخص آخر .

وعرف ” حسن نية ” في نفس المادة بأنه ” يُقال عن الشخص أنه فعل الشيئ ، أو اعتقده بحسن نية ، إذا حصل الفعل أو الاعتقاد مع سلامة النية وبذل العناية والحيطة اللازمتين .

إذاً فإن قاعدة الأصولية ” تخصيص العموم بالنية والقصد ” وهذا يتوافق تماماً مع مبادئ القانون الجنائي ، وهذا ما أراد الباحث في هذا البحث .

القاعدة الثالثة : ” كل عام يحتمل التخصيص ” :

وهذه القاعدة تتوافق مع قاعدة القانونية المتعارف عليها ” الأصل والاستثناء ” ما من أصل في القانون إلا وله استثناء على سبيل المثال لا الحصر المادة (130) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م أنه من حيث الأصل القاتل يقتل ، وهذا عام ، وخصص العام بالاستثناء تحت المادة (130) وجعل لها عشرة استثناءات .

ويكتفي الباحث بهذا القدر من القواعد الأصولية المتعلقة لتفسير القانون وتطبيق العدالة ، وهذا يفتح آفاقاً للقارئ في التوسع في الموضوع .

الحقيقة الأصولية وأثرها على تطبيق النصوص القانونية :

المطلب الأول : مفهوم الحقيقة الأصولية :

فإن الحقائق في علم أصول الفقه ثلاثة أنواع : الحقيقة الشرعية ، والحقيقة اللغوية ، والحقيقة العرفية . والتفصيل على النحو التالي :

الفرع الأول : تعريف الحقيقة لغةً واصطلاحاً :

أولاً : الحقيقة في اللغة : الحقيقة في اللغة مأخوذة من حقَّ يحقُّ حقّاً  وحقيقةً ، يقال : حقَّ الشيئ إذا وجب وثبت ، ومنه قوله تعالى : ( وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ) [ غافر : 6 ] ، وحقَّقتُ الأمر وأحققته أحقه إذا تيقنته أو جعلته ثابتاً لازماً ، وحقيقة الشيئ : منتهاه وأصله المشتمل عليه [4] .

قال ابن فارس : ” حق الحاء والقاف أصل واحد ، وهو يدل على إحكام الشيئ وصحته ، فالحقُّ نقيض الباطل ، ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق ، ويقال : حقَّ الشيئ : وجب ” [5] .

الخلاصة :

إذا أطلق الحقيقة في اللغة يُراد بها أحد المعاني التالية :

  • الوجوب ، والثبوت ، واللزوم .
  • الإحكام ، والصحة .
  • غاية الشيئ ، ومنتهاه ، وأصله وماهيته .
  • التيقن ، والجزم ، والقطع .

ثانياً : الحقيقة اصطلاحاً : وعرف الحقيقة اصطلاحاً عدة تعريفات منها :

  1. ” أنها اللفظ المستعمل فيما وُضِعَ له ” [6] .
  2. وزاد عليه السبكي ” في اصطلاح التخاطب ” [7] ، لأنه إذا كان التـخاطب باصطلاح ، واستعمل فيما وُضِعَ له في اصطلاح آخر ، لمناسبة بينه ، وبينما وُضِعَ له في اصطلاح التخاطب ، كان خارجاً عن حد الحقيقة ، مع أنه لفظ مستعمل فيما وُضِعَ له .
  3. ومنها قول الآمدي : الحقيقة هي ” اللفظ المستعمل فيما وُضِعَ له     أولاً ” [8] . ليخرج مثل ما سبق إيراده في التعريف السابق .

هذه العبارات وغيرها ذكرها الأصوليون لتعريف الحقيقة ، وهي وإن كانت مختلفةً في ألفاظها إلا أنَّ معناها واحد ، وهو استعمال اللفـظ فيما وُضِـعَ له بحسب اصطــلاح التخاطب [9] .

الفرع الثاني : أقسام الحقيقة الأصولية :

فإن الحقائق في علم أصول الفقه ثلاثة أنواع : الحقيقة الشرعية ، والحقيقة اللغوية ، والحقيقة العرفية . والتفصيل على النحو التالي :

أولاً : الحقيقة الشرعية :

الشرعية لغةً واصطلاحاً : الشرعية في اللغة مأخوذة من شرع . قال ابن فارس : شرع : الشين والراء والعين أصل واحد ، وهو شيئ يُفتح في امتداد يكون فيه ، من ذلك الشريعة ، وهي مورد الشاربة الماء ، واشتق من ذلك الشرعة في الديــن والشريعــة ، قَــالَ اللَّهُ تَـعَــالَى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) [ المائدة : 48 ] [10] .

والشرع في الاصطلاح : ” ما شرع الله تعالى لعباده من الدين [11] .

مفهوم الحقيقة الشرعية عند الأصوليين :

عرَّف الأصوليون الحقيقة الشرعية بتعريفات عدة ، اختلفت ألفاظها واتحد معناها ، أهمها ما يأتي :

  1. عرَّفها الرازي بقوله : ” هي اللفظة التي استفيد من الشرع وضعها للمعنى سواءً كان المعنى واللفظ مجهولين عند أهل اللغة أو كانا معلومين [12] .
  2. وقال الآمدي : ” هي استعمال الاسم الشرعي فيما كان موضوعاً له أولاً في الشرع ” [13] .
  3. وعرفها السبكي بأنها : ” اللفظة التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع ” [14] .

الخلاصة :

وهذه التعريفات وغيرها اتفقت في معناها الدال على اختصاص الشرع بالمعنى المراد من اللفظ المستعمل في الخطاب الشرعي .

ثانياً : الحقيقة اللغوية :

مفهوم الحقيقة اللغوية : ” وهي اللفظ المستعمل فيما وُضِعَ له أصلاً ” [15] .

ومثالها استعمال كلمة ” الأسد ” للحيوان المفترس المعروف ، واستعمال كلمة ” الصلاة ” للدلالة على الدعاء .

ثالثاً : الحقيقة العرفية :

مفهوم الحقية العرفية : وهي ” اللفظ المستعمل فيما وُضِعَ له بعرف الاستعمال ” [16] .

والاسـم يصـير عرفيـاً باعتـباريـن :

أحدهما : أن يخصص أهل اللغة بالعرف الاسم ببعض مسمياته الوضعية ، كتخصيص الدابة بذوات الأربع ، مع أنها في أصل الوضع لكل ما يدبُّ على الأرض [17] .

والاعتبار الثاني : أن يكون الاسم في أصل اللغة قد وُضِعَ لمعنىً ، ثم كَثُرَ استعماله فيما له نوع مناسبة وملابسة فيه بحيث إذا أُطلق لا يفهم المعنى الأول ، كالغائط فإنه موضوع في الأصل للمكان المطمئن من الأرض التي تُقضى فيها الحاجة غالباً [18] .

وأطلقه العرف على الخارج المستقذر من الإنسان كنايةً عنه باسم محله لنفرة الطباع عن التصريح به [19] .

المطلب الثاني : الحقائق الأصولية الثلاث وأثرها على تطبيق القانون :

وفي هذا المطلب يستنبط الباحث الحقائق الأصولية الثلاثة وأثرها على تطبيق القانون ، ويرى الباحث أن فهم دلالات الأصولية للحقائق الشرعية واللغوية والعرفية ضرورة من الضروريات في تطبيق القانون ، وإذ أن الحقيقة العرفية مصدر من مصادر القانون ، وما من قانون في أي دولة من الدول في العالم إلا وكان من مصدرها العرف .

والعرف مؤصل في الشريعة الإسلامية : قال تعالى : ( خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ ) [ الأعراف : 199 ] .

ومن القواعد الفقهية الواردة في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م السوداني في  المادة (6)  ” العادة محكمة ” .

وعليه فإن الحقائق الأصولية الثلاث قواعد الشرعية ، واللغوية ، والعرفية ، واجب اتباعه عند تطبيق القانون ، وخاصة الحقيقة الشرعية ، ومجال تطبيق هذه الحقائق في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين السوداني لسنة 1991م والذي نصت صراحةً في المادة (6) على أنه يجب على القاضي استصحاب المبادئ الأصولية الفقهية لدى تطبيق القانون .

ولذا فإن التعامل مع القواعد الأصولية والحقائق الأصولية أمر لازم بنص القانون ، وهذا يؤكد على أهمية هذه القواعد والحقائق عند تفسير القانون ، وسنذكر بعضاً من هذه القواعد والحقائق ، وهي على النحو التالي :

القاعدة الأولى : ” الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ” :

ويجب على القاضي عند تطبيق القانون مراعاة هذه القاعدة الأصولية ، لأن الأصل في قضايا الأحوال الشخصية ” الصلح ” لا الغرامة أو السجن ، والأصل في ذلك قوله تعالى : ( وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ ) [ النساء : 128 ] . وقوله سبحانه : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) [ النساء : 35 ] .

لذا فإن الأصل في قضايا الأحوال الشخصية كالتطليق أو النزاع بين الزوجين وغيرها ، هو اتباع هذه القاعدة وتطبيقها لأنها تطبيق للقانون وأقرب للعدالة .

القاعدة الثانية : ” اليقين لا يزول بالشك ” :

أي ما بني على يقين لا ينفى بالشك ، ما بني على يقين فهو صحيح ما لم يأت يقيناً مثله في نفيه وإنكاره ، ويجب على القاضي اتباع هذه القاعدة في أي دعوى مقدمة أمامه ليس فيها أدلة كافية وإثبات عليها بل يجب رفض الدعوى من حيث الأصل بناءً على هذه القاعدة لأن الأصل مابني على يقين لا يزال بالشك وعدم الأدلة والإثبات .

القاعدة الثالثة : ” العادة محكمة ” :

لقد سبق شرح هذه القاعدة وأهميتها للقاضي ، إذ أن العرف مصدر من مصادر القانون ، وعليه أن يراعى أعراف البلد عند تطبيق القانون ، وهذا أمر لا بد منه .

القاعدة الرابعة : ” الضرر يُزال ” :

وهذه القاعدة تمنع الضرر مطلقاً ، بل تمنع وقوعها ، وتتوافق مع القاعدة القانونية أي ضرر لحق بشخص أو تسبب له ضرراً يستوجب التعويض ، والشرح في هذا الباب يطول ، ولكن فإن الضرر اهتمت به الشريعة الإسلامية والقانون على حدٍ سواء في رفع الضرر الواقع لشخص ، بل أوجبا التعويض عليه . وعليه فإنه يجب على القاضي مراعاة مقدار الضرر وما تسبب به الضرر ، وكيفية التعويض تطبيقاً لهذه القاعدة الأصولية والفقهية .

الخلاصة :

وقد جرى الاستدلال بهذه القواعد الأصولية الشرعية عند القضاء السوداني ، كما ورد ذلك في عدة سوابق قضائية ، منها ما فسرت هذه القواعد ، ومنها ما استنبط منها الأحكام ، على سبيل المثال :

سابقة قضائية :

حكومة السودان / ضد / الأمين محمد أحمد

( م ع / فحص ج/1984/12 ) . والتي جاء فيها :

– أن المحامي نجيب مصطفى حسن نيابةً عن المتهم يرى :

أن الأصول الشرعية وبالأحرى القواعد الأصولية هي ما يستعان بها على استخراج الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، والقواعد الأصولية بهذا المعنى فهي قوانين يعمل في ضوئها ويهتدى بهديها في استنباط الأحكام .

إذاً أن محامي الاتهام يرى أن القواعد الأصولية الشرعية والفقهية قانون يُعمل بها .

– إلا أن تفسير المحكمة العليا جاء بأن : ” القواعد الأصولية والقواعد الفقهية ليست أحكاماً شرعيةً بالمعنى المقصود في المادة 239(1) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1983م .

لذا يرى الباحث فإن تفسير المحكمة العليا للقواعد الأصولية والفقهية قد أصابت لقولها أنها ليست أحكاماً شرعياً ، لأن الحكم الشرعي والأدلة الشرعية محددة في علم أصول الفقه ، وعليه فإن المحامي في قوله أنها قانون يعمل بها لم يجانبه الصواب في هذا ، ولكن قد أصاب في جزئية قوله : ” يستعان بها على استخراج الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية .

وعليه فإن القواعد الأصولية والشرعية ليست أحكاماً شرعيّاً ولا قانوناً ، ولكن يجب الاستعانة منها إذا كان النص الشرعي ليس قطعي الدلالة والثبوت ، كما يجب الاستعانة بها عند تفسير نص قانوني غير واضح الدلالة والمعنى .

الخاتمة :

وفي الختام نحمد الله سبحانه وتعالى على توفيقه ومنه وكرمه على إتمام هذا البحث ، وهذا وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه ، وأرجو من القارئ التوسع في الموضوع .

النتائج والتوصيات :

وقد توصل الباحث على عدد من النتائج والتوصيات منها :

أولاً : النتائج : توصل الباحث إلى :

  1. أن أصول الفقه له دور كبير في تفسير القانون وفهم  النصوص .
  2. وأن القواعد الأصولية تساهم في فهم القاضي للنصوص .
  3. وأن مراعاة دلالات الألفاظ في الحقائق الشرعية والعرفية واللغوية يساعد في تطبيق العدالة والقانون .
  4. وأن فهم علم أصول الفقه وقواعده ودلالاته بات أمراً ضرورياً في مجال تطبيق القانون .
  5. وأن أصول الفقه والقانون يكمل بعضهما البعض في تطبيق القانون والعدالة .

ثانياً : التوصيات : يوصي الباحث :

  1. القارئ بمزيد من الاهتمام والاطلاع والتوسع في هذا المجال .
  2. القاضي والمحامي على أن يتفقها ويتعمقا في علم أصول الفقه والقانون .
  3. الاستعادة بقواعد الأصولية عند تطبيق أي نص قانوني .
  4. القاضي مراعاة القواعد الأصولية ودلالاتها عند تفسير القانون .
  5. الاهتمام بالعلم والتفقه قبل تطبيق القانون .

* رئيس قسم أصول الفقه بكلية القانون ، جامعة الرباط الوطني ، المغرب .

[1] ابن فارس ، أبو الحسين ، أحمد بن فارس بن زكريا ( ت 395هـ ) ، معجم مقاييس اللغة ، تحقيق : عبد السلام هارون ، دار الفكر ، 1399هـ/1979م ، ج 5 ، ص 108 .

[2] ابن منظور ، أبو الفضل ، محمد بن مكرم بن علي ( ت 711هـ ) ، لسان العرب ،        دار صادر ، بيروت ، ط 3 ، 1414هـ ، ج 3 ،ص 361 وما بعدها .

[3] أبو البقاء الكفوي ، أيوب بن موسى الحسيني ، الكليات ، ط : مؤسسة الرسالة ، دمشق ، 2011م ، ص 728 .

[4] الجوهري ، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار ،       دار العلم للملايين ، بيروت ، 1430هـ ، ط 3 ، 1997م ، ج 4 ، ص 146 .

[5] ابن فارس ، أبو الحسين أحمد ، معجم مقاييس اللغة ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، 1411هـ ، ج 2 ، ص 15 .

[6] الأنصاري ، عبد العلي محمد بن نظام الدين ، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ، المطبعة الأميرية ، بولاق ، مصر ، ط 1 ، 1322هـ ، ج 1 ، ص 203 .

[7] السبكي ، علي بن عبد الكافي ، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، تحقيق جماعة من العلماء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1416هـ/1995م ، ط1 ، ج 1 ، ص 127 .

[8] الآمدي ، علي بن محمد ، الإحكام في أصول الأحكام ، تحقيق : سيد الجمـيلي ،      دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1404هـ ، ط 1 ، ج 1 ، ص 26 .

[9] القرافي ، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول ، تحقيق : طه عبد الرؤوف سعد ، طبع دار الفكر ، القاهرة ، ط 1 ، 1393هـ/1973م ، ص 42 .

[10] ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، 1411هـ ، ج 3 ، ص 262 .

[11] البعلي ، شمس الدين محمد بن أبي الفتح ، المطلع على أبواب المقنع ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1385هـ ، ط 1 ، ص 389 .

[12] الرازي ، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين ، المحصول في علم الأصول ، دراسة وتحقيق : طه جابر العلواني ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، السعودية ،     ط 1 ، 1400هـ/1980م ، ج 1 ، ص 298 .

[13] الآمدي ، علي بن محمد ، الإحكام في أصول الأحكام ، تحقيق : سيد الجمـيلي ،       دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1404هـ ، ط 1 ، ص 27 .

[14] السبكي ، علي بن عبد الكافي ، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، تحقيق : جماعة العلماء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1416هـ/1995م ، ط 1 ، ج 1 ، ص 275 .

[15] المرجع السابق .

[16] ابن قدامة ، عبد الله بن أحمد ، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، 1423هـ ، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع ، 2002م ، ط 2 ،     ج 2 ، ص 54 .

[17] الحسيني ، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق ، تاج العروس من جواهر القاموس ، دار الهداية ، مصر ، ج 1 ، ص 24 .

[18] ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، 1411هـ ، ج 3 ، ص 402 .

[19] السبكي ، علي بن عبد الكافي ، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، تحقيق : جماعة العلماء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1416هـ/1995م ، ط 1 ، ج 275 .