الصحافة العربية الهادفة وتأثيرها على المجتمع !

الحج ودعائم الوحدة الإسلامية !
يونيو 23, 2023
أخي القارئ الكريم !
نوفمبر 18, 2023
الحج ودعائم الوحدة الإسلامية !
يونيو 23, 2023
أخي القارئ الكريم !
نوفمبر 18, 2023

الافتتاحية :                بسم الله الرحمن الرحيم

الصحافة العربية الهادفة وتأثيرها على المجتمع !

الصحافة العربية نبعت من القرآن الكريم ، الذي هو المنبع العظيم ، بل الأخير للغة العربية التي تجذب قلوب أهل الإسلام إلى ذلك الأسلوب العالي ، والطريق المطهَّر ، الذي لم يعرفه الناس قبل نزول كتاب الله تعالى في الجزيرة العربية ، فإنه نزل على نبينا العظيم سيدنا محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ، وليست الصحافة العربية إلا مدرسةً دائمةً ، تسع المسلمين كلهم مهما كانوا في أي زاوية من العالم ، فإن نعمة الإسلام الدائمة في العالم منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجزيرة ، عُرفت بالرسالة الخالدة ، وكانت بعثته كآخر رسول يحمل تعاليم الحياة الإسلامية إلى يوم القيامة في الدنيا وبعدها في الآخرة في جنات النعيم ، التي يجعلها الله تعالى نعمةً كبرى لعباده المسلمين الصادقين ، والله سبحانه وتعالى يشير إلى ذلك في مواضع كثيرة في كتابه العظيم : ( إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ . فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ . كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ الطور : 17 – 19 ] ، و ( إِنَّا كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ) [ المرسلات : 44 ] .

لقد كان العمل لبناء الحياة على أسس ثابتة وطيدة لأن نعرف قيمة هذا الدين الأخير ، ونصوغ حياتنا في قالبه النبوي الواسع الكبير ، الذي يدوم إلى يوم القيامة ، والذي ينتهي فيه العالم المادي ، وينتقل الناس وأمور الحياة كلها إلى النظام السماوي الدائم ، الذي ليس بعده عالم بشري ، تحت أديم السماء ، في أي حال من الأحوال ، إنما هو الحكم الإلهي في أمر الله تعالى الذي يعيش به المرء في جنات النعيم .

ومن ثم كانت حياة الإنسان في العالم المادي تمارس الحياة الدائمة في العالم السماوي ، وهي التي تفتح الطريق الواسع إلى السماء بعد الموت ، حينما تقوم القيامة ويتمتع الإنسان بحياة جديدة تغاير حياة الدنيا ، يكون لها دستور واضح وطريق معلوم لقضاء الحياة الدائمة السرمدية التي يعيش فيها الإنسان في ضوء الأحكام التي تبين لكل نوع من العائشين في العالم المادي ، يقول الله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ . ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ ) [ البقرة : 155 – 157 ] .

ومن ثم يستطيع الإنسان أن يجعل حياته نموذجاً عالياً ، ومثالاً راقياً لحياة المسلم العائش في ظل الإسلام ، تحت أوامر الله تعالى ، التي تكون طريقاً واضحاً ، مفتوحاً إلى جنات ونعيم في الآخرة ، حيث ينال المرء جزاء كل عمل مرضي عند الله بسخاء دائم وإعلان واضح ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

وليس كل ما يعيش فيه الإنسان بانتمائه إلى الإسلام مقبولاً ، ما لم تكن روح التقوى محيطةً به من جميع النواحي ، وفي كل صغير وكبير ، فإن هناك أناساً ، بل جماعات كبيرةً يعلنون بالانتماء إلى الدين الإسلامي ، ولكنهم لا يعرفون معنى الدين والتقى ، ويقضون أيامهم العزيزة بعيدةً خاليةً عما قد سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بالإيمان الخالص لوجه الله تعالى ، ذلك الذي لا يتحقق إلا بالطاعة لهما ، وللامتثال الخالص لجميع الأمور الشرعية من الولادة إلى الممات في الدنيا ، وقد جعله الله تعالى نموذجاً عالياً من الحياة في ضوء الكتاب والسنة في جميع نواحي العلم والعمل ، وتطبيق الأحكام الشرعية على كل جانب مهما كان صغيراً في ظاهر الأمور .

من هنا نستطيع أن نعرف أن الصحافة المرضية ليست إلا صورةً صادقةً من الأحداث والوقائع ، التي يتحدث عنها الصحفي الصادق في ضوء الحقيقة الواضحة ، وإن كانت صحافة اليوم ذات اختلاط من الصدق والكذب ، حتى يكون الصحفي يراعي المصالح السياسية والثقافية في الأجواء من كل نوع ، ويكون قد نشرته صحيفة أو جريدة لا شأن لها .

إن المجهودات التي تقوم بها الصحف والمجلات الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم من إبراز الجوانب الحيوية ومعالجة قضايا الأمة الإسلامية والتعليق على الأحداث والوقائع التي تحدث على الساحة إنما هي مساع مشكورة ومقدَّرة ، ولكنها لا تستغني مع ذلك عن إبراز مفاهيم الصحافة الإسلامية وتصوراتها الشاملة على العقل الإنساني ، بغاية من الوضوح ، وبروح من العدالة الاجتماعية ، بلغات مختلفة ، ومع مراعاة الجاذبية في الشكل والمضمون ، كما يجب أن لا تفارق الصحافة والمجلات الإسلامية رسالتها المبدئية وأهدافها الرشيدة خاصةً في العالم الحديث الذي تقاربت فيه المسافات ، وتذاوبت فيه الأبعاد ، وأصبح فيه للصحافة دور ملحوظ بالاتصالات العلمية وتبادل الثقافات والأفكار على مستوى الشعوب والأمم ، وبذلك تفضح صحافتنا الإسلامية مراوغات الصحافة الانتهازية المادية التي تعمل جاهدةً للقضاء على كل صحوة إسلامية وتسعى إلى تشويه الحقائق ، وإسدال الستار على واقع محاسن الإسلام ونظمه ، وهي بذلك تشمل جميع النواحي الإنسانية الحية ، وتحافظ على القيم الخلقية والمثل الإسلامية في جميع مراحل الترتيب والطبع والنشر والتوزيع ، وتواصل ببيان الحقائق والأرقام والإحصائيات الدقيقة ، لكي تستطيع أن تقاوم ذلك التعتيم الإعلامي الذي تقوم بها وسائل الإعلام المغرضة في البلدان المادية ، وتفخيم أمور حقيرة وتكبير صور زائفة للتقدم في مجالات علمية أو حضارية لها اتصال بالغرب ، كما أنها تعمل بالتخطيط الكامل في مجال الجرائم الخلقية والسياسية التي تولاها الفئات المجرمة وطوائف ” المافيا ” .

هناك صحافات من كل نوع ، وفي لغات عالمية كثيرة تملأ العالم كله وتنشر أخباراً ، ومقالات وتعليقات وبيانات من المواد التي لم تنشر إلى الآن ، وبكتابة إعلامية نالت إعجاباً وقبولاً بين القراء والمثقفين ، وقد كانت جماعة من الصحفيين الكبار من أهل العلم وأصحاب الثقافات العالية في العصور الماضية ، وفي الأزمان الحاضرة ، ممن رفعوا مستوى الصحافة سواءً في الشرق أو الغرب ، ولا تزال أجيال من أمثال هؤلاء الهادفين الكبار ، يسهمون في العصر الحاضر في رفع مستوى الصحافة من كل نوع ، فإذا بحثنا عن الموضوع مجرَّدين عن كل عصبية ، وبعيدين عن كل نسبية أدركنا أن الصحافة لا يستغني عنها الزمان ولا الإنسان في أي بلد أو بقعة ، ولكن الصحافة العربية لها شأن وأهمية كبيرة في الدول الإسلامية ، والمراكز الثقافية في العالم كله .

ومن هنا كانت للصحافة العربية أهمية قُصوى في الدول العربية والإسلامية ، ودخلت هذه الصحافة في البرامج العلمية والثقافية من كل لغة وبلدة ، وأصبحت المدارس الإسلامية العربية مركزاً للعلوم الأدبية والثقافية والصحفية والتأليفية ، ونالت مكانةً واسعةً في مدارس الهند الإسلامية .

ويشرفني أن أتحدث عن ندوة العلماء في الهند ، التي رفعت شأن الأدب العربي والصحافة العربية والتأليفات والمحاضرات العربية ، واعترف بذلك علماء العلم والثقافة والأدب العربي والمؤلفات العربية ، فكان ذلك اعترافاً من العالم كله بالأدب والتاريخ والثقافة والعلوم ، وبكل ما دبجته أقلام الأدباء والمثقفين والمؤرخين في هذا المركز العلمي والثقافي .

ومن ثم كانت ندوة العلماء في الهند حاجةً أكيدةً للعلم والدين ، وللثقافة والأدب ، وقد كان تأسيسها كأصل مهم للعلماء والطلاب ولشئون العلم والأدب ، والدعوة والفكر الإسلامي ، فكان المتخرجون من هذا المركز العلمي والثقافي ، ومن هذا المنبع الفكري قد تمكنوا بمجرد فضل من الله وتأييده أن يكونوا في الصف الأول من العلماء والدعاة والمثقفين ، وذلك من خلال كل فضيلة وأدب ودعوة إسلامية يفتقر إليها العلماء والدعاة في جميع الأزمنة والأمكنة .

ومن هنا كانت الصحافة العربية إحدى دعائم التعليم والتربية والأسس الدينية والثقافية ، وركناً مهماً من أركان العلم والدعوة إلى الله تعالى ، فقد كان هذا الدين مؤسساً على أسس ثابتة من كل نوع من العلم والأدب والثقافة والدعوة إلى الخير ، فكانت الصحافة العربية الإسلامية أساساً متيناً وقاعدةً موفقةً من قواعد الدين الإسلامي الحنيف والدعوة إلى الله تعالى الذي يقول : ( ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) .

وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب .

سعيد الأعظمي الندوي

5/ذو الحجة/1444هـ

24/يونيو/2023م