كتاب الآثار للإمام أبي يوسف رحمه الله :

توفيق الحكيم رائد الفن المسرحي
مارس 15, 2023
المحسنات اللفظية في الأدعية القرآنية
مارس 15, 2023
توفيق الحكيم رائد الفن المسرحي
مارس 15, 2023
المحسنات اللفظية في الأدعية القرآنية
مارس 15, 2023

نفحة نظامية للعالم الإسلامي

دراسات وأبحاث :

كتاب الآثار للإمام أبي يوسف رحمه الله :

نفحة نظامية للعالم الإسلامي

د . سعيد بن مخاشن *

إن مجلس إحياء المعارف النعمانية جمعية البحث والتحقيق التي أنشأتها كوكبة من علماء الجامعة النظامية بحيدرآباد الدكن ، للمحافظة على أمهات الكتب للفقه الحنفي ، واقتناء نفائس المخطوطات من مختلف خزائن العالم ، ثم نشرها بعد البحث والتحقيق والتعليق عليها ، إن فكرة إرساء قواعد هذا المجلس كانت تختلج في صدور علماء الجامعة النظامية وتشرئب على ألسنتهم وتهيج في قلوبهم منذ سنين طويلة رغبة في إنشائه ونظراً إلى خطورة أمره ، وعظم فائدته ، وشدة حاجة الأمة الإسلامية إليه ، قاموا بتكوينه وتجسيده يوم الجمعة 30 ربيع الآخر عام 1348هـ المصادف 4 دسمبر 1929م في رحاب الجامعة النظامية .

ذكر الإمام أبو الوفاء الأفغاني رحمه الله في مقدمة ” النكت ” عن دافعة تأسيس ” مجلس إحياء المعارف النعمانية ” قائلاً : ” ولما أسسنا لجنة إحياء المعارف النعمانية لإشاعة كتب أصحابنا المتقدمين كالإمام أبي يوسف والإمام محمد رضي الله عنهما فتشنا خزانات العالم لنظفر بكتبهم ، وراسلنا علماء بلاد شتى ليفيدونا بما لهم من علم بتلك الكتب القيمة والجواهر الثمينة . . . ” [1] .

” كتاب الآثار ” للإمام أبي يوسف رحمه الله :

يعتبر كتاب الآثار لأبي يوسف رحمه الله من المراجع القيمة للباحثين في تخصص علوم الحديث الشريف على نحو خاص ومعظم الكتابات الفقهية والإسلامية بصفة خاصة ، حيث يدخل كتاب الآثار لأبي يوسف في إطار مجال تخصص علم الحديث ، وله صلة بالمجالات الأخرى ولا سيما علوم الفقه والتفسير ودراسات السيرة النبوية والثقافة الإسلامية .

قبل أن يقوم المجلس بنشر كتاب الآثار كان كتاب الخراج للإمام أبي يوسف رحمه الله كتاباً وحيداً متداولاً بين الأوساط العلمية لكن مجلس إحياء المعارف النعمانية قد تشرف بتقديم الكتاب الآخر للإمام أبي يوسف رحمه الله في الأوساط العلمية والشعبية وهو ” كتاب الآثار ” .

وقال الإمام أبو الوفاء الأفغاني في مقدمة ” كتاب الآثار لأبي يوسف ” : ” أما بعد ، فإن لجنتنا ” إحياء المعارف النعمانية ” التي غرضها إشاعة كتب المتقدمين من أئمتنا ، أرادت أن تنشر ” مسند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي رضي الله عنه ” ، تصنيف تلميذه القاضي الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري رضي الله عنه ” [2] .

إرسال الرسائل إلى بلاد شتى للحصول على المخطوطات :

يقول الإمام الأفغاني رحمه الله عن الرسائل التي كتبها إلى مختلف البلدان للحصول على المخطوطات والمؤلفات النادرة وللعثور على مخطوطة كتاب الآثار : ” فبحثنا عن نسخة منه في البلاد الإسلامية ، وكتبنا إلى بلاد شتى من الآستانة والشام والهند وعلماء مصر ، فلم نعثر إلا على نسخة واحدة في دار الكتب المصرية ، كتبنا إلى مديرها الأستاذ الكبير محمد أسعد براده بك فأرسلها إلينا مشكوراً ” [3] .

يقول الإمام الأفغاني رحمه الله عن عمله وطريق البحث والتحقيق ونسخ هذا الكتاب : ” فإن لجنتنا ” إحياء المعارف النعمانية ” التي غرضها إشاعة كتب المتقدمين من أئمتنا أرادت أن تنشر ” مسند ” الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه ، تصنيف تلميذه القاضي الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري رضي الله عنه .

فبحثنا عن نسخة منه في البلاد الإسلامية ، وكتبنا إلى بلاد شتى من الآستانة والشام والهند وعلماء مصر ، فلم نعثر إلا على نسخة واحدة في دار الكتب المصرية ، كتبنا إلى مديرها الأستاذ الكبير محمد أسعد براده بك فأرسلها إلينا مشكوراً . فألفيناها من أحسن النسخ خطاً وصحةً ، بيد أن أوراقها فيها تقديم وتأخير ، وفي بعضها طمس ، وفي آخرها نقص ، ففكرت فيه طويلاً ورتبته ، فتبين بعد الترتيب أن بعض الأوراق ساقط وأن ” كتاب النكاح ” و ” أكثر الإيمان ” و ” كتاب الحدود ” و ” الشهادة ” ساقطة ، وأما نقصه من الآخر فأظنه يسيراً ، ومع هذا فأنت ترى آثار الطهارة في الصلاة ، وآثار النكاح في الطلاق ، وآثار أبواب شتى في غير مظانها ، ولعل هذا – والله أعلم – حصل من بعض الرواة أو النساخ أو من سقوط ألفاظ الأبواب من كثير من المقامات ، كما نبهت عليه في التعليق . فنسخت الكتاب من النسخة بعد ترتيبها وتوفرت على تصحيحه ، ولم آل مجهودي فيه مع قلة بضاعتي وقصر باعي ، ومن يستطيع أن يعطي التصحيح حقه ؟

وعلقت عليه تعليقاً وجيزاً ترجمت فيه رجاله ، ومن لم أجد له ترجمةً تركته لأخينا المفضال الأستاذ الشيخ رضوان محمد رضوان [4] وكيل اللجنة بمصر ، وما طمس منه سودته بعد مراجعة المسانيد والتفكير الطويل ، وما لم يظهر لى تركته للأخ المذكور ، كان الله له .

وبحثت فيه عن لغة الحديث وسنده من تعضيد الضعيف ، والاستشهاد له ، ووصل المعلق والمنقطع ، وتركت تحقيق السند في كثير من المقامات خشية التطويل ، ولاشتغالي بالتدريس وغيره .

وتكلمت فيه على فقه المتون ، ونقلت أكثر فقهه من كتاب      ” الآثار ” و ” المؤطا ” وكتاب ” الحجة على أهل المدينة ” و ” كتاب الصلاة ” للإمام محمد بن الحسن ، ومن ” كتاب الخراج ” للإمام أبي يوسف ،      و ” المبسوط ” للإمام السرخسي ، و ” الهداية ” و ” فتح القدير ” وغيرها .

وأما حل لغاته فمن كتب اللغة الشهيرة ، مثل ” مجمع بحار الأنوار ” ورمزه ” مجمع ” ، و ” المغرب ” ورمزه ” مغ ” ، وقاموس المجد ورمزه ” ق ” ، و ” المنجد ” ورمزه ” منج ” ، وما سواها صرحت بأسمائها .

وأما ترجمة رجاله فمن ” تهذيب التهذيب ” ورمزه ” ت ” ،            و ” الخلاصة ” ورمزها ” خ ” ، و ” تعجيل المنفعة ” ورمزه ” تع ” ، و ” ثقات ابن حبان ” و ” لسان الميزان ” ورجال ” جامع المسانيد ” و ” طبقات ابن سعد ”  و ” الإصابة ” و ” تجريد أسماء الصحابة ” و ” الاستيعاب ” و ” تذكرة الحفاظ ” وغيرها .

وأما نقل الأحاديث فمن كتب الصحاح ، والسنن ، وسنن الدارمي ، وسنن الدارقطني ، وسنن البيهقي ، ومعاني الآثار للطحاوي ، ومستدرك الحاكم ، والمؤطا ، ومسند أبي داؤد ، وعمل اليوم واليلة لابن السني ، وعقود الجواهر المنيفة للسيد مرتضى الزبيدي ، و ” الدراية ” مختصر نصب الراية للحافظ لعسقلاني ، وكنز العمال وغيرها . ومن كتب التفسير : الدر المنثور هذا ، ولم يصنف الإمام الأعظم رضي الله عنه كتاباً في الأخبار والآثار كما صنف الإمام مالك رضي الله عنه المؤطا ، وإنما كان يملي فروع الفقه على تلاميذه ، فإذا احتاج إلى دليل مسألة حدثهم عن شيوخه من الأحاديث المرفوعة والموقوفة وآثار التابعين بالسند المتصل تارةً ، وأخرى بلاغاً وتعليقاً أو انقطاعاً . ولم يجلس للتحديث كعادة المحدثين ، ولهذا قلت روايته في الحديث وإلا فهو من الحفاظ المكثرين المتقنين ، كتب عن أربعة آلاف من أئمة الحديث أحاديث كثيرة ، روى عن يحيي بن نصر قال : دخلت عليه في بيت مملوء كتباً ، فقلت له ما هذا ؟ فقال : ” هذه الأحاديث ، ما حدثت بها إلا اليسير الذي ينتفع به ” [5] . ثم قدم الإمام الشكر الجزيل إلى كل من ساعده في تحقيق هذا الهدف العظيم قائلاً : ” وبعد ، فإن ” لجنة إحياء المعارف النعمانية ” تشكر جميع من ساعدها في إخراج ” كتاب الآثار ” ، ولا سيما فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد زاهد الكوثري وحضرة الأستاذ الكبير محمد أسعد براده بك مدير دار الكتب المصرية ” [6] .

اسم الكتاب : كتاب الآثار .

المؤلف : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري .

التصحيح والتعليق : الشيخ أبو الوفاء الأفغاني .

الناشر : مجلس إحياء المعارف النعمانية بحيدرآباد الدكن .

مبطعة : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

عام الطبع : 1355هـ .

يتناول كتاب الآثار أبواباً هامةً فيما يلي :

باب الوضوء – باب الغسل من الجنابة – باب المسح على الخفين – باب التيمم – باب الأذان – باب افتتاح الصلاة – باب السهو – باب صلاة العيدين – في الأضحى – باب صلاة الخوف – في غسل الميت وكفنه – باب الزكاة – باب المناسك والحج – باب لبس المحرم وطيبه – باب القران وما يجب عليه من الطواف والسعي – باب التمتع – باب المحصر – باب الصيد – أبواب الطلاق – باب الخيار –باب العدة – باب الإيلاء – باب الظهار – باب المتعة – باب اللعان – باب العزل – باب القضاء – في الفرائض – في الوصايا – في الصيام – في البيوع والسلف – في المزارعة – في المكاتب والمدبر وأم الولد – باب في الغزو والجيش – باب الديات – باب الأشربة – باب في لبس الحرير والذهب – في الخضاب والأخذ من اللحية والشارب – في الذبائح والجبن .

مقدمة سعود إبراهيم محمد العثمان على كتاب الآثار :

” الحمد لله رب العالمين ، المتفضل على عباده كل حين ، اصطفى من خلقه النبيين والصديقين والشهداء والعلماء الربانيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، شهادة أرجوها في الحياة وعند الممات ويوم الدين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين ، القائل : ” من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ” .

وبعد ! فإن العلماء هم ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، ورثوا العلم النافع ، فمن أخذه وحفظه وعمل به وبلغه فقد حاز الخير الكثير .

فكان مما حبا وشرف به الله عز وجل هذه الأمة أن جعل من علمائها من يعتني بالقرآن ، والحديث ، والفقه ، واللغة ، ومسائل الإيمان وأصول الديانات وغيرها من العلوم النافعات ، وهذا فضل  الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

سئل أبو بكر الشمطاطي : ” ما بال الناس تفرقوا ، فطائفة اشتغلت بالفقه ودقائقه ، وأخرى بالحديث وطرقه ، وأخرى بالكلام ومعانيه ، وأخرى بالأدب ومحاسنه ؟ ” فقال : ” تلك الطرق إلى الله ، فكل طائفة سلكت منها طريقة ” [7] .

وإن من فضل الله وكرمه عليّ أن ألهمني تحقيق هذا الكتاب الجليل ، الذي عزّ وجوده في  المكتبات ، وكثر الطلب عليه ، لما فيه من الفقه العظيم والإسناد العالي الرفيع ، فبدأت في البحث عن مخطوطاته لكن لم يتيسر لي ذلك [8] ، فعقدت العزيمة على إعادة نشره – وذلك بنسخه ومقابلته على المطبوع وضبطه قدر المستطاع – والتعليق عليه معتمداً الطبعة التي أخرجها العلامة المحقق الأستاذ أبو الوفا الأفغاني ، والتي قامت بنشره لجنة إحياء المعارف العثمانية [9] بحيدرآباد الدكن بالهند عام 1355 للهجرة ، راجياً المولى عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه وأن يوفقني لما رجوته ، وينفع به الأمة ، وأن يتجاوز عما زل به قلمي أو شطح به ذهني ، إنه قريب سميع الدعاء .

وكتبه

سعود إبراهيم محمد العثمان [10]

وصلى الله تعالى وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


* أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة مولانا آزاد الأردية الوطنية ، البريد الإلكتروني : sayeed_makhashin@yahoo.com

[1] شمس الأئمة السرخسي : النكت ، تحقيق : أبو الوفاء الأفغاني ، حيدرآباد – الهند ، مطبعة لجنة نشر العلوم الإسلامية ، 1378هـ ، ص 1 .

[2] أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري : كتاب الآثار ، تحقيق : أبوالوفاء الأفغاني ، بيروت – لبنان ، دار الكتب العلمية ، ص أ .

[3] أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري : كتاب الآثار، تحقيق : أبو الوفاء ، بيروت – لبنان ، دار الكتب المصرية ، ص 1 .

[4] لم يكن لدي من الوقت متسع ولا من المراجع ما فيه كفاية ، فرجوت فضيلة أستاذنا         ( شيخ الإسلام زاهد ) الكوثري القيام بهذا الواجب فأجاب رجائي ، فله مني ومن اللجنة الشكر الجزيل . ولم أعثر بعد البحث على نسخة أخرى لتسويد ما طمس وتكميل ما  نقص ، ولعلنا نخرجه في الطبعة الثانية في ثوب جديد – رضوان .

[5] أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري : كتاب الآثار ، تصحيح وتعليق : أبو الوفاء الأفغاني ، بيروت – لبنان ، دار الكتب العلمية ، 1355هـ ، ص أ – ج .

[6] نفس المرجع ، ص ” و ” .

[7] أخرجه السلفي في سؤالاته لخميس الحوزي ، ص 58 ، بإسناد جيد .

[8] فقد عهدت في بادئ الأمر إلى بعض الإخوة أن يصوروا لي المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية ، والتي اعتمدها أبو الوفا ، فلم يسعفني أحد ، وكان أخرهم الأخ المحقق الهمام الشيخ طارق بن ناجي يرحمه الله رحمةً واسعةً ويجعل درجته في عليين ويحشره مع المهديين ، فلقد عهد إلى أحد الإخوة المصريين الثقات لكنه صوّر مخطوط ” كتاب الآثار ” لمحمد بن الحسن ، ثم وقعت الثورة المصرية وكان ما كان ، ثم مرض أخونا طارق ، ثم توفي بعد ذلك وانقطعت الاتصالات مع الإخوة في مصر ، ولقد تتبعت عمل الشيخ العلامة أبي الوفاء فوجدته اجتهد كثيراً في ضبط النص وما كنت – والله أعلم – سأبلغ ما بلغ لو تحصلت لدي المخطوطة .

[9] النعمانية ، سعيد بن مخاشن .

[10] أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري : كتاب الآثار ، اعتناء وتعليق : سعود العثمان ، بشاور – باكستان ، دار الكتب ، ص 5 – 8 .