مجمع البحوث والدراسات الشرعية يعقد ندوة فقهية في رحاب ندوة العلماء
يناير 9, 2023(1) سعادة الدكتور حسن بن عمر الأمراني الحسني
يونيو 23, 2023مجمع البحوث والدراسات الشرعيةالتابع لندوة العلماء بالهند
أخبار علمية وثقافية :
قرارات الندوة الفقهية حول قضايا كورونا والقروض الحكومية
مجمع البحوث والدراسات الشرعيةالتابع لندوة العلماء بالهند
تعريب : الأستاذ محمد علي شفيق الندوي *
أولاً : القرارات المتعلقة بكورونا :
تمهيد :
ظلّت الأوبئة والجوائح تنتشر عبر تاريخ البشرية في شتى الأزمنة والبقاع ، وقد تسببت في مقتل ما لا يحصى من البشر ، وتركت وراءها آثاراً عميقةً وبعيدة المدى على المجتمع البشري ، والغالب أن الأوبئة تقتصر على منطقة أو بلد وقعت فيه ، ولكن جائحة كورونا ( كوفيد – 19 ) القاتل حطّم الأرقام القياسية السابقة ، فقد تأثر العالم كله تقريباً بهذا الوباء ، ومات عدد كبير من الناس ، حتى توقف النظام على مستوى العالم ، وتأثر كل مجال من مجالات الحياة بصورة سيئة .
وقد نشأ بسبب هذا الوباء العديد من المسائل الشرعية المستجدة ، والتي أصدر فيها العلماء فتاوى بصورة فردية ، فقاموا بإرشاد المسلمين وتوجيههم شرعياً .
وإن المشكلات الناشئة عن وباء كورونا لم تكن ذات طبيعة معتادة يمكن حلّها والإفتاء فيها بمجرد النظر في الجزئيات الفقهية المنصوصة ، وإنما كانت مشكلات وأسئلة ظهرت لأول مرة ولم تخطر على بال .
ومن جهة أخرى لم يكن ممكناً لأهل العلم وأصحاب الإفتاء أن يجتمعوا في مكان واحد ، ويتناقشوا في هذه الأمور بشكل جماعي ؛ لفرض الحظر عن ذلك في ظل خطورة مرض كورونا ؛ لذلك استمرت الفتاوى والتوجيهات الفردية في الظهور ، وكانت أحياناً تتناقض وتتعارض فيما بينها .
وبناءً على احتياج المجتمع ومتطلبات الظروف قرر مجمع البحوث والدراسات الشرعية التابع لندوة العلماء بلكناؤ عقد ندوة فقهية حول قضايا كورونا . وكأول خطوة تم إعداد استفتاء شامل حول قضايا ومسائل كورونا ، وإرساله إلى نخبة من العلماء وأصحاب الإفتاء ، وبحمد الله قام كثير من أهل العلم والإفتاء بالإجابة على الاستبيان المرسل بعد البحث والدراسة .
وبعد عودة الأوضاع إلى طبيعتها ، حدد المجمع يومين : 23 و 24 نوفمبر 2022م لعقد ندوة حول قضايا كورونا ، وبحمد الله انعقدت الندوة في موعدها المقرر ، بقاعة ( العلامة حيدر حسن خان الطونكي رحمه الله ) في جامعة ندوة العلماء . وبعد النظر في المقالات والفتاوى التي وردت ، وبعد المناقشة المتبادلة بين المشاركين ؛ تم إصدار القرارات التالية بالإجماع :
أولاً : جائحة كورونا من منظور الشريعة :
- الوباء مرض ينتشر سريعاً ، ويجتاح مناطق سكنية بأكملها ، وغالباً ما يكون قاتلاً . تحدّث عنه الكتاب والسنة بوضوح ، والأوبئة قد تنتج عن معاصي بني آدم وآثامهم ، وأحياناً يبتلى بها الإنسان امتحاناً ، فهي تحذير إلهي .في جميع الأحوال ؛ عندما يعاني الإنسان من وباء ، فإنه يستحق التعاطف والدعم .
- في الشريعة الإسلامية إرشادات وتوجيهات للاحتراز والوقاية من الأوبئة ، والتي تشمل إجراءات ظاهرة ، مثل العناية بالنظافة ، وتجنب التنقل من مكان إلى آخر من غير ضرورة ، واتباع تعليمات الأطباء والخبراء ، وكذا تشمل إجراءات باطنة ، مثل : الاستغفار والدعاء والتوبة والرجوع إلى الله والتصدق ونحو ذلك .
- لم يثبت في الكتاب والسنة القيام بالصلاة الجماعية للوقاية من الأوبئة .
- المرض والشفاء بيد الله تعالى ، وإنما يصاب الإنسان بمرض أو يتعافى منه بإذن الله ، ولكن بعض الأمراض معدية ، وهذا لا يتعارض مع مفهوم التوحيد في الإسلام .
ثانياً : ما يتعلق بتخفيف العبادات في زمن جائحة كورونا :
- إذا مُنع الناس عن إقامة صلاة الجماعة في المساجد زمن الوباء ، ينبغي أن يصلوا في منازلهم بدلاً من المساجد ، بجماعة أو بانفراد .
- خلال فترة الوباء ، إذا نصح خبراء الصحة بعدم التجمع بأعداد كبيرة ، يسمح للمصلين أن يقيموا الجمع والجماعات في المسجد على التوالي ، بتغيير الهيئة بعد الجماعة الأولى .
- في ظل التعليمات الطبية والحكومية بعدم التجمع خلال فترة الوباء ، تصح إقامة صلاة الجمعة والعيدين في أماكن ومنازل مختلفة علاوةً على أدائها بالمسجد .
- خلال فترة الوباء ، يصح لمن يرغبون إقامة صلاة الظهر في بيوتهم يوم الجمعة بسبب القيود أن يصلوا بجماعة كما لهم أن يصلوا فرادى .
- بناءً على التعليمات الطبية ، يجوز أداء الصلاة مرتدياً القناع والكمامات ، كما يجوز ترك مسافة للتباعد بين الصفوف .
- يحظر المصابون بكورونا من الحضور في المسجد والمشاركة مع المصلين في الجماعة .
- يسمح للمصابين بكورونا بعدم الصيام بناءً على إرشادات الأطباء .
ثالثاً : المسائل المتعلقة بالمساجد في زمن كورونا :
- المساجد بيوت الله ومن الأماكن المقدسة ، أُمِرنا بإعمارها في جميع الأحوال ؛ فلا يجوز إغلاق المساجد بشكل كامل في زمن كورونا أو أي وباء آخر .
- يلزم رفع الأذان في وقته وإن توقفت صلاة الجماعة في المسجد لسبب ما .
- من مطالب الشريعة كثرة المصلين ، ومع ذلك ، إذا أكره الناس على تحديد العدد المسموح لحضور صلاة الجماعة بسبب تعليمات الحكومة بسبب الوباء ، فيجب اتباع ذلك .
- احتراماً للمسجد وقدسيته ، لا يجوز استعمال أي جزء من المسجد كمركز لعلاج مصابي كورونا .
رابعاً : تمريض مصابي كورونا :
- عزل المصاب بكورونا وعدم تمريضه مخالف للشريعة والإنسانية .
- إذا لم يستطع المصاب بكورونا تحمل نفقات العلاج ، فمن مسؤولية الأقارب ترتيب علاجه وعدم تركه بلا عون ، وإذا لم يتمكنوا من تحمل تكاليفه أو إذا كانوا مهملين ، فعلى الحكومة والمجتمع مسؤولية تمريضه ورعايته .
خامساً : ما يتعلق بتغسيل موتى جائحة كورونا وصلاة الجنازة عليهم :
- إذا تعذر غسل الميت أو تيميمه بسبب القيود المفروضة خلال فترة كورونا ، تسقط فرضية الغسل والتيمم لكن يصلى عليه صلاة الجنازة .
- إذا كان المتوفى بكورونا في الغلاف ولم يتعذر تكفينه وفق السنة ، لزم تكفينه على الغلاف ، وفي حالة التعذر يكون الغلاف في حكم الكفن .
- إذا كان المتوفى بكورونا قد دُفن بلا صلاة الجنازة ، يجوز أن يصلى على قبره ما لم يغلب على الظن تغيره .
- إذا دُفن الميت بلا صلاة الجنازة ولم يُعرف مكان قبره ، يجوز أن يُصلى عليه صلاة الغائب .
- من مات بسبب وباء كورونا من المسلمين فإنه يستحق أجر الشهادة بإذن الله .
سادساً : المسائل المتعلقة بلقاح كورونا :
- يباح استخدام المعقّم الذي يحتوي على الكحول .
- لقاح كورونا هو نوع من الأدوية وإجراء وقائي ، يجوز أخذه عند اللزوم .
ثانياً : القرارات المتعلقة بالقروض الحكومية وغيرها بفائدة :
تمهيد :
إن تقديم القروض للمحتاجين بدون فوائد من أجل أعمال البر ، وقد رغب فيه الشرع المطهر ، ووعد على إقراض المال للمحتاجين بأجر كبير ، وكأنه توقفت عملية منح القروض في العصر الحالي ، ونادراً ما يكون هناك أشخاص لديهم فائض مالي ويقدمون القروض للمحتاجين دون اشتراط الفائدة .
ومن الأهمية بمكان ترغيب المسلمين في القيام بهذا العمل الخيري وتوجيههم إلى أهميته ؛ حتى لا يضطر المحتاجون إلى أخذ قروض ربوية ، وبالتالي يعرّضون حياتهم وممتلكاتهم ، وشرفهم وكرامتهم ، ودينهم وإيمانهم للخطر ؛ بأخذ تلك القروض الربوية .
يضطر المحتاجون إلى أخذ قروض ربوية ، ولا يعرضون حياتهم وممتلكاتهم وشرفهم وكرامتهم ودينهم وإيمانهم للخطر . بأخذ قروض ربوية .
وكان قد عقد مجمع البحوث والدراسات الشرعية التابع لندوة العلماء ، ملتقًى فقهياً في عام 1971م حول موضوع القروض الحكومية ، وكتب العديد من العلماء البارزين وأصحاب الإفتاء في ذلك الوقت أجوبةً على الاستفتاء الصادر بهذه المناسبة ، ولكن لسبب ما لم يتم التوصل إلى قرار في هذا المجلس ، وتم تأجيل الموضوع .
وفي هذه الندوة الفقهية المنعقدة من قبل مجمع البحوث والدراسات الشرعية – ندوة العلماء ، لكناؤ ، والتي استمرت يومين 23 و 24 نوفمبر 2022م ، تمت مناقشة هذا الموضوع مرةً أخرى ، ووضع المشاركون نصب أعينهم تلك الفتاوى والكتابات التي جاءت في ذاك الملتقى الفقهي لعام 1971م ، وكذا التوصيات التي نوقشت بين المشاركين آنذاك ، وكذا المقالات والكتابات الجديدة التي وردت في الندوة الفقهية الأخيرة ، كما تمت مناقشة التغييرات التي طرأت على القروض الربوية الحكومية والقروض الربوية للبنوك من عام 1971م إلى 2022م في هذه الندوة الفقهية .
في ضوء كل هذه المناقشات التفصيلية ومداولة الآراء تم اتخاذ القرارات التالية باتفاق المشاركين :
- إنّ أخذ أكثر مما أقرض ربا ، وقد صرح بحرمته الكتاب والسنة ؛ لذا دفع مبلغ زائد وأخذه كلاهما محرم ، نعم لو اقترض أحد ، فدفع أكثر مما أخذ برغبته من غير شرط ولا عرف ، فهذا أمر مستحب .
- الاقتراض بغير ضرورة ممارسة غير مرغوب فيها في الإسلام ، وإذا تم الحصول على قرض من فرد أو مؤسسة وجب على المقترض سداد القرض في موعده ، وبذل قصارى جهده من أجله ، والتأخير في سداد القرض عن الوقت المحدد بالرغم من القدرة لا يجوز .
- يجب على المسلمين بشكل فردي وجماعي إنشاء نظام أو آلية يسهّل تقديم القروض بدون فوائد للمحتاجين .
- إذا تعذر الحصول على قروض بدون فوائد بأي شكل من الأشكال ؛ فلا بأس بأخذ قروض بفائدة بقدر الحاجة ، وذلك عند الحاجة الماسة ، على سبيل المثال : الإكراه القانوني ، وحفظ المال والأراضي والممتلكات ، وتأمين السكن بقدر الكفاية ، والحصول على التعليم ، وحماية التجارة ، والعلاج ، ونحو ذلك من الأغراض .
* أستاذ الفقه الإسلامي بدار العلوم لندوة العلماء .