القيم الخلقية والتربوية

دور العرب في التجارة البحرية
فبراير 7, 2023
من أبعاد التواصل في الآداب العالمية :
فبراير 7, 2023
دور العرب في التجارة البحرية
فبراير 7, 2023
من أبعاد التواصل في الآداب العالمية :
فبراير 7, 2023

في كتابات العلامة أبي الحسن علي الندوي الأدبية

( قصص النبيين نموذجاً )

دراسات وأبحاث :

القيم الخلقية والتربوية

في كتابات العلامة أبي الحسن علي الندوي الأدبية

( قصص النبيين نموذجاً )

الدكتور عبد القدوس الندوي *

إن القيم الخلقية في أي مجمتع إنساني هى المعيار الأساسي الذي يحدد مستوى رقيه الثقافي والحضاري والفكري ، ومن اللازم للمسؤولين أن يفكروا في إيجاد بنية صالحة وخلق جو ملائم لأبناء بلادهم ، وتوفير المواد الدراسية الملائمة لهم من نصوص أدبية مختارة ، لترسيخ القيم الخلقية والتربوية العالية في أذهانهم ، وإن المواد الدراسية المناسبة لها دور بنّاءٌ في تنمية القيم التعليمية والتربوية في الأطفال من الناحية العقائدية ، والخلقية ، والسلوكية ، والاجتماعية ، وهذه القيم هي التي تغير مجرى الأمور في حياتهم اليومية وتحدد مسيرتهم المستقبلية .

وإن الأطفال في أمس حاجة إلى التعليم السليم القويم ، وإلى عناية مكثفة ورعاية تامة ، وذلك لأن الفترة التي يبدأ فيها الطفل دروسه الأولى تظل ذات أثر عميق وطويل في نفسه ونشاطه واتجاهه وميوله في الحياة ، فيجب على رجال التربية والتعليم أن يستعدوا استعداداً كاملاً ويهتموا اهتماماً بالغاً بأمر تعليم أطفالهم وإمدادهم بغذاء عقلي سليم ، لأن الطفل يعتمد على أولياء أمورهم كل الاعتماد ، ويقبل منهم وينقل عنهم بدون أي مناقشة كل ما يسمعون منهم ، وما يشاهدون فيهم من قيم الخير والصدق والأمانة والعلم ، وإن الدروس الأولى التي يتلقاها الطفل في مرحلة الطفولة ترسخ في نفسه ، وتتمكن من ذاته ، ويقال : إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر .

وإن دار العلوم التابعة لندوة العلماء لعبت دوراً ريادياً في هذا المجال ، بل أحدثت ثورةً تعليميةً في اختيار المناهج التعليمية الملائمة لأبنائها حسب متطلبات العصر ومقتضياته وفي توفير المواد الدراسية المناسبة لهم ، وذلك حينما كانت المواد الدراسية في اللغة العربية قليلة جداً على المستوى القومي ، ولم تكن العلاقات الثقافية مع الدول العربية قويةً ، في البداية لم تكن تطبع المواد الدراسية الكافية في اللغة العربية في دار العلوم أيضاً ، ولكن سرعان ما بدأت الجهود لإعداد المواد الدراسية في اللغة العربية ، فتم إعداد مجموعة من الكتب العربية ، تحتوي على متون رشيقة من الأدب العربي ، وتمثل أجمل النماذج الأدبية الرفيعة من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى العصر الحديث ، وتحقيقاً لهذا الهدف أعدت مجموعة من النصوص الأدبية باسم ” مختارات من أدب العرب ” ( سنة 1940م ) ثم تم تأليف كتاب ” القراءة الراشدة ” في ثلاثة أجزاء ( ما بين عامي 1944 و 1946م ) ، و في أدب الأطفال ألفت ” قصص النبيين للأطفال ” بغية التربية الدينية والروحية مع الاهتمام بتعليم اللغة العربية ، ثم تلا هذه السلسلة في التأليف ، إعداد كتب أخرى من أهمها منثورات في الأدب العربي ، والأدب العربي بين عرض ونقد ، وجغرافية جزيرة العرب ، للأستاذ الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، وعلم التصريف للأستاذ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، ومعلم الإنشاء ، وتمرين النحو للأستاذ عبد الماجد الندوي ، وتمرين الصرف للشيخ محمد معين الندوي ، والعقيدة السنية للأستاذ محمد أويس النجرامي الندوي ، وغيرها من الكتب الدراسية ، وهذه الكتب لا تدرس في دار العلوم فحسب ، بل إنها تدرس في كل مدرسة من مدارس الهند سواء كانت رسميةً أو غير رسمية وكذلك تدرس أيضاً في كل كلية أو جامعة من جامعات الهند حيث يوجد قسم اللغة العربية فيها .

والفضل في هذا المجال يعود إلى العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي [1] ، إنه أدرك أهمية تربية الأطفال خير إدراك ، وأعد لهم المواد الدراسية الشاملة والملائمة لمستواهم العقلي ، فأخرج لهم مجموعةً من القصص ، باسم ” قصص النبيين للأطفال ” وهى تشتمل على خمسة أجزاء ، إنه كتاب رائع ألفه الشيخ الندوي للأطفال بأسلوب جميل سهل بسيط رصين ميسور ممتع شائق صادق سائغ يوافق أعمارهم وأذواقهم ، ويرضي ميولهم إذ يعرض الشيخ الندوي عن طريق هذه القصص كثيراً من المبادئ التعليمية والتربوبية المهمة ، ويهدف إلى إفادتهم ، وتربيتهم ، وزيادة ثروتهم اللغوية ، وإمتاعهم ، وتنمية مواهبهم ، وتعميق إحساسهم بالإيجاببات ، ويقدم إليهم أحسن القصص وأصدق التاريخ وأجمل الحوار وأروع الحوادث ، إن هذه السلسلة تحفة عظيمة للأطفال الناشئين ، إنهم سوف يجدون فيها غذاءهم العقلي الصالح المطلوب لتربيتهم الصحيحة ، وهى تعطيهم صوراً واضحةً لقصص الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه في ضوء القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، والتاريخ الإسلامي الأصيل ، وهي قصص صادقة تتوافر فيها القيم الخلقية والتعليمية والتربوية اللازمة لتربيتهم الصالحة ، وقد سن أبو الحسن علي الندوي في ذلك سنةً حسنةً ، له أجرها وأجر من عمل بها .

قصص النبيين للأطفال :

إن الجزء الأول من ” قصص النبيين للأطفال ” يشتمل على قصة سيدنا إبراهيم وقصة يوسف عليهما صلوات الله وسلامه ، خاطب الإمام الندوي من خلالها الأطفال الصغار ، وقص عليهم قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في أسلوبه الخاص ، وصور لهم ، بل جسد لهم الوضع الوثني السائد في المجتمع آنذاك بشكل يتبلور لهم مبدأ التوحيد تلقائياً وطبيعياً ، وتتجلى لهم بوضوح رسالة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الأبدية الذي بعثه الله في بيت بائع الأصنام وصانع الأوثان والداعية إلى عبادة الأوثان ، في الأسرة التي كانت غارقةً في عبادة الأصنام إلى الآذان ، وفي المحيط الذي كان لا يعرف سوى الأصنام والأوثان شيئاً ، ولم يكن هناك أى تصور للإله الواحد القهار ، وفي مثل هذا المحيط ، والجو ، وفي بؤرة الشرك والفساد ، بعث الله إبراهيم عليه السلام ليعيد إلى الإنسان الطفل عقيدة التوحيد ، ويحبب إليهم الإيمان بالله الواحد الذي خلق الكون ، فيقول :

” قبل أيام كثيرة ، كثيرة جداً ، كان في قرية رجل مشهور   جداً ، وكان اسم هذا الرجل آزر ، وكان آزر يبيع الأصنام ، وكان في هذه القرية بيت ، بيت كبير جداً ، وكان في هذا البيت أصنام ، أصنام كثيرة جداً ، وكان الناس يسجدون لهذه الأصنام ، وكان آزر يسجد لهذه الصنام ، وكان آزر يعبد هذه الأصنام ” .

” وكان آزر له ولد رشيد ، رشيد جداً ، وكان اسم هذا الولد إبراهيم ، كان إبراهيم يرى الناس يسجدون للأصنام ، ويرى الناس يعبدون الأصنام ، وكان إبراهيم يعرف أن الأصنام حجارة ، وكان يعرف أن الأصنام لا تتكلم ولا تسمع ، وكان يعرف أن الأصنام لا تضر ولا تنفع ، وكان يرى أن الذباب يجلس على الأصنام فلا تدفع ، وكان يرى الفأرة تأكل طعام الأصنام فلا تمنع ، وكان إبراهيم يقول في   نفسه : لماذا يسجد الناس للأصنام ؟ وكان إبراهيم يسأل نفسه : لماذا يسأل الناس الأصنام ؟ ” [2] .

وقدم ذلك بأسلوب شيق يستسيغه عقل الأطفال وتترسخ في قلوبهم جذور عقيدة التوحيد والنفور من عبادة الأصنام ، إن قضية التوحيد والنفور من عبادة الأصنام ليست كسائر المواضيع ، بل إنها تحتاج إلى لباقة أدبية وبراعة فنية لتقريبها إلى أذهان الأطفال والضغط على أنه هو القاعدة الصلبة التي يرتفع عليها صرح الحياة ويقوم عليها بناء الإسلام .

ثم يذكر الإمام أبو الحسن قصة يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أتت إليه النبوة بعد ما مرَّ بعقبات وعراقيل مختلفة ، وباختبارات شاقة جداً ، واجتمع في حياته خوارق عديدة ، ومعجزات كثيرة ، كلها تشير إلى أن يوسف عليه السلام سيكون له شأن وميزة ، فيبدأ الإمام السيد أبو الحسن قصته بهذه الصورة الجميلة الرائعة :

” كان يوسف ولداً صغيراً ، وكان له أحد عشر أخاً ، وكان يوسف غلاماً جميلاً ، وكان يوسف غلاماً ذكياً ، وكان أبوه يعقوب يحبه أكثر من جميع إخوته ، ذات ليلة رأى يوسف رؤيا عجيبةً ، رأى أحد عشر كوكباً ورأى الشمس والقمر ، كل يسجد له ، تعجب يوسف الصغير كثيراً ، وما فهم هذه الرؤيا ، كيف تسجد الكواكب والشمس والقمر لرجل ؟ ذهب يوسف الصغير إلى أبيه يعقوب ، وحكى له هذه الرؤيا العجيبة ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِـأَبِيهِ يٰأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ ) ، وكان أبوه يعقوب نبياً ، فرح يعقوب بالسؤال عن هذه الرؤيا كثيراً ، وقال : بارك الله لك يا يوسف ، فسيكون لك شأن ، هذه الرؤيا بشارة علم ونبوة ، وقد أنعم الله على جدك إسحاق ، وقد أنعم الله على جدك إبراهيم ، وإنه ينعم عليك وينعم على آل يعقوب ، وكان يعقوب شيخاً كبيراً ، وكان يعرف طبائع الناس ، وكان يعرف كيف يغلب الشيطان ، كيف يلعب الشيطان بالإنسان ، فقال : يا ولدي ! لا تخبر بهذه الرؤيا أحداً من إخوتك فإنهم يحسدونك ويكونون لك عدواً ” [3] .

إنها قصة تحث الأطفال على دراستها واستخلاص نتايج إيجابية ، واتخاذ دروس وعبر لحياتهم ، أطفالاً ، وإخواناً ، وأبناءً ، وصغاراً وكباراً ، ومبتلين ومعافين ، وقادةً وحكاماً ، دعاةً ومربين ، وتطبع نفوسهم على أن العاقبة للتقوى ، وأن المظلوم منصور من الله ، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين ، ويذكر فيها كذلك الشيخ الندوي تفاصيل حياة يوسف في ضوء حسد الإخوة له ، وما أدى هذا الحسد من نتائج وخيمة من إلقائه في الجب ، ثم وصوله ” يوسف عليه السلام ” إلى عرش مصر ، ثم الكشف على الإخوة أن ملك مصر هو أخوه يوسف الذي ألقوه في غيابة الجب ، وكذلك إقرارهم بأن مغبة الحسد ، إنما هى الذلة والصغار ، والحسرة والأسف ، وبيّن الشيخ الندوي كل ذلك بلغة جميلة وفي أسلوب قصصي جذاب .

والجزء الثاني يحتوي على قصص نوح وهود وصالح عليهم السلام ، بعد الانتهاء من الجزء الأول ارتفع مستوى الأطفال العقلي قليلاً ، وتسنى لهم أن يفقهوا القصة بأسلوب أرقى من أسلوب الجزء الأول شيئاً قليلاً ، ويزيد معلومات جديدةً ، وتاريخاً جديداً ، ويستطيعوا أن يعرفوا دور الشيطان في دفع الناس إلى الوثنية وما يسخط الله من أعمال .

الجزء الثالث يشتمل على قصة موسى عليه السلام مع فرعون مصر ، يتحدث الشيخ الندوي فيها عن حياة موسى عليه الصلاة والسلام ونبوته ومواقفه مع فرعون بأسلوب ممتع جذاب ، وبلغة سهلة واضحة تظهر حكمة الله سبحانه وتعالى في ميلاد موسى في العصر المملوء بالفتن في عصر فرعون الجبار الذي ادعى الألوهية في الأرض ، ويتحدث عن هذا الدرس البليغ الذي يكشف عن جوانب قدرة الله التي لا تعد ولا تحصى ، حينما أمر أم موسى بأن تلقي ابنها في اليم ولا تخاف عليه ولا تحزن ، لأنه سيرده إليها ، وسيجعله فوق ذلك من المرسلين ، ويتحدث عن تدبير سبحانه تعالى البليغ وعنايته الخاصة بنشأة موسى وتربيته بين يدى فرعون ، مع أنه هو عدوه الأول ، ويقص على الأطفال كيف يعيد الله القوي القادر موسى الرضيع إلى أمه التي كانت خائفةً جداً في أمره ، لولا أن ربط الله سبحانه تعالى على قلبها لتكون من المؤمنين ، ويقص عليهم كيف ذهب موسى وهارون إلى فرعون وكيف علا فرعون في الأرض وبغى وتجبر ، وكيف نصر الله موسى وقهر فرعون فأهلكه – وهو أطغى الطغاة – بالماء السائل الرقراق ، وهكذا يفعل الله سبحانه وتعالى مع كل متكبر جبار .

ولهذه القصة التاريخية جوانب رائعة من الإيمان بالله والثقة في وعده ، ومن المعجزات التي أظهرها الله سبحانه لموسى عليه السلام مع فرعون الظالم ، وصور من الظلم والقتل والإبادة وبجانب صور أخرى من النصر المتين والمدد الإلهي الذي رافق موسى عليه السلام في كل لحظة من حياته ، فانتصر موسى الأعزل المؤمن على فرعون ذي الأسلحة والجنود والقوة المادية الهائلة .

والقصة تبدأ بأسلوب سهل سائغ وبتعبير جميل وبعبارة واضحة مؤثرة في النفس ، تراعي نفسية الأطفال وتزود عقول الصغار بزاد من الإيمان واليقين والتوكل والصبر والقناعة والإيثار ، مع تعليم اللغة والبيان والتعبير والأدب .

الجزء الرابع يشتمل على قصة شعيب ، وداود ، وأيوب ، ويونس ، وزكريا ، وعيسى ابن مريم عليهم الصلاة والسلام جميعاً ، يقص الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي قصص هؤلاء الأنبياء على الأطفال بأسلوب جميل ورشيق وشيق وإن كان مستواه أرفع بقليل من مستوى الأجزاء السابقة ، غير أن الأطفال لا يواجهون صعوبةً في إساغة معاني الكتاب ، والاستفادة من اللغة والتعبير والأدب والبيان ، بل يمهد لهم الطريق لدراسة حياة آخر الأنبياء وخاتم النبيين محمد صلى الله عيله وسلم وسيرته العطرة وفهمها فهماً جيداً .

الجزء الخامس يختص بسيرة سيد الأنبياء وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، وبه تنتهي هذه السلسلة الذهبية ، وإن الأطفال قد درسوا قصص الأنبياء والمرسلين فقويت عقليتهم واتسعت ثقافتهم ، وتجمعت لديهم ذخيرة من الكلمات العربية التي وسعت أفقهم الفكري واللغوي وفق قريحتهم للتعبير عن خواطرهم وأفكارهم بلغة عربية وأسلوب أدبي ، وإن مستوى هذا الجزء اللغوي والأدبي أرفع من الأجزاء السابقة ، يقول المؤلف في مقدمة هذا الجزء متحدثاً عن مستواه اللغوي والأسلوبي :

” ولم أتقيد في هذا الكتاب بالالتزامات التي التزمتها في الأجزاء الأولى من ” قصص النبيين للأطفال ” من محاكاة أسلوب الأطفال ، وطبيعتهم وتكرار الكلمات والجمل ، وسهولة الألفاظ ، وبسط القصة ، فقد شب هؤلاء القراء الصغار عن طوقهم ، وتقدموا في ثقافتهم اللغوية ، ودرجتهم العقلية ، فأصبحوا قادرين على إساغة هذا الغذاء العلمي والعقلي ، والتذوق بهذه القصة الرائعة لحياة أكبر إنسان وأشرف نبي صلى الله عليه وسلم ” [4] .

وهذا الجزء يزود الأطفال المنتقلين من مرحلة الطفولة إلى مراحل المراهقة والشباب بزاد عقلي وأدبي ولغوي وتاريخي مع تزويدهم بمعلومات ذات قيمة كبيرة من تاريخ الأنبياء والمرسلين ، وبالتالي إنه يدعم كيانهم الخلقي بعناصر الحب والإيمان ، ويدفعهم إلى بناء مستقبل لامع لهم ولأمتهم ، وإن التأثير الذي تخلفه دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس قرائه سوف يساعدهم في بناء حياتهم المستقبلية ، ولقد تحدث المؤلف رحمه الله عن هذا الجزء وما يحويه من خصائص أدبية وتاريخية وتربوية .

هذا الجزء يعمل كوسيط بين الكتب التي ألفت في السيرة للكبار النابغين ، والكتب التي ألفت للصغار الناهضين ، فهو جدير بأن يدرسه الصغار والمراهقون في مدارسهم ، ويقرأه الكبار المتوسطون ، و ينقل روائع حكاياتها وأخبارها إلى أصدقائهم ، وقد ذكر فيه الشيخ الندوي السيرة النبوية بدءاً من الأوضاع الدينية والاجتماعية قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ، مروراً بميلاده ، وبعثته ، ودعوته إلى الدين الحنيف ، وهجرته إلى المدينة ، مع ذكر تاريخ الدعوة الإسلامية الأولى والمشاكل والصعوبات التي تحملها في سبيلها ، وغزواتها وفتوحاتها وانتصاراتها ، وعجائب التربية النبوية ومعجزاتها ، مشيراً إلى بلوغ هذا الدين إلى ذروة الكمال بذكر قوله تعالى : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) ومنتهياً بذكر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله ، فأصبح الكتاب مدرسةً ينشأ فيها الطالب بين إيمان وحنان ، ويتقلب بين روح وريحان ، وينتهي من قراءته وقد يحمل معه الزاد الذي يسايره في حياته ، والنور الذي يسير في ضوئه ، والسلام الذي يدافع به عن نفسه وإيمانه ، والرسالة التي يحملها للعالم والأمم [5] .

وأعتقد أنه قد حان الوقت لرجال الدعوة والفكر والبيان أن يقوموا بإعداد ألوان من الأدب النزية الجذاب لأبناء الأمة السمحة ، وأن يفجروا ينابيع الثقافة في صدور الناشئة الشباب عن طريق المواد الدراسية الصالحة .


* الأستاذ المشارك في جامعة مولانا آزاد الوطنية ( الهند ) .

[1] إن الإمام السيد أبا الحسن الندوي ( 1914م – 1999م ( مفكر عبقري وكاتب إسلامي كبير ومصلح ديني عظيم ، وتنتسِبُ أسرته إلى الحسن بن علي رضى الله عنهما ، نشأ في بيئة دينية وعلمية وأدبية وتربى على حب الدين ، واشتغل طيلة حياته بخدمة العلوم  الدينية ، والتوجيه والدعوة والإرشاد ، توفي أبوه وهو في التاسعة من عمره ، فعلَّمته أمه القرآن ، ثم بدأ دراسته النظاميَّة بتعلُّم العربيَّة والأرديَّة ، تلقى الحديث النبوي في ندوة العلماء ودرس تفسير القرآن الكريم ، وحصل علوم السُنَّة ، وبعض الفقه والتجويد والتفسير في دار العلوم ديوبند ، ونشر الشيخ الندوي أولى مقالاته في مجلة المنار ، وهو ابن سبعة عشر ربيعًا           ( 1931م ) عن السيد أحمد الشهيد ، الذي كان هو موضوع أول كتبه ، المنشور عام 1938م ، اختير الإمام الندوي للتدريس في ندوة العلماء عام 1934م ، وصار مُعلِّماً  للتفسير ، والحديث ، والتاريخ ، والمنطق ، والأدب العربي .

وقد جال حواضر الإسلام في الهند للمرة الأولى عام 1939م ، وكان الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ممن التقاهم في جولته ، واستفاد منه استفادةً في فهم طبيعة العمل الدعوي والإصلاحي ، وأصبح السفر إلى ربوع العالم الإسلامي بعدها ديدنه ، داعياً إلى الله ومحاضراً وزائراً .

وفي عام 1945م ، اختير عضواً في مجلس إدارة ندوة العلماء ، ثم نائباً لمدير شؤون التعليم عام 1951م باقتراح من العلامة السيد سليمان الندوي ، ثم مُديراً للشؤون التعليمية عام 1954م ، على إثر وفاة السيد سُليمان الندوي ؛ ثم اختير سكرتيراً عاماً ورئيساً لندوة العلماء بُعيد وفاة شقيقه الدكتور عبد العلي الحسني عام 1961م .

أصدر الإمام الندوي وحرَّر وعمل مستشاراً لعدد كبير من الدوريات العربيَّة والأرديَّة ، وأسس عدداً من الجمعيات الإسلامية ، كما كان رحمه الله عضواً في العديد من المحافل العلميَّة ، ومنها المجمع العلمي العربي بدمشق ، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ، وعضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني ، ورئيساً ومؤسساً لرابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وقد ألقى مآت من المحاضرات في شتى الجامعات والمعاهد التعليمية ، منها الجامعة المليَّة الإسلامية بدهلي ، وجامعة دمشق ، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .

وكان رحمه الله غزير الإنتاج ، له مؤلفات كثيرة في موضوعات مختلفة ، إذ صدر له أكثر من مأة كتاب بالعربيَّة والأرديَّة . أشهرها : ” السيرة النبوية ” ، و ” رجال الفكر والدعوة ” ، و ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ ” ، مؤلفاته ذات قيمة دينية وخلقية وتربوية وعليمة في مجال الفكر ، والأدب ، والتاريخ ، والتوجيه ، بل في كل موضوع يهم الأمة الإسلامية في تاريخ فكرها وحالتها الاجتماعية والخلقية ، ومقتضيات الدعوة   والتربية . وله إسهامات كبيرة في مجال إعداد النصوص الأدبية للأطفال والناشئيين . وأكثر مؤلفاته الدعوية نُقلت إلى لغات العالم الشهيرة ، ولا سيما إلى الإنجليزية .

[2] الندوي ، السيد أبو الحسن علي ، قصص النبيين ، ج أول ، ص 7 – 8 .

[3] الندوي ، السيد أبو الحسن علي ، قصص النبيين ، ج أول ، ص 45 – 48 .

[4] الندوي ، السيد أبو الحسن علي الحسني ، قصص النبيين للأطفال ، مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، لكهنو ، الهند ، 2008م ، ص 5 .

[5] نفس المصدر .