الصكوك الإسلامية البديلة للتوريق التقليدي
نوفمبر 5, 2022الفقه الإسلامي :
مارس 14, 2023( الحلقة الأولى )
الفقه الإسلامي :
الاستنساخ من منظور إسلامي
( الحلقة الأولى )
د . خورشيد أشرف إقبال الندوي
خلق الله تعالى الإنسان ، وكرمه وأحسن خلقه وفضله على سائر المخلوقات ، وأوجد القوانين والأنظمة التي تحافظ على كرامته وعلى المقاصد الشرعية ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ؛ حيث حرم الاعتداء عليها من قبل الآخرين ومن قبل الشخص نفسه ، وميَّزه بالعقل ليكون سبيلاً له لدخول الجنة .
والإسلام دين سماوي جاء لسعادة الإنسان وتحقيق الحياة الهنيئة له ، وقد سنّ أسساً وأصولاً علميةً وحكيمةً تبعث الطمأنينة في نفس الإنسان ، وتثبت دعائم الحق والعدل في حياته ، ومن مميزات هذا الدين أن تشريعاته وأحكامه وتعليماته لها من الشمولية والدقة والثبات والديمومة ما يحث العمل بها وعدم مخالفة أوامرها ، وفيها من شفافية التعامل مع الأحداث والمستجدات ما لا توجد في أي دين أو تشريع آخر .
كما أن الإسلام لم يمنع الإنسان من أي علم جديد يفيده أو معرفة علمية تحل مشكلاته ، إلا إذا اشتملت على مفاسد يقرها الشرع العظيم ، وهكذا أتاح له الشرع الحنيف جميع سبل البحث العلمي لتطوير حياته ، فكان لا بد من إدخال النتائج أو طرق البحث لغربال الشريعة للتأكد من مطابقتها للشرع أم لا ، لأن أي شيئ يُخالف الشرع سيُسبب الكثير من المشكلات والمفاسد للإنسان وللمحيطين به .
وعندما ظهر الاستنساخ في أواخر القرن المنصرم أحدث ضجةً وضجيجاً في أواسط الحكومات والمنظمات ، كما أحدث ثورةً في مجال علم الجينات والهندسة الوراثية .
وخصوصاً حين ولادة النعجة ” دوللي ” ، بعد أن أُخذت خلية من ضرع نعجة بالغة ، وتم تربيتها في المعمل لمدة ستة أيام ، ثم جيئ بيضة غير مخصبة من نعجة أخرى ، وتم نزع نواتها بما تحويه من مادة وراثية ، وتم وضع نواة الخلية المأخوذة من ضرع النعجة الأولى بدلاً منها ، وفي وجود شرارة كهربائية تم التحام هذه النواة في بيضة النعجة الثانية الخالية من النواة ، ثم تم زرع الجنين الذي نتج عن هذا الالتحام في نعجة ثالثة ، وبعد انتهاء مدة الحمل ، أنجبت النعجة ( دوللي ) التي صارت أشهرنعجة في التاريخ .
ومنذ وقوع هذا الحدث ، وهناك جدل ونزاع بين رجال الدين والسياسة وغيرهم حول الاستنساخ الذي فجّر الكثير من التساؤلات ، كما أصبح هذا الموضوع موضع سجال ونقاش بين علماء الدين الإسلامي في حرمته أو تحليل الشرع له .
وفي السطور التالية سأحاول – بإذن الله تعالى – عرض أهم عناصر الموضوع وحكمها في الشريعة الإسلامية .
أولاً : مفهوم الاستنساخ :
الاستنساخ لغةً :
الاستنساخ في اللغة من النسخ ، والنسخ يُطلق في اللغة على النقل ، كنسخ الكتاب ، الذي يتم فيه نقل صورته إلى كتاب آخر ، كما يطلق النسخ على الإزالة ، والتنسيل ، والإبطال [1] .
ويظهر تقارب المعنى اللغوي ” النقل ” بالمعنى الاصطلاحي ، فهو يوافق إحدى تقنيات الاستنساخ ، والتي يطلق عليها ( تقنية النقل النووي للخلايا ) ، وهي تقوم على أساس أن هناك نوعين من الخلايا يتكون منها جسم الإنسان الخلايا الجسدية ( الجسمية) والخلايا الجنسية .
الاستنساخ اصطلاحاً :
الاستنساخ هو : ” توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بيضة منزوعة النواة ، وإما بتشطير بيضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء ” .
ويعرف أيضاً بأنه : ” تكوّن كائن حي كنسخة مطابقة تماماً ، من حيث الخصائص الوراثية ، والفيزيولوجية ، والشكلية ، لكائن حي آخر ” .
كما يُعرف بأنه : ” إيجاد نسخة طبق الأصل عن شيئ ما من الكائنات نباتاً أو حيواناً أو إنساناً ” [2] .
ويبدو مما سبق أن الاستنساخ هو نقل الخلايا بغير طريقة التوالد الطبيعيّة ( أي المعمول في تكثير النسل والتوالد ) ؛ وذلك بأخذ خلايا جسمية ذات عدد كامل من الكروموسات ووضعها في أوساط خاصة ( أي المختبرات البايولوجيّة المخصصة لعلم الأجنة ) تنقسم وتولد فرداً جديداً .
ثانياً : فوائد الاستنساخ ومضاره :
(أ) فوائد الاستنساخ :
للاستنساخ فوائد عديدة ترجع إلى مصالح الإنسان ، وتهدف إلى حل كثير من معضلاته إذا تم استخدامه ضمن حدود معينة وقواعد مضبوطة ، وأهمها :
- إنه قد يوصل في المستقبل إلى معرفة أسباب سرعة انقسام الخلايا السرطانية ، حيث يمكن حينئذ إيجاد السبل لوقف انقسامها .
- إنه يساعد في حال استنساخ الخلايا الجنينية ، على تعرف الأمراض الوراثية التي يمكن إصابة الجنين بها ، ومحاولة علاجه جينياً وهو في مرحلة النطفة قبل نقله إلى الرحم .
- إن متابعة أبحاث الاستنساخ قد تؤدي إلى إمكان استنساخ الأعضاء البشرية مستقبلاً لاستخدامها في الزرع بدلاً مما يؤخذ من الآدمي .
- إن الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة المستنسخة يمكن استخدامها في علاج دمار المخ والجهاز العصبي وغير ذلك ، من الأعضاء البشرية التي يصعب علاجها إذا تلفت .
- يفيد الاستنساخ في زراعة الأعضاء البشرية ، إذا ما تم استزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء البشرية في الأغنام مثلاً في أثناء تكوينها الجنيني ، حيث تمثل أعضاؤها قطع غيار بشرية .
- يساعد في الحصول على سلالات متميزة في النبات والغراس والحيوان ، ذات عطاء متميز في إنتاجها .
- يمكن عن طريقه كشف غموض أسباب الإجهاض المبكر ، الذي لا يعرف لأكثر حالاته سبب بوسائل أخرى غير الاستنساخ .
- يمكن عن طريقه استنساخ أبقار وأغنام يحوي حليبها خصائص حليب النساء ، أو يحتوي على البروتين العلاجي من أمراض عدة : كهرمون الأنسولين ، وهرموني النمو ، والإنترفيرون ، والعامل المضاد للترومبين ، والعامل المخثر للدم ، والبروتين المضاد للتربسين ، وغير ذلك .
- إنه يفيد في الحصول على نسخ بشرية ، تمتلك خطوطاً خلويةً ، تنتج أعضاء ، يمكن استعمالها كقطع غيار بشرية ، أو الحصول على نسخ بشرية لا مخ لها ، أو ميتةً دماغياً ، أو نحو ذلك ، للاستفادة من أعضائها في عملية الزرع .
- 10. يمكن به الحصول على نوع معين ذكر أو أنثى ، أو الحصول على أولاد نجباء ، أو عباقرة ، أو أبطال ، أو نخبة متميزة ، أو الحصول على أفراد مقاومين للأشعة أو لهم قامة طويلة أو قصيرة ، أو نحو ذلك من الصفات [3] .
(ب) أضرار الاستنساخ :
- إن استنساخ خلية تحمل جيناتها مرضاً أو أمراضاً معينةً ، يقتضي أن يولد الأفراد الناتجون من هذا الاستنساخ حاملين لتلك الأمراض ، مما يمثل خطراً عليهم ، فقد تقضي الأمراض على جميع النسخ دفعةً واحدةً .
- إن استنساخ خلية أخذت من ذكر ، ينتج نسخاً من الذكور ، واستنساخ خلية من أنثى ، ينتج نسخاً من الإناث ، ومثل هذا يحدث خللاً في نسبة نوعي الجنس البشري بالنسبة لبعضهما ، ويقضي على التوازن الفطري بين الكائنات في الطبيعة ، وقد أثبتت التجارب خطره .
- إن نسبة نجاح الاستنساخ ، وولادة أفراد أسوياء منها ، متدنية ، ودليل هذا أن ولادة ” دوللي ” كانت نتيجة إجراء مأتين وسبع وسبعين تجربة اندماج ، جمع لها ألف بيضة من إناث الغنم ، فنسبة نجاح التجربة هو واحد في الألف ، والمثير للقلق ارتفاع نسبة الإجهاض التلقائي من الأجنة المستنسخة ، وارتفاع نسبة التشوهات الخلقية بها .
- ينشأ عن الاستنساخ وجود أفراد متطابقين في الشكل والصفات بحيث لا يمكن التمييز بينهم إلا بعمليات معقدة ، مما يترتب عليه إشكالات عديدة ، في المعاملات المالية ، والجنائية ، والأمنية ، والاجتماعية .
- يترتب عليه العبث بكثير من الخلايا والأجنة ، والتخلص مما لا يمكن استنساخه منها ، وقد ينشأ عنه بنوك ومراكز لحفظ الأجنة والخلايا الزائدة عن الحاجة ، مما يخلق سوقاً رائجةً لبيع وابتياع هذه الأجزاء ، لاستخدامها في العمليات غير المشروعة .
- قد يترتب على الاستنساخ ذرية عقيمة ، لا يتحقق بها إعمار الأرض ، ولا يرجى منها حفظ الجنس البشري أو استمراره ، إذ وجد أن الضفادع المستنسخة عقيمة ، وقد يكون مثل هذا في الإنسان إذا استنسخ فلا يتحقق باستنساخه غاية وجوده في الحياة .
- 7. إن الاستنساخ قد ينشأ عنه تفشي الأمراض المختلفة في النسخ ، لتنتقل عنها إلى غيرها من أفراد المجتمع ، فينشأ عنه أجيال متعاقبة ، تحمل خلاياها الجين الممرض ، مما يكون له الأثر الوبيل في صحتهم وعطائهم ، واستمرار مسيرتهم في الحياة [4] .
ثالثاً : أنواع الاستنساخ :
تتم عملية الاستنساخ عن طريق عدة تقنيات ، ومن ثم تتعدد أنواع الاستنساخ كالتالي :
- الاستنساخ الجنسي ( الجنيني ) : تفصل فيه الخلايا المنقسمة الناشئة عن بيضة مخصبة ؛ حيث يتم إذابة غشاء عن هذه الخلايا المنقسمة ، وبعد فصل كل خلية عن الأخرى تضاف إليها مادة لتكون عليها غشاء ، فينشأ عن هذا الفصل خلايا جنينية مطابقة مع بعضها البعض .
- الاستنساخ اللاجنسي ( الجيني ) : يتم في هذا النوع تفريغ بيضة الأنثى من نواتها الحاوية على الكروموسات ، ثم تنقل إليها خلية جسدية تحتوي على 46 كروموسا ، وتدمج الخلية مع البيضة المفرغة بذبذبات كهربائية دقيقة منقطعة ، ليتولى السيتوبلازم المحيط بالنواة الجديدة ؛ حيث الخلية المزروعة على الانقسام ، ثم تنقل البيضة الحاملة لذلك إلى رحم الأم المستقبلة ، لتكمل نموها كالخلايا الجنسية ( الجنينية ) ، فينتج عن ذلك فرد مطابق لأصله الذي أُخذت منه الخلية الجسدية .
- الاستنساخ العذري : يجري فيه تفعيل البيضة الأنثوية غير المخصبة بنطفة ذكرية ، بوسائل عدة لدفعها إلى النمو والانقسام مكونة جنيناً ، يتطابق مع صاحبة البيضة في الخصائص .
( للبحث صلة )
[1] ابن منظور : لسان العرب 3/61 ، 11/66 ، وابن فارس ، معجم المقاييس في اللغة ، ص 989 ، المعجم الوسيط 2/919 .
[2] أ . د . هاني رزق : بيولوجيا الاستنساخ ، بحث ضمن كتاب الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاق ، ص20 . محمد عبد العزيز إسماعيل ، قيل عن الاستنساخ ص 29 ، عبد القديم زلوم ، حكم الشرع في الاستنساخ ونقل الأعضاء . . . ، ص 7 .
[3] د . أحمد رجائي الجندي : الاستنساخ البشري بين الإقدام والإحجام ، ص 10 – 13 ، د . صالح عبد العزيز عبد الكريم : الاستنساخ نخبة فوائد ومخاطر ، ص 27 ، الاستنساخ بين العلم والدين ، ص 49 – 50 بيولوجيا الاستنساخ ، ص 65 – 66 و 81 .
[4] زياد سلامة : الاستنساخ في الواقع العلمي والحكم الشرعي ( مجلة هدي الإسلام الأردنية ) العدد 10 ، المجلد 41 ، ص 39 ، 86 . د . محمد سليمان الأشقر : الاستنساخ ( مجلة هدي الإسلام الأردنية ) العدد 10 ، المجلد 41 ، ص 37 – 39 . الاستنساخ بين العلم والدين ، ص 38 – 40 . بيولوجيا الاستنساخ ، ص 84 – 85 .