شبهة

الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وجائزته من الله تعالى
فبراير 7, 2023
بين النعماء والضرّاءفي القرآن
مارس 14, 2023
الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وجائزته من الله تعالى
فبراير 7, 2023
بين النعماء والضرّاءفي القرآن
مارس 14, 2023

أن النبي صلى الله عليه وسلم

لم يأت بجديد ، وأنه مأخوذ من الإسرائيليات واليهودية والنصرانية

الدعوة الإسلامية :

شبهة

أن النبي صلى الله عليه وسلم

لم يأت بجديد ، وأنه مأخوذ من الإسرائيليات واليهودية والنصرانية

الأخ محمد دانش أنور *

نحمده ونصلي على رسوله الكريم ، أما بعد :

فقد عرفنا من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة أن مهمة الرسل الأولـى التـي كلفهم الله عز وجل بـها إلـى الأمم لإخراجهم من الظلمات إلـى النور ؛ هي التبليغ الذي أوجبه الله تعالـى عليـهم بمقتضـى اصطفائـهم للرسالة التـي حملهم إياها ، فيجب عليـهم أن يبلغوها ، كما فـي قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) [1] وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ ) [2] . ويستحيل عليـهم أي شـيئ يخل بهذا التبليغ ، ككتمان الرسالة ، والكذب في دعواها ، وتصور الشيطان لهم في صورة الملك وتلبيسه عليـهم في الرسالة ، ويجب على المسلمين اعتقاد ذلك فيـهم .

وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك البلاغ كله على وجه الكمال والتمام من يوم أن أنزل الله تعالـى عليه الرسالة ، وكلفه بالبلاغ ، سواء كان وحياً متلواً ( القرآن ) أو غير متلوّ ( السنة ) ، ولـم يأل في ذلك جهداً ولم يدخر وسعاً ، بل إنه صلى الله عليه وسلم لـم يكتف بذلك ، بل كلف كل من يسمع عنه شيئاً أن يبلغه إلـى من وراءه ليعم بلاغه الأمة في كل زمان ومكان ، ورغبـهم صلى الله عليه وسلم في ذلك وشجعهم عليه بقوله : ” نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتـى يبلغه ، فرب حامل فقه إلـى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ” [3] .

ولقد دلت نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة العطرة على عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب ، وانعقد إجماع الأمة على ذلك ، وشهد الله تعالـى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأداء واجب البلاغ على أكمل وجه ، كما فـي قوله تعالـى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ  الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) [4] . وقوله تعالـى : ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) ( الإسراء : 73 – 74 ) .

فهذا غيض من فيض للدلائل الواردة فـي القرآن الكريم التـي تشهد بعِصمته صلى الله عليه وسلم فـي كل أمر بلغه عن ربه من كتاب وسنة ، فهو لا ينطق إلا بما يوحى إليه من ربه ، ولا يقول إلا ما أمر به ، فبلغه إلـى الناس كاملاً من غير زيادة ولا نقصان ، إذ لو كان بـخلاف ذلك لـما أيده الله تعالى ، ولفضح أمره للملأ . كما فـي قوله تعالـى : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) [5] .

وقد اكتمل الدين وانتشر ، ولكن الحاقدين علـى دين الإسلام لم يستسيغوا انتشاره الواسع ، وقبول الناس له ودخولهم فيه ، فبدأوا يثيرون أنواعاً من الشبـهات ، حتـى ينفروا الناس عن هذا الدين ويضعوا عراقيل في سبيله .

فـي هذا المقال أتناول بعض شبـهاتـهم التـي أثاروها حول الوحـي ، وأذكر بعض الردود التـي قاموا بـها علماء الإسلام .

لقد زعم المستشرقون أن الوحـي انبثق فـي الدرجة الأولـى عن اليـهودية والنصرانية ، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كيفه تكييفاً بارعاً وفقاً لمتطلبات شعبه الدينية [6] . وأن النبـي صلى الله عليه وسلم قد تلمذ على رهبان النصارى : مثل ورقة بن نوفل ، وبحيرا ، ونسطورا ، وصهيب الرومـي ، وسلمان الفارسـي ، المسيحـي الأصل ، وأحبار اليـهود : مثل عبد الله بن سلام ، الذين كانوا أساتذة له [7] . ويرى بروكلمان أن ذلك تـم من خلال رحلاته ، والذين عاشوا معه بعد إسلامهم [8] .

وقد حاول المستشرقون الرجوع فـي كثير من شعائر الإسلام إلـى اليـهودية أو النصرانية أو الاثنين معاً [9] ،مثل صوم عاشوراء ، وصلاة يوم الجمعة .

ويـجاب عن هذه الافتراءات بما يأتـي :

أولاً : الناظر فـي شبـهتـهم تلك يلاحظ أنـها تقوم على دعائم هشة فـي بيت العنكبوت ، ويلاحظ القارئ أن زعمهم هذا لا يعدو كونه عين ما ردده جهال قريش من قبل ، حين قالوا كما أخبر القرآن : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِـيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) [10] . وبذلك يتضح أن الكفر ملة واحدة ، مهما تباعدت أزمانه واختلفت أوطانه .

إن ما زعمه هؤلاء الملحدون ؛ باطل من القول ، سودوا به صفحات التاريخ ؛ إذ الحق الذي لا مناص عنه ، ثبوت العصمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فـي دعواه بالنبوة ، وفـي كل ما يـخبر به من الوحي عن ربه عز وجل ، على ما مر سابقاً فـي دلائل عصمته من خلال القرآن والسنة فـي تبليغه صلى الله عليه وسلم الوحيَ [11] ، كما أنه لـم يكن لأحد عليه فضل فيما جاء به غير الله تعالـى ؛ فأنّـى لأحد من البشر كائناً من كان أن يكون له قِبَلٌ بـما جاء به صلى الله عليه وسلم فينصبونه معلماً له ؟

ثانياً : أين هذه الرحلات التـي يتكلم عنـها جولد زويـهر ، وبروكلمان ، ومن شايعهما ، والتـي التقى فيها النبـي صلى الله عليه وسلم بأحبار اليـهود ، ورهبان النصارى ، وأخذ عنهم ؟ ومتـى كانت ؟ وأين تـم هذا اللقاء ؟ وكم مدة قضاها ليتلقى تلك الدروس حتـى يهضمها ويستوعبها ؟ ومن هم الذين أخذ عنهم ؟ وماذا أخذ ؟ . . . . إلـى غير ذلك من أسئلة يعجز المستشرقون عن إجابتـها ، لأنـها لا إجابة لها البتة ، إذ الإجابة عنـها من صنع الخيال ، وترهات الأفكار .

إن ما زعموه بأنه من الممكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقف هذا الذي جاء به من بحيرا [12] ونسطورا [13] الراهبين ؛ زعم باطل ؛ وذلك لأن المعروف الثابت تاريخياً أن النبـي صلى الله عليه وسلم لم يلق     ( بحيراً ) هذا إلا مرة واحدة ، وهي المرة الأولـى التـي سافر فيـها إلـى الشام ، وكان معه عمه أبو طالب ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك لا يتعدى اثني عشر عاماً [14] ، ولا يعقل أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أخذ عنه شيئاً وهو فـي هذه السن ، وأنى لـ ( بحيرا ) وما حواه الوحـي الإلهـي قرآناً وسنةً من علوم وأخبار ماضية ومستقبلة ؟

إن الباحث المصنف لو استنطق التاريخ ، ما زاد على أن يقول له : إن الراهب ( بحيراً ) لما رآه تظله سحابة من الشمس ، ورأى فيه بعض أمارات النبوة ذكر لعمه أنه سيكون له شأن ، وحذره أن تناله اليـهود بأذى . وكذلك الحال عندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالراهب ( نسطورا ) وهو فـي طريقه إلـى الشام ، يعمل فـي تجارة السيدة خديجة بنت خويلد رضـي الله عنها ، جاء إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَبَّلَ رأسه وقدميه ، وقال : آمنت بك ، وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله فـي التوراة ، ثم قال لميسرة بعد أن خلا به : يا ميسرة ! هذا نبـي هذه  الأمة ، والذى نفسـي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً فـي كتبـهم [15] .

ولم تذكر الأخبار أنه كان حتـى هناك مجرد حديث بين الغلام الصغير ( محمد ) وبين ( بحيرا ونسطورا ) ، وإنما الذي ذكرته الأخبار أن كل الحديث الذي تحدث به الراهب ( بحيرا ) عنه ؛ كان مع عمه أبي طالب ، والذي تحدث به الراهب ( نسطورا ) عنه ؛ كان مع غلام السيدة خديجة ميسرة ، فماذا – يا تُرى – هلا نبأنا التاريخ بنبأ ما جرى خلال هذا الحديث المزعوم الذي جمع فـي تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن والسنة كاملة ؟!

إن تلك الروايات التاريخية التـي تتحدث عن اللقاء العابر بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بحيرا ونسطورا تحيل أن يقف كل من بحيرا ونسطورا موقف المعلم المرشد لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأن كلا منهما بشر عمه وميسرة بنبوته ، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بـهذه البشارة التـي يزفها ، ثم ينصب نفسه أستاذاً لصاحبـها الذي سيأخذ عن الله ، ويتلقى عن جبريل ، ويكون هو أستاذ الأستاذين ، وهادي الـهداة المرشدين ! وإلا كان هذا الراهب متناقضاً مع نفسه !!

ثالثاً : ما زعموه من أنه صلى الله عليه وسلم تلقى الوحي من علماء أهل الكتاب فـي عصره محض افتراء يرده القرآن الكريم الذي حفل بجدالهم ومحاوراتـهم فـي العقائد والتواريخ والأحكام .

فالناظر فـي محاورات القرآن لهم يرى بأي لسان يتكلم عنهم القرآن الكريم ، إنه يصور علومهم بأنـها الجهالات ، وعقائدهم بأنـها الضلالات ، ومعارفهم بأنـها الخرافات ، وأعمالهم بأنـها المنكرات .

واقرأ إن شئت قول الله تعالـى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [16] .

وقال تعالـى : ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) [17] .

وغير ذلك كثير مما هو منثور فـي ثنايا سور القرآن الكريم ، وهو سهل المنال لمن طلبه ، مما يفيدك بأن قوماً أمثال هؤلاء لا يعقل أن يصفهم القرآن بذلك ، ثم يقفون من صاحب هذه النبوة موقف المرشد والناصح ! كذلك لا يُعْقَلُ – وحالهم هكذا – أن يتلقى عنـهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إنك ترى فيه معلماً يصحح لهم أغلاطهم ، وينعى عليـهم سوء حالهم ، فلو كانوا معلمين له صلى الله عليه وسلم لمدحهم ، وجاملهم ، وتودد إليـهم ، وتقرب منـهم ، ولم يقف منـهم هذا الموقِفَ العدائـي ، حتـى لا يفضحوا أمره ، ويكشفوا حاله .

ثم إن كثيراً من هؤلاء الذين يزعمون أنـهم كانوا مصدر الوحي ؛ قد أسلموا ، وإسلامهم حجة قائمة على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعصمته فيما بلغ من الوحي الإلهى ، ولو كان هؤلاء أعانوا النبـي صلى الله عليه وسلم على الوحي ، وأنه ليس من عند الله ، لكانوا أدرى الناس حينئذ بحقيقة الإسلام ، وبالتالـي كانوا سيكونون أبعد الناس عنه ، وكانوا يعرفون أنه دين ليس صحيحاً .

رابعاً : من أقوى ما يدل على أن الإسلام لم يكن مقتبساً من اليـهودية أو النصرانية ، وجود الخلاف فـي كثير من العقائد والأحكام ؛ بل جعل الشارع الحكيم جنس مخالفتـهم أمراً مقصوداً له ، بل ومن متطلبات الشرع ، وهناك كثير من الأحكام جعلت العلة فيـها هي مخالفة اليـهود أو النصارى ، فمن ذلك :

قوله صلى الله عليه وسلم : ” إن اليهود والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم ” [18] .

وكما أخرجه الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضـي الله عنه أن اليـهود كانوا إذا حاضت المرأة فيـهم لم يؤاكلوها ، ولم يجامعهن فـي البيوت ، فسأل أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم النبـي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالـى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [19] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :      ” اصنعوا كل شـيئ إلا النكاح ” ، فبلغ ذلك اليهودَ ، فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالَفَنا فيه [20] .

فهذا إقرار من اليـهود – عليـهم لعائن الله – بمخالفة النبـي صلى الله عليه وسلم لما كانوا عليه من شعائر ، حتـى اشتـهر ذلك بينـهم .

خامساً : ما زعموه من إرجاع كثير من شعائر الإسلام إلـى اليـهودية أو النصرانية ، أو الاثنين معاً ، زعم باطل لما يلـي :

(1) زعموا أن صوم عاشوراء على موافقة اليـهود فيه ، بناء على ما روي عن ابن عباس رضـي الله عنهما قال : قدم النبـي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يومٌ صالحٌ ، هذا يوم نجّـى الله بنـي إسرائيل من عدوهم ، فصامه   موسـى ، قال : فأنا أحق بموسـى منكم فصامه ، وأمر بصيامه ” [21] .

فعِلة الموافقة الواردة فـي الحديث هي التـي بنـى عليها المستشرقون شبـهتـهم السابقة ، ويجاب بالآتـي :

لقد ثبت أن النبـي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء فـي الجاهلية قبل قدومه المدينة ، ويدل على ذلك قول السيدة عائشة رضـي الله عنها : كان يوم عاشوراء تصومه قريش فـي الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فُرِضَ رمضان تُرِكَ يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه [22] .

وفـي رواية عنـها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ، وكان يوماً تستر فيه الكعبة ، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من شاء أن يصومه فليصمه ، ومن شاء أن يتركه فليتركه ” [23] .

فدل بـهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصمه موافقةً لليهود واقتداءً بـهم ، وإنما صامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسـى شكراً لله ، كنا أحق أن نقتدي به من اليهود ، لاسيما إذا قلنا : شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا [24] .

(2) إن النبـي صلى الله عليه وسلم بيَّن نوع مخالفة لليهود فـي صيام عاشوراء ، عندما شرع صيام يوم قبله أو بعده ، فعن ابن عباس رضـي الله عنهما قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ” ، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفـي رسول الله صلى الله عليه وسلم [25] . وعنه أيضاً مرفوعاً : ” صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا فيه اليهود ، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً ” [26] . فدل ذلك على مخالفته لهم فـي صيامه .

بعد هذا يتضح أن وحـي الله تعالـى ( كتاباً وسنةً ) والذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصمة الله له ، لم يكن مأخوذاً من اليـهودية أو النصرانية ، وإنما هو وحي مستقل ، لم يتأثر بغيره ، وبالتالـي دين الإسلام دين قائم بذاته ، متميز عن غيره ، وإذا وجد تشابه بين نسك إسلامي ، وبين عمل سابق منسوب إلـى شريعة اليهود أو النصارى ؛ دل ذلك على أن أصل الدين الذي جاء به رسل الله واحد ، لقوله تعالـى : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّـى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَـى وَعِيسَـى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [27] ، وبياناً لذلك وتأكيداً له ، قال صلى الله عليه وسلم : ” أنا أولـى الناس بعيسـى ابن مريم فـي الدنيا والآخرة ، والأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتـهم شتـى ودينـهم واحد ” [28] [29] .


* باحث في الدكتوراة ، قسم اللغة العربية ، جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية ، فرع  لكناؤ ، أترابراديش ، الهند .

[1] المائدة : 67 .

[2] المدثر : 1 – 2 .

[3] سنن الترمذي : كتاب العلم ، باب ما جاء فـي الحث على تبليغ السماع ، برقم 2656 ، بتحقيق : بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامـي بيروت .

[4] النجم : 3 – 4 .

[5] الحاقة : 44 – 47 .

[6] ينظر : تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ، ص 69 ، والاستشراق فـي السيرة لعبد الله النعيم ، ص 38 .

[7] العقيدة والشريعة : ص 13 – 14 ، وحياة محمد لإميل در منغم ، ترجمة : عادل زعيتر :  ص 125 – 126 ، الاستشراق فـي السيرة النبوية لعبد الله محمد الأمين ، ص 65 .

[8] تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 34 .

[9] العقيدة والشريعة ، ص 17 – 18 ، والرسول فـي كتابات المستشرقين ، ص 137 .

[10] النحل : 103 .

[11] انظر مقدمة المقال ، ص 1 .

[12] راهب ، قيل : إنه كان يهودياً من يـهود تيماء ، وقيل : كان نصرانياً من عبد القيس ، يقال له جرجس ، لقيه النبـي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة . ( البداية والنهاية ، 2/213 – 214 ) .

[13] بطريرك الإسكندرية ، سنة 431م ، وهو الذي قال : بأن مريم لم تلد إلا الإنسان ، فهـي بذلك أم الإنسان ، وليست أماً لإله ، وأتباعه هم النساطرة ( الملل والنحل للشهرستانـي ، 2/251 – 253 ) .

[14] السيرة النبوية لابن هشام ، 1/236 – 238 .

[15] دلائل النبوة لأبـي نعيم ، 1/172 .

[16] التوبة : 30 – 31 .

[17] النساء : 156 – 158 .

[18] صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، برقم 3275 .

[19] البقرة : 222 .

[20] صحيح مسلم : كتاب الحيض ، برقم 302 .

[21] صحيح البخاري : كتاب الصيام ، باب صيام يوم عاشوراء ، برقم 1900 .

[22] نفس المصدر ، برقم 1898 .

[23] نفس المصدر ، كتاب الحج ، باب قول الله تعالـى : ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس… ) ، برقم 1515 .

[24] زاد المعاد فـي هدي خير العباد لابن قيم الجوزية ، 2/70 ، مؤسسة الرسالة .

[25] صحيح مسلم : كتاب الصيام ، باب أي يوم يصام فـي عاشوراء ، برقم 1134 .

[26] مسند أحمد : مسند عبد الله بن عباس ، برقم 2154 ، مؤسسة الرسالة .

[27] الشورى : 13 .

[28] صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب ( واذكر فـي الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها ) برقم 3259 .

[29] انتـهـى ملخصاً من كتاب ( رد شبـهات حول عصمة النبـي صلى الله عليه وسلم فـي ضوء السنة النبوية الشريفة ) لمؤلفه : الشيخ عماد السيد محمد إسماعيل الشربينـي .