تأثير إشكاليات الترجمة على ترجمة النصوص الدينية

دار العلوم ندوة العلماء وعلماؤها وإنجازاتها
نوفمبر 5, 2022
تجليات التناص القرآني في روايات يوسف السباعي
نوفمبر 5, 2022
دار العلوم ندوة العلماء وعلماؤها وإنجازاتها
نوفمبر 5, 2022
تجليات التناص القرآني في روايات يوسف السباعي
نوفمبر 5, 2022

من اللغة العربية إلى اللغة التاميلية

دراسات وأبحاث :

تأثير إشكاليات الترجمة على ترجمة النصوص الدينية

من اللغة العربية إلى اللغة التاميلية

الباحث : ميرا محي الدين بن حسن ظافر *

(1) مفهوم الترجمة :

الترجمة كلمة مشتقة من تَرْجَمَ ، معناه كما جاء في المعجم الوسيط ، ” بيّنه ووضَّحه ونقله من لغة إلى لغة أخرى . معنى ترجم لفلان : أي ذكر ترجمته ” [1] ، ويقول ابن منظور في لسان العرب : ” قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ؛ ومنه الترجمان ” [2] ، ويأتي د . أبو جمال قطب الإسلام نعماني في أحد أبحاثه معاني كلمة الترجمة : ” من المعلوم أن الترجمة تأتي لمعان آتية : التبيين والتوضيح والتفسير وحياة الإنسان وسيرته ونقل من لغة إلى أخرى ” [3] .

وأما الترجمة اصطلاحاً فقد اختلف العلماء والباحثون فيها ، يقول الشيخ عبد العظيم الزرقاني : ” هي التعبير عن معنى كلام في لغة بكلام آخر في لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده ” [4] . وقال الدكتور محمد عناني : ” إن الترجمة هي نقل نص أصلي إلى لغة أخرى وثقافة أخرى . فيشير إلى الترجمة بأنها نقل الأفكار والخبرات من لغة إلى   أخرى [5] . ويقول الأستاذ أبو نعمان محمد عبد المنان خان في تعريف علم الترجمة المطلق : ” هو علم يبحث عن نقل لغة إلى لغة أخرى . وعادةً يكون هذا النقل نقل مفاهيم النصوص المكتوبة أو الخطاب من لغة إلى لغة أخرى ، وهذا النوع من الترجمة يتحقق في نقل الكتب أو الرسالة أو العريضة أو الحوار أو المحاضرة من لغة إلى لغة أخرى ” [6] .

(2) إشكالياتها في ترجمة النصوص الدينية :

مما يوافق الجميع عليه ، أن عملية الترجمة عمل صعب حيث يواجه المترجم شتى المشكلات أثناء عمله . وعلى الرغم مما أن هناك المشكلات العامة في الترجمة ، هي أولى في ترجمة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، حيث إنهما ما أسند إلى الوحي ففي عملية ترجمتهما مشكلات خاصّة ومعتبرة فالمترجم ينبغي له مراعاة الآداب العامة لحلّ الصعوبات التي يعانيها كما يوضحها العلامة الزرقاني في مناهل العرفان بقوله: ” لا بد لتحقيق معنى الترجمة مطلقاً حرفية كانت أو تفسيرية ، من أمور أربعة :

أولها : معرفة المترجم لأوضاع اللغتين : لغة الأصل ولغة الترجمة .

ثانيها : معرفته لأساليبهما وخصائصهما .

ثالثهما : وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده على وجه مطمئن .

رابعها : أن تكون صيغة الترجمة مستقلّة عن الأصل ، بحيث يمكن أن يستغني بها عنه ، وأن تحلّ محلّه ، كأنه لا أصل هناك ولا فرع ” [7] .

المشكلات في ترجمة النصوص الدينية من العربية إلى التاميلية أخص وأكثر . ” إن الترجمة هي نقل النص من اللغة ” المصدر ” إلى اللغة الهدف بدون زيادة ولا نقصان في معناها الحقيقي . وتنشأ الصعوبات والمشاكل من حقيقة التعادل في اللغة المنقول إليها . فالمترجم من اللغة العربية إلى اللغة التاميلية يواجه بعض التحديات والصعوبات فيSemantic Equivalent  من حيث المعنى أثناء الترجمة . وذلك لأنهما من أسرتين لغويتين مختلفتين . فاللغة العربية من الأسرة اللغوية السامية . واللغة التاملية من الأسرة اللغوية الهندية الأوروبية . ذلك أنه ليس من السهل الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة التاملية . والعكس نظراً لاختلاف بنية وتركيب كل من اللغتين تماماً عن بعضهما . ولذالك يواجه المترجم المشاكل المختلفة في أثناء الترجمة ” [8] . هذه المشكلة الترجمية تؤثر على ترجمة النصوص الدينية في القرآن والحديث من اللغة العربية إلى اللغة التاميلية في شتى المواضع ، يمكن تحديدها في العناوين الآتية :

(1) الشكل العربي المتميز :

شكل اللغة العربية المستخدم في الكتاب المقدس والنصوص الإسلامية هو شكل بارز من أشكال اللغة العربية . أما اللغة العربية فتتميز بهذا الشكل العربي المتميز عن سائر اللغات الذي يؤثر على المعنى المشتمل والبناء الجملي . فالنصوص الدينية العربية توجد في هذا الشكل حيث يندفع مترجمها إلى مواجهة الإشكاليات المختلفة في تفسير المعنى وإنشاء البناء الجملي المعادل للغة العربية في اللغات ، خصوصاً اللغة التاميلية . لأن اللغات المختلفة تستخدم الأشكال المختلفة لأغراض واحدة أو مختلفة ، فنفس البنية اللغوية في اللغة العربية لا تتسم لأغراض لغات أخرى . ففي هذه الحالة ، تكون النتيجة أنه يصعب على المترجم إكمال عملية الترجمة . يدل على ذلك ما ذكره الإمام ابن قدامة رحمه الله في أهمية تعلم اللغة العربية لفهم القرآن الكريم بنصه : ” ويحتاج ( يعني المجتهد ) إلى معرفة نصب الأدلة وشروطها ومعرفة شيئ من النحو واللغة يتيسر به فهم خطاب العرب وهو ما يميز به بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه وعامّه وخاصّه ومحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيده ونصّه وفحواه ولحنه ومفهومه ” [9] ، فهذا كله من الأشكال اللغوية ، تتشكل به اللغة العربية ولا توجد في غيرها كما يحتويها القرآن الكريم والحديث النبوي .

(2) عدم وجود الكلمات النظيرة في اللغة المترجمة:

اللغة العربية تتطور يوماً بيوم حسب التغير العالمي . فهذا التغير لم يؤدِّ الناس إلى اعتمادهم على لغاتهم الأم فقط ، بل على سائر اللغات الأجنبية وفق الحاجات التعليمية والمتطلبات والمهنية . فالمفردات الجديدة تدخل في اللغة العربية . وكذا النصوص الدينية الإسلامية فهي خاصّة بالتشريع الإسلامي حيث عدم وجود الكلمات النظيرة لها في سائر اللغات الأجنبية كأنها مصطلحات خاصة بالإسلام . فأثناء هذه المناسبات ، تواجه المترجم لمشكلات عديدة في عملية الترجمة . ففي حالة ترجمة المصطلحات الدينية فيعتمد المترجم على الاصطلاح الديني الخاصّ رغم أن له معاني أخرى .

أما الترجمة على أنها تتشابه بالتفسير ، فهي توافقه في ترجمة النصوص الدينية الإسلامية من القرآن والسنة . ” ومعنى لغة القرآن والسنة هو اصطلاحهما إذا كان للكلمة استعمال خاص بمعنى فيهما أو في أحدهما وذلك كلفظ الصلاة هو في عموم لغة العرب معناها الدعاء ، واستعمل في القرآن والسنة بمعنى خاص هو صورة الصلاة التي هي أحد أركان الإسلام الخمسة ، فإذا جاء هذا اللفظ في القرآن أو السنة فينبغي أن يفسر حسب هذا الاصطلاح ، فإن لم يكن للكلمة اصطلاح خاص في القرآن والسنة وجب أن تفسر حسب عموم لغة العرب ، وذلك إذا ذكرت الكلمة ذكراً مطلقاً أي إن لم يذكر الله تعالى ولا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سياقها ما يوضح المراد منها ولم يذكر الله لها تفسيراً ولا فسرها الصحابة رضي الله عنهم ” [10] ، فيتضح من هذا ، أن الكلمات العربية تشتمل على ثلاثة العناصر : عناصر جديدة عرّفها الإسلام كالقرآن والاستشهادوالعناصر المصطلحيةالإسلامية التي منحها الإسلام معاني جديدةً كالحج والصدقة والعناصر المشهورة التي تستخدم في اللغة العربية . ولكن هذا المسلك اللغوي الرائع لا يوجد في اللغة التاميلية ولا يجد المترجم المفردات النظيرة لجميع العناصر فيواجه في عمله تعقداً شديداً .

(3) الأثر الثقافي في اللغتين : المصدر والهدف :

لكل لغة من اللغات ثقافة خاصّة وهي مرتبطة بها . ” إن كل لغة لا بد أن تنتمي إلى ثقافة معينة ، وبالتالي فإن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى . ولكنه لن يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة . وقد تؤدي تلك الاختلافات اللغوية على مستوى المفردة إلى إشكاليات كبيرة . إذ أن النص الذي يترجم دون مراعاة لثقافة الأصل قد ينمي لدى القارئ مفاهيم خاطئة عن طبيعة النص الأصلي . فلا بد أن يعرف المترجم ثقافة للغة المصدر ولغة الهدف . وعند ذلك تكون الترجمة ترجمةً حيويةً . وإذا قام المترجم بترجمة نص ما إلى لغة الهدف حسب نظام لغة المصدر فالترجمة لن تكون حيويةً . ويدخل فيها الأمثال والحكم وغير ذلك ” [11] . ففي بعض الأحيان ، حتى في حالة وجود مكافئ ، فإن المترجم يفشل في نقل المعنى المقصود نفسه ودلالات كلمة المصدر . فالتحدي مع هذه الشروط وغيرها ينبع من عامل مهم آخر ؛ فهي ليست متجذرةً بعمق في بنية اللغة العربية فحسب ، بل إنها مرتبطة ثقافياً أيضاً بالعالم العربي والإسلامي . وقد اتضح مما سبق ؛ أن اللغة العربية كانت لها ثقافة عريقة قديمة ، لا تماثلها أية ثقافة في قدمها ورونقتها وسنائها . فإذن ، في أثناء ترجمة تراثها الإسلامي إلى اللغة التاميلية ذات ثقافة مختلفة عن الثقافة العربية ، تؤدي إلى مشكلات كثيرة ومهمة . فالمترجم لا يستطيع أن يمرَ بها بسهولة إلا بلفت الانتباه بعمق في عمله .

(4) سمات القرآن والحديث الخاصة :

تتميز هذه النصوص الدينية بالبلاغة والسمات الأسلوبية المتميزة والتراكيب اللغوية عن سائر الأعمال الأدبية . يصف د . فهد الرومي سمات أسلوب القرآن الكريم وخصائصه بنصه : ” له خصائص كثيرة ، انكبّ على تحصيلها طائفة من علماء اللغة وأرباب الفصاحة والبلاغة ، وما زالوا منذ نزوله يعبّون من نُقَاخه وينهلون من معينه ، وطال بهم الموقف ولم يرتووا ولم ينقص منه شيئ حتى حفيت منهم الأقدام وعريت الأقلام ولم يقدموا مع كثرته إلا قُلاًّ من كثرة ومن البحر قطرة ” [12] . كما أن الحديث الشريف يحتوي على سمات رائعة بلاغية حيث ” استدعت الوظيفة التبليغية التي وكّل بها المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يهبه الله تعالى ملكة القول ومهارة الإفصاح بالصورة التي تليق بعلو وقداسة الرسالة التي أرسل بها إلى الناس . فأوتي فصاحةً في اللسان وبلاغةً في الكلام وعمقاً في البيان بصورة أعجزت فصحاء العرب في أيام سؤددهم البياني ” [13] .

مهما كان المترجم ماهراً في الترجمة وأعماله الترجمية ناجحة ، ولكن لا يستطيع أن يأتي بالأشكال التامّة والصور الكاملة التي تلذّذ بها في قراءة النصوص الأصلية من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية إلى اللغة التاميلية لأن سماتهما خاصّة وبليغة جداً على مدار جميع الحدود اللسانية . ففي هذه الحالة يقوم المترجم بتفسير معاني النصوص لا بترجمتها مثل ما يوجد في الأصل فيؤيد هذا ما توصّل د . فهد الرومي من النتائج في بحثه : ” نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى ” إلى ” أنه لا يجوز تسمية معانيه إلى لغة أخرى بالترجمة لما في ذلك من محاذير وآثار سلبية . الصواب أن يسمى نقل معاني القرآن إلى لغة أخرى تفسير القرآن ، أو معاني القرآن ” [14] . فهذا صالح للأحاديث حيث إنها نوع آخر من الوحي الإلهي ، يلزم تسمية ترجمتها شرحاً لا ترجمةً وفق الحجج المقدمة فيما ذُكر آنفاً .

خاتمة :

النصوص الدينية هي الأدلة الرئيسية في التشريع الإسلامي وهي التي يحملها كلام الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . لها قيمة فائقة ومكانة مرموقة في النظر الإسلامي . فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون رسالته القيمة باللسان العربي المبين وأن تكون لغات الشعوب الأخرى لغات متعددةً ومختلفةً ، فالحاجز اللغوي يعترض في هذا المكان في فهم رسالة الإسلام وتطبيقها . فتلعب الترجمة دوراً بارزاً لإيصال رسالة الإسلام إلى الشعوب كما تكون أهمّ الوسائل في بناء الاتصال والتفاهم بين الشعوب . ولكن عمل ترجمة النصوص الدينية تواجه تحديات متنوعةً من حيث وقوعها بالشكل العربي المتميز وعدم وجود الكلمات النظيرة في اللغة المستهدفة ووجود الأثر الثقافي في اللغتين المصدر والهدف ، واشتمال آيات القرآن الكريم وآثار الحديث الشريف على السمات الخاصة حيث لا يأتي المترجم بجمعيها في ترجمته . فهذه الإشكاليات المهمة تؤثر على من يقوم بترجمة النصوص الدينية إلى اللغة التاميلية تأثيراً بليغاً .


* باحث الدكتوراه في اللغة العربية ، قسم اللغة العربية ، كلية جمال محمد ، التابعة لجامعة بهارديداسن ، تيرو شيرابالى –  620020 ، الهند .

[1] المعجم الوسيط ، ط 4 ، مصر : مكتبة الشروق الدولية ، 2004م ، ص 83 .

[2] ابن منظور ، محمد بن مكرم ، لسان العرب ، ط 1 ، بيروت ، دار صادر ، 1300هـ ،     م 12 ، ص 229 .

[3] نعماني ، أبو جمال قطب الإسلام . الترجمة : ضرورة حضارية ، شيتاغونغ : دراسات الجامعة الإسلامية العالمية ، م 6 ، 2006م ، ص 185 .

[4] الزرقاني ،محمد عبد العظيم ، مناهل العرفان في علوم القرآن ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1995م ، ص 90 – 91 .

[5] العناني ، الدكتور محمد ، مرشد المترجم ، ط 3 ، لونجمان : الشركة المصرية العالمية للنشر ، 1995م ، ص 308 .

[6] خان ، أبو نعمان محمد عبد المنان . مذكرة علم الترجمة العربية الفورية . بنغلاديش ، جامعة دكا ، 1992م ، ص 7 .

[7] الزرقاني ،محمد عبد العظيم ، مناهل العرفان في علوم القرآن ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1995م .

[8] Razick, AM &Fainas, ACF .  “The Problems Faced By Sri Lankan Translators From Arabic Language Into Tamil Language”, 5th International Symposium 2015, Oluvil: South Eastern University of Sri Lanka . p:271 .

[9] المقدسي ، عبد الله بن أحمد بن قدامة ، روضة الناظر وجنة المناظر ، ط 1 ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 2009م ، ص 408 .

[10] الزين ، محمود أحمد ، أهمية اللغة العربية في فهم القرآن والسنة ، ط 1 ، دبي ، دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري ، 2009م ، ص 18 .

[11] Razick, AM . &Fainas, ACF, The Problems Faced By Sri Lankan Translators From Arabic Language Into Tamil Language, Proceedings of 5th International Symposium, Oluvil: South Eastern University of Sri Lanka, 2015, p:274 .

[12] الرومي ، فهد بن عبد الرحمن ، خصائص القرآن الكريم ، ط 9 ، الرياض ، مكتبة العبيكان ، 1997م ، ص 20 .

[13] برداوي ، عمر ، ” الحديث النبوي الشريف بين البلاغة والإبلاغ قراءة في حديث إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم ” ، دراسات لسانية ، الجزائر ، 2 جامعة البليدة ،م 2 ،      ع 9 ، 2018م ، ص 58 .

[14] الرومي ، فهد بن عبد الرحمن بن سليمان ، نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى ترجمة أم تفسير ؟ ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم : تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل ، المدينة المنورة ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، 1422هـ ، ص 26 .