اللواء الركن / محمود شيت خطاب
أكتوبر 17, 2022في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي
( الحلقة الثامنة )
في مسيرة الحياة :
48/ سنةً
في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي
( الحلقة الثامنة )
بقلم : سعيد الأعظمي الندوي
تعريب : الأخ معصوم علي الندوي
المؤتمر الإسلامي العالمي الأول بمكة المكرمة :
شارك الشيخ الندوي وصديقه الشيح محمد منظور النعماني في أول مؤتمر إسلامي عالمي ، عُقد في مكة المكرمة ، وكانت الأيام بعد أيام الحج والعبادة في شهر أبريل من التقويم الميلادي ، كما شارك فيها زعيم كشمير الشيخ محمد عبد الله على دعوة من قبل المؤتمر ، وكان وفد علماء المسلمين محتوياً على الشيخ المفتي عتيق الرحمن العثماني والشيخ محمد يونس سليم ، والمحامي نور الدين ، والشيخ السيد عبد العلي البركتي أستاذ المدرسة العالية بكلكتا ، وافتتح المؤتمر خادم الحرمين المرحوم الملك فيصل ، كما ترأس اجتماعه الأول ، ورافق الشيخ الندوي في هذا السفر الشيخ القاضي معين الندوي . و كان المؤتمر ناجحاً وموفقاً .
في اجتماع هيئة التعليم الديني وعملية جراحية في عينه اليسرى :
كما شارك الشيخ الندوي بعد عودته من مكة المكرمة ، في اجتماع هيئة التعليم الديني المنعقد في 22 يونيو 1965م رغم ألم أصيب بعينه ، وانعقد الاجتماع في شهر ميروت ، وبعد ما فرغ من كلماته فيها تفاقمت آلام العين . وفي الصباح شعر بضعف بصره في عينه اليسرى . وألغى البرنامج لحضوره في مجلس الشورى لدار العلوم ديوبند ، ورجع إلى لكناؤ .
وكان لابد من إدخاله إلى مستشفى العيون في سيتافور في 26 يونيو 1965م . وكان العلاج بحمد لله مفيداً ناجعاً هناك . ثم أقبل إلى أعماله العلمية والدعوية حسب عادته ، ولم يترك لقاءات مع بعض الشخصيات البارزة . ولا زالت صحته متأثرةً بالمرض ، ولم يمر على ذلك أيام إذ أصيب مرةً أخرى بنوبة الجلوكوما في عينه اليسرى في الثاني من شهر ديسمبر 1925م ، واضطر الناس إلى إدخاله في المستشفى في سيتافور . وكانت هذه الأيام مؤلمةً للغاية ، واستمر الألم الشديد بعد إعادة الدخول إلى مستشفى سيتافور ، وبقي الألم الشديد على الرغم من العلاج والتشغيل ، ولم تظهر عليه آثار الشفاء ، وبقي في المستشفى لمدة شهرين ونصف ، والزوار ينحدرون إليه ليلاً ونهاراً . ونحن التلامذة اعتادوا الذهاب والإياب إلى سيتافور لعيادته ، وقضاء بعض الوقت معه واستخبار حالته الصحية ، واستمر هذا ، حتى رجع الشيخ إلى لكناؤ في 20/ من فبراير 1976م ، ونصح الشيخ الرباني وصي الله الفتحبوري ( المتوفى 24 نوفمبر 1977م ) أن يبدأ العلاج بالمواد الطبيعية ، وهكذا كان حتى انتهى الألم وشفاه الله سبحانه وتعالى .
واشتغل الشيخ الندوي أثناء ذلك بالتأليف والدعوة والفكر الإسلامي ، وصدر خلال هذه الفترة من قلمه جملة من خيرة أعماله منها : ” الأركان الأربعة ” ، و ” الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ” ، و ” نحو تربية إسلامية حرة ” و ” الطريق إلى المدينة ” . وقام بترتيب وتكميل كتاب والده العلامة السيد عبد الحي الحسني ” جنة المشرق ” الذي طبع مؤخراً باسم ” الهند في العهد الإسلامي ” ، وكذلك استكمل من كتابة تراجم المجلد الثامن من كتاب نزهة الخواطر ومحتوياته . حتى أصبح الكتاب جاهزاً للنشر ، واهتم بطبع ونشر الكتاب المذكور الأستاذ محمد علي دولة من دار القلم بدمشق باسمه الجديد ، وسماه الشيخ ” الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام ” ، وحظي الكتاب بالقبول والشهرة .
الاحتفال الذهبي في دار المصنفين بأعظم جراه :
في 20 فبراير 1925م افتتح نائب رئيس جمهورية الهند الدكتور ذاكر حسين الاحتفال الذهبي للمؤسسة ، عُقد الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إنشائها ، وأبدى الدكتور ذاكر حسين سروره البالغ ، كما ألقى كلمةً قيمةً بهذه المناسبة ، وحضر هذا الاحتفال عدد كبير من المثقفين والمتعلمين من مختلف أنحاء البلاد ، والذين يديرون حركات تعليميةً وأدبيةً داخل البلاد ، أمثال كبيرة الوزراء لأترابرديش السيدة سوتشاتا كار بالاني ، والأميرة ساجدة بيغم أميرة ولاية بوفال ، والسيد الشيخ حمد الشبيلي سفير المملكة العربية السعودية إلى الهند ، وأعلن كل منهم عن مساهمته الخاصة في إعانته لهذا الاحتفال ، فكان من وزارة التربية والتعليم لحكومة الهند 50000 روبية ، ومن حكومة أترا براديش 10000 روبية ، و 10000 من أميرة بوفال ، و 5000 من السفير السعودي ، والتي تم تقديمها من جهة رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .
شارك في هذا الاحتفال وفد من ندوة العلماء تحت رئاسة سماحة الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، متحمساً ونشيطاً في ترتيب الأعمال والبرامج ، وقام الشيخ أبو الحسن الندوي بتعريف السفير السعودي أثناء خطابه أمام الحشد الكبير .
فكرة دار المصنفين وإنجازاتها :
فكرة دار المصنفين كان قد عرضها إلى علماء البلاد العلامة شبلي النعماني رحمه الله ، الذي برز كشخصية علمية مرموقة في عصره ، وقاد المسلمين في العالم الإسلامي من جوانب شتى ، وسعى للقضاء على حالة الإحباط والاكتئاب على المسلمين في الهند بوجه خاص ، بسبب فشل النضال في حركة تحرير الهند ، وكرس كل طاقاته في تحليتهم بالعلم والمعرفة ، وأتحف العالم الإسلامي بقوة قلمه ونضارة فكره ، فحياته مشرقة من جميع الجوانب ، وشاملة شمول الماء والهواء ، ورائعة روعة الزهور والحدائق ، وهو موضع تقدير كبير لدى العلماء والمثقفين في الهند وخارجها . وكان وحيد عصره ، فريد دهره ، جمع بين العقل المستنير والضمير الحي ، وسعة الأفق وألمعية الذكاء والفكر الإسلامي الرشيق ، وكان على دراية كاملة بمتطلبات القديم والحديث ، وكان باحثاً بارزاً ، ومؤرخاً علمياً وكاتباً قديراً ، فلم يمس بأنامله موضوعاً إلا أثراه وأغناه ، إنه حيَّر المؤرخين العظماء وأصحاب المعرفة والأشخاص ذوي الأفكار الجادة باكتشاف زوايا جديدة للعلم والمعرفة ، فاعترفوا بفضله وعبقريته ، وأحدث العلامة ثورةً في عالم الأدب والتحقيق بكتابه القيم : ” سيرة النبي ” ، وفتح باباً جديداً لفهم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقويم أعمالها ، وفتح فصلاً جديداً من البحث والاستفادة من الرسول الكريم على صاحبها ألف تحية وسلام ، ليرى العالم وجه الإسلام المشرق وتعاليمه الشاملة ، ويتشرب من منهله العظيم وحوضه الكوثر ، الصفاء والعطاء والضياء والسماء ، ويمثل في حياتهم الصدق والعدل والحياء والشجاعة لتسمو هممهم إلى منزلة الإمامة والقيادة .
وتحقيقاً لهذا الغرض ألف كتابه ” سيرة النبي ” بأسلوب واضح رشيق ، وطراز متين قويم ، وطريق لم يسبق إليه ، وسبيل لم يسلك ، وقدمه في مجلدات ، بأحسن طربق وأجمل نمط ، فزاد اكتشافاً جديداً في مجال المعرفة والبحث .
في آخر أعوام من حياته ( من 1882م إلى 1914م ) ، قدم لعالم المعرفة والبحث مثالاً حياً نابضاً ، قلما يوجد له مثال في صفحات التاريخ ، ويعتبر فصلاً لامعاً في تاريخ الهند ، ومعلماً بارزاً في العصر الحديث ، إنه حاول توعية المجتمع الإسلامي بقدراته التي وهبها الله من جميع النواحي ، فقد لعب دوراً مهماً في تعزيز روح الموضوعية من خلال ارتباطه بعليكراه وندوة العلماء . كما قام مؤرخه المعاصر والباحث العلامة السيد عبد الحي الحسني ( المتوفى عام 1933م ) ، والد العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ، بإثراء المكتبة الإسلامية بالبحوث والكتابات التاريخية ، و قام بتعريف التراث الإسلامي التاريخي للهند .
رحلة الشيخ الندوي إلى الحجاز المقدس ، وحادثة في طريقه إلى الطائف :
في نوفمبر 1915م سافر الشيخ الندوي إلى الحجاز المقدس للحضور والمشاركة في اجتماع رابطة العالم الإسلامي . ورافقه الشيخ السيد محمد الحسني مدير البعث الإسلامي ، ووصل قبل أيام من بداية الاجتماع ، وأراد أن يلتقى الشيخ حسن عبد الله آل الشيخ وزير التعليم العالي هناك ، وكان في ذلك الوقت مقيماً في الطائف ، فزار الطائف ، ورافقه في هذه الرحلة الشيخ محمود الصواف ، وكانت الرحلة إلى الطائف ممتعةً من جوانب شتى ، فعاد الشيخ الندوي من الطائف وقت العصر ، ولم يكن الشيخ محمود الصواف في سيارته هذه المرة ، فرجع الاثنان فقط الشيخ الندوي ورفيق سفره محمد الحسني الذي لبس الإحرام بنية العمرة ، وفجأةً وقعت السيارة في حفرة على جانب الطريق . فكان الحادث بدرجة أنه لولا فضل الله العظيم ورضاه لفاضت روحهما ، ولكن الحمد لله لم يصب به أي واحد منهما إلا جراحاً من حبوب الطريق التي كان لها أثر في إصبع الشيخ الندوي ، ومع ذلك لم ينحل الإحرام ، ولم تسقط حبات التسبيح من يده ، فسأل السائق متعجباً : ما زلتم على قيد الحياة ؟ حتى الفحص الطبي لم يجد أي أثر للألم أو للجرح في الجسد بإذن الله ، الواقع أنه ما كان إلا بفضل من الله ورحمته ، وجاء الناس للعيادة بعد سماع الخبر ، وقد اشتهر خبر الحادث في نفس اليوم عبر الهاتف ، فكان أقرباؤنا قلقين للغاية ، وأراحنا الخبر بأن الحادث لم يكن له أي تأثير على الصحة . وكانت تجيئ الأخبار بشكل يومي . ولم تفته مشاركة في اجتماع المؤتمر بعد ذلك اليوم ، وبعد انتهاء المؤتمر ، زار الشيخ الندوي المدينة المنورة ، ورجع إلى البلاد ، وانخرط في أعماله العلمية والفكرية والدعوية والتأليفية كالسابق .