موقف الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الجامع :
أكتوبر 17, 2022شعر الدكتور يوسف القرضاوي : نبذة من دراساته الفنية
أكتوبر 17, 2022في كتاب : سلسلة التواريخ لسليمان التاجر
دراسات وأبحاث :
صورة الهند
في كتاب : سلسلة التواريخ لسليمان التاجر
د . ثمينة كوثر *
المقدمة :
كانت الرحلات التجارية بين منطقة الخليج والهند والصين في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي ذات نشاط وتبادل ، ويستدل على ذلك مما أورده أصحاب الرحلات والجغرافيون العرب المسلمون مثل اليعقوبي ( 897/284 ) وابن المسعودي ، والاصطخري وابن حوقل والمقدسي وغيرهم .
كان تاريخ الهند قبل عام 1800 ق . م مجهولاً تماماً حتى أوائل القرن العشرين الميلادي . ثم بدأت الحفريات في السند على شواطئ نهر الهند في عام 1922م ، ونتيجةً لذلك ظهر أول كتاب عن نتائج أعمال الأحفار في وادي نهر الهند في لندن في عام 1932م بعنوان موهنجو دارو وحضارة نهر الهند ( Mohenjo Daro and the Indus Civilisation ) [1] ثم تتابقت عمليات الحفر وظهرت نتائج هامة ، وسجلت في عام 1950م في كتاب ” الهند فيما قبل التاريخ ( Prehistoric India) ، وهذه البحوث والاكتشافات فتحت آفاقاً جديدةً في تاريخ الهند ، وأدخلت الهند في طور جديد من الحضارة البشرية لتتساير مع الحضارات الإنسانية في الشرق الأوسط [2] .
اهتم عرب الجزيرة العربية منذ القدم بالرحلة والجغرافيا ، لارتباطها المباشر بنشاطهم الاقتصادي الحيوي وهو التجارة ، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الترابط والألفة : لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ . إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ [3] ، من أجل ذلك اصطبغت المعارف الجغرافية العربية بصفة تجريبية تميزت بالبساطة على المعلومات الموروثة .
مدونات الرحالة المسلمين سواءً من التجارة أو من الجغرافيين ساهمت في الكشف عن الهند وثقافتها وجغرافيتها وغيرها من الجوانب . ومن هؤلاء التجار وأبرزهم سليمان التاجر .
أبو زيد السيرافي ومؤلَّفه :
لا يُعرف عنه أكثر من أن كتابته ترجع إلى حوالي مأتين وسبعة وثلاثين من الهجرة 237هـ/851م . وأنه سافر مراراً لغرض المتاجرة مع الهند والصين ، واتسم وصفه للطريق البحري والمحطات التجارية بدرجة كبيرة من الدقة ، حتى إنها مكنت المستشرق الفرنسي غ فيران G. Ferrand من تتبع خطواته على الخارطات الحديثة ، وقد ترك وصفاً حياً للسواحل والجزر والموانئ والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة ، ابتداءً من مسقط إلى الصين مروراً بشبه الجزيرة الماليزية وإندونيسيا . إن الكتاب في جزئين ، فالجزء الأول ألفه سليمان التاجر والجزء الثاني ألفه أبو زيد السيرافي ، والكتاب يتحدث عما حدث خلال العصر العباسي الزاهر ، فإنه أول وأقدم عمل موضوعي باللغة العربية . وقد استفاد منه الناس الكثيرون من الرحَّالين والمؤرخين العرب وغير العرب .
ونظراً لعدم وجود المعلومات من سليمان نفسه فإن كبار المثقفين مثل هنري بول شككوا في نسبة القصص إليه ، ومن جهة أخرى مثل م . رينو “M. Reinavd”أن قصص أسفار السندباد نشأت في نفس الوسط الذي نشأت فيه أسفار سليمان التاجر ، وأشارت إلى نفس مواضيعها الجغرافية بين بغداد وسيراف والهند ، وأقرَّ بأنها مستوحاة منها ، وما يهمنا أن نصوص سليمان التاجر تحتوي على مادة دقيقة وهامة حول الأوضاع الحادة للهند وجزر جنوب شرق آسيا والصين في بداية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي .
سليمان التاجر ورحلته :
هو رحالة وتاجر فارسي ، لا يعرف عنه الكثير ، غير أنه كتب وصنَّف رحلةً إلى الهند والصين . زار سليمان الهند والصين عدة مرات . ولهذا الوصف تذييل وضعه في القرن الرابع الهجري رجل آخر ، وهو أبو زيد حسن السيرافي واعتمد فيه على ما سمع من قصص الرحالة . إن سليمان التاجر من دون منازع يُعتبر أول من قدَّم وصفاً قيماً للطريق التجاري البحري الذي يربط منطقة الخليج العربي بالهند والصين كما اهتم بذكر المسافات بين الموانئ والمدن ، وأوضح أماكن توجد فيها المياه العذبة الصالحة للشرب وتعرض إلى ذكر الصلات التجارية بين منطقة الخليج وبلدان المحيط الهندي والمحيط الهادئ .
الرحلة تعرف بأسماء وهي رحلة التاجر سليمان ، ورحلة سليمان التاجر ، ورحلة السيرافي وهي في الحقيقة رحلة سليمان التاجر إلى الصين والهند تلقاها مؤرخ جغرافي هو أبو سعيد حسن السيرافي ، ونقلها عنه وفحّص روايتها وأضاف إليه معلومات كثيرةً حول الصين ، نقلها عن ابن وهب القرشي . ويبدو أن أبا زيد وضع اسم ” أخبار الصين والهند ” على مدونات السيرافي بعد إضافة معلومات عن ابن وهب .
تعتبر رحلة التاجر سليمان هذه ، أول مرجع لعلوم البحار ، وهي مخطوطة مزيدة في مكتبة باريس الأهلية ، وقد أضاف إليها النّساخ مقدمةً لا علاقة لها بمحتويات الكتاب ، زادت المشكلة تعقيداً أن المخطوطة تحمل عنواناً غير مناسب على الإطلاق ، ولا يتفق مع موضوع الكتاب ، هو عنوان ” سلسلة التواريخ ” ، وقد صدرت طبعة رينو 1811م تحمل هذا العنوان .
أهمية الكتاب :
يُعتبر الكتاب من المصادر الأجنبية الهامة التي تحدثت عن الهند والصين . فقد استوقف هذا الأثر أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر الميلادي ، فظهرت له منذ عام 1718م ترجمة فرنسية ، ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها إلى المستشرق الفرنسي رينو ، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي وهو ميزن ، وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجية تذكر له .
وقد تم طبع الكتاب بالاستناد إلى نسخة باريس في أبوظبي من قبل المجمع الثقافي عام ألف وتسع مأة وتسعين ( 1999م ) بتحقيق عبدالله الحبشي ، وقد ترجم هذا الأثر إلى الفارسية تحت عنوان سلسلة التواريخ أو ” أخبار الصين والهند ” بواسطة الدكتور حسين قرجانلو من قبل منشورات ” أساطير ” .
رحلة سليمان التاجر وصورة الهند فيها :
كانت الرحلة البحرية من مسقط إلى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر ، ولم يقتصر سليمان في وضعه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيام ، وأحياناً بالفراسخ ، بل ترك أيضاً وصفاً حياً للسواحل والجزر والموانئ المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة . كما ثبت أن المعلومات التي أوردها عن ( كانتون ) تتميز بالتفصيل والدقة .
وقد أضاف إلى القصص المنسوبة إلى سليمان ، وذلك بعد عشرين عاماً من رحلة المذكور ، رحالة آخر هو ابن وهب الذي يرجع نسبه إلى قريش ، وكانت من الأعيان الأثرياء ، وقد غادر بلده البصرة عندما سقطت على أيدي ثوار الزنج ، واستقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف إلى الصين ، وقصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة ، وهو الذي أعطاها الشكل المعروف لنا الآن ، والسيرافي المذكور لم يكن في الحقيقة رحالةً ولا عالماً بل كان على ما يظهر من المفسرين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه ” سيراف ” أو في ” البصرة ” . وقد التقى به المسعودي عام 303 من الهجرة ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب ، وهي تحتوي على مواصفات متنوعة ومنها :
- باب في البحر الذي هو بين بلاد الهند والسند
- ذكر بلاد الهند
- عادة أهل سرنديب في موت ملوكهم
- عادات أهل الهند في إحراق موتاهم وعباداتهم والملك والصناعات
- امتناع ملوك الهند عن اللهو والشراب
- بناء أهل الصين والهند
- ديانة أهل الصين والهند
- ذكر عبّاد الهند وشعرائها وفلاسفتها
- ذكر البيكر جيين
- ذكر النرجيل وما يتخذ منه
- عادة ملوك الهند في لبس الأقراط ونحوها
وصف الكتاب :
بدأ سليمان كتابه بالتعريف بمحتوياته حيث يقول : هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك ، وفيه علم الفلك وعجائب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها والوحش وعجائب وغير ذلك . ثم وصف كتابه بأنه ” كتاب نفيس ” .
يتألف الكتاب من فصلين : كل فصل يعرض موضوعات متنوعة وحافلة بالمعلومات الجغرافية والفلكية والعلمية الواقعية والأسطورية المتداولة في ذلك العصر .
يتناول في الفصل الثاني من كتابه ” أخبار بلاد الهند والصين وأيضاً ملوكها ” ، ويتحدث فيها عن أهل الهند والصين وإجماعهم على أن ملوك الأرض أربعة : ملك العرب وملك الصين وملك الروم وملك الهند ” . وأعظمهم ملك العرب ، ثم يتناول بالتفصيل ملوك الهند ويذكر ألقابهم وتعذيبهم وصفاتهم وخصائصهم ومناقبتهم وسعة ملكهم وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات السياسية والعسكرية بينهم وبين من يجاورهم من ملوك العرب والصين .
تتناول رحلة سليمان التاجر الإشارات والملاحظات الدقيقة المتعلقة بالفروق والاختلاف بين الصين والهند في الطقوس والعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية والسياسية ، كما كشفت الرحلة عن الاختلاف في النظم والوظائف السياسية ، وأسلوب الحياة الاجتماعية في المأكل والملبس وفي طريقة تشييد المنازل وفي طقوس الزواج ، وفي العقوبات ، وطريقة تنفيذها ، كذلك أوضحت الرحلة التنوع في الأوضاع الحضارية ، والمقومات البشرية ، والمظاهر الثقافية والعلمية والأنشطة التجارية الزراعية والعسكرية .
صورة الهند في كتاب رحلة السيرافي أو رحلة سليمان التاجر :
(1) الكتاب يشير إلى معلومات مفيدة ونافعة للغاية مع إيجازه :
(أ) يقول سليمان التاجر عن سعة بلاد الهند : ” وبلاد الهند أوسع من بلاد الصين وهي ذات أصناف وعدد ملوكهم أكثر ” .
(ب) المنطقة الهندية الأولى التي ترحّب بالرحالين العرب هي ” كو لم ملي ” فيقول سليمان : ” المسافة من مسقط إلى كولم ملي شهر على اعتدال الريح ” . ويقول : ” وفي الهند أنهار كثيرة كما توجد فيها المفاوز بكثرة وتكثر فيها الأمطار ” .
(2) المجتمع الهندي :
(أ) ثقافة الهنود : لقد كان الهنود أكثر ثقافةً من غيرهم واعترف به الرحالة العرب كلهم ، ولقد كان ملوكهم يخضون شعوبهم على ترويج العلوم والآداب فيقول السيرافي : ” لهم مجالس كمجالس محدثينا ، يجتمع إليهم مؤرخو الهند فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وسنن شرائعهم ” .
(ب) يقول عن الخطابة : ” ولهم الخطب ، وليس في الأمم كخطبائهم بألسنتهم ، ونجد فيهم في هذه الرحلة قصصاً عن بحر الهند وأنواع سمكها والخليج الفارسي وما بحواليه من مدن والبحار المتفرعه من بحر الهند وسري لنكا ومحل هبوط آدم والمعادن الثمينة الموجودة فيه والسمك الآكل لحوم البشر .
النتائج :
- رحلة سليمان تعتبر أول رحلة وأول مرجع لعلوم البحار.
- تتميز الرحلة بما فيها من وصف صادق للطرق التجارية .
- تذكر الرحلة العادات والنظم الاجتماعية والاقتصادية وبعض منتجات الهند وسرنديب بما يدل على ثقافة الهند آنذاك واقتصادها .
- نالت هذه الرحلة شهرةً واسعةً في أوروبا بسبب كونها من أقدم الرحلات العربية التي رأت النور .
- أسلوب هذه الرحلة يتصف بالبساطة والرصانة والرزانة ، ووضوح الفكر ودقة التعبير ، وهو بعيد عن التنميق والمبالغة . وبما أنها مصدر عربي قديم للغاية ، فقد ترجم إلى اللغات الأجنبية الدولية كما قاموا بتلخيصها والحديث عنها وبناء المعلومات الجديدة عنها .
- يرى أكثر الباحثين الأوربيين من المستشرقين في الجغرافيا أن هذا الرجل يكون هو المعبد والوحيد لجغرافيا الهند وثقافتها في ذلك الزمان .
- يعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها إلى المستشرق الفرنسي رينو ثم إلى المستشرق الفرنسي فيزن الذي أعاد تحقيقها وترجمتها بمنهجية .
المصادر والمراجع :
- رحلة السيرافي : تحقيق عبدالله الحبشي ، المجمع الثقافي أبوظبي .
- شبه القارة الهندية وبلاد الصين من خلال الرحالة والجغرافيين المسلمين ( الفترة ما بين القرن الثالث إلى الثامن الهجري ) .
- الهند القديمة : حضاراتها ودياناتها : د . محمد إسماعيل الندوي .
- Ancient Accounts of India and China by Eusebius Renaudot, London
- شبه القارة الهندية وبلاد الصين من خلال الرحالة والجغرافيين المسلمين ، شفيقة عيساني ، محمد بن عميرة .
* الأستاذة المساعدة بجامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية ، حيدرآباد ، الهند drsamtabish@gmail.com
[1] Marchell Mac Khary and others
[2] Piggoth, London
[3] سورة قريش ، الآية 1 – 2 .