صفات الماء الدالة على تنوعه في القرآن الكريم
يونيو 3, 2022بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
يونيو 3, 2022دراسات وأبحاث :
تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم : مصالحه وحِكَمه
( السيدة عائشة والسيدة زينب رضي الله عنهما نموذجاً )
الدكتور عبد الحفيظ *
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، أما بعد فإن الله هو الذي أباح الزواج لنبيه بأكثرَ مما أباح لغيره ، وزواجه صلى الله عليه وسلم كان لأسبابٍ دينيَّةٍ ، وسياسية واجتماعيةٍ وإنسانيَّة .
إن النساء يختلفن من حيث العز والشرف والفضل والكرامة باختلاف حالاتهن من الالتزام بشرائع الإسلام وعدم الالتزام بها ، وإنه إذا كان الزواج بامرأة سبباً لهداية جماعة من الناس ، أو دفع الضرر عن الإسلام أو عن المسلمين ، فإنه يكون تكريماً للمرأة ، وتشريفاً لها ، لا سيما إذا كان ذلك من نبي أو وصي . ” فاعتبار ذلك إهانة للمرأة ليس له ما يبرره ” [1] .
قد دعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الهدف الأساسي أي إلى هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور بتعليمهم ما أنزل إليه من ربه ، وأنه لم يحترم المرأة أحد ما احترمها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يسمُ بها إلى المكان اللائق بها ما سمي محمد صلى الله عليه وسلم [2] .
لقد تزوج الرسول بالصغيرة والكبيرة والأرملة والمطلَّقة والعربية والعجمية واليهودية والنصرانية لكي تتصف كلُّ واحدة منهن بطريقتها وبما أعطاها الله من مميزاتٍ وخصائصَ من سيرة النبي صلي الله عليه وسلم . وزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك النساء فقد كان له فوائد عظيمة وحكم بليغة ، ولكن الحاقدين اعترضوا على تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها ، حيث إنها كانت صغيرة السن جداً .
ولكن الحقيقة ، هنا يأتي سؤال ، وهو هل المراد بصغر السن أنها لم تبلغ إلى كمال الأنوثة أو معناه الصغر في العقل والفهم والإدراك ؟ فإذا أريد بالصغر المعنى الأول فهذا ليس بصحيح فإنها كانت قد بلغت إلى كمال الأنوثة ، وذلك لأن نضوج الفتيات في المناطق الحارة يكون عادة قبل المناطق الباردة فيحضن في المناطق الحارة في السن أقل بالنسبة للفتيات اللآتي يعشن في المناطق الباردة ويحضن أيضاً في المناطق الحارة قبل بلوغهن تسع سنوات ويعددن نساء . إنّ نضوجَ الفـَتاةِ وظهور الحيض في المناطق الحارّة عادةً قبل المناطق الباردة ، هذا ما تعارفه الناس ، فإن المرأة تحيض حيضاً شرعياً قبل تسع سنوات .
حديث عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع .
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن خمسةٍ من مشايخه ، وهم : محمد بن يوسف ، ومعلى بن أسد ، وقبيصة بن عقبة ، وفروة بن أبي المغراء ، وعبيد بن إسماعيل ، وكلهم رووه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن خالته عائشة رضي الله عنها [3] .
ورواه مسلم في صحيحه عن عدة من مشايخه ، وهم : أبو كريب محمد بن العلاء ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن يحيى ، وابن نُمير ؛ رواه هؤلاء من طريق هشام بن عروة عن أبيه .
ورواه مسلم أيضاً عن شيخه عبد بن حميد قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها .
ورواه مسلم أيضاً عن شيوخه : يحيى بن يحيى ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب ؛ قالوا : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها [4] .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” إذا بلغت الجارية ( الفتاة الصغيرة ) تسع سنوات ، فهي امرأة . والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت قد نمت نمواً سريعاً ، قال النووي رحمه الله تعالى : ” وكانت رضي الله عنها قد شبت شباباً حسناً ” [5] .
الثاني : صغرها في العقل والفكر لكي تختار شريك حياتها ؟
وإذا أريد بالصغر المعنى الثاني فهذا أيضاً لا ينطبق على عائشة رضي الله عنها ، فعائشة رضي الله عنها ليست كمثيلاتها وآرائها في العقل والفهم والإدراك ، بل كانت تفوقهن .
المعترضون ينظرون الزواج بعائشة رضي الله عنها بعين الهوى والشهوة ، وإن المسلم يعلم بأن هذا الزواج كان من الله عز وجل ، وقد كانت له دواعيهِ الاجتماعية والتشريعية والسياسية ، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : ” رَأَيْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ : اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ . . ” [6] .
فزواجه ( صلى الله عليه وسلم ) بعائشة رضي الله عنها كان من أمر الله تعالى ، ولقد شاء الله أن تدخل عائشة في بيت النُبوَّة وهي صغيرة ، وتشاهد الرسولَ وتسمع حديثَه وتتعلم منه في صغرها لتكون مرجعة للمسائل الدينية ، لأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، هي عاشت رضي الله عنها نحو اثنتين وأربعين (42) سنةً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تزال تبلـُغ الدين وحصلت على درجة الإمامة في الفقه الإسلامي .
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري : ” قال ابن بطال : يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء ” [7] .
وقد كان زواج البنات الصغار مشهوراً بين العرب والصحابة رضي الله عنهم ، ولم يكن ذلك خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس ، فقد زوّج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهي صغيرة لم تبلغ بعد .
وروى عبد الرزاق الصنعاني ( 10351 ) عن عكرمة : أن علي بن أبي طالب أنكح ابنته جارية تلعب مع الجواري عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وروى ابن أبي شيبة ( 17339 ) عن عروة بن الزبير أن الزبير رضي الله عنه زوّج ابنة له صغيرة حين ولدت .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم [8] : وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة .
وقد دل القرآن الكريم على جواز زواج الصغيرة في قوله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) [9] .
والنبي صلي الله عليه وسلم لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة ، ولو كان عنده شهوة فلم يرض أن يتزوج بعد خديجة رضي الله عنها بسودة بنت زمعة بل تزوج بها لخاطرها وإراحتها بعد وفاة زوجها ، وعمرها ثمانون سنة حيث كانت أول أرملة في الإسلام ، هذه الطريقةُ النَبويّة تدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عنده أهداف من الزواج دعوية وتشريعية وإنسانية .
ويرى البعض : أن النبي صلَّى الله عليه وسلم أراد أن يساوي بين أبي بكر وعمر من جهة المصاهرة لكل منهما [10] .
وتزوجها محمد صلى الله عليه وسلم ليرتفع بمكانتها إلى أمومة المؤمنين ، فذلك أمر يستحق من أجله أسمى التقدير وأجلّ الحمد ، أما عائشة وحفصة فكانتا ابنتي وزيريه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وهكذا الاعتبار هو الذي دعا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يرتبط وإيّاها برابطة المصاهرة بالتزوج من ابنتيها ، كما دعاه أن يرتبط بعثمان وبعلي برابطة المصاهرة بتزويجه ابنتيه منها . فليس مما يرضاه المنطق أن يكون قد أحبها وهي صغيرة . يؤيد ذلك زواجه من حفصة بنت عمر في غير حب بشهادة أبيها نفسه . إنما تزوج منهما لتمتين أواصر هذه الجماعة الإسلامية الناشئة في شخصي وزيريه ، كما تزوج من سودة ليعلم المجاهدون من المسلمين أنهم إذا استشهدوا في سبيل الله فلن يتركوا وراءهم نسوةً وذريةً ضعافاً يخافون عليهم عيلة [11] .
زينب رضي الله عنها :
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة وهي إبطالُ تلكَ البدعِ الجاهلية التي كانت لاحقةً ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده وغير ذلك .
وأما الروايات التي وردت في هذا الباب ، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب رضي الله عنها فأُعجِبَ بها ، فقد بين العلماء ضعفها ، وليس كل ما قاله المفسرون صواباً ، بل كما قال ابنُ تيمية رحمه الله : ” فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونةٌ بالغث والسمين والباطل الواضح والحق المبين ، والعلم إما نقلٌ مصدقٌ عن معصوم ، وإما قول عليه دليل معلوم ، وما سوى هذا فإما مزيف مردود ، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود ” [12] .
الرد على الشبهة الثالثة : إنه دخل بيت زيد بن حارثة ، فلما رفع الستر وقع نظره على زينب بنت جحش زوجة زيد ، فوقعت في نفسه ، وقال : سبحان الله ! فلما اطلع زيد على هذا الأمر طلقها ، فتزوج بها وأظهر أن الله أجازني للتزوج ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخفى في نفسه حب زينب عندما رآها : قال تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) [13] .
بيّن القرآن الكريم الحكمة من زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب في ما لا يدع مجالاً للشك والريب حيث قال في آخر الآية : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) [14] .
لقد دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم الناس إلى الهداية والإرشاد ، فلا بُدَّ أن تكون له مكانة ومحبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيئ آخر كما قال عز وجل : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [15] .
كان زيد بن حارثة زوجَ زينب قبل الرسول وهو يُدعى قبل الإسلام بزيد بن محمد ، لكنه لم يكن من أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل كان غلاماً اشترته خديجة رضي الله عنها بعد زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ثم أهدته إلى النبي فأعتقه الرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، ثم تبنّاه النبي ومنحه الرسول احتراماً كبيراً وشرفاً عظيماً واشتهر بين الناس بابن محمد [16] . وحينما أحس النبيصلى الله عليه وسلم بحاجة زيد إلى الزواج فأرسل خطبةً إلى زينب بنت جحش وهي بنتُ عمته ، ولكن زينب ردت جوابه بالنفي تبعاً للتقاليد السائدة أن تتزوج من العبد المعتق ، فنزلت هذه الآيةُ الكريمة : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) [17] ، فأجابت زينب بقبولها ، وتم الزواج برضا زينب . قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ” زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية ، وأمُّها أُميمة بنت عبد المطلب ، وأصدقها عشرة دنانير وستين درهماً ، وخِماراً . . . . فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقِها ” [18] .
وكيف يطمع الرسول في زينب بنت جحش وهو الذي اختار زواجَها لزيد ، ولكن أراد الله كسر العاداتِ والتقاليدِ الخاطئة والتي كانت تمنعُ زواج العبيد المعتقين من البنات ذات حسبٍ وشان . وقد تأثر حب الزوجية بين زينب وزيد فطلقها ، وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيداً يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما شكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم تؤثر نصائح النبي في زيد [19] .
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ( رضي الله عنها ) :
وبعد فترة من طلاق زينب فكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بزينب لكي يُبَطـِّلَ زواجَ الرجل من زوجة ابنه من التبني ، وخشي من أفواه الناس كما أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة حيث يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) [20] .
وعن أنس قال : جاء زيدٌ بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” اتق الله وأمسك عليك زوجك ” ، قال أنس : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه ، قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات [21] .
وإن زواج النبي بزينب إنما كان بأمر من الله تعالى ، كما تشهد بذلك الآية السابقة ، وفعل هذا العمل لكسر العادات والتقاليد الخاطئة التي تمنع الزواج بزوجة الابن من التبنّي . ويجوز للمتبنِّي أن يتزوج ممن كانت زوجاً لمتبنّاه [22] . وإن الاسلام رفض الاعتراف بالتبني الذي كان سائداً بين العرب في الجاهلية كقوله تعالى : ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُويَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوأَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) [23] ، وكذلك قوله تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) [24] ، أزال الأنبياء من العادات الخاطئة والسنن الظالمة كما تشير الآية الكريمة : ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) [25] ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته ، كما قال : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم ) [26] . وقال تعالى في موضع آخر : ( لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) [27] .
فهذه هي بعض المصالح والحكم التي كانت خفيةً في زواجه صلى الله بالسيدة عائشة والسيدة زينب رضي الله عنهما ، والله أعلم بالصواب .
* الأستاذ المساعد للقسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة خواجة معين الدين الجشتي للغات بلكناؤ ،Hafizalig2@gmail.com
[1] ينظر : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، للعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي ، طبعة دار السيرة ، بيروت / لبنان ، 5/253 – 261 .
[2] حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل ، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة ، الطبعة الخامسة ، 1952م ، ص 326 .
[3] الصحيح للبخاري ( 3894 ) ، ( 3896 ) ، ( 5133 ) ، ( 5134 ) ، ( 5158 ) .
[4] الصحيح لمسلم ( 1422 ) .
[5] قال النووي في شرح الصحيح لمسلم ( 9/206 ) .
[6] الصحيح للبخاري ، التعبير ، ثياب الحرير في المنام .
[7] فتح الباري شرح صحيح البخاري ( 9/124 ) .
[8] كتاب الأم للشافعي ، 7/163 .
[9] سورة الطلاق : 4 .
[10] مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بزينب بنت جحش : 104 .
[11] حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل ، ص 320 .
[12] مقدمة التفسير لابن تيمية ، ص 43 .
[13] سورة الأحزاب : 37 .
[14] سورة الأحزاب : 37 .
[16] حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل ، ص 315 .
[17] سورة الأحزاب : 36 .
[18] تفسير ابن كثير ، 3/495 .
[19] تفسير القرطبي : 14/166 .
[20] سورة الأحزاب : 37 و 38 .
[21] صحيح البخاري : 6/2699 ، الرقم : 6984 .
[22] حياة محمد للدكتورمحمد حسين هيكل ، ص 319 – 321 .
[23] سورة الأحزاب : 4 و 5 .
[24] سورة الاحزاب : 40 .
[25] سورة الاحزاب : 38 .
[26] سورة الأحزاب : 33 .
[27] سورة الأحزاب : 40 .