أهلاً برؤية 2030 … ولكن باحترام أرض الحرم

مخاطر التشبث بالأيدلوجية
مارس 15, 2022
الإبراهيمية ……… من التطبيع إلى التهويد
أبريل 20, 2022
مخاطر التشبث بالأيدلوجية
مارس 15, 2022
الإبراهيمية ……… من التطبيع إلى التهويد
أبريل 20, 2022

صور و أوضاع :

أهلاً برؤية 2030 … ولكن باحترام أرض الحرم

محمد فرمان الندوي

رؤية 2030 مشروع كان إطلاقه عام 2016م ، ولم يكن وراءه إلا ثلاث ركائز رئيسية : مجتمع حيوي ، اقتصاد مزدهر ، وطن طموح ، وتتضمن هذه الركائز 96/ هدفاً للتنمية الاقتصادية ، وقد مرت على هذه الرؤية خمس سنوات ، ولا تزال تستمر تغييرات جذرية وإصلاحات عمرانية في أرض الحجاز بكل جدية وسرعة ، وكما قال صاحب المشروع سمو الأمير ولي العهد السعودي الحالي في حواره مع إحدى القنوات الفضائية : ” ولا أريد أن أفارق الحياة إلا أن أرى الشرق الأوسط في مصاف العالم ، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق مأةً في المأة ” .

أرض الحرم معقل الإسلام والمسلمين :

بعد إطلاق هذا المشروع وبدء تغييرات جذرية بدأ الناس يبدون عواطفهم وانطباعاتهم ، فكانوا بين القادحين والمادحين ، طائفة تقول : إن التراجع عن ركب الحياة دليل على التزمت والرجعية ، وعلامة للتخلف والانحطاط ، فهي تبرِّر قبول كل ما يأتي من الغرب من دون تمييز بين الصحيح والسقيم ، والخير والشر ، فتجعل كل شيئ مباحاً لها ، ويستخدمها كيفما تشاء ، وطائفة ترفض كل ما يأتي من الغرب ، ويعتبره كالشجرة الملعونة في القرآن ، ويتهم قبول كل نافع جديد بالمروق من الدين والخروج عن ربقة الإسلام ، وكانت الدنيا عند هذه الطبقة كصومعة الراهب ، أو معبد الناسك الذي لا يخرج أبداً من نطاقه ، ويعتبر الصومعة أو المعبد الدنيا كلها . فكلتا الطائفتين على طرفي النقيض ، وهما على شفا حفرة من الهلاك والدمار ، كأن الطائفة الأولى سوَّغت الإباحية والانطلاق وراء الشهوات ، والجري لملء البطن والمعدة ، واختارت الطائفة الثانية الرهبانية والانقطاع عن الدنيا ، وهو محظور شرعاً وقانوناً ، وهناك طائفة ثالثة ، وهي على طريق الحق والصواب ، وهي تقبل كل ما كان صالحاً قديماً ونافعاً جديداً ، بل تجمع بينهما باتزان ووسطية ، وتنشر هذه الفكرة بين الناس ، مدعماً بالقرآن   والسنة ، لأن الله عزوجل يقول وهو يعلِّم عباده أن يدعوا بمثل هذا الدعاء : رَبَّنَآ آتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ( البقرة : 201 ) ،  وقال : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ( الأعراف : 32 ) ، وقال : وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأَرْضِ ( القصص : 77 ) . هذا ، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً جديدةً نافعةً لمصلحة الإسلام والمسلمين ، بحيث صعد على جبل الصفا لإيصال الدعوة إلى سكان مكة ، كما صنع الخاتم ليرسل الرسائل مختومةً به إلى الملوك والأمراء ، وحفر الخندق عملاً باستراتيجية أهل فارس ، وغير ذلك من الأيدلوجيات النافعة الجديدة السائرة في الأمم والشعوب ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها ، فهو أحق بها ( سنن الترمذي ) .

ليس المقصود من هذه الأمور هو تبرير كل ما تقوم به الرؤية الاستثمارية على أرض الحجاز ، بل إن أرض الحجاز لها قدسية وكرامة منذ خلق الله الأرض ، وكان فيها بيت الله الحرام ، وهو أول بيت بني على وجه الأرض ، بناه الملائكة الكرام البررة ، ثم سيدنا آدم عليه السلام ، وبعد مدة رفع قواعده سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، أضف إلى ذلك مشاعر الحج والعمرة ، ومشاهد الإيمان والإسلام ، ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي يأرز إليها الإيمان كما تأرز الحية إلى جحرها في آخر الزمان ، وعبرات الصحابة المنسكبة ودماؤهم الذكية التي اخضرت بها هذه الأرض القاحلة الجرداء ، فكل مؤمن يشتاق إلى زيارة هذه البقعة المباركة وإطفاء أشواقه القلبية التي تكمن في جوانح قلبه ، بل الواقع أن الأسفار الحديثية ومجلدات التاريخ والسير حافلة بذكر فضائل هذه الأماكن المقدسة ، فمجرد سماعها يمتلئ به القلب إيماناً وحناناً ، وشوقاً وحباً لها ، وكل عام ملايين من المسلمين يشدون الرحال إلى هذه البقعة لزيارتها وأداء شعيرة الحج فيها ، وقد جعل الله هذه الأرض حرماً آمناً ، يجبى إليه ثمرات كل شيئ رزقاً من عنده .

العالم الإسلامي وحراسة البقعة المقدسة :

وظل العالم الإسلامي مرتبطاً بهذه الجزيرة العربية على مدى التاريخ حكومةً وشعباً ، ولم تنطفئ حرارته الإيمانية نحو هذه الأرض ، للحظة واحدة ، وكانت صيانة هذه الجزيرة العربية من أغلى أماني المسلمين ، وكانوا صفاً واحداً من شاطئ النيل إلى أرض كاشغر لحراسة الحرم – حسب تعبير الدكتور إقبال – وإذا لم يكن هناك اكتشاف النفط ، فكان المسلمون الأثرياء في العالم الإسلامي يرسلون إليها نقوداً وفلوساً ، وقد أقاموا رباطات وخانات بأسماء مختلفة لتوفير الراحة والطمأنينة للحجاج والمعتمرين ، وأخيراً حينما فسدت أوضاع الجزيرة ، وعمت فيها لصوصية ونهب وغارة على قوافل الحجيج استنكروا هذه العمليات الإجرامية ، ورحبوا بالحكومة الجديدة التي عُرفت بالمملكة العربية السعودية ، وساندوها ، وأزالوا عنها التهم والتساؤلات التي وجهت إلى علمائها والجهات الدينية لها ، فإنهم وإن كانوا قد تعرضوا للنقد اللاذع من المناوئين للمملكة ، لكنهم ثبتوا على نظراتهم السديدة ، وظلوا يؤيدون بكلماتهم ومقالاتهم أعمال وخدمات وجهود المملكة العربية السعودية ، وسافروا إنجازاً لهذا العمل إلى أرض الحجاز على نفقاتهم ، وتكبدوا لها مشاق وعقبات ، والجدير بالذكر أن الشريف حسين بن علي حينما استبد برأيه ، وظل حاكماً مسيطراً على الحجاز فارتحل وفد من لجنة الخلافة الهندية إلى الحجاز ، وكان هذا الوفد يتكون من العلامة السيد سليمان الندوي ، والشيخ عبد الماجد البدايوني والشيخ عبد القادر القصوري ، ولقي الوفد الشريف حسين ونصحه بنصائح إيمانية ، وبلّغ إليه رسالة علماء ومسلمي شبه القارة الهندية ، وأراد الوفد أن يلتقي الملك عبد العزيز في مكة ، لكن الشريف حسين لم يسمح لهذا الوفد باجتماعه معه ، وأقام الوفد شهرين في جدة ، ثم رجع بعد ما أقام الحجة على أهلها في هذه القضية .

الإمام الندوي ومدى علاقته بملوك المملكة :

وكان الإمام العلامة الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله وطيد الصلة بملوك المملكة العربية السعودية ، وكان يزورهم ويجلس معهم ، ويبلّغ إليهم نصائح إيمانيةً بأحسن أسلوب ، وقد ألقى رحمه الله خطباً وكلمات في المملكة ، وأرسل إلى ملوكها وأمرائها رسائل دعويةً ، منها ما يأتي :

  1. كتاب إلى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز ولي عهد المملكة سابقاً عام 1367هـ – 1948م .
  2. كتاب إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية ، ورئيس الوزراء سابقاً 1380هـ .
  3. كتاب إلى جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية 1389هـ – 1969م .
  4. كتاب إلى صاحب السمو الملكي فهد بن عبد العزيز المعظم آل سعود ، ولي العهد ، والنائب الأول لمجلس الوزراء 1396هـ – 1976م .

وقد جمعت أمثال هذه الكلمات والخطب في مجموعة باسم : كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وإلى جزيرة العرب ؟ وطبع هذا الكتاب في ظرف مأة وخمسين صفحة من مكتبات العالم العربي ، ومن المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء ، لكناؤ ، وقد أرسل أخيراً سماحة الشيخ العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رئيس ندوة العلماء ، ورئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند ) رسالةً إلى ولي العهد السعودي الحالي صاحب السمو محمد بن سلمان بن عبد العزيز المعظم ، بواسطة سفارة المملكة بدهلي الجديدة ، وقام بتذكيره بالخدمات الجليلة التي قامت المملكة العربية السعودية في الزمن    الماضي ، وأبدى أسفه على ما يحدث الآن فيها من تغييرات وتعديلات كما يفيدنا وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ، وهو يبعث على الحيرة والاستغراب وإبداء عواطف الإيمان والإسلام .

أهلا بهذه الرؤية ۔۔۔۔۔ ولكن ؟

فأهلاً بهذه الرؤية الاستثمارية ، ومرحباً بالركائز الثلاثة : مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر ، ووطن طموح ، لكن إذا كان ذلك على حساب الإسلام والمسلمين والإضرار بشعائره وروح الانتماء إليها سبَّب ذلك إلى سمعة غير مناسبة للمملكة في البلدان الإسلامية ، ويمكن أن تصدر كلمات استنكار شديدة ، وموجات غضب عارمة ضد المملكة ، – لا قدَّر الله تعالى – . الإسلام يعلِّمنا طريقاً وسطاً للاستفادة من الدنيا ، وهو أن نستمتع بمتاع الدنيا وزخارفها ، ونكثر من أخذها وادخارها ، لكن لصالح الإسلام والمسلمين ، وزيادة جوهر الإنسانية جمعاء ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ( الأنفال : 29 ) .