معاداة العربية نوع جديد من الشعوبية
ديسمبر 4, 2021وجهان لعُملة واحدة
فبراير 7, 2022صور و أوضاع :
67/ عاماً في مجال الصحافة العربية الهادفة
محمد فرمان الندوي
مجلة البعث الإسلامي تفتتح بهذا العدد سيرها السنوي من جديد ، وقد دخلت الآن بإذن الله كدوحة وارفة الظلال في العام الثامن والستين من عمرها ، رزقها الله الخلود والبقاء إلى أبد الآباد ، ولا شك أن هذه المجلة مجلة كل محب للصحافة العربية ، الصحافة الهادفة ، الصحافة البناءة ، فكل من رُضع بلبان العربية ، وأولع بها ، وهو يتمنى إعادة الثقة بالإسلام في النشء الجديد ، ويحلم بإزالة مركب نقص من المسلمين بوجه خاص يجد بغيته في هذه المجلة العربية الإسلامية ، وقد خدمت المجلة لغة الضاد منذ مدة طويلة باستمرارية ، وغرست حب العربية في الأجيال الجديدة ، وبعثت الروح الإسلامية فيهم وبلغت بهم إلى مقدمة الصفوف ، فلا شك أن هذه المجلة كشجرة وارفة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . ولم يكن وراء استفاضة شهرتها إلا إخلاص المنشئين ، وجهودهم المقبولة عند الله تعالى ، فإِنَّه فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ .
البعث الإسلامي لا البعث العربي :
صدرت مجلة البعث الإسلامي في زمن ، كان البعث العربي الاشتراكي على قدم وساق ، وسُحر الناس عربهم وعجمهم بسحره ، وكادوا يفقدون ميزتهم الحقيقية وينصهرون في بوتقة الأفكار الزائفة ، وظهرت لافتات جذابة لكسب ميول الشباب العربي المسلم إلى هذه النظرية الفجة ، وقد اندمجت فيها النظرات الباطلة والأفكار الهدامة التي يقودها الاستشراق الأروبي في العالمين : العربي الإسلامي ، فقد كان البعث العربي امتداداً للغزو الفكري الذي اشتدت غارته وهجومه لصرف اتجاهات المسلمين إلى الغرب ، والإيمان بقيادة الغرب وإمامته في جزء من أجزاء الحياة ، فتأسس البعث العربي الاشتراكي في 7/ أبريل عام 1947م ، وممن أنشأه وقاد مسيرته ميشيل عفلق وصلاح البيطار ، وكان شعاره : أمة عربية واحدة ذات رسالة واحدة ، وقد بسط هذا الحزب نفوذه وسيطرته على دول العالم العربي ، وانضمت إليه الأحزاب العربية الإقليمية ، فكانت له جولة وصولة ، لكن سرعان ما تبعثر هذا البعث ، وتفكك نظامه عام 1966م ، فأخفقت هذه النظرية في مشاريعها ، لكن بذرت في قلوب الناس بذوراً ، نبتت أصولها وقامت قواعدها في شتى دول العالم العربي باسم القومية العربية والوطنية العربية ، والتقدمية الغربية حيناً ، وأخرى باسم المذاهب الخداعة كالإباحية والإشراقية ، ونشأ لها عملاء وإداريون ، واصلوا هذه المسيرة الإلحادية ، وقد قادها في جمهورية مصر رئيسها جمال عبد الناصر ، وهيأ لها رجالها المرتزقين ، وسماسرها الماديين .
ومما زاد الأمر تفاقماً أن الكاتب العربي الكبير أحمد حسن الزيات قد فُتن بسحر هذه الفتن ، فكتب مقالاً في مجلة الأزهر عام 1383هـ في عدد محرم ، دعماً لهذه الفكرة بعنوان : أمة التوحيد تتوحد ، قال فيها : ” إن الوحدة المحمدية كانت كليةً عامةً ، لأنها قامت على العقيدة ، ولكن العقيدة مهما تدم قد تضعف أو تحول ، وإن الوحدة الصلاحية كانت جزئيةً خاصةً ، لأنها قامت على السلطان ، والسلطان يعتريه الوهن فيزول ، أما الوحدة الناصرية فباقية نامية لأنها تقوم على الاشتراكية في الرزق ، والحرية في الرأي ، والديمقراطية في الحكم ، وهذه المقومات الثلاثة ضمان دائم للوحدة ” . ( الطريق إلى المدينة للإمام الندوي : 85 – 95 ) . لا حول ولا قوة إلا بالله .
أقلام جريئة في نشر رسالة الإسلام :
فدحراً لأمثال هذه الفتنة العمياء التي باضت وفرَّخت في العالم العربي أنشئت مجلة البعث الإسلامي ، وكان اسمها البعث الإسلامي موفقاً كل التوفيق في دحض أباطيل المناوئين للإسلام وتُرَّهاتهم ، ومعلوم أن الحديد بالحديد يفلح ، فكان هذا الاسم قد أصاب المحز ، وكدر عيش الاشتراكيين ، وأطار نومهم وأقضَّ مضاجعهم ، وطلعت شمس البعث الإسلامي – أثناء ظلمات بعضها فوق بعض – تشرق آفاق الأرض وآفاق السماء ، وتبدد السحب المتراكمة ، وتجتاز جميع العقبات والحواجز التي أقيمت في سبيلها ، لأن التوفيق كان حليف منشئ المجلة فقيد الدعوة الإسلامية الأستاذ محمد الحسني رحمه الله تعالى ، فخطر بباله إصدار مجلة هادفة أثناء نشاطات المنتدى الأدبي الأسبوعية بتعاون من زميله الوفي المخلص سعادة أستاذنا الشيخ سعيد الأعظمي الندوي ، وقد كان في تكوين ذهنه الفكري مساع مشكورة للإمام السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ، ولمربيه ووالده سعادة الدكتور السيد عبد العلي الحسني ، وقد عاش في بيئة نقية طاهرة كانت صلتها بروح الجهاد والاجتهاد على مر العصور ، فتدفق قلمه ، وتحرق ضميره إبان هذه القومية الجائرة ، وصدرت من قلمه السيال مقالات زلزلت أوكار الاشتراكيين والقوميين ، وفندت أيدلوجياتهم ، وأحدثت فيهم انقلاباً ، حتى حاولوا لصد تيار هذا القلم الجريئ ، ووضع حد على صدعه بالحق ، لكنهم فشلوا وخابوا في مراميهم ، وظل هذا المجاهد يجاهد بقلمه وكتاباته ضد القومية العربية والحضارة الغربية ، ثم انتقل هذا القلم الغيور إلى رحمة الله تعالى في 44/ عاماً من عمره ، لكن افتتاحياته في مجلة البعث الإسلامي خلال : 1955 – 1979م شاهد عيان على هذه الحقيقة الناصعة .
وقد رافقه منذ نشأة المجلة سعادة أستاذنا الشيخ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، فبذل لها مهجته وأنفاسه ، وأنفق في توسعة نطاقها جميع طاقاته وإمكانياته ، وسافر كلا الزميلين ( الأستاذ محمد الحسني والأستاذ سعيد الأعظمي ) إلى بعض مناطق الهند بعد صدور العدد الأول للمجلة ، وسمع من بعض الجهات كلمات تثبط العزائم ، وتكون عائقاً دون الوصول إلى الغاية ، واعتبر بعض الناس صدور المجلة مستحيلاً ، وظنوه ألعوبةً وعبثاً ، لكن الواقع الملموس للمجلة خيَّب ظنونهم ، فواصل كلا الزميلين الليل بالنهار والنهار بالليل في إبلاغ هذا الصوت إلى العالمين العربي والإسلامي رغم قلة وسائلها ، حتى نالت المجلة القبول في مدة قريبة ، وكانت مدة رئاسة التحرير للأستاذ السيد محمد الحسني حوالي 24/ عاماً ، لكن رئاسة تحرير سعادة أستاذنا بدأت منذ 1979م إلى يومنا هذا ، وتستغرق هذه المدة أكثر من أربعين عاماً باستمرار ، وتستمر بإذن الله تعالى إلى ما شاء أن تستمر . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” خير الناس من طال عمره وحسن عمله ” . وقد شارك بعد وفاة الأستاذ محمد الحسني رحمه الله في رئاسة تحرير المجلة فقيد الصحافة العربية الأديب الأريب ، المفكر الإسلامي الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي إلى يوم وفاته عام 2019م ، وكانت كلماته وكتاباته تتسم بالفكر الدسم ، وتتحلى بالتحليل الصحفي والتعليق الحصيف على الأنباء والأخبار ، فيكب القراء على قراءتها بكل شغف ونهامة .
ونالت المجلة منذ أول يومها لفتةً كريمةً من سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رئيس ندوة العلماء ) ، بالمشورات المخلصة ، والآراء السديدة والمقالات الأدبية الشيقة ، فأثرى المجلة بكتاباته العلمية والأدبية ، ولا تزال المجلة تنال توجيهات رشيدةً من سماحة الشيخ أطال الله بقاءه ، وهو المشرف العام على المجلة بعد وفاة العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ، فلولا تشجيعه ودعاؤه المخلص ما تمكن المسئولون عن المجلة من استمرارية في هذه الرحلة الصحفية البناءة .
واحة خضراء في صحراء قاحلة جرداء :
استكملت المجلة 67/ عاماً في مجال الصحافة العربية الهادفة ، وقد دخلت الآن في عامها الثامن والستين ، ولم تكن مجلة البعث الإسلامي كعامة المجلات العربية ، بل إنها في الواقع جامعة عربية إسلامية في معنى الكلمة ، وقد حلم منشئها بهذه الجامعة ، فلو كان على قيد الحياة لسُر أيما سرور بما أنتجت المجلة من ثمار يانعة ، وما قامت به من إعداد كُتاب العربية ونشر الخير ورفض الشعارات الزائفة ، وقد حاربت المجلة كل فكر يعارض روح الإسلام ، ودعت إلى المنهج الإسلامي السليم ، وصرحت بكلمة الحق ، ولم تبال في ذلك لومة لائم ، وظل شعارها : إلى الإسلام من جديد ، وكانت المجلة واحةً خضراء في صحراء قاحلة جرداء وقت صدورها ، وهي باقية على أصالتها ورسالتها بإذن الله تعالى ، رزق الله لها القبول والانتشار باستمرار .