الكثافة السكانية : سنة إلهية أو ناقوس خطر للإنسانية
نوفمبر 3, 202167/ عاماً في مجال الصحافة العربية الهادفة
يناير 2, 2022صور و أوضاع :
معاداة العربية نوع جديد من الشعوبية
محمد فرمان الندوي
اليوم العالمي للغة العربية :
اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر يُعرف كيوم عالمي للغة العربية ، ويجري الاحتفال به كل عام في شهر ديسمبر منذ 1973م بمناسبة إدخال اللغة العربية ضمن لغات الأمم المتحدة ، ولغات العمل فيها ، فتُعقد احتفالات وجلسات أدبية ولغوية في كل السفارات والجامعات والكليات العربية من العالم العربي ، ويبدي فيها المعنيون بالموضوع ، انطباعاتهم عن اللغة العربية وسعتها وشمولها وخلودها مع خلود الزمان ، فتصدر قرارات واتفاقيات ، وينتهي الأمر إلى العام المقبل ، هذا ما نراه كل عام على الساحة العالمية .
كل لغة ليست مجرد لغة وأداة تفاهم ، وتبادل خواطر ، بل هي تحمل ثقافتها ، وحضارتها ، وتختزن تاريخها وأحوالها ، وكلما ضعف شعب وانحط كان أحد عوامله ضعف اللغة وتطرق اللغات الأجنيية إليها ، ولله در الكاتب القدير مصطفى صادق الرافعي حينما يقول : ما ذلت لغة شعب إلا ذل ، ولا انحطت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار ( وحي القلم : ج 3/ 27 ) ، فالحفاظ على اللغة وصيانتها من الضياع من مسئوليات الناطقين بها ، وبذلك لا يمكن فقط حفظ كلمات وحروف من الضياع ، بل يضمن ذلك عدم تعريض ثقافتها وحضارتها لمهب الرياح العاتية الهوجاء .
لغة تتربع على عرش الألسنة واللغات :
لا شك أن اللغة العربية أقدم لغات العالم وأثراها وأغناها ، وكفاها شرفاً أنها لغة أهل الجنة في الجنة ، وكانت لغة سيدنا آدم عليه السلام ، وهي نفسها لغة القرآن والسنة ، وقال الله تعالى : ” وَعَلَّمَ آدَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ” أي اللغات كلها ، ومنها اللغة العربية ، عاشت اللغة العربية في جنوب الجزيرة العربية ، وهي لغة فريدة فذة من نوعها ، لغة تتربع على عرش الألسنة واللغات ، وما أحسن ما قال الإمام الشافعي : ” لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ” ( الرسالة : ج 2/ 253 ) .
وإن تعلم اللغة العربية ليس كتعلم معلم ثقافي أو حضاري ، بل هو تعلم أحكام الدين وشعائره ، وهو من أهم الفروض ، وبه يعرف الكتاب والسنة ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : إذا سألتم عن شيئ من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإن الشعر ديوان العرب ، وقيل : ” علم الحديث وعلم اللغة أخوان يجريان من واد واحد ” ، وقال الشاعر :
حفظ اللغات علينا فرض كفرض الصلاة
فـليس يــضبط دين إلا بـــــحــــفـــظ الـــلـــغات
( المزهر للسيوطي : 2/ 312 )
وقال صلى الله عليه وسلم : أحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ( المعجم الأوسط للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه ) ، ولا شك أن العربية وسيلة لاختران الشريعة ، ووعاء لجمعها وترتيبها ، فلا يمكن التوصل إلى هذا الكنز الدفين ، والذهب المكنون إلا بمعرفة اللغة العربية ، فكما أن الوضوء أساس لصحة الصلاة ، والسلالم لازمة للصعود إلى السقوف ، فكذلك تعلم العربية واجب شرعي على كل من ينطق بكلمة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدون ذلك لا يكون مؤمناً ومسلماً ، وقديماً قال الإمام ابن تيمية في كتابه : اقتضاء الصراط المستقيم : ” إن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ” ( 2/ 207 ) .
العربية ومسايرة الزمان :
بهذه الفضائل والخصائص نحو تعلم العربية أكب الناس على اللغة العربية قراءةً وكتابةً ، ونطقاً وحواراً ، وخطابةً ومقالةً ، ولم يدخروا وسعاً في نشر العربية وتوسعة نطاقها ، فوُجدت مكتبة كبيرة في العربية حول العلوم الإسلامية ، التي لا توجد في لغات العالم ، وهناك دول عربية تنطق فيها هذه اللغة ، ويوجد المسلمون على هذه الكوكبة الأرضية بكثرة كاثرة ، وهم يؤدون شعائر الإسلام باللغة العربية ، فربع سكان الأرض يعرف العربية إما معرفةً متقنةً أو معرفةً ضئيلةً ، وقد نالت العربية في هذا الزمان من الشيوع والانتشار ما لم يكن في الزمن الماضي : وقد كونت دول الخليج سوقاً عالميةً بوجود وظائف وفرص عمل فيها ، واختراع آليات وووسائل حديثة وغير ذلك ، فدخلت في العربية كلمات مستوردة جديدة ومصطلحات عصرية حديثة ، حتى خشي الغيارى على اللغة العربية خطراً جسيماً ، واستنكروا استعمال الكلمات الدخيلة في اللغة العربية .
نظرةً على ثروة اللغة العربية توضح لنا أن هناك نوعين من اللغات : (1) اللغة العربية ذات الطابع القديم ، و (2) اللغة العربية ذات الطابع الجديد ، وقد ذهب بعض النقاد إلى أنه لا فرق بين القديم والجديد ، لأن المصادر والأفعال والمفردات كلها واحد ، لكن لا يُنكر الفرق بين هذه وتلك سواءً بالأسلوب أو الألفاظ الحديثة وفق متطلبات العصر ، فما وُجد من الأسلوب في العصر الجاهلي لم يوجد في العصر الإسلامي والعباسي ، وقد تكدست المفردات في العصر الحديث باختلاط العرب مع العجم ، وأما حملة نابليون بونا بارت التي كانت في عام 1798م فلم تكن حملةً عسكريةً فقط ، بل كانت حملةً علميةً وأدبيةً ، فتغير الأسلوب الكلِف البديع في العصر العباسي إلى الأسلوب الساذج البسيط ، وهو إبلاغ معنى الكلام إلى ذهن المخاطب في أسرع أسلوب ، وزخرت اللغة العربية في هذا العصر بأسماء جديدة ولافتات حديثة ، ولم تضق اللغة العربية عن اختراع الكلمات الجديدة ، وقال حافظ بك إبراهيم عن لسان حال اللغة العربية :
وسعت كتاب الله لــــفــظـــاً وغـــايـةً وما ضقت عن آي بها وعــظات
فكيف أضيق اليوم عــن وصــف آلة وتــــنـــســـيق أسماء لــمـخترعات
نوع جديد من الشعوبية :
وقد نشأت فكرة مغايرة لروح اللغة العربية أن تستعمل الكلمات الإنجليزية بعُجرها وبجرها في قالب عربي إبداءً للتفرنج والتحضر ، وقد تجمعت في بعض الكتابات الكلمات الإنجليزية يكرهها الذوق العربي السليم ، ومن هنا تركزت عناية بعض الأدباء في العالم العربي بالتكلم بالعامية في العربية ، نظراً إلى مخططات الاستشراق في عصر النهضة ، ثم خطا هؤلاء العملاء خطوةً أخرى إلى استعمال الحروف اللاتينية بدل الحروف العربية ، كما كانت المحاولات الإلحادية في تركيا زمن مصطفى كمال أتاتورك ، فتجرأوا على كتابة مقالات ودراسات حول هذه الفكرة ، وقد سرت ” لوثة الأعجام في العربية ” حسب تعبير حافظ بك إبراهيم شاعر النيل كما سرى لعاب الأفاعي في مسيل فرات .
ولا شك أن مثل هذا الاستعمال محاولة مشئولة لفرض اللغات الأجنبية على اللغة العربية ، ونوع جديد من الشعوبية ، وهي عداء للعرب العرباء ، ولا شك أن هذا العمل دليل على مركب النقص والشعور بالضعف النفسي لدى كاتبي اللغة العربية ، ولكن لا مانع أن تستعمل للآليات الحديثة الكلمات المولدة الدخيلة والمحدثة ، فإن الرفض الكامل للكلمات الحديثة يجعل العربية عقيمةً ، وتنشر عنها هذه الفكرة : إنها ميتة لا روح فيها ، ولا تصلح للعالم المتمدن ، فالعربية سخية وباسطة أجنحتها لكل ما يستوفي من حاجيات الإنسان من الألفاظ المستوردة في جميع المجالات والاستعمالات ، ذلك لأن القرآن الكريم قد ذكر في آياتها كلمات من الزنجبيل ، والسندس ، والسرادق والاستبرق ، فإن العربية إذا قبلتها ببيئتها العربية وتراكيبها النحوية صارت عربيةً ، لأن العربية ليست عبارةً عن المفردات والكلمات ، بل هي فصاحة وبلاغة لا تخلو من قواعد النحو في تركيب الكلام وترتيبه على أساس المعاني المطلوبة ، وتستعير كل لغة من شقيقتها تعبيرات وكلمات حسب مقتضيات الزمان ، فلا يأتي شك في كون القرآن الكريم لساناً عربياً ، قال تعالى : ( إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ( يوسف : 2 ) .
على كل ، فإن العربية لغة القرآن والسنة ، قد ضمن الله حفظ القرآن الكريم إلى يوم القيامة ، فلا يتطرق إليه تحريف أبداً ، ولا يطرأ عليه البلى والقدم ، وستبقى هذه اللغة العربية بضمان القرآن الكريم مصونةً محفوظةً من كيد الكائدين ومكر الماكرين ، قا ل تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ . عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) ( الشعراء : 192 – 195 ) .