العطور والأزهار في المنظور الإسلامي : دراسة عامة
أكتوبر 12, 2021القيم التربوية في الأعمال النّثرية والشعرية لأدب الأطفال ( الحلقة الأولى )
أكتوبر 12, 2021دراسات وأبحاث :
الواقع العِلمي بين عوامل النهضة وأسباب الركود
الأستاذ حسن الحضري ، عضو اتحاد كتاب مصر
تتفاوت قدرات الناس على استيعاب العلوم ، كما تتفاوت أفهامهم وتقييمهم للأمور ، لذلك يقول الله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ( النساء : 83 ) ، فبيَّن الله – عز وجل – أنه اختص بعض الناس بالفطنة والدهاء والقدرة على الاستقراء والتحليل والاستنباط ، ولم يُسَوِّ الله تعالى بينهم وبين غيرهم ؛ فقال : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر : 9 ) ، ثم بيَّن فضل العلم فقال : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة : 11 ) ؛ والعِلم ليس بكلماتٍ يحفظها الإنسان ثم يردِّدها دون أن يفقه مغزاها ، لذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ” نضَّر اللهُ امرأً سمع مقالتي فبلَّغها ، فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ ، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقَهُ منه ” [1] ، وروى صاحب ” المحكم ” قول ابن جني [ ت : 392هـ ] [2] : ” لمَّا كان العلم إنما يكون الوصف به بعد المزاولة له وطول الملابسة ؛ صار كأنه غريزة ، ولم يكن على أول دخوله فيه ، ولو كان كذلك لكان متعلِّماً لا عالماً . . . ” [3] .
وحين أراد نبي الله إبراهيم – عليه السلام – أن يدعو الله تعالى دعاءً طيباً تنتفع به ذريته ؛ دعاه أن يبعث في ذريته من يعلِّمهم الكتاب والحكمة ، قال الله تعالى ذاكراً دعاءه : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( البقرة : 129 ) ، كما ذكر الله تعالى أن من أعظم نعمِهِ على المؤمنين تعليمهم الكتاب والحكمة على أيدي نبيِّه محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فقال جل شأنه : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ( آل عمران : 164 ) ، وقال في آية أخرى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ( الجمعة : 2 ) .
وحين اختار الله تعالى ملِكًا على بني إسرائيل حين سألوا نبيهم ذلك ؛ اختاره الله من أهل العلم ، قال تعالى : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة : 247 ) ، وفي هذه الآية الكريمة بيان فساد معاييرهم في اختيار قادتهم ؛ حيث زعموا أنهم أحق بالملك من طالوت لأنهم أصحاب مال وهو فقير .
وفي قصة سليمان عليه السلام بيَّن الله تعالى تفوُّق صاحب العلم على الجن ؛ قال سبحانه : ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) ( النمل : 38 – 40 ) . روى ابن جرير [ ت : 310هـ ] [4] : ” قال سليمان للعفريت : أريد أعجل من ذلك ؛ والذي عنده علم من الكتاب هو رجل من الإنس عنده اسم الله الأكبر ، الذي إذا دُعِيَ به أجاب ؛ وكان الله تعالى قد أعلَمَ الله سليمان أنها ستأتيه ، فلذلك قال : ( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) ؛ حتى يعاتبها ، وكان الملوك يتعاتبون بالعلم ” [5] .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يسأل بعضهم بعضاً عما سمعوا من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان الحكام بعدهم لا يسمحون بتصعيد أحد من الجاهليين إلى أيَّة سلطة عامة داخل الدولة ، أو سلطة خاصة داخل قبيلته ؛ ومن ذلك ما رُوِي أنه ” وفَدَ بعض بني عدوان ، على عبد الملك بن مروان [ ت : 86هـ ] [6] ) ، فقدَّموا رجلاً منهم أميراً عليهم ، فقال عبد الملك : ممن القوم ؟ فقال أميرهم : من عدوان ؛ فأنشد عبد الملك أبياتاً لشاعرهم ذي الأصبع العدواني [ ت : 22 ق . هـ ] [7] ، ثم طلب من أمير الوفد أن يكمل الأبيات مِن حِفظه ، فقال : لا أحفظها ؛ وكان ضمن الوفد معبد بن خالد العدواني [ ت : 118هـ ] [8] ، فقال معبد [9] :
ومنهم حَكَمٌ يَقضـي فلا يُنْقَضُ ما يَقضـي
فقال عبد الملك لأمير الوفد : مَن الحكَم ؟ فقال : لا أدري ؛ فقال معبد : عامر بن الظرب [ ت : 100 ق . هـ ] [10] ؛ فقال عبد الملك لأمير الوفد : من قائل الشعر ؟ قال : لا أدري ؛ فقال معبد : ذو الأصبع ؛ فقال عبد الملك لأميرهم : لم قيل له ذو الأصبع ؟ فقال : لا أدري ؛ فقال معبد : نهشته أفعى فقطعت أصبعه ؛ فقال عبد الملك لأميرهم : ما كان اسمه ؟ فقال : لا أدري ؛ فقال معبد : حرثان بن الحارث ؛ فقال عبد الملك لأميرهم : كم عطاؤك ؟ قال : سبع مأة دينار ؛ ثم قال لمعبد : وكم عطاؤك ؟ قال : ثلاث مأة ؛ فقال عبد الملك : اجعلوا عطاء هذا لهذا ، وعطاء هذا لهذا ” [11] ، وقيل : صاحب هذه القصة مصعب بن الزبير [ ت : 71هـ ] [12] وليس عبد الملك [13] .
ومما يُروَى في ذلك ؛ أنه ” جاء رجل إلى ابن زياد [ ت : 67هـ ] [14] فقال : إن امرأتي ماتت ، وإني أريد أن أتزوج أمها ؛ فقال له : كم عطاؤك في الديوان ؟ فقال : سبع مأة ؛ فحَطَّ من عطائه أربع مأة ، ثم قال له : يكفيك من فقهك هذا ثلاث مأة ” [15] .
هكذا كانوا يعرفون قدر العلم ، ويُجِلُّون أهله ، وبهذه الطريقة أيضاً تتعامل الدول المتقدمة ، التي تسعى إلى الصدارة بين الدول ، بخلاف الدول النامية التي تساهم مؤسساتها الرسمية بنسبة كبيرة في نشر الجهل ، ودعم المدَّعين ، ومحاربة المبدعين ؛ وهو الأمر الذي يُعَدُّ انعكاساً واضحاً ونتيجةً حتميةً لعدم أهليَّة القائمين على تلك المؤسسات .
إن الأمم إنما تنهض بالعلم ؛ فهو مقياس التقدم ودليل النجاح ، ويجب أن تكون المنظومة العلمية في منأى عن العشوائية والمجاملات ، والأمة القويَّة هي التي تجعل العلم في مقدمة أولوياتها ، وتجعل العلماء في مقدمة صفوفها ، وتعلم أن العلم هبة من الله تعالى ، تنشأ مع العالم منذ صغره ، رُوِيَ عن ابن عباس [ ت : 68هـ ] [16] رضي الله عنهما قال : كان عمر [ ت : 23هـ ] [17] رضي الله عنه يُدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟! فقال : إنه ممن قد علمتم ؛ قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، قال : وما رُئِيتُه دعاني يومئذ إلا لِيُرِيَهم منِّي ، فقال : ما تقولون في ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) ( النصر : 1 – 2 ) حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ؛ وقال بعضهم : لا ندري – أو لم يقل بعضهم شيئًا – فقال لي : يا بن عباس ؛ أكذاك تقول ؟ قلت : لا ؛ قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعلَمَه اللهُ له ؛ ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) فتح مكة ؛ فذاك علامة أجلك ، ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) ( النصر : 3 ) ؛ قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم ” [18] .
والله تعالى يقول : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ) ( الأنبياء : 51 ) ، قال الزجاج [ ت : 311هـ ] [19] في معناها : ” أي : آتيناه هُداه حدثًا ” [20] ، وقصة إبراهيم عليه السلام قائمة على التَّفكُّر والاستنباط والمحاججة بالحق ، وهي تدل على العلم الذي علَّمه الله تعالى إيَّاه ، وكان عليه السلام صغيراً كما ذُكِر في تفسير الآية الكريمة ، وكان يحاجج أباه وقومه وقد بلغوا من العمر ما بلغوا ، فتقدُّمُهم في العمر لم يحوِّلهم من الجهل إلى العلم ، كما أن العالم الكبير كان لديه العلم منذ صِغره ، لكنْ لكل علمٍ دواعيه التي تستخرجه من أكنانه .
[1] أخرجه ابن ماجه في سننه ( 1/84/230 ) ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، طبعة : دار إحياء الكتب العربية ، فيصل عيسى البابي الحلبي .
[2] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/204 ) ، طبعة : دار العلم للملايين ، الطبعة الخامسة عشرة 2002م .
[3] ” المحكم والمحيط الأعظم ” لابن سيده ( 2/174 ) ، تحقيق : عبد الحميد هنداوي ، طبعة : دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1421هـ – 2000م .
[4] ” الأعلام ” للزركلي ( 6/69 ) .
[5] انظر ” تفسير الطبري ” لابن جرير الطبري ( 18/60 – 64 ) ، تحقيق : الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر ، طبعة : دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان ، الطبعة الأولى 1422هـ – 2001م .
[6] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/165 ) .
[7] المصدر السابق ( 2/173 ) .
[8] ” تاريخ دمشق ” لابن عساكر ( 59/308 – 312 ) ، تحقيق : عمرو بن غرامة العمروي ، طبعة : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1415هـ – 1995م .
[9] البيت من الهزج ، وانظر الأبيات كاملة في ” الأصمعيات ” ( ص 72 ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر – عبد السلام محمد هارون ، طبعة : دار المعارف ، مصر ، الطبعة السابعة 1993م .
[10] ” معجم الشعراء العرب ” كتاب إلكتروني ( ص 1548 ) .
[11] انظر ” ربيع الأبرار ونصوص الأخيار ” للزمخشري ( 2/ 30 – 31 ) ، طبعة : مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الأولى 1412هـ .
[12] ” الأعلام ” للزركلي ( 7/247 – 248 ) .
[13] انظر ” تاريخ دمشق ” لابن عساكر ( 59/309 – 311 ) .
[14] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/193 ) .
[15] انظر ” البداية والنهاية ” لابن كثير ( 8/313 ) ، تحقيق : علي شيري ، طبعة : دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م .
[16] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/95 ) .
[17] المصدر السابق ( 5/45 – 46 ) .
[18] أخرجه البخاري في صحيحه ( 5/149/4294 ) ، تحقيق : محمد زهير بن ناصر الناصر ، طبعة : دار طوق النجاة ، الطبعة الأولى 1422هـ .
[19] ” الأعلام ” للزركلي ( 1/40 ) .
[20] ” معاني القرآن وإعرابه ” للزجاج ( 3/395 ) ، تحقيق : عبد الجليل عبده شلبي ، طبعة : عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م .