البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورتي الواقعة والحديد )

فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
أكتوبر 12, 2021
نظرة على المجتهدين الذين اعترف العلماء لهم بالإمامة
أكتوبر 12, 2021
فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
أكتوبر 12, 2021
نظرة على المجتهدين الذين اعترف العلماء لهم بالإمامة
أكتوبر 12, 2021

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورتي الواقعة والحديد )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سميت بذلك لورود كلمة الواقعة في أول السورة .

10 ( وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ ) .

11 ( أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ ) .

12 ( فِى جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ) .

التكرار :

فائدة التكرار التأكيد في مقابلة التأكيد ، في ( فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ ) و ( أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ ) كأنه قال : هم المعروف حالهم ، المشهور وصفهم ، أو هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة ، عام في كل سبق فيه خير .

17 ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) .

مُّخَلَّدُونَ :

قال : مخلدون ، ولدان صغار السن ، وفي غاية الحسن والبهاء ، مخلوقين للبقاء والخلد لا يهرمون .

23 ( كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ ) .

البلاغة – التشبيه المرسل :

شبه الحور العين في الجنة باللؤلؤ أي في الصفاء ، وقيد بالمكنون أي المستور المحفوظ في الأصداف .

44 ( لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ) .

البلاغة – الاحتراس :

عندما قال سبحانه ( وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ) أوهم ربما جلب لهم شيئاً من الراحة بعد التعب فنفى الظل عنه ، والمعنى : أن فيه ظلاً ولكنه حار ، وفيه تهكم بأصحاب الشأن .

51 ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ ) .

52 ( لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ) .

53 ( فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ ) .

55 ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ ) .

شجر الزقوم لا نظير له في الدنيا ، والهيم هي الإبل ، شبههم في شربهم بالإبل العطاش التي لا يرويها الماء لداء يصيبها يشبه الاستسقاء ، ووجه الشبه أن كلا منهما يشرب ولا يرتوي ، مما يحثه على طلب المزيد من الشراب ، وقد تهكم الله عليهم بقوله ( هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ ) أي محل إقامتهم في العذاب .

57 ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ ) .

فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ :

الفاء عاطفة لربط السبب بالمسبب ، ( لولا ) حرف تخصيص أي نحن خلقناكم أوجدناكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً من غير عجز ، فكيف لا تصدقون بالبعث ، وأنتم تشاهدون ما هو أعظم وأبلغ ، وما دام قد خلقكم أولاً باعترافكم ( سَيَقُولُونَ ٱللَّهُ ) ، فلا يمتنع عليه أن يعيدكم ثانياً ، فهلا تصدقون بذلك .

77 ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) .

78 ( فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ) .

79 ( لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ ) .

مَّكْنُونٍ – ٱلْمُطَهَّرُونَ :

في كتاب مكنون أي في اللوح المحفوظ ، والمطهرون هم الملائكة ، والقرآن كلام الله صفة قديمة قائمة بذاته غير مخلوق ، أما ما هو مكنون وما يمسه إلا المطهرون فهو المكتوب في الكتاب ، ولذلك قال    ( فِى كِتَابٍ ) ولم يقل ( كلام ) ، قال الشيخ زكريا الأنصاري في فتح الرحمن : ” لا يلزم من كتابته في كتاب حلوله فيه ، كما لو كتب على شيئ ألف دينار ، لا يلزم من وجودها فيه ، ومثله قوله تعالى : ( ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ ) وصفة الله تعالى قائمة لا تفارقه .

مس المصحف :

ومن باب الأدب ألا يمس المصحف إلا طاهر لا من باب الوجوب ، فإن مس المصحف للمحدث جائز ، لا حرمة فيه كما أفاد ذلك ابن حزم في كتابه ” المحلى ” وابن القيم في كتابه ” التبيان في أقسام القرآن ” [1] .

أقول : وهذا ما يسع المسلم التعبد به ، ومداولة المصحف في المطابع والأسواق والمكتبات وغيرها من الأماكن ، وحين نزلت الآية لم يكن هناك مصحف مثل مصاحف اليوم ، بل مصحف واحد في بيت النبوة من الحجر والجلد .

أول سورة الحديد

سميت لورود كلمة الحديد في آخر السورة .

لما ختم سورة الواقعة بالأمر بتنزيه الله وتعظيمه بقوله ( فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ ) أراد أن يبين في هذه السورة أن جميع ما في السماوات والأرض من موجودات قد نزه الله تعالى بطريقته الخاصة .

1 ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ) .

سُبْحَانَ – سَبَّحَ – يُسَبِّحَ – سَبِّحَ :

بدأ الله بالمصدر في الإسراء لأنه الأصل ( سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) .

ثم بالماضي : في سورة الحديد ( سَبَّحَ لِلَّهِ ) والحشر ، والصف ، لأنه أسبق الزمانين .

ثم بالمستقبل : في الجمعة ، والتغابن ، ثم بالأمر في ( ٱلأَعْلَىٰ ) استيعاباً لهذه الكلمة من جميع جهاتها ، ففيه تعليم عباده استمرار وجود التسبيح منهم في جميع الأزمنة والأوقات .

11 ( مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) .

البلاغة – الاستعارة التصريحية :

حيث شبه سبحانه الإنفاق في سبيل الله بإقراضه ، ثم حذف المشبه وأبقى المشبه به ، والجامع الإعطاء بعوض .

12 ( يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ) .

البلاغة – الاستعارة التصريحية الأصلية :

فالنور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه ، حيث حذف المشبه ، وأبقى المشبه به ، وكأن النور رجل يمشي بها حتى يسعى إليهم .

13 ( يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ ) .

التهكم :

التهكم والاستهزاء كما استهزؤا في الدنيا بالمؤمنين ، وقد علموا أنه لا نور .

الاستعارة التمثيلية : حيث شبه بقاء المنافقين في نفاقهم بمن ضرب بينهم وبين النور بسور يحجب النور ،المقابلة بين باطنه وظاهره .

18 ( إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) .

ٱلْمُصَّدِّقِينَ – وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ:

ذكر في هذه الآية المبالغين في الصدقات ، وذكر أنه يضاعف لهم ، ولأنه قد تكرر فيما ذكر الإنفاق والنهي عن البخل فناسب المبالغة ، فجاء بالفعل بالتضعيف .

20 ( ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ ) .

البلاغة :

استعارة تمثيلية : فقد شبه حال الدنيا وسرعة انقضائها بنبات أنبته الغيث فاستوى فاكتمل وأعجب به الكفار فهاج واصفر وصار حطاماً عقوبة لهم على جحودهم ، وربما كان في غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

22 ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ) .

مُّصِيبَةٍ :

ما ينزل على البشر من الكوارث والمصايب التي تعم ولا تخص هو من الدائرة التي تسيطر على الإنسان ، ولا قبل له بدفعها ( وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ ) أي الأمراض والخسائر من الابتلاءات التي تصيب الإنسان خاصةً في نفسه أو بيته أو ولده ، فكل ذلك من الابتلاءات في الدائرة التي تسيطر عليه ، ولا يد له فيها ولا اختيار ، فإن صبر وشكر غفر الله له وخفف من ذنوبه وأثابه ، وإن لم يصبر وتضجر كانت له سوءاً على سوء ، وشراً على شر .

المصايب ليست عذاباً في الدنيا :

يخطئ من يعتقد أن ما يصيب الإنسان من المصايب التي لا يد له فيها أنها عذاب دنيوي للشخص ، فالعذاب الدنيوي مرفوع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه الآيات الكثيرة .

ذلك أن الابتلاءات والمصايب تعم ، ولا تستثني الصالح والطالح ، المذنب وغير المذنب ، وحتى الأنبياء تصيبهم ، لذلك لا تكون عقوبةً .

العذاب في الدنيا محصور في عدد من الناس :

  1. الجهاد في سبيل الله ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ )
  2. الحدود والعقوبات التي تصدر بها أحكام ( وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا )
  3. العذاب النفسي في المنافقين وضعاف الإيمان ، من الختم والوقر والضلال والأركاس .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .

[1]  هامش تيسير الكريم الرحمن للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ، ج 7 ، ص 276 .