مساهمة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في تطوير الصحافة العربية في الهند
يوليو 13, 2021أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الرابعة الأخيرة )
يوليو 31, 2021رجال من التاريخ :
الشيخ عبد الشكور الفاروقي وجهوده العلمية والإصلاحية
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كانت مدينة لكناؤ منذ أكثر من قرنين ينتشر فيها التشيع والرفض على نطاق خاص ، ويقوده علماء الشيعة من رائى بريلي ، وخاصةً من نصير آباد ، كان منهم أكثر نشاطاً دلدادر علي النصير آبادي ، فكان للحكومية الإقليمية دور كبير في نشر الأفكار الضالة ، فيروج التشيع رواجاً خاصاً ، وبدأ الإمام أحمد بن عرفان الشهيد أولاً جهوده لمقاومة الرفض في نصير آباد برائى بريلي ، وقام بإصلاحات واسعة في جولاته إلى لكناؤ ، وكانت إقامته في لكناؤ بمسجد تل الشيخ بير محمد ، على جانب نهر غومتي ، وكان معه الشيخ إسماعيل الشهيد ، وعلماء آخرون ، وكان للشيخ عبد الحي البدهانوي هناك دروس دينية ، حيث يتوب فيها كل يوم اثنان أو أربعة رجال من عقائد الشيعة ، وينضمون إلى أهل السنة والجماعة ، وقد شكى بعض الناس إلى النواب معتمد الدولة ، فهدد الإمام أحمد بن عرفان بالقتال ، فأجاب الإمام أحمد بن عرفان الشهيد : ” الإصلاح والدعوة من مسئولياتنا وواجباتنا ، فلن يضرنا بإذن الله شيئ ، والله ناصرنا ” ، ثم ذهب إلى النواب معتمد الدولة ، ونصحه ، وأمره بالتوبة من الذنوب والسيئات والظلم والاعتداء على الناس ، ثم سأله النواب معتمد الدولة أسئلةً عن سيدنا معاوية رضي الله عنه ، فرد عليها رداً شافياً ، وكان في هذا المجلس علماء الشيعة ، لكن لم يمكنهم أن يتكلموا شيئاً ، ومرة ألقى الشيخ عبد الحي البدهانوي موعظةً بليغةً في مجلسه ، ثم أراد حاكم أوده النواب غازي الدين حيدر أن يزوره ، لكن منعه أتباعه ، وإلا كانت لكناؤ على غير ما نرى اليوم .
اشتغل الإمام أحمد بن عرفان الشهيد بالجولات الدعوية والإصلاحية وشئون التربية والتزكية ، بل كان قائداً في هذا المجال ، ولم تنحصر جهوده الدعوية في رائى بريلي ولكناؤ ، بل كان شبه القارة الهندية محط جهوده وجهود أتباعه ، وفي بلدة فتح فور قريباً من رائى بريلي حيث كان أقرباؤه وأتباعه ، كان منهم الشيخ السيد سراج الدين الهنسوي الذي قام بتربية الشيخ السيد عبد السلام الهنسوي ( 1299هـ ) ، وكان عمه ووالد زوجته أيضاً ، وللشيخ عبد السلام الهنسوي عدة رسائل حول الفرقة الاثنتي عشرية ، وتفضيح الشيعة ، وقد تربى عليه كثير من الناس ، وكان أبرزهم الشيخ ناظر علي الكاكوروي ، الذي كان يحب أستاذه ومربيه حباً كثيراً ، فإنه أرسل نجله الشيخ عبد الشكور الفاروقي إليه للاستفادة منه ، وقد ثبت من الوثايق التاريخية أنه قرأ عليه أول ما قرأ من العلم والفن .
كان في أسرة الشيخ ناظر علي الكاكوري شعور بالغ بالأخطار التي تحدق بالأمة الإسلامية في العقائد والعبادات ، فحملت هذه الأسرة مسئولية إحقاق الحق وإصلاح العقيدة ، وكان من بينها الشيخ عبد الشكور الفاروقي ، الذي اعتبر هذا العمل مهمةً كبيرةً وفريضةً دينيةً ، وبذل فيها مؤهلاته العلمية ، وظل يرافقه في هذا العمل إخوته وخاصةً الشيخ عبد الرحيم وأبناؤه وأحفاده وتلامذته وأتباعه .
كان الشيخ عبد الشكور الفاروقي الكهنوي شخصيةً بارزةً في مجال نصرة الدين والملة ، كما كان عالماً جليلاً من علماء المسلمين ، وكان صامداً في مهمته التي بدأها بعد تفكير وروية ، فكان مبعث هداية كثير من الناس ، وإزالة أغلوطاتهم من أذهانهم ، وقد ساعده على ذلك ما نال من التربية الروحية والعلمية من والده الكريم الشيخ ناظر على الكاكوروي ، والشيخ أبو أحمد البوفالي المجددي ( 1342هـ ) والشيخ عين القضاة اللكهنوي ( 1344هـ ) ، ولولا جهاده وجهوده في مواجهة عقائد الشيعة لوقعت هذه المنطقة كلها فريسةً لعقائد الشيعة ، لأن شيعة هذه المنطقة كانت ترتزقهم حكومة أودهـ مادياً وفكرياً ، كما كان لعلماء الشيعة من رائى بريلي ونصير آباد جولات في هذه المنطقة .
كان عمران الشيعة في لكناؤ ، ومناطق أخرى من أودهـ كثيراً ، وكانت للحكومة المحلية عناية خاصة به ، فكان أهل السنة وأصحاب عقائدهم يشكون خطراً كبيراً ، وكان الشيخ عبد الشكور الفارقي قد وقف نفسه لمقاومة هذا الخطر، وجعل قلب مدينة لكناؤ ( باتاناله ) مركزاً لأعماله الدعوية ، وبدأ ينشر السنة وعقائد أهل السنة ومذهبهم ، ومما يتميز به منهجه الدعوي أنه كان اختار الوسطية والاعتدال في ذكر مناقب الصحابة وأهل البيت رضي الله عنهم ، كما يدل عليه مؤلفاته وكتبه .
ومن عقائد الشيعة التي تثير ضجةً في أوساط أهل السنة أنهم يذمون الصحابة رضي الله عنهم ، ويسبون ( نعوذ بالله ) سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما ، ويستعملون لهما كلمات التحقير والازدراء ، فكان ذلك عاراً لأهل السنة ، فازداد الصراع بين السنة والشيعة في لكناؤ ، وقد استفاد العالم الجليل والكاتب القدير الشيخ محمد منظور النعماني من الشيخ عبد الشكور الفاروقي ، يقول : ” ذات مرة قال لي الشيخ عبد الشكور : إن صيانة حرمات الصحابة رضي الله عنهم ، وإزالة الدعايات الموجهة إليهم ، عبادة ربانية ، وفريضة محكمة ، لكنني أضعها في الدرجة الأولى ، فأشتغل بها ، لأن جرح الصحابة يؤدي إلى التشكيك في الكتاب والسنة ، وكل ما نعرف من الكتاب والسنة هو بواسطة الصحابة رضي الله عنهم ، فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم موضع شك وريبة كان الدين كله في شك ، ولا يكون عندنا دليل للدين الحنيف ، وعلى كل ، فإني أدافع عن الصحابة رضي الله عنهم ، وأحمي حرماتهم بمجرد صيانة الكتاب والسنة ، وأرجو مغفرةً من الله تعالى إزاء هذا العمل .
ذكر الشيخ محمد منظور النعماني شغف الشيخ عبد الشكور بهذا العمل ومؤلفاته ودراساته وخوضه في المناظرات العلمية حول هذا الموضوع ، ثم ذكر موقفه المعتدل في أهل البيت والصحابة الآخرين ( رضي الله عنهم جميعاً ) كما جاء في ترجمة حياته ( تحديث النعمة ) : مرةً بيّن الشيخ عبد الشكور الفاروقي تفاضل الدرجات بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله عنهما : كان علي من السابقين الأولين من الصحابة ، بل في الصف الأول منهم ، وإن سيدنا معاوية رضي الله عنهم وإن كان بكونه صحابياً تاج رؤوسنا لكن أين هو من علي رضي الله عنه ؟ فمثلاً إذا جلس سيدنا معاوية رضي الله عنه في مجلسه عند مخلع النعال لكان ذلك شرفاً وفخراً له ” ( تحديث النعمة : 346 ) .
اعتبر كبار العلماء في الهند جهود الشيخ عبد الشكور الفاروقي عملاً تجديدياً ، وأثنوا عليها ، وحينما زار الشيخ الداعية محمد إلياس الكاندهلوي لكناؤ قبل وفاته بسنة في شهر رجب عام 1362هـ – 1943م ، برفقة من أصحابه وزار رائى بريلي وكانفور ، فذهب خلال هذه الرحلة إلى الشيخ عبد الشكور الفاروقي ، وزاره ، ثم أبدى أمام رفاقه انطباعه عن الشيخ عبد الشكور الفاروقي : ” إنه إمام العصر ، وله في هذه المناطق الشرقية مكانة مثل مكانة الإمام التهانوي في مناطقنا الغربية ” ( تحديث النعمة : 251 – 252 ) ، وكان العالم الرباني الشيخ عبد القادر الرائفوري يعترف بمكانة الشيخ عبد الشكور الفاروقي ، يكتب الشيخ أبو الحسن على الحسني الندوي في سيرة الشيخ عبد القادر الرائى فوري كلمته عن الشيخ الفاروقي : ” كان للشيخ الفاروقي غرام بحب الصحابة ، ونفور تام من الرفض والتشيع ، قيضه الله تعالى لهذه الأعمال الجليلة ، وكان الشيخ الرائفوري يسمع في مجلسه إلى كتبه ومؤلفاته ، ولما سمع الشيخ الرائى فوري نبأ وفاته وكان مضطجعاً ، فجلس ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم قال : إذا لم يأت في استقباله سيدنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فمن يأتي ؟ ” ( سيرة الشيخ عبد القادر الرائفوري : 317 ) .
أما حركة الشيخ الفاروقي حول مدح الصحابة رضي الله عنهم فكانت رداً على سباب الشيعة في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام ، وكان الشيعة يعتبرونها أيام نحس وعزاء ، فيرتكبون بدعاً وخرافات ، ويسبون الصحابة رضي الله عنهم علناً وجهاراً ، فكان ذلك سبب إيذاء بالغ لأهل السنة ، فأنشأ الشيخ عبد الشكور الفاروقي حركةً باسم مدح الصحابة رضي الله عنهم ، وحصل لها قبول عام في الهند ، ونالت هذه الحركة ثناءً عاطراً من كبار العلماء في ديوبند وندوة العلماء وسهارنفور أمثال الشيخ خليل أحمد السهارنفوري ، والشيخ أشرف علي التهانوي ، والعلامة السيد عبد الحي الحسني ، والشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، والشيخ السيد حسين أحمد المدني ، والشيخ السيد سليمان الندوي ، والشيخ السيد عبد العلي الحسني والشيخ المقرئ محمد طيب القاسمي ، والشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي ، والشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، وقد شارك كبار علماء الهند في اجتماعاته حول مدح الصحابة رضي الله عنهم في العشرة الأولى من محرم الحرام باسم شهداء الإسلام .
كتب الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي بمناسبة وفاة الشيخ عبد الشكور الفاروقي مقالةً جامعةً حول سيرته ومكانته العلمية والإصلاحية ، وذكر تأثير شخصيته على مدينة لكناؤ وضواحيها ، كما شارك في اجتماعاته وألقى فيها كلمات علميةً قيمةً حول الصحابة رضي الله عنهم وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .
رحمه الله رحمةً واسعةً ، وغفر له زلاته ، وتقبل حسناته وأعماله ، إنه سميع مجيب .