فكرة الهيمنة العالمية وعاقبتها الوخيمة
يونيو 2, 2021ظاهرة الخوف والذعر ، وطرق معالجتها
يوليو 31, 2021صور وأوضاع :
قضية فلسطين : هل لها من حل ناجع ؟
محمد فرمان الندوي
نبأ بدون تعليق :
تأججت نار العداوة الصهيونية في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المنصرم ، وذلك بشأن إخلاء حي الشيخ جراح بفلسطين من سكانه ومواطنيه ، وقد تفاقم الوضع حينما أطلق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص عليهم ، وخاصةً المصلين والعاكفين والركع السجود من الرجال والنساء والصبيان في المسجد الأقصى ، وتسلسل الأمر إلى أحد عشر يوماً ، فدافع الشباب والأطفال عن الأرض المقدسة مدافعةً باسلةً قويةً ، حتى نالوا فتحاً قريباً ، ونصراً من الله مؤزراً ، وقد رضي الكيان الصهيوني بأدنى إشارة من مصر العربية بإيقاف نار الحرب ، بعد ما لقي خسارةً فادحةً له ، وقد أسفرت المعركة عن أكثر من مأتي شهيد من خلال حركة المقاومة الإسلامية ، وألف جريح منهم ، مقابل إزهاق أرواح كثيرة وممتكلات للكيان الصهيوني .
مذابح صهيونية في تاريخ فلسطين :
ليس هذا أول مرة في تاريخ فلسطين ، بل وقع مثل ذلك مراراً ، لكن الله ثبَّت المجاهدين الغيارى أمام العدو الماكر ، وكتب للمسلمين النصر ، فمجرد تقليب صفحات هذه القضية يكشف للجميع صورة للمذابح الصهيونية ضد أهالي فلسطين ، وإليكم بعض إشاراته :
” (1) مذبحة قريتي الشيخ وحواسة في 31/ ديسمبر عام 1947م (2) مذبحة قرية سعسع 14 ، 15 فبراير 1948م (3) مذبحة دير ياسين 9/ أبريل 1948م (4) مذبحة بيت لحم 26/ يناير 1952م (5) مذبحة غزة الأولى 2/ فبراير 1955م (6) مذبحة غزة الثانية 4 ، 5 أبريل 1956م (7) مذبحة صبرا وشاتيلا 18 ، 19 سبتمبر 1982م (8) مذبحة حمامات الشط 11/ أكتوبر 1985م (9) مذبحة الحرم الإبراهيمي 25/ فبراير 1994م (10) مذبحة قانا 18/ أبريل 1996م ” . ( موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري ) .
بداية القضية ودسائس الكيان الصهيوني :
هذه بعض ومضات وإشارات إلى الاعتداء الصهيوني عبر خمسين عاماً فقط ، أما سجلات الظلم والعدوان طوال الفترة الكاملة فقد اسودت منه صفحات التاريخ ، فهناك ينشأ سؤال : لماذا يرتكب اليهود هذه العمليات الإجرامية على أرض فلسطين ؟ فقد عُلم أن فكرة القومية نشأت في أوربا في القرن التاسع عشر الميلادي ، فخُيل إلى اليهود أن تكون لهم دولة وحكومة ، فأنشاوا حركة الصهيونية ، وكان أساسها إقامة وطن يهودي على أراضي فلسطين ، وزعموا أن في فلسطين هيكلاً لسليمان عليه السلام قد هُدم في قديم الزمان ، فلا بد من استعادته من جديد ، واعتقدوا معتقدات باطلةً لا علاقة لها بأساس الدين ، والذي تولى كبره هو تيورد هرتزل ( 1904م ) الذي عقد مؤتمراً في سويسرا عام 1897م تحقيقاً لهذا الغرض ، فذهب وفد من اليهود وفق هذا المؤتمر إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، وقال للسلطان : قد سمعنا أن الخلافة تشكو أزمةً ماليةً ، فنحن مستعدون أن نمدكم بأموال مقابل أن توفروا لنا مسكناً في فلسطين ، فأجاب الخليفة : ” لن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد ، فالبلاد ليست ملكي ، بل هي ملك شعبي ، وشعبي روى تربتها بدمائه ” ، كانت هذه الإجابة كصاعقة نزلت على الوفد اليهودي ، فحاول إسقاط الخليفة ، حتى في عام 1909م تم إسقاط الخليفة عبد الحميد بمؤامرة سرية ، وفي عام 1924م ألغيت الخلافة العثمانية بجميع قيمها الإسلامية ومثلها العليا ، وكان ذلك اليوم يوماً مشئوماً ، لا ندري إلى متى يتحمل العالم الإسلامي تبعته وخسارته . لا قدر الله .
وبعد نهاية الخلافة العثمانية تفكك نظام الدول الإسلامية ، وتبعثرت عُراها ، فتوزع العالم الإسلامي إلى دويلات وحكومات ، وانحازت الشام إلى الانتداب البريطاني ، فوعد وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بالفور عام 1917م ، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، واشتهر هذا الوعد بوعد بالفور ، ثم جرت محاولات لإسكان اليهود في هذه المنطقة حتى أعلنت الأمم المتحدة بإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين عام 1948م . والواقع أن إنشاء هذه الدولة كان بمثابة في قلب العالم الإسلامي ، يشعر بمرارته ويدرك خطبه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
مقاومات باسلة لتحرير القدس :
لم يتجاهل العرب عن غصب هذه الأرض ، وظلوا صامدين في استردادها من العدو الغاشم ، فكان في أول الأمر الحاج المفتي أمين الحسيني رحمه الله الذي أفتى بتحريم بيع الأرض المقدسة ، وقام رجال آخرون من أولي الغيرة الإيمانية فرادى وجماعات ومنظمات ، فاشتبكت حروب دامية كبرى ، عام 1948م ، وعام 1967م ، و 1973م ، وفي حرب عام 1967م احتلت إسرائيل على مناطق المسجد الأقصى ، وكان العرب كلهم متحسمين لهذه القضية ، وباذلين لها جميع إمكانياتهم ، بالقوة واستعمال الأسلحة المدمرة المبيدة ، لكن القوى الكبرى في العالم دعَّمت هذه القضية ، ونقلتها من الميدان إلى طاولة النقاش ، وعقدت لها مؤتمرات وندوات ، وأصدرت قرارات واتفاقيات ، لا تسمن ولا تغني من جوع ، وحاولت أن تشتري ضمير العالم الإسلامي وزعمائه وساسته ، فنجحت في هذه العملية ، وأصبحت قضية فلسطين جرحاً لا يندمل ، لكن الواقع والتاريخ يشهد أن هذا الجرح سيندمل ، وأن ما ابتلي به المسلمون من بلايا وكوارث خلال هذه المدة هي سنون عجاف مثل زمن يوسف عليه السلام ، الذي عبَّر عن رؤيا الملك : بأن هناك سبع سنين تكون ذات قحط وجدب ، ثم تكون سبع سنين ذات رخاء وثراء ، كذلك نرجو من الله أن يجعل هذه الامتحانات سبع سنين عجافاً .
وما يؤسف له أن القوى الكبرى أحدثت فجوةً واسعةً ، وأثارت خلافات فرعية بين سكان فلسطين ، فتوزع الناس في اتجاهين معاكسين : اتجاه ديني إسلامي ، يقوده حركة المقاومة الإسلامية التي تؤمن بأن فلسطين لا يتم تحريرها إلا بالقوة والمقاومة ، واتجاه علماني اكتفت بالهتافات الفارغة والنعرات الجوفاء ، ويمثل هذا الاتجاه حزب فتح ، وكلما سعى رجال لملأ الفجوة اتسع الخرق على الراقع ، ذلك لأن وراء الاتجاه العلماني يداً خفيةً تدير هذه الدمية ، فكيف يأتي الفتح والنصر المبين مع هذه الخلافات الداخلية ؟ ومعلوم أن هذه الخلافات سم ناقع وشر مستطير في مجال تحرير أرض فلسطين . لكن روح المقاومة والجهاد لا تزال تعمل عملها في فلسطين ، ولا تذهب دماء الشهداء هدراً بإذن الله ، وكلما أراد العدو أن يفرِّق الشمل ويبدِّد الجمع دبر الله له نظاماً كان وبالاً عليه ، وكما رأينا في هذه المعركة الحالية أن الاحتلال الإسرائيلي فكر أن حي الشيخ جراح له علاقة بحزب فتح ، ولا يأتي لنصره رجال المقاومة الإسلامية ، لكن خاب ظنه ووهن مكره ، وجاء المجاهدون من غزة بخيلهم ورجلهم وأجبروا إسرائيل على الاعتراف بالهزيمة والفشل الذريع ، واحتفل حزب فتح وحزب المقاومة بيوم الفتح نابذين الخلافات وراءهم ظهرياً ، ومعانقين ومصافحين ، مما أثار ضجةً في صفوف الأعداء ، فمكروا مكراً بعد نهاية الحرب أن الأموال والثروات التي تأتي لإعمار فلسطين لا علاقة لها برجال المقاومة الإسلامية ، ومكروا ، ومكر الله ، والله خير الماكرين .
هل لهذه القضية من حل ناجع ؟
قضية فلسطين من القضايا الأساسية في العالم ، وقد مرت على إقامة دولة إسرائيل واحتلال المسجد الأقصى عقود من الزمان ، تشتعل نارها حيناً لآخر ، بمجرد إثارة ، وأدنى تحريك ، فيسبب ذلك إزهاقاً للنفوس والأرواح ، وقد جرت قبل ذلك نقاشات ، لكنها كانت حبراً على ورق ، أو خطاً على الماء ، وكلما ثارت هذه القضية جرت بيانات واتفاقيات من كبرى الدول والبلدان ، وصدرت قرارات من منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ، واستنكرتها هيئة الأمم المتحدة ، وعقد مجلس الأمن مؤتمراً لها ، ثم انتهى الأمر . إذن ينشأ سؤال : هل نترك القضية على مصراعيها ، حتى يكون جرحاً نزيفاً يتقاطر الدم باستمرار ، أم نفكر في حل ناجع لها ؟ فالدارس لقضية فلسطين ، والمتأمل فيها والمتفائل بالنصوص القرآنية والحديثية يشهد أن القدس أُخذت بالقوة ، وكل ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، لكن لا بد أن تكون هذه القوة نابعةً من الإيمان واليقين والوعي الكامل لقدرة الله تعالى في هذا الكون . فلا بد من اتخاذ استراتيجية وجبهة صامدة مثل الجبهة العمرية الفاروقية والصلاحية الأيوبية ، فكل من يسلك مسلكاً ، أو يتخذ طريقاً ويختار قراراً غير ذلك ، فهو يذهب بالقضية إلى أوحال وأنفاق ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، ومن لم يجعل الله له نوراً ، فما له من نور .