أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الثانية )
يونيو 2, 2021مساهمة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في تطوير الصحافة العربية في الهند
يوليو 13, 2021رجال من التاريخ :
المحدث الكبير الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
( المولود في 1319هـ – 1901م المتوفى في 1412هـ – 1992م )
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كان العالم الجليل والمحدث الكبير الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي من أبرز علماء الحديث الشريف وفن أسماء الرجال في الهند ، وظل مشتغلاً بالتدريس وتحقيق كتب الحديث ، فكانت لتحقيقاته وبحوثه قيمة كبيرة لدى أهل العلم والدين ، وكان الشيخ يُعتبر من كبار المحدثين في العالم الإسلامي ، يشهد بذلك كتبه ومؤلفاته .
ولد الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي عام 1319هـ الموافق 1901م ، وكان والده الشيخ محمد صابر ، بدأ دراسته في بلدته ، ثم سافر منها إلى دار العلوم بديوبند ، وكان في أساتذته العلامة أنور شاه الكشميري ، والمفتي عزيز الرحمن الديوبندي ، والشيخ شبير أحمد العثماني ، والشيخ كريم بخش السنبهلي ، والشيخ عبد الغفار المئوي وغيرهم ، وتخرج الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي من الدراسة والتعليم عام 1329هـ ، وفي نفس العام اختير أستاذاً في دار العلوم مئو ، ثم غادر إلى بنارس ، حيث كانت مدرسة مظهر العلوم ، فقام فيها بتدريس الكتب المنقولة والمعقولة ، ثم رجع إلى مدرسة مفتاح العلوم ، ودرّس فيها إلى مدة ، وقد دعاه الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي لتدريس صحيح البخاري في دار العلوم لندوة العلماء ، فاستجاب دعوته وقام بتدريس صحيح البخاري ، وقد كانت علاقة الشيخ أبي الحسن الندوي بالشيخ الأعظمي قويةً ، جرت بينهما مراسلات في أمور علمية وتحقيقية ، وخاصةً في طباعة مجمع بحار الأنوار من دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد ، وهذه الرسائل العلمية طبعت في مجموعة رسائل الشيخ أبي الحسن الندوي في الجزء الرابع ، وهي في خمس وعشرين صفحة .
كان الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي معجباً بمؤلفات الإمام الطحاوي والإمام ابن حجر العسقلاني في علم الحديث ، كما كان له شغف زائد ببحوث الإمام ابن همام وابن عابدين ، وقد سافر أول مرة للحج والعمرة عام 1950م ، كما سافر طلباً لعلم الحديث إلى الكويت وبيروت ودمشق والبحرين ، وقد رافقه الأستاذ ضياء الحسن الندوي في هذه الرحلة ، وكان اشتغاله بعلم الحديث كثيراً ، وقد قام الشيخ الأعظمي بتدريس صحيح البخاري في دار العلوم لندوة العلماء لسنتين عام 1956م و 1957م ، وأخذ الشيخ الأعظمي التربية الروحية من العالم الرباني أشرف علي التهانوي ، وكان كثير الصلة به ، وبعد وفاته راجع الشيخ وصي الله الفتحفوري رحمهم الله جميعاً .
يعد الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في طليعة العلماء وكبار المحققين الذين كانوا حجةً في الأوساط العلمية والحديثية ، ويكفي لمعرفة درايته بالحديث ذكر مؤلفاته وكتبه النادرة حول علم الحديث ، وقد قام بتحقيق هذه الكتب حسب منهجية البحث الحديث ، ونشرها من دور العلم المعروفة ، نذكر على سبيل المثال : مسند الحُميدي في مجلدين ، وكتاب الزهد والرقائق ، وسنن سعيد بن منصور في مجلدين ، والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ومصنف عبد الرزاق ، ومجمع بحار الأنوار للعلامة محمد طاهر الفتني ، ورسالة التوسل ، وتعليقات كتاب الثقات لابن شاهين ، والإتحافات السنية لذكر محدثي الحنفية ، والحاوي لرجال الطحاوي ، كما نشرت مقالاته العلمية في مجلات الهند : أمثال مجلة معارف أعظم كراه ، ومجلة برهان دهلي ، ومجلة دار العلوم ديوبند ، ومجلة العدل كجرانواله ، ومجلة الفرقان بريلي ، ولكناؤ ، ومجلة البلاغ ممبئي ، ومجلة النجم لكناؤ ، وكانت له براعة فائقة باللغة العربية ، فنشرت مقالاته في المجلات العربية ، وخاصةً في مجلة البعث الإسلامي ندوة العلماء ، لكناؤ ( الهند ) .
ألف الشيخ الأعظمي مؤلفات قيمةً دحضاً لأباطيل وتُرَّهات المنحرفين من الناس ، فكان تأليف ” نصرة الحديث ” في رد منكري الحديث ، و ” رفع المجادلة ” في رد الشيعة ، و ” النذر لأولياء الله ” في رد أهل البدع ، وله رسائل وكتيبات أخرى ، تدل على علو كعبه في العلوم والفنون .
وقد أنشأ الشيخ الأعظمي عام 1980م المعهد العالي للدراسات العليا في الحديث لتربية الطلاب المتخرجين من المدارس الإسلامية ، كما أنشأ بجانبه مدرسة مرقاة العلوم ، فهذان المركزان ظلا مستمرين في خدمة العلوم الإسلامية بتخريج الدفعات الطلابية ، ومدرسة مرقاة العلوم نشيطة الآن في خدمة الدين ، يرأسها نجله الشيخ رشيد أحمد الأعظمي .
عاش الشيخ الأعظمي طويلاً ، فوقف حياته كلها للأعمال العلمية والتحقيقية ، وكان من رفاقه المخلصين الشيخ محمد أيوب الأعظمي والشيخ عبد اللطيف النعماني ، فإنهم جميعاً قاموا بتدريس كتب الحديث الشريف في مدرسة مفتاح العلوم ببلدة مئو ، وقد انتخب الشيخ الأعظمي عضواً في المجلس التشريعي لأترابراديش ( الهند ) عام 1952م ، وظلت عضويته لمدة خمس سنوات ، وقد مُنح جوائز علمية تقديراً لأعماله العلمية والتحقيقية ، منها جائزة رئيس جمهورية الهند .
وكان من أبرز تلامذته وأحبائه الشيخ الجليل محمد منظور النعماني منشئ مجلة الفرقان ، لكناؤ ، والدكتور سعيد الأعظمي الندوي ( مدير دار العلوم لندوة العلماء ) ، الذي كتب بعد وفاته مقالاً مسهباً باللغة العربية حول سيرته وأعماله ، وطبع باسم : ” محدث الهند الكبير الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ” من الهند ومن سوريا ، بمقدمة المحدث الدكتور نور الدين عتر من جامعة دمشق ، والأستاذ المفتي ظفير الدين المفتاحي ، والأستاذ ناصر علي الندوي ، الذي درّس صحيح البخاري في دار العلوم ندوة العلماء حوالي 17/ عاماً ، وقد استجاز منه في علم الحديث المحدث المحقق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من علماء الشام ، وهو يعترف بكل سخاء وأريحية ببراعة الشيخ الأعظمي في علم الحديث :
” العلامة المحدث البارع الفقيه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي صاحب التعليقات البديعة والتحقيقات النادرة ، العالم بالرجال والعلل وتعليقاته السنية على سنن سعيد بن منصور ، والزهد لابن المبارك ، ومسند الحميدي واستدراكاته على الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد ، ثم تعليقاته الحافلة على مصنف عبد الرزاق الذي يطبع الآن بعون الله ، كلها تنطق بسمو فضله وبسطة يديه في هذا العلم الشريف ” . ( فقه أهل العراق وحديثهم ص : 82 ) .
كما استجاز منه شيخ الأزهر عبد الحليم محمود ، والشيخ محمد علوي المالكي والشيخ بهجة البيطار ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، وشيخ الحرم محمد أمين الكتبي المكي ، وعدد من العلماء وأهل الدعوة والتربية .
كتب الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى مقالاً عن الشيخ الأعظمي بمناسبة وفاته ، قال فيه : ” حدثت بوفاته ثلمة لا ترتق إلى مدة قريبة ، إلا بإذن الله تعالى ، يشعر بهذه الخسارة كل من ينتمي إلى طبقة العلماء ، وخاصةً هذه الخسارة كبيرة بالنسبة إلى شبه القارة الهندية ، ذلك لأنه قد نشأ هنا ضعف وانحطاط في أخذ علم الحديث ، والإتقان فيه ، وكان مما امتاز به المحدث الأعظمي رحمه الله تعالى هو أنه يوفق بين الروايات والأحاديث المختلفة ، وقد أثبت ببعض بحوثه أن الفقه الحنفي لا يعارض الكتاب والسنة ، ولا ينحصر على القياس والفطانة ، وكان مصدره الآيات القرآنية الحديث الحديثية ، فكانت وفاته مبعث حزن كبير لجميع العلماء ، أضف إلى ذلك خلقه المثالي ، وتفرسه لأوضاع العالم ، وقلقه الشديد لأحوال العالم الإسلامي ، هذه كلها عناوين جلية لحياته العلمية والدينية ، ففقد العالم الإسلامي بوفاته قائداً محنكاً ، وعالماً جليلاً ومحدثاً عظيماً ” . ( مجلة المآثر ، عدد خاص بالمحدث الكبير ، ص : 20 ) .
انتقل الشيخ الأعظمي إلى رحمة الله تعالى عام 11/ رمضان 1412هـ ، المصادف 17/ مارس 1992م ، فكانت وفاته خسارةً كبيرةً في أوساط علم الحديث الشريف ، غفر الله تعالى له ، وأعلى مكانته في جنات الفردوس ، ووفق العلماء وأهل العلم للاستفادة من مؤلفاته وتحقيقاته . إنه سميع قريب .