برنامج زوم وتفاعلاته في النشاطات التعليمية
مايو 3, 2021قضية فلسطين : هل لها من حل ناجع ؟
يوليو 13, 2021صور وأوضاع :
فكرة الهيمنة العالمية وعاقبتها الوخيمة
محمد فرمان الندوي
الهيمنة العالمية نظرية دكتاتورية ، وفكرة جائرة ، تبتدئ من طريقة مخزية ، وما زالت عاقبتها وخيمةً ، ونهايتها سيئةً ، فكل شخص ارتفع عن مكانته ، أو تظاهر بكبريائه سامه الله خسفاً وذلاً ، وعاش بين الناس مهاناً وذليلاً ، لكن من آمن بتوحيد الله تعالى وصدَّق بمجده وجبروته وتخلق بأخلاق الله ، بكل اقتناع وبصيرة ، جعل الله له رفعةً ومكانةً ساميةً سامقة الذرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحداً منهما قذفته في النار ( رواه أبو داود : 4090 ) ، وقال تعالى : ” وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ” ( الجاثية : 37 ) .
أبشع صورة للهيمنة العالمية :
توجد دعائم الهيمنة العالمية من وجود الإنسان ، وتظهر آثارها حيناً لآخر على هذ ه الأرض ، وقد عرفت الدنيا الملوكية والإمبراطورية منذ زمن قديم ، فكان الملوك والأمراء القدامى قبل الإسلام يعاملون العبيد والإماء معاملة الذل والهوان ، وقد بلغت قساوتهم إلى حد أنهم يضيئون بجثث العبيد الأعراس ومحافل الزواج ، ويعقد بعض الناس الضعفاء بعمود ثم يتمرنون على الرماية بإصابة النبال إلى عيونهم ، لكن الإسلام استبدل هذه الاستراتيجية باقتحام العقبة وهو فك الرقبة ، وقبح هذه العملية أشد تقبيح ، ومعلوم أن الله تعالى جعل الإنسان خليفةً ، وكانت خلافته في الأرض لتطبيق قانون الله تعالى ، لا الاستبداد برأيه أو الانفلات وراء الشهوات ، وفرض سيطرته على بني جلدته ، والخلافة في الواقع إما تكون بموت أحد أو بمرضه أو بغيبوبته ، ولا يمكن ذلك ( الموت والمرض والغيبوبة ) إزاء الله تعالى ، فعلم منه أن خلافة الإنسان هي خلافة تشريفية وتقديرية ، رفع الله بهذه النسبة مكانة الإنسان ، وأعلى شأنه ، وقد شرح الإمام ولي الله الدهلوي خلافة الإنسان هذه شرحاً وافياً ، وهو يقول : الخلاقة قسمان : خلافة ظاهرة ، وهي إجراء نظام الله تعالى على هذه الأرض ، وتكوين أجواء صالحة لأداء الأركان الخمسة والحقوق والواجبات ، أما الخلافة الباطنة فهي تزكية الروح وتصفية القلب ، وشحن بطاريته بالتقوى والصبر والشكر والتوكل على الله ، فكان الأنبياء عليهم السلام أصدق نموذج لهذه الخلافة على وجه الأرض ، لا يريدون إلا الإصلاح ، ولا يتوخون من خلال دعوتهم إلا إعداد الأجيال على أسس سليمة من الإيمان والإسلام .
الهيمنة وعاقبتها الوخيمة :
وقد نشأت شرذمة قليلة بسبب النفس الأمارة بالسوء ، نادت بأعلى صوتها : من أشد منا قوةً ، ونحن أولو قوة وأولو بأس شديد ، وأنا ربكم الأعلى ، وأنا أحيي وأميت ، تباً لك ، ألهذا جمعتنا ؟ وكان هؤلاء كلهم في زمن الأنبياء عليهم السلام ، لكن عذاب الله نزل على هؤلاء ، فلم يبق لهم الآن عين ولا أثر ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين ، وقد شهد التاريخ أن بعضاً من هؤلاء كانوا قد ربطوا علاقتهم بالله تعالى ، وآمنوا به وأسندوا جميع أمورهم إليه ، فجعلهم الله تعالى ملوك الأرض ، وذكر ابن كثير رحمه الله : أربعة من الناس كانوا ملوك الأرض : اثنان من المسلمين ، وهما سليمان عليه السلام ، وذو القرنين ، واثنان من المشركين : نمرود وبخت نصر ، ( قصص الأنبياء لابن كثير : 176 ، طبع دار الكلمة ، مصر 1997م ) ، أما المسلمون فخلدت أسماؤهم خلود الزمان ، وأما المشركون فما بكت عليهم السماء والأرض ، وما كانوا منظرين .
كان بنو إسرائيل أمةً مختارةً من الله سبحانه وتعالى ، أفاض عليها نعماً كثيرةً وآلاء جسيمةً ، وجعلهم ملوكاً ، بعث الله تعالى في أسرهم أنبياء ورسلاً كثيراً ، لكنهم رفضوا دعوة الأنبياء ، حتى قتلوهم فأنزل الله عليهم عقاباً من عنده ، فجعلهم قردةً وخنازير وعبدة الطاغوت ، ونزع الله منهم الخلاقة الأرضية وفوض إلى الأمة المحمدية ، فظل بنو إسرائيل مناوئين لهذه الأمة ، ولا يزالون يمكرون لها مكراً ، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ، لكن الله حفظها من كيد الكائدين ومكر الماكرين ، وفضح فكرة اليهود للمحبوبية والمرضية عند الله تعالى ، وكونهم الشعب المختار من بين الأمم ، وأذاقهم العذاب مرتين : مرةً بيد الملك بخت نصر ، ومرةً أخرى بالملك الرومي .
عاش التتار في القرون الماضية حياة القتل والنهب ، والاستيلاء على أراضي المسلمين ، وكانت جيوشهم الجارفة تسيل كالسيول والفيضانات ، لا تترك وهاداً ولا نجاداً إلا قد استولت عليها ، وساد الناس الذعر والهلع ، وقد عاثوا في الأرض فساداً يجعل الحليم حيراناً ، وقد كتب المؤرخ الشهير ابن الأثير الجزري : ” يا ليتني لم تلدني أمي ، ويا ليتني كنت نسياً منسياً قبل هذا ” ، لكن هذا القهر والجبروت لم يستقر أمام غلبة الإسلام ، وخضع هؤلاء أمام المسلمين ، وصاروا من حماة الإسلام ودعاته إلى الله تعالى .
فكرة الهيمنة العالمية في العصر الحديث :
ملكت نظرية الحاكمية المطلقة كلاً من إستالين وهتلر ومسوليني ، وقد استخدموا كل طريق من طرق الغلبة والاستيلاء على العالم ، وأرادوا أن يجعلوا الدنيا جنةً ونعيماً خالداً لهم ، يعيشون فيها إلى أبد الآباد ، ويرث أولادهم هذه الحكومات إلى ما شاءوا ، ويتنعمون بمتاع الدنيا ، لكن الوثائق التاريخية تشهد أن إستالين الذي حكم عقدين من الزمان مات بانفجار وعاء دموي في دماغه ، غارقاً في بوله ، وسجن موسوليني وقضي في السجن على حياته ، ولاذ هتلر بالفرار ولم يكن له بد من أن ينتحر نفسه ، فانتحر نفسه بإطلاق النار على نفسه ، هذا كله في القرن العشرين الميلادي .
العولمة وصلتها بالهيمنة :
ظل الاستعمار الأوروبي إلى قرون يستعمر البلدان ، ويقيم فيها معسكرات ومخيمات أوروبيةً ، وقد اتسع هذا النظام إلى قارات ، حتى جرى على لسان الناس أن شمسه لا تأفل في دولها ، وستظل حكوماته قائمةً إلى الأبد ، لكن شهد العالم أن الاستعمار قد تفكك إلى دويلات وحكومات مستقلة ، وطوي بساط الاستعمار الأوربي ، وانحسر ظل أوربا إلى عدة مدن وبلاد ، ثم جاء دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي ، وانقسم العالم إلى معسكرين سياسيين : الاتحاد السوفياتي ، والاتحاد الأمريكي ، ولم يلبث أن الاتحاد السوفياتي قد تبعثر كحبات المسبحة ، وأصبح قصةً تُحكى وتُروى ، وقد نشأت فكرة العولمة في القرن العشرين الميلادي أيضاً ، قال الإخصائيون : العولمة في الواقع الأمركة ، وهو الاستعمار بثوب جديد تشكله المصالح الاقتصادية ، وقال آخرون : العولمة : هي الصهينة ، وقد قال الدكتور محمد إقبال : ” أيها المسلم ! ليس علاجك في جينف أو في لندن ، بل اعلم بكل ثقة أن الإنجليز يحكمهم الصهاينة ، وهم يديرون نظام العالم كله ” .
الحاكمية المطلقة لله تعالى :
ولا شك أن نظام العالم اليوم تحت أكبر قوة ، وهذه القوة كما تشاء تدير الحكومات ، سواءً كانت في آسيا أو في إفريقيا ، في أوربا أو في أمريكا ، وقد سادت صور وأوضاع في العالم يلوح من خلالها أن وراء الستار دمية ، يديرها أيد خفية ، فمهما شاءوا كان فرض الحظر في المدن ، ومهما شاءوا كان الإغلاق العام ، والإفقال الشامل ، وقد سيطرت الآن على العالم السلالة الجديدة لمرض كورونا ، وهو أشد فتكاً وأكثر إضراراً بالناس من قبل ، فتجري الأموات والإصابات مرةً تلو أخرى ، والناس بين خوف وذعر شديدين ، وليعلم أن الحاكمية المطلقة والهيمنة العالمية ليست إلا لله سبحانه ، فكل من يحلم بها في هذه الحياة الدنيا ، فكأنما رأى حلماً في منام ، ولا يتحقق هذا الحلم بإذن الله تعالى على أرض الواقع أبداً ، ويقع حالمه فريسةً للذل والهوان ، وقد بشر بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، وحتى يقول الحجر وراءه اليهودي : يا مسلم ! هذا يهودي ورائي فاقتله ، إلا الغرقد ، فإنه من شجر اليهود . ( متفق عليه ) .