الشيخ الفيلسوف عبد الباري الندوي المولود في 1889م – المتوفى في 1976م

أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام )
مايو 3, 2021
أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الثانية )
يونيو 2, 2021
أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام )
مايو 3, 2021
أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الثانية )
يونيو 2, 2021

رجال من التاريخ :

الشيخ الفيلسوف عبد الباري الندوي

المولود في 1889م – المتوفى في 1976م

بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

تعريب : محمد فرمان الندوي

كان الشيخ الفيلسوف عبد الباري الندوي في أوائل خريجي      دار العلوم لندوة العلماء ، الذين كانوا جامعين بين علوم الدين ومتطلبات العصر الجديد من علم راسخ ولغة مؤثرة ، وكان  في زملائه العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله تعالى ، وكان كلاهما رغم علو كعبهما في العلوم الدينية والعلوم العصرية يتصلان بالإمام أشرف علي التهانوي ، ويستفيدان منه في الجانب الروحي بوجه خاص ، حتى أصبحا من ناشري أفكاره وعلومه .

قام الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله برد الفكرة الشائعة بين الطبقة المثقفة أن لا علاقة بين الدين والعلوم العقلية ، فقد أثبت علاقة الدين بالعلوم العقلية ، درس الشيخ عبد الباري الندوي أثناء دراسته هذا الموضوع دراسةً واعيةً ، حتى فند الآراء الخاطئة لهذه العلوم بدلائل ساطعة .

كانت الفلسفة اليونانية ينبني على العقلية التي تتصادم مع فكرة الإسلام العقدية والدينية ، لكن العرب بعد اختلاطهم بالعجم أقبلوا عليها ، وأعجبوا بها ، فاستعانوا بها في بعض جهودهم العلمية ، فدخلت الفلسفة اليونانية واتجاهاتها في علوم العرب ، ثم نشأت بتأثيرها خلافات بينها وبين علوم القرآن والحديث ، فدحض الإمام الغزالي وأئمة الفكر الإسلامي الآخرون هذه الآراء القادحة ، وردوا عليها رداً عنيفاً .

وفي العصر الحديث حينما تغافل المسلمون عن العلوم الطبيعية ، وبدأ ت أوربا تتطور وتتقدم باستعانة من علوم العرب ، وحاولت كشف أسرار ودقائق للحياة ، كانت تتصادم مع الدين ، وفصلت الدين من حقائق الحياة ، فشعر الطلبة المسلمون الدارسون لهذه العلوم  بضآلة الدين والعلوم الإسلامية ، وفتح ذلك طريقاً إلى الإلحاد والزندقة ، وكان ذلك تحدياً سافراً للإسلام والمسلمين  فقام الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله الذي درس العلوم الدينية والعلوم الطبيعية والفلسفة الغربية ، وأحرز فيها مكانةً ساميةً بين أقرانه ، أثبت جدارة الإسلام وتفوقه على العلوم بكل قوة ، وأعلن بإلغاء هذه الفكرة : أن الدين تتعارض العلوم    الطبيعة ، فتأثر به المثقفون وأهل الدراسات الواسعة ، حتى اعترفوا بالحقائق والأفكار التي يمنحها الإسلام أتباعه ، وقد ألف الشيخ       عبد الباري الندوي رحمه الله تعالى كتباً ومؤلفات عديدةً في هذا الموضوع ، كسبت قبولاً عاماً في الأوساط العلمية ، منها الدين والعلوم الطبيعية ، والدين والعلوم العقلية ، وهذا الكتاب الأخير ألف حينما دخل في مرحلة الكهولة ، وكان مشهوراً بين الناس ، وقد قرأ هذا الكتاب الإمام أشرف علي التهانوي فقال : هذا الكتاب قلعة حديدية للدين ، قام بتعريبه الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، وصدرت له طبعات عديدة ، يقول الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي  رحمه الله عن هذا الكتاب :

” كان كتاب ” الدين والعلوم العقلية ” محاضرة باللغة الأردية للأستاذ عبد الباري ألقاها أمام علماء مثقفين وجامعيين ، ثم نقله العزيز واضح رشيد الندوي إلى اللغة العربية ، ونشر في مجلة البعث الإسلامي الصادرة من ندوة العلماء ، ثم طبع الكتاب في مصر ، ونال القبول    العام ، وتظهر الآن الطبعة الجديدة بعد مراجعة وتحقيق ، أسأل الله أن ينفع به المسلمين ويهدي به الحيارى والتائهين ، والله يهدي السبيل ، ويسرني أن تصدر الطبعة الثانية من دار ابن حزم ، بيروت ، وينال الكتاب مكانته اللائقة ليس في المكتبات ودور الكتاب فحسب ، بل في الأوساط العلمية والثقافية، وفي أذهان الناشئة الإسلامية والجيل المثقف ، والباحثين في موضوع الفلسفة والدين ، فإنه من البحوث المثيرة المغذية للعقول بالغذاء الصالح الدسم الصحيح ، ويقضي على كثير من المغالطات والارتجالات الفكرية والمزالق الذهنية ، على الله  قصد السبيل ، وما التوفيق إلا بالله ” . ( مقدمة الكتاب ، طبعة لكناؤ ، 1408هـ ) .

وكتب في موضع آخر عن هذا الكتاب :

” استفدت من دراسة هذا الكتاب قطعية علوم الأنبياء ، وقرأت كل ما ألف قديماً وحديثاً في هذا الموضوع ، ولكن التصور الأساسي الذي اقتبسته من كتاب الدين والعلوم العقلية كان دائماً يرشدني ، ولم يزعزع عقيدتي وفكري ” . ( شخصيات وكتب : 141، طبعة دار القلم ، دمشق 1990م ) .

وقد اتصل الشيخ عبد الباري الندوي رغم تضلعه من العلوم الحديثة بالإمام أشرف علي التهانوي للتربية الروحية ، ثم جعل يقدم أمام الناس علومه ومعارفه الباطنة في أسلوب عصري ملائم لأهله ، وألف حول ذلك كتباً ، ومؤلفات ذكر فيها أسرار التزكية وحقائق الإحسان وشرحها شرحاً وافياً زالت بدراستها الشبهات والشكوك التي تثور في أذهان أهل الحق ، فقد قام الشيخ عبد الباري الندوي في هذا الجانب بعمل التحقيق التجديدي ، وذلك من نشر كتاباته حول المعرفة الصحيحة للدين ، أخص بالذكر هنا كتابين له : تجديد دين كامل وتجديد تصوف وسلوك ، وقد ترجمتُ هذا الكتاب الأخير  باللغة العربية ، وطبع  هذا الكتاب من البلدان العربية باسم : بين التصوف والحياة ، ومن الهند باسم المنهج الإسلامي لتربية النفس .

نال الشيخ عبد الباري الندوي عمل البحث والتحقيق من أستاذه العلامة شبلي النعماني ، وكان يعترف بفضله على نفسه ، فقد استعمل الشيخ عبد الباري الندوي موهبته هذه في تطبيق الفلسفة الطبيعية على الاتجاهات الإسلامية ، كما استعملها لشرح علوم التزكية والإحسان ،  فكانت مكانته بين عظماء الفكر والتحقيق رفيعةً ، لم يدرس في يوم من الأيام في مدرسة عصرية أو جامعة ، لكنه درس العلوم الحديثة  بنفسه ، والتحق بالجامعات العصرية كأستاذ ومدرس ، وأثبت هناك مهارته العلمية .

ظل الشيخ عبد الباري أستاذاً في كليات عديدة ، ثم انتقل إلى الجامعة العثمانية بحيدرآباد بناءً على مهارته العلمية ، وقد قدم الشيخ حبيب الرحمن الشرواني وزير الأمور الدينية في إمارة حيدرآباد كتابه : الدين والعلوم العقلية إلى نظام حيدرآباد ، بعد ما أثار بعض الناس الاعتراضات حول مؤهلاته العلمية : إن شهادته هذا الكتاب ، وقد أسلمت الفلسفة على يديه .

وقد ألف الشيخ عبد الباري الندوي كتباً ومؤلفات منها : مبادئ العلم الإنساني ، وسيرة بركلى وفلسفته ، ومعجزات الأنبياء والعقل الجديد ، ومحتويات علم النفس ، ودروس من الحياة ، وستة كتب من التجديد لأفكار الإمام التهانوي ، وكان من زملائه العلامة السيد سليمان الندوي ، والشيخ مناظر أحسن الكيلاني والمفسر عبد الماجد الدريابادي ، والشيخ الطبيب السيد عبد العلي الحسني ، وقد استفاد منه الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والمحقق الدكتور حميد الله     ( نزيل باريس ودفنيها ) وكثير من الأساتذة والطلاب .

وكتب عنه العلامة السيد سليمان الندوي الذي أكمل كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم باللغة الأردية لأستاذه شبلي النعماني في سبعة مجلدات :

” لا يوجد في جماعتنا ، بل في جماعة العلماء من يباري الأستاذ عبد الباري الندوي ( أستاذ الفلسفة الحديثة بالجامعة العثمانية بحيدرآباد ) في معرفة الفلسفة الحديثة ، وقد أردنا خلال تدوين السيرة النبوية أن نتوخى المعجزات ونعالجها علمياً وعقلياً ، كان يقتضي هذا الموضوع أن تدرس القضايا التي أثارتها الفلسفة الحديثة وتعالج نكاتها ، فطلبنا من الأستاذ عبد الباري الندوي أن يكتب هذا البحث في ضوء علمه ومعرفته ، فاستجاب لطلبه ، وكتب بحثاً مستفيضاً أضيف إلى الكتاب ” . ( سيرة النبي ، ج 3 ، مقدمة الكتاب ) .

توفي الشيخ عبد الباري الندوي في 30/ يناير عام 1976م ، وكانت وفاته خسارةً كبيرةً للأوساط العلمية والدينية ، رحمه الله رحمةً واسعةً ، وغفر له زلاته ، وأدخله فسيح جناته ، وكان من أبناء الأستاذ شمس الباري ، والحاج فضل الباري ، والحافظ أحمد الباري والحاج عبيد الباري .

( ملحوظة : توفي هؤلاء الأبناء ، وانتقلوا إلى جوار رحمة الله   تعالى ، غفر الله لهم ورحمهم رحمةً واسعةً ) .