الشيخ محمد أنور شاه الكاشميري : في مسيرة الشعر العربي
مارس 31, 2021صفات شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه القيادية
مايو 3, 2021قراءة في موضوعات العلم والدين :
الموضوعات المشتركة
بين فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي : دراسة مقارنة
الدكتور السيد محامد الهاشمي *
إن مقالات الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي وموضوعاتهما الإسلامية والفكرية قد سايرت في حقول العلم والأدب والفكر والتاريخ والاجتماع والدين والسياسة والنقد . وكما أن محاور مقالات الشيخين الموضوعية المشتركة تشارك جميع القيم والتغيرات والأحداث التي عاشتها الأمة الإسلامية جمعاء وما زالت تعيش ، بحيث أصبح الأديبان لسان حال الأمة تعبيراً ودفاعاً عن الهوية الإسلامية والإنسانية والعروبة معاً .
إن المقالات التي قيدها الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي في موضوعات متنوعة هي فريدة في المضمون والشكل حيث توافرت فيها جميع الخصائص الأدبية ، وعناصر القوة والبيان ، والفكر والإبداع ، حتى تمتد جذورها إلى أغوار الحياة الإنسانية معنىً ومبنىً ، وتمتد إلى المستقبل رسالةً ونوراً .
يقوم الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي بمجهودات جادة مشكورة في مجال الأدب الإسلامي ، وما زالت ولا تزال تلعب أعمالهما العلمية والأدبية دوراً قيادياً في تطوير رابطة الأدب الإسلامي وإثرائها بالمؤلفات والمحاضرات والمقالات القيمة الداعية إلى جعل الأدب أدباً إسلامياً مقتبساً من الكتاب والسنة لا كمتطفل على مائدة الغرب .
تفانى الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي حياتهما في مجال الدعوة والتربية ، وبذل كلاهما النفس والنفيس في سبيلها ، ويتجشم كلاهما المتاعب في مجال الدعوة إلى الله والإسلام بطلاقة الوجه ورحب الصدر .
درس الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي دراسةً عميقةً أحوال العالم الإسلامي الدامية من خلال كتاباتهما ، وكان العالم الإسلامي تحت سيادة الاستعمار الغربي من النواحي كلها . قد اختفت وانهارت الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك ، واحتل اليهود القدس ، وزحفت القوات الصهيونية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس ، وتم استيلاء الغرب على الشرق آنذاك .
إن العالم العربي والإسلامي أصابتهما المصائب والمعاناة في كل مجال من مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية ، وقد اختفت كرامة الشعب الإسلامي وحريته .
بينما الشيخ محمد الرابع الندوي والشيخ محمد واضح رشيد الندوي لهما دور كبير وأثر عميق في توعية الشعوب الإسلامية وإيقاظهم من التخلف والجمود برسالاتهما الكتابية والخطابية ، ودعواتهما الفكرية والعاطفية ، ثم إنهما دعا العالم الإسلامي بأسره إلى التوازن بين الدين والدنيا والدولة .
الغزو الفكري عندهما :
لقد درس الغرب وضع العالم الإسلامي ، وعرف علماؤه ما هو عليه من موقع استراتيجي هام ، وروح معنوية عالية وعقيدة صحيحة تجمع أهله على كلمة واحدة ، وبدأ الغرب يفكر في تحطيم الشخصية الإسلامية عن طريق إضعاف الإيمان في قلوب أصحابها وتشكيكهم في عقيدتهم فظهرت مخططاتهم البشعة في شكل هجمات صليبية وحملات تبشيرية ودسائس صهيونية في كل عصر ومصر .
يشير هذان الشيخان إلى تلك الدسائس الغربية بأن كثيراً من أبناء المسلمين درسوا في الدول الغربية وتعلموا شتى الفنون كضرورة ملحة جديدة ، ولكن بعد أن رجع هؤلاء إلى بلدانهم لم يقف في وجوههم أي حاجز لرفع علم الحضارة الغربية في بلدانهم ، وبدأ هؤلاء ينفخون في أذهان المسلمين المبادي الغربية والعادات الاجتماعية ، فيقول الشيخ واضح الندوي بتعبيره هذا :
” كانت العشرينيات من القرن العشرين فترةً حاسمةً في تاريخ العالم الإسلامي ، فقد كانت القوميات تغزو الفكر في الشرق لتفكيك تصور الخلافة الإسلامية ، وقضاء الحضارة الغربية على ما تبقى من الحضارة الإسلامية ، بإحلال نظام ، نظام التعليم والتربية الغربي محل نظام التعليم الشرقي ، وقد عادت في هذا العهد أفواج من المثقفين المسلمين في الجامعات الغربية ليحتلوا مناصب النفوذ والتأثير الفكري في العالم الإسلامي ، وكان أول عمل قام به هؤلاء المثقفون الجدد الدعوة إلى التغريب ، وحيث إن هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا بالتشكيك في العقائد الدينية ، والمقررات التاريخية ، وإضعاف ثقة الأمة الإسلامية في ثقافتها واحترامها للشخصيات الإسلامية ، والأسس الاجتماعية ، شن هؤلاء الخريجون من المدرسة الأوربية وفي مقدمتهم الأدباء والكتاب المارونيون وأدباء المهاجر حملة شعواء على التراث ، والتاريخ والأدب واللغة ، وكان من الغريب المدهش أن هولاء الكتاب كانوا يظهرون أنفسهم دعاة العربية ، لكنهم كانوا يشنون حملة على حضارة العرب وتاريخهم وثقافتهم ” [1] .
ثم يشير الشيخ بصراحة عن دعوة الكتاب والأدباء إلى الحضارة الغربية في وقت كانت قد ظهر التمزق في جسم الأمة الإسلامية على الصعيد السياسي بتفتيتها إلى دويلات ، وإذكاء نار الفتنة داخلها ، وتشجيع الحروب الداخلية فيما بينها فيقول :
” كان هؤلاء الكتاب والأدباء يهاجمون الإسلام وحضارته في الوقت الذي كانت أكبر قوة إسلامية تحتضر ، وكان المجتمع الإسلامي في حالة انفكاك وتشتت ، منهار القوى بسبب تداعي كيانه ، والعواصف الهوجاء التي كانت تهب من أوربا ، فسارت حملةً علميةً ، وحضاريةً ، وأدبيةً ، ودينيةً ، لزحزحة الثقة في الإسلام وصلاحيته لمسايرة الزمان ، ولغرس تفوق الغرب في القلوب والأذهان والادّعاء بأن غلبة الإسلام وانتشاره كان حادثةً أو مصادفةً ، وأنه لم يعد يصلح لهذا الزمان ” [2] .
فألقى الشيخ الرابع الندوي الضوء الشامل على القوى الغربية كيف نجحت في تخطيطها بأن القوى الغربية سلكت لتنفيذ التربوية والتعلّمية على طريقين ، طريق مباشر متمثل في المعاهد والمؤسسات التبشرية وما تحمله من مغربات الدعاية ، وطريق غير مباشر متمثل في الصبغة التي اصطبغت بها المناهج التربوية في مختلف المدارس التعليمية ، وقد تمثل تمثل ذلك بالخصوص العقلية التي تشربت حب الحضارة الغربية افتناناً بها لا تفهماً لها ، فيقول بتعبيره هذا :
” ولكن أبناء هذه الأقطار كانوا قد نشأوا وتربوا تحت النظام التربوي الذي نقده الحكام الأجانب في هذه البلاد المغلوبة على أمرها وفق أهداف الاستعمار المخالفة لأهدافها الوطنية الشرقية والإسلامية .
فكانت مغادرة القوى الاستعمارية من هذه الأقطار مغادرةً عسكريةً واصطلاحيةً لأمد الحكومة الاستعمارية كانت قد أنشات فيها طائفة من رجال الفكر والسياسة لا تنظر إلى دول الغرب وحضارتها إلا بعين الإكبار والتمجيد ، بل كانت تضمر في نفوسها إيماناً بعظمتها وحقها وجدارتها بالسيادة في كل العالم ، وبقيت هذه الطائفة من أبناء البلاد مخلصةً للقوى الاستعمارية ” [3] .
وأضاف الشيخ محمد الرابع الندوي قائلاً عن الوسائل التي ضمنت تكريس الأساليب الاستعمارية المجتمعات الإسلامية بقوله :
” وحمل أفرادها مسئولية الحكم في البلاد أيضاً ، وأشرفوا على نظلم التربية والتعليم أيضاً فيها يصوغونها كما صاغتها القوى الغربية على المناهج الغربية فبقي تأثير القوى الغربية في أذهان الناشئة وعقولها في مجال الفكر والسياسة ، والاتجاهات الثقافية لهذه البلاد ، واستغلت القوى الاستعمارية هذا الوضع من خارج البلاد ، وتعاون معها المؤمنون بعظمتها وجدارتها السيادة الفكرية والسياسية والعملية من الداخل ” [4] .
فقدم كلا الشيخين حلولاً ناجعةً لهذه الأزمة والغزو الفكري بروح الأمانة الإسلامية التي تحتاج إلى بذل المجهودات المخلصة في ميادين العلم والعمل وتربية النفوس ، فيقول الشيخ الرابع الندوي :
” إن المسلمين في حاجة إلى العمل الصامت ، وإلى الإخلاص ، وإلى الإيمان الصامد ، وإلى تربية الفرد وإعداد قبل الكلام والإعلام ” [5] .
ويقول الشيخ واضح رشيد الندوي بهذا التوجيه النير :
” إن هذا الوضع ينذر بخطر جسيم للعالم الإسلامي ، ويتطلب مجهوداً جباراً لوقاية المسلمين من هذا الخطر ، وذلك بطريقين ، طريق التعليم والإعلام ، وطريق الدعوة وإصلاح المجتمع الإسلامي وتوعيته ” [6] .
الصحوة الإسلامية في الهند :
لقد كان الإسلام في سيره الطويل عرضةً لتحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ودخلت فيه البدع والأفكار المنحرفة ، وتسرب إليه الشرك والجاهلية عن طريق الأمم التي كانت تسلم .
فكان من توفيق الله أن يسر للأمة الإسلامية في كل عهد وبلد وخاصةً في الهند رجالاً دافعوا عن السنة ، وردوا العقائد الباطلة ، نفخوا في الإسلام روحاً جديدةً ، وأيقظوا في المسلمين ثقةً جديدةً ، وكانت عندهم لكل فتنة وظلمة يد بيضاء تبدد الظلمات وتنير السبيل .
فيشير الشيخ محمد الرابع الندوي بأن أرض الهند عامرة بمثل هذه الرجال وإنهم ساهموا في الدعوة الإسلامية مساهمةً لا بأس بها في كل عهد ، وهؤلاء الرجال ردوا العدوان على الإسلام في الهند وأقطار العالم الإسلامي الأخرى في كل عصر من عصور الاحتلال الغربي . فدافعوا عن الإسلام وردوا مطاعن أعداء الإسلام . فيقول الشيخ وهو يعبر عن ذلك :
” أما في شبه القارة الهندية فقد بذل علماء الإسلام جهودهم في هذا المجال ، فكان لها تأثير كبير في دعم الصحوة الإسلامية ، ويمكن أن نقسم جهودهم التي أحدثت تأثيراً وتغييراً إلى ثلاثة أقسام للعمل : وهي (1) جبهة نصرة الخلافة الإسلامية (2) جبهة تحرير البلاد (3) جبهة الجهود التعليمية والعلمية والتربوية الإسلامية ، وشبه القارة الهندية تملك أهميةً كبيرةً في العالم الإسلامي لأنها تشكل بالمسلمين من سكانها وحدهم نحو ثلث السكان من العالم الإسلامي كله ، ثم إنها غنية ومكتفية إلى حد كبير بوسائلها وخاماتها ومراكزها التربوية ونشاطاتها الإسلامية ، فلا بد أن تحتل في العالم الإسلامي مكاناً ذا أهمية وقيمة ، فحركة من الحركات الإسلامية تظهر فيها يسمح لها دوي في الخارج أيضاً ” [7] .
ويعبر الشيخ محمد واضح رشيد الندوي بقوله عن رجال أدّوا دوراً ملموساً في إيقاظ الصحوة الإسلامية في الهند وتركوا بصمات واضحة خارج الهند أيضاً وأنهم سموا أصحاب الروح ، وعازفين عن الشهوات ، ومتفانين في المبادئ والعقائد :
” أسهمت الهند في الدعوة الإسلامية ، وصد الغارة العلمية والسياسية على الإسلام والمسلمين إسهاماً كان له تأثير جوهري على الاتجاه الفكري ليس في الهند فحسب بل في العالم كله . فقد أنجبت الهند أفذاذاً من الكتاب ، والعلماء والباحثين والشعراء والأدباء ، والساسة الذين تصدوا للمعركة الأدبية والعلمية ، وردوا العدوان على الإسلام الذي كان يصحب الحكم الأجنبي في الهند وأقطار العالم الإسلامي الأخرى في كل عصر من عصور الاحتلال الغربي ، وألف هؤلاء الكتاب كتباً تمتاز بأسلوبها العصري وتأثيرها الأدبي والفكري في الرد على مطاعن المستشرقين والمستبشرين الذين انبثوا في أقطار العالم كله للتنصير أو للاستعباد الفكري ، أو على الأقل لبث الردة الفكرية في المسلمين وخلق تقديس الغرب وقادته في قلوب الجيل الجديد ” [8] .
ومن هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين جددوا الفكر الإسلامي ، وأثاروا الحماس في نفوس المسلمين لإعادة مجد الإسلام ثانيةً . الدكتور محمد إقبال وأكبر إله آبادي ومولانا محمد علي جوهر والعلامة شبلي النعماني والعلامة السيد سليمان الندوي وغيرهم ، فيقول الشيخ محمد الرابع الندوي بتعبيره هذا :
” وفي مقدمتهم من تركت جهودهم أثراً كبيراً في هذا الصدد ، الصحافي المسلم الغيور ظفر علي خان ، والزعيم الإسلامي المعروف مولانا محمد علي جوهر ، والباحث المؤرخ الإسلامي العلامة شبلي النعماني ، والشاعر الفيلسوف المسلم الدكتور محمد إقبال ، والزعيم مولانا أبو الكلام آزاد ، والشاعر أكبر إله آبادي ، فإن هؤلاء وأمثالهم أثروا بخطبهم ومقالاتهم وشعرهم على عقول الشباب والكهول ، وأثاروا فيهم وعياً إيجابياً للأوضاع وشعوراً بضرورة استعادة المجد الغابر ” [9] .
فيقول الشيخ محمد واضح رشيد الندوي عن الصحوة الإسلامية الحديثة ، وقد شاركت فيها كل قطاعات الأمة الإسلامية على اختلاف وتباعد الجغرافيا بينهم ، وخاصةً أسهمت الهند ورجالها إسهامات جادةً في التوعية الإسلامية على مدار العالم بأجمعها :
” فدافع علماء الهند والأدباء عن الإسلام وردوا مطاعن أعداء الإسلام ، وكشفوا زيف الحضارة الغربية ، وقد كان الدكتور محمد إقبال ، وأكبر إله آبادي ، ومولانا محمد علي جوهر من خريجي مدارس الثقافة الغربية في مقدمة الذين ثاروا عليها وسخروا الأدب للدفاع عن الحضارة الإسلامية وللهجوم على الغرب ، وكشف العلامة شبلي النعماني والعلامة السيد سليمان الندوي زيف ” الموضوعية ” المزعومة للمستشرقين ، واستهدف الشيخ عبد الماجد الدريابادي كذلك الحضارة الغربية بالنقد العلمي حيناً ، وبالتكذيب والتبكيت حيناً آخر في أدبه وصحافته ، وقاد هؤلاء الكتاب جماعة الدفاع عن الإسلام والهجوم على أعدائه علمياً وأدبياً ، وعكفوا على إعادة الثقة في الإسلام وصلاحيته للقيادة ، ونوهوا بتاريخه المجيد ” [10] .
دور ندوة العلماء بين الأمة الإسلامية :
يذكر الشيخان عن الأهداف والأغراض وراء تأسيس دارالعلوم التابعة لندوة العلماء بأن المسلمين في الهند بين طائفتين : طائفة قد آمنت بالعلوم الغربية بالغيب ، وآمنت بعصمة الغربيين في علومهم ، وبسيادتهم وأماناتهم في كل شيئ ، وطائفة قد آمنت بعصمة العلماء المتأخرين في منهاج درسهم وتربيتهم للكتب ، لا يرون عنه بديلاً ولا يجدون عنه محيصاً .
أدرك هذا الخطر رجال من أهل الدين المتين والعلم الراسخ والنظر الثاقب ، في مقدمتهم العالم الكبير والشيخ الصالح مولانا السيد محمد علي المونكيري رحمة الله عليه وكثير من أصحابه ، واجتمعوا وشاوروا في الأمر ، وبحثوا في مسائل التعليم الديني ومستقبل المدارس العربية وشئون المسلمين الاجتماعية والخلقية ، وصحت عزيمتهم على تأسيس جمعية دينية علمية تعنى بمسألة التعليم الديني وإصلاح المسلمين الاجتماعي الخلقي ، والجمع بين طبقات المسلمين عامةً وطبقات العلماء وأحزابهم خاصةً . ووصلوا إلى نتيجة أن هذه الأهداف لا تتحقق إلا إذا أسسوا مدرسةً خاصةً تكون مثلاً عملياً للمدارس الأخرى .
فيقول الشيخ محمد الرابع الندوي مشيراً إلى تلك المجهودات التي بذلها القائمون خلال تأسيس دارالعلوم ندوة العلماء بتعبيره هذا :
” ندوة العلماء جمعية إسلامية أهلية عامة ، أنشئت في السنة العاشرة من القرن الرابع عشر الهجري ، في حفلة عقدها كبار علماء الإسلام في شبه القارة الهندية للتشاور في ظروف المسلمين السائدة وأوضاعهم الراهنة ، حين اشتدت وطأة الاستعمار الإنجليزي عليهم ، وأصبحت المدنية الغربية الزاحفة إلى الشرق ، تبهر عيون السذج والطبقة المتعلمة منهم ، وفي نفس الوقت كان رجال العلوم الدينية في جدال وعراك على خلافاتهم الفقهية ، واختلافاتهم المذهبية ، غير مبالين بالأخطار المحدقة بالإسلام والأمة الإسلامية .
وبعد ما تشاوروا وتباحثوا في ندوتهم الخاصة وصلوا إلى قرار بإنشاء جمعية عامة باسم ” ندوة العلماء ” تهدف إلى إصلاح المناهج التعليمية ، ووضعها وضعاً لائقاً بحاجة الأمة الإسلامية في ظروفها المتجددة ، كما كانت تهدف إلى السعي لجمع كلمة المسلمين ، وحثهم على تناسي الخلافيات الجزئية بينهم ، وتهدف إلى خدمة الفكر الإسلامي وتطويره لمواجهة الأوضاع الحديثة والقيام بالدعوة بطرق مجدية ” [11] .
وأما الشيخ محمد واضح رشيد الندوي يلقي ضوءاً على أغراض تأسيس ندوة العلماء ، فهو يقول :
” وصحت عزيمتهم على تأسيس جمعية دينية تعنى بمسألة التعليم الديني ، وإصلاح المسلمين الاجتماعي والخلقي ، والجمع بين طبقات المسلمين عامةً ، وطبقات العلماء وأحزابهم خاصةً ، وهذه الجمعية هي ندوة العلماء . أسست ندوة العلماء لتحقيق أهدافها ” مدرسة دارالعلوم ” لتكون نموذجاً عملياً للمدارس الأخرى ” [12] .
وأضاف الشيخ محمدالرابع الندوي قائلاً بأن دارالعلوم التابعة لندوة العلماء فازت في مراميها وأنجبت في مدة قليلة رجالاً هم خير مثل للعالم المسلم العصري ، ولهم آثار جميلة خالدة في الأدب الإسلامي وعلم التوحيد لأهل العصر الجديد والسيرة النبوية والتاريخ ، فاتبع كثير من المدارس أسلوب ندوة العلماء وبدأوا يقتفون بآثاره ويسلكون على غراره فيقول .
” فقد استطاعت ندوة العلماء أن تحقق أملها في ذلك عن طريق أكاديميات البحوث العلمية ، والمكتبات العامة ، ودور النشر التي أنشأتها جمعية ندوة العلماء بنفسها ، أو أنشأها أبناؤها بصورة مستقلة على فكرتها . . . ولقد أثرت دعوة ندوة العلماء وخدماتها في الجانب الفكري والدعوي على رجال العلم والآخرين خارج محيط ندوة العلماء أيضاً ، فقد اتبع عدد منهم أسلوب ندوة العلماء ، وساروا على منهجه في ذلك ” [13] .
ويشير الشيخ محمد واضح رشيد الندوي إلى الجهود المكثفة التي بذلتها ندوة العلماء ، ولعلماء هذه الدار فضل وجهود ملموس على المجتمع الهندي خاصةً وعلى العالم عامةً . ثم يقول : إن دارالعلوم فازت في أهدافها وأغراضها التي أسست لأجلها ، فهو يقول :
” وواجهت ندوة العلماء في البداية معارضةً شديدةً لمنهجها من الأوساط المتمسكة بالمنهج القديم ، إلا أن ندوة العلماء تغلبت على العقبات الأولى من المعارضة من الأوساط المتخلفة ، وأصبحت في مدة قليلة أسوةً للمدارس الكثيرة ، وفتحت مدارس جديدة تؤمن بنظرية التعديل في الدرس النظامي ، وتطويره حسب مقتضى الظروف ” [14] .
المدايح النبوية عندهما :
المديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على المدح النبوي صلى الله عليه وسلم بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهارالشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع ذكر معجزاته المادّية والمعنوية والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديراً وتعظيماً .
فيقول الشيخ محمدالرابع الندوي : إن الشاعر يعبر في هذا النوع من الشعر الدينى عن تقصيره في أداء واجباته الدينية والدنيوية ويذكر عيوبه وزلاته وكثرة ذنوبه في الدنيا ، مفاجئاً الله بصدق وخوف مستعطفاً إياه طالباً منه التوبة والمغفرة ، وينتقل بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طامعاً في وساطته وشفاعته يوم القيامة ، فيلقي الشيخ الضوء على غاية المدايح النبوية :
” ولقد مدحه المسلمون لشعورهم بإحسانه العظيم إليهم ، فإنه بلغ إليهم رسالة الله ، وكان رحمةً عليهم ورأفةً . . . . علم المسلمون ذلك ورأوا مقدار رحمته لهم ، فقد كانت أكبر من رحمة الآباء والأمهات لأولادهم ، ولذلك أحبوه من أعماق قلوبهم ، وكان ذلك واجباً عليهم أيضاً . . . فإذا تسابق الشعراء المسلمون بعد ذلك لمديح الرسول صلى الله عليه وسلم بأعماق قلوبهم فلا عجب فيه ، ولذلك نجد أمثلةً قويةً لمديح صلى الله عليه وسلم في شعر صحابته الكرام . . . وممن جاءوا من بعدهم من الشعراء ، وقد مدحه واعترف بمحامده ومكارم خلقه عدد من الشعراء الذين لم يؤمنوا به ، وذلك لأنهم عرفوا فضله وعلو مكانته صلى الله عليه وسلم في سيرته وسلوكه ، فقد رأوا من صفاته الإنسانية ومكارم أخلاقه ما حببه إليهم مع عدم قبولهم للإسلام الذي جاء به ” [15] .
والشيخ يعبر آراءه والتشفع والتوصل به أمام الله تعالى لكي يتوب عليهم وكذلك الشوق للقائه ورؤيته وشفاعته .
إن من فوائد المديح الجمة النابعة من محبة المادح والمستمع للنبي وآله وصحبه والتخلق بأخلاقه والاتصاف بصفاته واتباع نهجه وسنته ، فإليكم كلمات الشيخ واضح رشيد الندوي بتعبيره الرشيق عن المدايح النبوية حيث إنها قصائد شعرية تقوم على مبدأ الاعتراف بذنوب وآثام المادح وضعفه أمام الله وتتابع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
“وظل هذا الصنف من الشعر في أدب المسلمين مهما اختلفت لغاتهم وثقافتهم صنفاً فريداً في آداب العالم ، وصنفاً فريداً في أصناف الأدب ذاته . . . فإن مدح رسول صلى الله عليه وسلم تشتمل على إظهار التعلق به ، وذكر صفاته وفضائله ووصف جماله ، وسيرته وتصوير بيئته ، وإظهار الهم على وفاته ، وانقطاع الوحي بها ، وتصوير المجتمع ، ووصف محامد صحابته ، وبيان رسالته ودعوته ، والرد على أعدائه وخصومه ، وذكر مفاخر أمته ، ومآثرها ، وسرد بعض قصص رائعة من حياته وحياة متبعيه ، فأصبح بذلك هذا الصنف أكمل وأشمل صنف من أصناف الشعراء ” [16] .
ويضيف قائلاً أن المدايح النبوية تضاعف محبة المادح والمستمع للنبي صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى التخلق بأخلاقه والاتصاف بصفاته والاتباع بهديه وسنته :
” كان من تأثير هذا الصنف الأدبي الذي يشتمل على أصدق عاطفة وأصدق تعبير أنه يلين النفوس ، ويرقق القلوب ، ويحملها على اتباع المنهج النبوي ، وقدمت المدايح النبوية بتأثير سحري في القلوب ، وتغيرت حياة عدد من الناس بسماعها ، ولذلك شاع هذا الصنف الأدبي لدى كل شاعر في كل عصر . وعد ما ساهم به في هذا المجال أفخر بضاعة له ” [17] .
دور الأمة الإسلامية في إقامة المكتبات :
إن تاريخ المكتبات جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية والفكر الإسلامي ، ارتقت بارتقائه وساعدت على ازدهاره ونضجت معه وانحطت بانحطاطه ، ولا غرو في ذلك . فالإسلام دعا إلى المعرفة وإلى إنارة العقول بالقراءة والكتابة .
إن المكتبات من أهم وسائل المعرفة على مدى العصور ، وقد انتشرت المكتبات في الإسلام انتشاراً واسعاً ، وهي إن كانت ثمرةً من ثمار الحضارة العربية الإسلامية إلا أنها تعكس في تاريخها هذه الحضارة التي كانت هي نفسها ثمرتها .
يعد العصر الإسلامي عصر الإبداع في الحضارة الإسلامية ، وفيه نضجت الحضارة الإسلامية وأينعت وآتت أكلها وزخرت البلاد الإسلامية بالعلماء والتلاميذ والمعاهد والمدارس ، فيلقي الشيخ محمد الرابع الندوي الضوء على دور الأمة الإسلامية في إقامة المكتبات فهو يقول :
” قامت في عهد رقي المسلمين العلمي مكتبات في كل مكان في بلاد المسلمين كانت تتوفر فيها كتب كثيرة ، وكانت تكون هذه المكتبات حكوميةً وشخصيةً . وألف المسلمون في هذه المدة التي طالت أكثر من ستة قرون مؤلفات كثيرةً في مختلف العلوم والفنون ولم يبق طريق للعلوم والمعارف الإنسانية إلا وترك المسلمون فيها آثاراً لهم ، وقامت في الحجاز المقدس والعراق والشام ومصر والمغرب العربي والأندلس وغيرها مكتبات لا تعد ولا تحصى ” [18] .
وأما الشيخ محمد واضح رشيد الندوي فهو يلقي الضوء على دور الأمة الإسلامية التي لعبتها في صدد إقامة المكتبات الخاصة والعامة لنشر المعارف والعلوم فهو يقول :
” كانت العواصم والمدن الإسلامية تغص بدور الكتب والمكتبات العامة والخاصة بشكل لا مثيل له في التاريخ ، فقلما كانت مدرسة في شتى أنحاء العالم الإسلامي ليس بجانبها مكتبة ، وقل أن نجد قريةً صغيرةً ليس فيها مكتبة .
أما المكتبات العامة فقد كان ينشؤها الخلفاء والأمراء والعلماء والأغنياء ، كانت تشيد لها أبنيةً خاصةً ، وأحياناً كانت تلحق بالمساجد والمدارس الكبرى ” [19] .
* الأستاذ المساعد ، قسم الدراسات العربية ، جامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية ، حيدرآباد الهند .
[1] محمد واضح رشيد الندوي ، أدب الصحوة الإسلامية ، ص 48 – 49 . دار الرشيد ، لكناؤ ، الطبعة الثانية 2009م .
[2] المصدر السابق : 53 .
[3] محمدالرابع الندوي : العالم الإسلامي اليوم : قضايا وحلول ، ص 114 – 115 ، المجمع الإسلامي العلمي ، لكناؤ ، الطبعة الثانية 2011م .
[4] المصدر السابق : 117 .
[5] محمد الرابع الندوي ، العالم الإسلامي اليوم : قضايا وحلول ، ص 112 .
[6] محمد واضح رشيد الندوي : إلى نظام عالمي جديد ، ص 64 ، المجمع الإسلامي العلمي ، لكناؤ ، الطبعة الأولى 2012م .
[7] محمد الرابع الندوي ، قيمة الأمة الإسلامية ، ص 107 – 108 ، المجمع الإسلامي العلمي لكناؤ ، الهند ، الطبعة الثانية 2002م .
[8] محمد واضح رشيد الندوي ، أدب الصحوة الإسلامية ، ص 87 ، دار الرشيد لكناؤ ، الطبعة الأولى 2009م .
[9] محمد الرابع الندوي ، المصدر السابق ، ص 108 – 109 .
[10] المصدر السابق للأستاذ محمد واضح رشيد الندوي ، ص 87 – 88 .
[11] محمد الرابع الندوي ، ندوة العلماء فكرتها ومناهجها ، ص 7 – 8 ، الأمانة العامة لندوة العلماء لكناؤ الهند ، الطبعة الثانية 2008م .
[12] محمد واضح رشيد الندوي ، حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطور المنهج ، ص 97 ، المجمع الإسلامي العلمي ، الطبعة الأولى 2006م .
[13] المصدر السابق للأستاذ محمد الرابع الندوي ، ص 13 – 17 .
[14] المصدر السابق للأستاذ محمد واضح رشيد الندوي ، ص 99 .
[15] محمد الرابع الندوي ، في ظلال السيرة على صاحبها الصلاة والسلام ، ص 147 – 149 ، المجمع الإسلامي العلمي لكناؤ ، الطبعة الثانية 2011م .
[16] محمد واضح رشيد الندوي ، لمحات من السيرة النبوية ، ص 162 – 163 .
[17] المصدر السابق ، ص 163 – 164 .
[18] محمد رابع الندوي ، قيمة الأمة الإسلامية ، ص 75 – 76 .
[19] محمد واضح رشيد الندوي ، تاريخ الثقافة الإسلامية ، ص 137 ، دارالرشيد ، لكناؤ ، الهند ، الطبعة الأولى 2009م .