أدب المسرحية في العالم العربي

التعليم الديني عن بُعد في الوضع الراهن بين الإيجاب والسلب
يناير 6, 2021
اللغة العربية في كيرالا ومراحل تطوّرهـا عبر العقود
فبراير 21, 2021
التعليم الديني عن بُعد في الوضع الراهن بين الإيجاب والسلب
يناير 6, 2021
اللغة العربية في كيرالا ومراحل تطوّرهـا عبر العقود
فبراير 21, 2021

دراسات وأبحاث :

أدب المسرحية في العالم العربي

بقلم : الدكتور أشفاق ظفر

لقد شهد العالم العربي خلال القرن الماضي نهضةً علميةً شاملةً ، وكانت مصر ولبنان في مقدمتها ، وتأخر غيرها من البلدان المجاورة لها ، وكانت المملكة العربية السعودية مساهمةً في هذا التأخير ، ثم نهضت هذه البلدان أيضاً ، وأسس في أنحائها عدد كبير من المدارس الحديثة والكليات والجامعات العصرية ، ومدارس وكليات خاصة  للبنات . كما أرسلت بعثات علمية إلى مصر وغيرها من البلدان العربية . وبذلت الحكومة السعودية أيضاً كل ما في استطاعتها لهذه النهضة الشاملة .

أما بالنسبة للأدب المسرحي ، فقد بدأ المسرح في لبنان منذ أن قدم مارون النقاش مسرحية ” البخيل ” عام ١٨٤٨م ، وعرض المسرح في سوريا مع اشتغال أبو خليل القباني بهذا الفن حوالي عام ١٨٦٥م [1] بينما عرف المسرح في مصر منذ عهد الحملة الفرنسية ، وإن كان المسرح المصري الحقيقي قد ظهر مع يعقوب صنوع ، ومسرحياته المصرية هى البدايات الأولى للقرن التاسع عشر [2] . أما المسرح في منطقة الخليج   العربي ، وهي الأقرب إلى المملكة العربية السعودية جغرافياً ، وتاريخياً ، واجتماعياً ، فقد عرف المسرح بعد سنوات . كما عرف العراق المسرح الجاد منذ عشرينات هذا القرن . وعرفت الكويت في الأربعينيات ، وكذلك جاءت المسرحية في البحرين في هذه الفترة . وبدأت المسرح في الكويت على يد الممثل محمد النمشي [3] . وفي البحرين قامت جمعية ” فتاة البحرين ” بتقديم أول مسرحية نسائية في البلاد ، وتم عرض المسرحية بالفعل وسجلوا بها أول مسرح نسائي في البحرين [4] .

أما المملكة العربية السعودية فقد انطلق المسرح من حفلات السمر والحفلات الختامية في آخر العام التي كان يقيمها الطلاب في المدارس فتعرض فيها ” اسكتشات ” كوميدية أو مسرحيات تاريخية تعليمية تطغى عليها اللهجة الخطابية واللغة المفخمة ، ولعل المدرسين الذين وفدوا إلى المملكة من البلدان العربية المجاورة لا سيما مصر والشام والعراق رعوا مثل هذه النشاطات وشجعوها وأداروا أقساماً تمثيليةً منها ، إلا أن المربين السعوديين لا يقلون عن الوافدين اهتماماً بالمسرح  . كما نرى أن الملك عبد العزيز رحمه الله زار عنيزة عام 1354هـ . وحضر حفل المدرسة ، وشاهد شيئاً منها : تمثيلية ( كسرى والوفد العربي ) .

وبدأت الحكومة السعودية تشجع هذا الفن بطرق مختلفة كما نرى على سبيل المثال :

” وفي عام 1374هـ ، زار المغفور له الملك سعود المنطقة الشرقية ، ومن باب الترحاب قدم عبد العزيز الهزاع أمام الملك رحمه الله فاصلاً تمثيلياً قلد فيه مجموعة من الأصوات من بينها صوت امرأة ، فأعجب الملك بموهبة الهزاع فاصطحبه معه ، وتم تعيينه في الحرس الملكي [5] .

واشتهر هذا الفنان المسرحي في الخمسينيات وهو من عنيزة ، وكان استدعي هذا الأديب إلى بغداد وسجل العديد من تمثيلياته في الإذاعة العراقية عام 1955م . وأعماله ” بدوي في طيارة ” وحوارياته الإذاعية الشهيرة بين العجوز ” أم حديجان ” والجد ” أبو حديجان ” وزوجة ” حديجان ” لطيفة ، وتعتبر من الإرهاصات الأولى للتمثيل الشعبي [6] .

وفيما يلي أقدم تعريفاً وجيزاً لبعض المسرحيات الأدبية التي انطلقت بها مرحلة بداية هذا الفن . وقد شارك في الرحلة الجديدة للأدب السعودي كل من الوافدين والمواطنين كما شاركوا معاً في تطوير الفنون الأدبية الحديثة الأخرى مثل المقالة ، والقصة القصيرة ، والرواية .

إن الأديب من الأصول الجزائرية ” أحمد رضا حوحو ” الذي قد ساهم مساهمةً موفورةً في تطور المقالة ، والقصة القصيرة في المملكة ، يظهر كأحد رواد هذا الفن بدوره البناء في تأسيس هذا الأدب والفن . وقد ألف مسرحيةً باسم ” نبل ” في الثلاثينيات وهي الفترة التي وضعت فيها بذور المسرحية في السعودية . إن هذه المسرحية قد ألفت في بضعة فصول ، وهي مسرحية للقراءة وليست للتمثيل . وهي لا تكمل كافة الشروط والقواعد لمسرحية قابلة للقراءة والتمثيل معاً . ولكن يمكن أن نقول بأنها إضافة إلى الأدب المسرحي السعودي .

وتتراوح الموضوعات والاتجاهات في هذه المرحلة البدائية ، وقد أخذ الأدباء موادهم من القضايا الاجتماعية والعاطفية إلى التاريخ ، فنجد المسرحية ” نهاية عبقري ” ” للسيد أمين مدني ” مستوحاة من   التاريخ ، وتدور حول بعض الشخصيات للعهد العباسي ، مثل ” سيف الدولة ” ، و ” أبو الطيب المتنبي ” و ” أبو الفرج الأصبهاني ” ، وابن الحجاج ” وغيرهم . وهي تماثل المسرحيات الأخرى لهذه الفترة . ولو أنها لا تكتمل الشروط والأسس لكونها مسرحيةً كاملةً للقراءة والتمثيل معاً . ولكنها تكتسب أهمية بأنها ترشد إلى اتجاه جديد . وهو التاريخ وصلته بالمسرحية .

إن المتجربين في مجال المسرحية في هذه المرحلة اتخذوا أيضاً التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كعنوان لمسرحياتهم ، وهكذا نجد في مسرحية ” ثريّ الحرب ! ” . فقد ألف هذه المسرحية الأستاذ ” عبد القدوس الأنصاري ” الأديب الكبير وأحد الرواد للنثر العربي السعودي الحديث في مختلف أشكالها وجهاتها . ومع تفننه في مجال الرواية إنه قد استخدم عبقرياته في مجال المسرحية كذلك .

وهذه المسرحية يمكن أن لا تكمل الشروط كلها لكونها مسرحيةً كاملةً ، ولكنها يمكن أن تعد من أول بذور في هذا المجال . لأنها تبحث آثار الحرب العالمية الثانية على المجتمع . وإنها كانت فجأة على بعض الأفراد والعائلات . قد بدأ الكاتب الفصل الأول بثلاث شخصيات وهم رابح الخادم ، ومسعود الضيف ، وفاضل صاحب البيت . يزور مسعود صديقه فاضل فيخدم رابح الشاي والقهوة لمسعود ويفتح له الصالة الكبيرة . ولكن خلال الحرب العالمية الثانية ، يصبح رابح الخادم صاحب الثروة الطائلة والرجل المعروف في الأعمال . وفي الفصل الثاني : يزور مسعود رابحاً في مكتبه الشامخ وهو غارق في كرسي كبير . فلا يعرف رابح مسعوداً .

وفي الفصل الثالث تنتهي الحرب ، وينتهي بها مال رابح ، فيلتقيه مسعود ويدور الحوار بينهما . وينتهي الحوار بهذه القطعة من الكلام ” إن الغنى الطارئ كثيراً ما يغرس ضعف الأخلاق في النفوس الضعيفة ” [7] .

وبالنسبة للمسرحية الشعرية ، فقد مارس الأدباء السعوديون هذا الجانب من الأدب المسرحي من البداية كما يقول عبد الرحمن فهد الخريجي :

” في سنوات مبكرة لظهور الأدب السعودي بشكل عام ، ظهرت المسرحية الشعرية السعودية ، وكان رائد زملائه في هذا المجال الشاعر حسين عبد الله سراج ، ففي عام 1936م كان شاعرنا ناضجاً في التأليف المسرحي . ولم لا هو ، فقد عاشر أدباء مصريين لهم باع في هذا المجال من أمثال : أحمد علام ، ومحمود تيمور ، وعزيز إباظه ، إلى جانب دراسته التاريخ العربي ، ونيله الإجازة العليا في الجامعة الأميركية ببيروت .ورغم عدم وجود الاهتمام بالمسرحية حينئذ ، فقد ألف وأصدر المسرحية الشعرية ( الظالم نفسه ) عام 1933م ، و ( جميل بثينة ) عام 1942م ،     و ( غرام ولادة ) أصدرتها دار المعارف بمصر عام 1952م [8] . فهو من المتأثرين بمرحلة أمير الشعراء أحمد شوقي ، لذلك اتجه إلى المسرحية الشعرية .

ومسرحية ” غرام ولادة ” هي رائعته الشعرية التي يعتز بإنجازها وقد استطاع فيها بمسرح سيرة أحمد بن زيدون الشاعر الأندلسي وحبه المشهور لولادة بنت المستكفي . لكنه ينقل مركز الاهتمام إلى ولادة . رغم أن المسرحية تشكو من سيطرة العنصر الغنائي على أدواته المسرحية إلا أنه استطاع أن يعمل موهبته في المادة التاريخية ويخرج منها دراماً  شعريةً ، ويسهم في تطوير نظام القصيدة العربية ويوسعها حتى تعبر عن الموضوعي والدرامي بالإضافة إلى الوجداني والغنائي كما فعل أحمد شوقي وفكري أباظه في نفس الفترة تقريباً [9] .

بعد هذه الجهود البدائية بأيدي عبد العزيز الهزاع والآخرين من الأدباء والشعراء السعوديين من أجل تعريف المسرحية وترسيخها في الكيان الأدبي السعودي ، قام جيل جديد بهذه المهمة . ولعبوا دوراً هاماً في تطوير هذا الفن إلى الكمال أمثال أحمد السباعي والدكتور عصام خوقير و حسين سراج .

” إن الأديب والفنان الكبير أحمد السباعي قام بشراء الأرض اللازمة لإقامة مسرح وشرع في إعداد التجهيزات المسرحية . وافتتح مدرسة لتعليم التمثيل في مكة المكرمة . وجعل لكل طالب يدرس التمثيل مكافأةً شهريةً . وأرسل إلى مصر من يحضر له الأدوات اللازمة للعملية المسرحية ، وأطلق على مسرحه اسم ” دار قريش للتمثيل الإسلامي ” نسبةً إلى القبيلة العربية المشهورة . ولكن أحلامه لم تتحقق بسبب بعض العوامل المحلية .

والرجل الآخر الذي جاء بتغير وتطور في هذا المجال . وتعرفت المسرحية بمجهوداته جهةً أخرى جديدةً ، هو الدكتور عصام خوقير ، هو كاتب موهوب مطبوع على فن كتابة المسرحية ، وهو يمثل قيمةً في المسرح السعودي تعادل قيمة ” نعمان عاشور ” في مسيرة المسرح المصري الحديث ، وهو أول من كتب المسرحية السعودية باللهجة العامية السهلة القريبة من اللغة الوسطى التي يتحدث عنها وكتب بها توفيق الحكيم بعض أعماله . ولكن مسرحيات الدكتور عصام خوقير غير قابلة للعرض على خشبة المسرح السعودي نظراً لأن المرأة مرتكز أساسي في نسيجها [10] .

وهناك أديب وشاعر آخر ، وهو حسين سراج ، – كما سبق – أنه كان من الرعيل الأول بين الشعراء السعوديين ، وهو أقدم تجربة في كتابة المسرحية الشعرية على مستوى المملكة كلها . قام هذا الشاعر بكتابة المسرحية الشعرية ابتداءاً من ” الظالم نفسه ” في عام 1932م ،    و ” جميل بثينة ” 1942م ، و ” غرام ولادة ” 1952م .

ولم يبدأ هذا الشاعر هذا الاتجاه المسرحي في المملكة فحسب ، بل تحققت المسرحية الشعرية في السعودية النضج والكمال على يديه عندما ألف مسرحيته ” الشوق إليك ” وهذه المسرحية تعد حدثاً كبيراً في هذا المجال .

إن الأديب الآخر الذي ساهم مساهمةً موفورةً في النضج وتطوير هذا الفن في المملكة هو إبراهيم الحمدان . ويعد هذا الكاتب رجلاً أساسياً للمسرح السعودي . لأنه اصطبغ هذا الفن بصبغة الجمهور . ” إنه مخرج ومؤلف ، وأول من وضع التجربة المسرحية في المملكة على طريق الجمهور . لقد خرج هذا الفنان الموهوب بالمسرح من طور الهواية والاختصار إلى طور الاحتراف والشمول . وانتقل به من منطقة التجارب الفردية المحدودة التأثير إلى منطقة التجربة الحية الواسعة الانتشار [11] .

وها هى العوامل والشخصيات التي لعبت دوراً هاماً وبناءاً ، وساهمت مساهمةً قيمةً في وجود هذا الفن ونشأته وترسيخه على الساحة الأدبية السعودية . فقام الأستاذ السباعي بطرح فكرة لإنشاء المسرح في مكة المكرمة . وأبدع حسين سراج المسرح الشعري في الأدب السعودي وبلغ بها إلى ذروة الكمال بمسرحيته الشعرية ” الشوق إليك ” . كما ساهم الطبيب عصام خوقير في جعل الأدب المسرحي أحد ملامح الأدب السعودي إلى جوار القصة القصيرة ، والرواية ، والمقالة ، والقصيدة . ثم ساهم إبراهيم الحمدان في تحقيق فكرة المسرح لأول مرة على المستوى الجماهيري العريض في كل أنحاء المملكة العربية السعودية .

[1] عبد الرحمن فهد الخريجي ، نشأة المسرح السعودي ، الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ، 1986م ، ص 35 .

[2] على الراعي ، المسرح في الوطن العربي ،( سلسلة عالم المعرفة ) الكويت ، 1980م ،    ص 59 .

[3] محمد حسين عبد الله ، المسرحية في الكويت ، الكويت ، ص 50 .

[4] على الراعي ، المسرح في الوطن العربي ،( سلسلة عالم المعرفة ) الكويت ، 1980م .

[5] الدكتور عبد الله بن حامد المعيقل/ الدكتور معجب بن سعيد الزهراني ، موسوعة الأدب العربي الحديث ، م 7 ، المسرحية ، دار المفردات للنشر والتوزيع ، 2001م ، ص 15 .

[6] ناصر الخطيب ، مدخل إلى دراسة المسرح في السعودية ، ص 42 .

[7] المنهل مج 1 ، ج 11 ، 12 ، شوال وذو القعدة 1356هـ ، يناير 1938م ، ص 42 .

[8] موسوعة الأدب العربية الحديث ، م 7 ، المسرحية ، ص 17 .

[9] المنهل ،  ج 9 ، ج 5 ، جمادى الأولى ، 1368هـ ، مارس 1949م ، ص 324 – 326 . مجلس الشيوخ الهندي في اليوم ٢٦ من شهر يناير عام ٢٠١٢ .

[10] نشأة المسرح السعودي ، الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ، 1986م ، ص 42 .

[11] موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث ، م 7 ، المسرحية ، ص 39 .