السلطانة : زنوبيا أو الزباء أو زينب

علم فريد لم ينصفه جيله ( المفكر الإسلامي والأديب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي )
ديسمبر 15, 2020
الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي : أكبر شخصية في عصره ( 1898م – 1982م )
يناير 6, 2021
علم فريد لم ينصفه جيله ( المفكر الإسلامي والأديب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي )
ديسمبر 15, 2020
الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي : أكبر شخصية في عصره ( 1898م – 1982م )
يناير 6, 2021

سلطانات وحاكمات من التاريخ :

السلطانة الثالثة : زنوبيا أو الزباء أو زينب

بقلم : الأستاذة زينب رحمة الله ، الدوحة ( قطر العربية )

الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ؛ اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً . . . . . .

سنستكمل سلسلة نساء من التاريخ ( بمشيئة الله تعالى ) وحيث إننا بدأنا السلسلة بسلطانات وحاكمات من التاريخ [1] ؛ فستقرأ عزيزي القارئ في السطور القادمة عن ملكة جديدة عرفت بالملكة المحاربة ؛ وهي الملكة الزباء أو زينب أو زنوبيا ملكة مملكة تدمر .

وقد اختلفت الروايات حول هذه الملكة وذلك وفقاً للطبيعة وخلفية المصادر التي كتبت عنها ؛ كما نُسج حولها العديد من القصص والأساطير ؛ ولكن بشكل عام هنالك روايتان تحدثت عن هذه الشخصية التاريخية ؛ رواية عربية وأخرى يونانية تختلف الأولى عن الثانية اختلافات جوهرية .

زنوبيا أو الزباء أو زينب ملكة مملكة تدمر في سوريا والعراق ؛ وهي امرأة عربية حكمت مع زوجها حيث كانت مشيرة ومستشارة له ؛ ثم مع ابنها وكونها وصية له ؛ وفي كلا الأمرين كانت رأس الحربة والوحي الملهم ؛ جمعت بين الدهاء والمنطق والعذوبة والشجاعة والشدة والبأس في الحرب ؛ واشتهرت بالخلق الحسن والحزم وبعد النظر والحكمة والمهارة والجمال ؛ وُصفت بأنها أجمل ملكة في التاريخ ضاه جمالها جمال كيلوبترا ولكنها فاقتها أخلاقاً وحميةً ؛ قيل إنها كانت سمراء اللون ؛ ممشوقة القوام ؛ تلبس عمامة وخوذة كالرجال ؛ وكانت تسيطر على رجال مملكتها .

لم يعرف العرب اسم زنوبيا من قبل ؛ حيث يعتبر لفظ زنوبيا كلمة أعجمية ؛ وحرّف الرومان هذا الاسم حتى يناسب لغتهم فسموها     ( يوليا أوريليا زنوبيا ) ؛ واختلف نطق الاسم بين اللغة الرومانية زنوبيا والآرامية التي سمتها ببات زباي ؛ ويعني ابنة زباي ؛ أما في اللغة العربية فقد سميت بالزباء أو زينب ؛ واسم الزباء وزينب من الأسماء المعروفة عند العرب ؛ والثاني شائع أكثر من الأول ؛ وفيما يلي شرح مبسط لكل منهما :

– الزباء : ذكر ابن منظور : ” شديدة ، كما قالوا الشعراء ، ويقال للدَّاهية المنكرة ؛ زباء ذات وبر ، ويقال للناقة الكثيرة الوبر : زباء ؛ والزباء اسم الملكةِ الرومِية ، يمد ويقصر ، وهي ملكة الجزيرة ، تعد من ملوك الطوائف . فسميت الزباء بهذا الاسم لشدتها وحكمتها القوية ؛ أو لجمالها الخلاب وطول شعرها ؛ أو منحت هذا الاسم ليتم التفاؤل بها للانتصار على الأعداء ؛ كما كانت عادة بعض العرب في ذلك الوقت ؛ أو سُميت بذلك لملكها العريض ولكثرة البلاد التي سيطرت عليها .

– زينب : اسم زينب مشهور عند العرب منذ قديم الزمن ولا زال كذلك حتى العصر الحاضر ؛ ذكر ابن منظور : ” والزنب : السمن أو السمنة ” ؛ وعن ابن الأعرابي : الزينب شجر حسن المنظر ؛ طيب الرائحة ؛ وبه سميت المرأَة ؛ وواحد الزينب للشجرة الزينبة ” .

وفي رأيي أن اسم زينب أقرب لأنه أكثر شهرة من اسم الزباء ؛ ولأن حروفه أقرب إلى اسم زنوبيا الذي وضعه الرومان بزيادة الواو والألف بالإضافة إلى الاختلاف القليل في ترتيب الحروف .

تلك هي الملكة زنوبيا أو الزباء أو زينب بنت عمرو بن حيان ؛ لم يعرف لها نسب معين فقيل إنها ابنة زعيم عربي اسمه عمرو بن ضارب بن حسان ؛ كما نسبت إلى نسل سليمان الحكيم ؛ وقيل إنها من نسب كيلوبترا ؛ كما قيل إنها كانت من ملوك العماليق ؛ أما هي فكانت تزعم أنها من سلالة المقدونيين ملوك مصر .

وحكمت زنوبيا تدمر التي كانت تابعة للرومان منذ عام 267م أو 268م إلى 272م ؛ وكانت زينب امرأةً مثقفةً ؛ تتقن عدة لغات كالآرامية والقبطية ؛ كما تفقهت بالعديد من اللغات الأخرى كاللاتينية واليونانية والمصرية ؛ وكانت تحب القراءة والمطالعة وقرأت كتب هومر وأفلاطون ؛ كما أنها تثقفت بالثقافة اليونانية وكانت تكتب بها بسهولة ؛ بالإضافة إلى ولعها الشديد بالتاريخ وخاصةً تاريخ بلدها وقد جمعت ونسقت لنفسها تاريخ الشرق .

إلى جانب ثقافتها وعلمها عرفت زنوبيا بشجاعتها وبأسها وكانت تحب الصيد والمغامرة ؛ ولم تتصف بصفات الضعف ولا العواطف التي تتصف بها معظم الملكات ؛ ولهذا كانت تتبع زوجها في الصيد ولم تكن تهاب الحيوانات المفترسة ، كما أنها كانت سبباً في انتصارات زوجها وهيمنته بسبب فصاحة ورجاحة عقلها وبعد نظرها .

تزوجت زينب من الملقب بملك الملوك أودينا توس سبتيموس ؛ وكان ملك الشرق وامتد سلطانه إلى سوريا ؛ وبعد وفاته اعتلت زينب العرش وصية على ابنها ؛ وقيل إن زنوبيا كانت في الرابعة عشر من عمرها آنذاك ، وأراد الامبراطور جالينوس انتهاز الفرصة للسيطرة على تدمر ولكن الزباء كانت له بالمرصاد حيث قادت جنودها بنفسها لمواجهته وهزمت جالينوس شر هزيمة .

وبعد هزيمة جالينوس أرسلت الزباء عدداً كبيراً من التجار إلى مصر لإقامة علاقات تجارية بين مصر وتدمر ، وبسبب ذلك انتشرت في مصر أخبار عن الملكة زنوبيا وبأنها من سلالة الملكة كليوباترا وأنها ستنقذ المصريين من حكم الرومان وسيطرتهم ؛ وأصبحت الملكة زينب بذلك ملكة وبطلة أسطورية ، فسارت بجيشها إلى مصر فاتحة ومنتصرة على الجيش الروماني ، واستقبلها المصريون بالترحاب والسعادة ، واستمرت الملكة زنوبيا بعد فتح مصر في فتوحاتها حتى ضفاف البسفور ؛ وسُميت مملكتها بالإمبراطورية الشرقية .

وقد قامت بتوسيع دولتها بعد حكمها وأضافت إليها مصر ، فأصبحت تحكم جميع البلاد الممتدة من الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط ، بما في ذلك القدس وأنطاكية ودمشق وغيرها من البلدان ، ولرفض إمبراطور روما الاعتراف بها كملكة أرسل إليها العديد من الجيوش والقوات ولكنها كانت تخرج منتصرة في كل مرة .

واتصف حكمها لقومها ورعيتها بالعدل والحكمة والمساواة ولم تكن تفرق بين الغني والفقير وبين الأمير والراعي ، ولم تدع عواطفها تحكمها في المواقف ؛ فكانت إذا أرادت إنزال العقوبة أضعفت في نفسها عواطف الرحمة ، وإذا وجدت نفسها في موقف يتطلب الرحمة والعطف أضعفت في نفسها عواطف الانتقام والشدة ، فكانت تستخدم رجاحة عقلها في جميع المواقف وتأبى الخضوع لإرادة نفسها .

وكان لمقتل والدها ورغبتها في الانتقام من ملك العراق جذيمة الأبرش أثر كبير في حياتها ، والذي كان سبباً في مقتلها أيضاً ، فقد أرادت الزباء الانتقام لوالدها من جذيمة ؛ وأشارت إليها أختها بأن لا تحاربه إلا بالحيلة والدهاء لكونه رجلاً قوياً ، فأرسلت إليه زنوبيا رسولاً وخطاباً أخبرته فيه أنها لم تجد خيراً من اعتلاء العرش ولم تجد رجلاً أكفأ منه ليشغل العرش ؛ ويضم مملكتها إلى مملكته ؛ ولما استلم جذيمة الخطاب سيطر عليه الطمع فجمع رجاله من أصحاب الرأي وعرض عليهم أمر الزباء ؛ فوافقوا جميعاً على ذهابه ما عدا قصير بن سعد اللخمي وكان رجلاً معروفاً بدهائه ؛ والذي حاول منع جذيمة من الذهاب إلى زنوبيا وأنذره بأنه فخ لاستدراجه وقتله حتى تنتقم منه لقتله والدها ، ولكن جذيمة لم يستمع إليه وسار في موكب حافل إلى الزباء ؛ واستقبلته زينب بالترحاب والبشر ؛ ثم أسقته خمراً حتى ثمل فأمرت بنزف دمه حتى مات .

وخلف عمرو بن عدي جذيمة على الملك ؛ فطلب منه قصير الاستعداد والانتقام من الزباء لخاله جذيمة ، ووضع لذلك خطة ذكية ؛ حيث طلب من عمرو أن يجدع أنفه وأن يضربه على ظهره بقوة حتى تظهر عليها آثار الضرب ؛ وفي ذلك قال العرب : ” لأمر ما جدع قصير أنفه ” .

وفي أثناء ذلك سألت الزباء جارية لديها عن مصيرها ؛ فأخبرتها أنها ستهلك على يد غلام غير أمين يسمى عمرو بن عدي ؛ ولكنها ستموت بيدها هي ؛ فخافت زنوبيا على نفسها من عمرو ؛ فحفرت نفقاً من مجلسها الذي تجلس فيه إلى حصن لها داخل مدينتها .

وذات يوم دخل عليها قصير وكأنه هارب من عمرو وأخبرها أنه هرب من عمرو فاستقبلته وأكرمته ؛ وبقي معها حتى وثقت به واطمأنت إليه ؛ وفي أحد الأيام طلب منها السماح له بالذهاب إلى العراق بحجة وجود أموال وتجارة له هناك ؛ فسمحت له بالرحيل ودخل على عمرو وأخبره بما فعله مع زنوبيا وطلب منه أن يزوده بكل ما خف وزنه وغلا قيمته من تحف وهدايا وطرائف وذلك لإغراء الزباء بها ، وقد نجح في ذلك حيث أعجبت الزباء إعجاباً شديداً بما حمله من هدايا وتحف معه ؛ فزاد ثقتها به فأرسلته مرة أخرى ؛ فعاد بهدايا وأموال أكثر جمالاً وغلاءً من المرة الأولى ؛ وهكذا عاد إلى العراق للمرة الثالثة حيث قال لعمرو بن عدي :    ” اجمع لي ثقات أصحابك واحمل كل رجلين على بعير في غرارتين ؛ فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها ؛ وخرج الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة ؛ فمن قاتلهم قتلوه ؛ وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف ” ، فرتب عمرو الأمر بالشكل الذي طلبه منه قصير ؛ فخرج قصير متجهاً إلى زينب حتى وصل إليها وأخبرها بما يحمله من أموال وهدايا وطرائف ؛ وعندما رأت زنوبيا الجمال وقوائمها تكاد تئن ؛ أنشدت قائلة لقصير :

ما للجمال مشيها وئيداً   أجندلاً يحملن أم حديداً

أم صرفاناً تارزاً شديداً   أم الـــرجال جــثـماً قعودا

فقال قصير في نفسه : ” بل الرجال قبضاً قعوداً ” .

ودخلت الإبل المدينة ؛ ووقف عمرو على باب نفق زنوبيا ؛ وخرج الرجال من أماكنهم وأخذوا يقتلون وينهبون المدينة وعندما رأت زنوبيا ذلك هربت إلى النفق ؛ ووجدت عمرو بن عدي واقفاً ببابه فأسرعت بامتصاص خاتمها الممتلئ بالسم ؛ وقالت : ” بيدي لا بيد عمرو ” ؛ ثم ضربها عمرو بسيفه فقتلها ونهب مدينتها وعاد إلى العراق بعد أن انتقم لنفسه من الزباء .

هذه رواية من الروايات التي تروي قصة مقتل الملكة الزباء أو زينب وهي رواية عربية ؛ وهناك رواية يونانية تقول أن الإمبراطور أورليانوس جهز جيشاً كبيراً وهاجم زنوبيا ؛ وسبب ذلك مخالفة زنوبيا الاتفاق الذي عقدته في مصر تحت حكم روما ؛ وذلك عندما قامت بإزالة صورة الإمبراطور الروماني من العملات ؛ حيث أعلنت بذلك صراحة عدم تبعيتها للإمبراطورية الرومانية ، ودارت بين الطرفين العديد من المعارك كان النصر فيها من نصيب أورليانوس في حمص ، ثم حاصر تدمر وتسللت زنوبيا من الحصار بجوادها لكي تستنجد بالفرس ؛ ولكن بعض الخونة وشوا بها فأسرت بينما كانت تعبر نهر الفرات ؛ وحكم على زنوبيا بالإعدام ؛ وجيئ بالملكة البطلة مكبلة بسلاسل من ذهب ؛ وأجبرت على السير بين الجماهير في طريقها إلى روما لإذلالها ؛ ولكنها سارت مرفوعةً وشامخة الرأس ؛ حتى إن الجماهير الرومانية صفقت لها على الرغم من كونها عدوتهم ؛ ونتيجةً لذلك أمر أورليانوس بسجنها ولم يعدمها .

واختلف في طريقة حياتها في الأسر ؛ فقيل إنها أعرضت عن الأكل حتى ماتت وذلك حتى لا ترى بعينيها انهيار ومصرع مملكتها وبلادها ؛ وقيل إن الإمبراطور أمر بوضعها في دار بحديقة حيث عاشت فيها بهناء وهدوء ؛ وزوجت بناتها من أشراف العائلات الرومانية ؛ كما أن ابنها الأصغر توج ملكاً على جزء من أرمينيا .

وبذلك انتهت حياة الملكة المحاربة التي قادت جيشها التدميري حيث فرضت سيطرتها جنوباً وشرقاً وغرباً وهي ترتدي خوذتها ، وبذلك حكمت مناطق شاسعة شملت سوريا وامتدت من شواطئ بسفور حتى النيل ؛ مكونة إمبراطورية عرفت بالإمبراطورية الشرقية – مملكة    تدمر – .

على الرغم من أن من يقرأ تاريخ هذه الملكة سيرى روايتين مختلفتين ؛ ففي الرواية العربية هي ابنة ملك انتقمت لوالدها بقتل جذيمة الأبرش ؛ وبالتالي تم خيانتها وقتلها ، أما في الرواية اليونانية فهي امرأة أرملة تولت الحكم وصيةً لابنها وبسطت نفوذها ودولتها ؛ حتى وقعت في أسر الرومان وماتت هناك ، ولكن في كلتا الروايتين هي ملكة شجاعة محاربة وسعت دولتها مقاتلة بشجاعة وقوة دون ضعف ؛ وفي ذات الوقت حكمت رعيتها بالعدل والرحمة ودافعت عنهم ببسالة ليعيشوا في رخاء وسعادة .

المصادر والمراجع :

  1. لسان العرب لابن منظور
  2. تهذيب اللغة للأزهري
  3. الأذكياء لابن الجوزي
  4. الحور العين لنشوان الحميري
  5. كتاب الأغاني للأصفهاني
  6. أعلام النساء لعمر رضا كحالة
  7. الروضة الفيحاء للعمري
  8. تاريخ ابن الوردي
  9. تاريخ أبي الفداء
  10. تاريخ الطبري
  11. تاريخ العرب قبل الإسلام لمحمد طقوس
  12. تاريخ العرب لفيليب حتي
  13. جمهرة أمثال العرب للعسكري
  14. العرب قبل الإسلام لجواد العلي
  15. قصص العرب لإبراهيم شمس الدين

[1] نشرت حلقتها الأولى في العدد الخامس ، المجلد السادس والستين .