مؤامرات ، لقطع صلة العرب بالإسلام ، عبر التاريخ وخيبتها
نوفمبر 10, 2020ثلاث كوارث في عصور الإسلام المختلفة
يناير 6, 2021التوجيه الإسلامي :
مخطَطَ عمليّ للانتفاضة الإسلامية
بقلم : سماحة العلامة الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ( رحمه الله )
النقاط التالية يجب التركيز عليها في الانتفاضة الإسلامية الجديدة ، وصيانة المجتمع الإسلامي من الجاهلية ، التي يتطلبها القرن الخامس عشر الهجري في ضوء الواقع ، وتجارب الماضي .
(1) تحريك الإيمان في نفوس الشعوب والجماهير المسلمة ، وإثارة الشعور الديني فيها ، فإن تمسك هذه الشعوب والجماهير بالإسلام وتحمُسها له ، هو السور القوي العالي الذي يُعتمد عليه في بقاء هذه البلاد ، وكثير من القيادات ، وحكومات العالم الإسلامي في حظيرة الإسلام ، وهي مادة الإسلام ، ورأس ماله والخامات الكريمة التي تستخدم لأي غاية نبيلة ، وهي من أقوى المجموعات البشرية وأحسنها سلامة صدر ، وقوة عاطفة ، وإخلاص .
وذلك مع تحقيق الشروط ، والصفات التي تستحق بها هذه الشعوب النصر من الله ، والتغلب على المشكلات ، والانتصار على العدو ، وإخلاص الدين لله ، والابتعاد عن كل أنواع الشرك والعقائد الفاسدة ، والعادات الجاهلية ، والتقاليد غير الإسلامية ، وعن النفاق ، والتناقض بين العقائد والحياة ، والقول والعمل ، وسير الأمم القديمة التي استحقت بها عذاب الله وخذلانه ، وكذلك سيرة الأمم المعاصرة التي نسيت الله تعالى ، فأنساها نفسها ، وقادت العالم إلى النار والدمار .
هذا مع تنمية الوعي الصحيح ، وتربيته ، والفهم للحقائق والقضايا ، والتمييز بين الصديق والعدو ، وعدم الانخداع بالشعارات والمظاهر ، حتى لا تتكرر مآسي وقوع هذه الشعوب فريسةً للهتافات الجاهلية ، والنعرات القومية ، أو العصبيات اللغوية ، والثقافية ، ولعبة القيادات الداهية ، والمؤامرات الأجنبية ، فتذهب ضحية سذاجتها وضعفها في الوعي الديني والعقل الإيماني .
(2) صيانة الحقائق الدينية والمفاهيم الإسلامية من التحريف ، وإخضاعها للتصورات العصرية الغربية ، أو المصطلحات السياسية والاقتصادية ، والتجنب عن تفسير الإسلام تفسيراً سياسياً بحتاً ، والمغالاة في ” تنظير الإسلام ” ووضعه على مستوى الفلسفات العصرية والنظم الإنسانية ؛ لأن هذه الحقائق الدينية ، هي أساس الإسلام الدائم ، والأصل الذي منه البداية ، وإليه النهاية ، وإليها كانت دعوة الأنبياء ، وفي سبيلها كان جهادهم وجهودهم ، وبها نزلت الصحف السماوية .
والحذر من كل ما يقلل من قيمة الصلة بين الله والعبد والإيمان بالآخرة وأهميتها ، ويضعف في المسلم عاطفة امتثال أمر الله وطلب رضاه ، والإيمان والاحتساب ، والقرب عند الله تعالى ، وهذا التحول يفقد هذه الأمة شخصيتها وقوتها، وقيمتها عند الله ، وكذلك الحذر من كل ما يقلل من شناعة الوثنية العقائدية ، والشرك الجلي ، والعادات والعبادات الجاهلية ، والاكتفاء بمحاربة النظم والتشريعات غير الإسلامية ، فإن ذلك يتجه بهذا الدين عن منهجه القديم السماوي إلى المنهج الجديد السياسي .
(3) تقوية الصلة الروحية والعاطفية بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والحب العميق له ، الذي يؤثره على النفس ، والأهل ، والولد ، كما جاء في الحديث الصحيح ، والإيمان به كخاتم الرسل ، وإمام الكل ، ومنير السبل ، والحذر من كل العوامل والمؤثرات التي تسبب تجفيف منابع هذا الحب ، وإضعافه على الأقل ، وتحدث جفافاً في الشعور ، وضعفاً في العمل بالسنة ، وتجرؤاً في القول ، وانصرافاً عن الافتخار به ، والولوع بدراسة سيرته ، وكل ما يحرك هذا الحب ويغذيه ، ولعل البلاد العربية ( بفعل أحداث ، ودعوات قومية ) أحوج إلى العناية بهذه النقطة ، وأحقّ بها من غيرها ، ففيها كانت البعثة المحمدية ، وفي لغتها نزل القرآن ، ونطق الرسول صلى الله عليه وسلم .
(4) إعادة الثقة في نفوس الطبقة المثقفة ، ومن بيدهم القيادة الفكرية والتربوية والإعلامية في البلاد والحكومات الإسلامية بصلاحية الإسلام وقدرته ، لا على مسايرة العصر وتطوراته وتحقيق مطالبه ، بل على قيادة الركب البشري إلى الغاية المثلى ، وتجديف سفينة الحياة إلى بر السلام والسعادة ، وإنقاذ المجتمع البشريّ من الانهيار والانتحار ، الذي تعرَّض لهما تحت القيادة الغربية الخرقاء ، وأنه ليس ” بطارية ” قد نفدت شحنتها ، أو ذبالة قد نفد زيتها ، واحترقت فتيلتها ، بل هو الرسالة العالمية الخالدة ، وسفينة النجاة التي هي كسفينة نوح ، لا ينجو إلا من ركبها .
إن ضعف هذه الثقة ، أو فقدها هو داء هذه الطبقة المثقفة الناشئة في أحضان الثقافة الغربية ، أو تحت ضغطها ، وهو المسؤول عن كل تصرفاتها ، وسبب الردة الفكرية ، والحضارية ، والتشريعية التي تكتسح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ، وتعاني منه الشعوب المسلمة – التي لا تفهم إلا لغة الإيمان والقرآن ، ولا تتحمس إلا للإسلام – وسبب حدوث هـذا الخليج العميق الواسع بين القيادات والحكومات ، والشعوب والجماهير ، وسبب القلق الذي يساور النفوس ، ويستهلك القوى والطاقات فيما لا يعود على الأمة والبلاد بفائدة .
(5) قلب نظام التربية والتعليم المستورد من الغرب المنتشر السائد في العالم الإسلامي رأساً على عقب ، وصوغه صوغاً إسلامياً جديداً يتفق مع شخصية هذه الشعوب المسلمة ، وعقيدتها ، ورسالتها ، وقامتها ، وقيمتها ، ويبعد هذا الصوغ عنه عناصر الإلحاد ، أو المادية ، وتصور هذا الكون تصوراً مادياً ، والعلوم وحدات متناثرةً متناقضةً ، والطبيعة حرةً قاهرةً ، والتاريخ حوادث غير مرتبطة خاضعةً لقلق وصراع دائمين ، وهكذا ، ولا يصلحه إصلاحاً جزئياً فحسب ، بل يبتكر ابتكاراً جذرياً ، مهما استفاد من الطاقات ، وكلّف من الوسائل ، والنبوغ ، والعبقريات ، وبغير ذلك لا يقوم العالم الإسلامي على قدميه ، وبرأسه ، وعقله ، وإرادته ، وتفكيره ، ولا تدار الحكومات ، والأجهزة الإدارية ، والمرافق العامة إلا برجال مؤمنين أقوياء أمناء مخلصين ، يطبقون التعاليم الإسلامية في الحكومـة والإدارة ، والتربية والإعـلام ، والمجتمع ، فتمثل الحياة الإسلامية بجمالها وكمالها ، وينشأ المجتمع الإسلامي بسماته وخصائصه .
(6) حركة علمية قوية دولية ، تُعرّف الطبقة المثقفة الجديدة بذخائر الإسلام العلمية ، وتراثه المجيد ، وتنفخ في العلوم الإسلامية روحاً من جديد ، وتثبت للعالم المتمدن : أن الفقه الإسلامي وقانونه من أرقى القوانين ، وأوسعها في العالم ، وهو يقوم على أساس من المبادئ الخالدة ؛ التي لن تبلى ، ولن تفقد صلاحيتها في يوم من الأيام ، وهي تصلح لمسايرة الحياة الإنسانية في كلّ زمانٍ ومكان ، وتغنيها عن كل قانون وضعته أيدي الناس .
(7) الحضارة ، عميقة الجذور في أعماق النفس الإنسانية ، وفي مشاعر الأمة وأحاسيسها ، وتجريد أمة عن حضارتها الخاصة – التي نشأت تحت ظلال دينها ، وتعاليم شريعتها ، وكان في صياغتها نصيب كبير للذوق الديني الخاص ، وطابع هذه الأمة الخاص – مرادف لعزلها عن الحياة ، وتحديدها في إطار العقيدة والعبادة ، والطقوس الدينية الضيقة ، وفصل حاضرها عن ماضيها ، فلا بد للحكومات الإسلامية والمجتمعات الإسلامية من التخطيط المدني الإسلامي المستقل البعيد عن تقليد الغرب الأعمى ، والارتجالية ، ومركب النقص ، ولا بد من تمثيل الحضارة الإسلامية في عواصمها ، وفي دوائرها ، وفي بيوتها ، وفي مجتمعاتها ، وفي فنادقها ، ومتنزهاتها ، وإلى حد في مكاتبها ، وطائراتها ، وسفاراتها ، وبذلك لا يعرض العالم الإسلامي نموذجاً للحياة الإسلامية والمثل الإسلامية فحسب ، بل يقوم بدعوة صامتة للإسلام .
(8) معاملة الحضارة الغربية – بعلومها ، ونظرياتها ، واكتشافاتها ، وطاقاتها – كمواد خام ، يصوغ منها قادة الفكر وولاة الأمور في العالم الإسلامي حضارةً قويةً عصريةً مؤسسةً على الإيمان والأخلاق والتقوى ؛ والرحمة والعدل في جانب ، وعلى القوة والإنتاج والرفاهية وحب الابتكار في جانب آخر ، يأخذون من علوم الغرب ما تفتقر إليه أمتهم وبلادهم ، وما ينفع عملياً ، وما ليس عليه طابع غرب وشرق ، ويستغنون عن غيره ويعاملون الغرب كزميل وقرين ، إن كان في حاجة إلى أن يتعلموا منه كثيراً ، فهو في حاجة إلى أن يتعلم منهم كثيراً ، وربما كان ما يتعلمه الغرب منهم أفضل مما يتعلمونه هم من الغرب .
(9) إقناع الحكومات – في بعض البلاد الإسلامية التي مثلت دوراً رائعاً في تاريخ الدّعوة والحضارة الإسلامية – المشغولة بحرب إبادة للعنصر الإسلامي ، أو عملية ” تطوير الإسلام ” وتفسيره وفق مصالحها السياسية ، وأهواء قادتها الشخصية بأنها سياسية عميقة ، لم تنجح في بلد إسلامي ، وإقناعها بتوجيه طاقاتها وإمكاناتها إلى عدو مشترك ، وإلى ما يقوي البلاد والأمة .
وإقناع الحكومات المسلمة – المسالمة للإسلام – بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ، وتهيئة الجو المناسب المساعد على ذلك ، وما يستتبع هذا الأمر من سعادة ، وبركة ، ونصر من الله ، وسعي لتكوين قيادة موحدة تقوم على مبدأ الشورى الإسلامي ، والتعاون على البر والتقوى – والشعور بالتقصير على الأقل – بعدم وجود الأمانة العامة ، أو الخلافة الإسلامية التي كلف بها المسلمون ، وسيحاسبون عليها .
(10) أما البلاد غير الإسلامية فالقيام بالدعوة لها إلى الإسلام والتعريف به بأساليب حكيمة تتفق مع طبيعة الإسلام وروح العصر ، أما البلاد التي فيها الأقليات المسلمة فالاهتمام بتمثيل الإسلام والحياة الإسلامية تمثيلاً يلفت إليه الأنظار ، ويستهوي القلوب ، والقيام بالقيادة الخلقية ، والروحية ، وقبول مسؤولية إنقاذ البلاد والمجتمع من الانهيار الخلقي ، والخواء الروحي ، والتدهور الاجتماعي الذي تعرضت له هذه البلاد حكومةً وشعباً حتى يتهيأ للإسلام أن يثبت جدارته ، وحاجة البلاد إليه ، ويتهيأ للمسلمين أن يقوموا بدورهم البلاغي ، والقيادي في هذه البلاد .