المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد

العلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني : شخصيته البارزة
أغسطس 12, 2020
مساهمات الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مجال الأدب العربي الإسلامي
أغسطس 12, 2020
العلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني : شخصيته البارزة
أغسطس 12, 2020
مساهمات الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مجال الأدب العربي الإسلامي
أغسطس 12, 2020

رجال من التاريخ :

المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد

علَمٌ من أًعْلام الدُّعاة في القَرن العشرين

( أسلم على يديه أكثر من خمسة آلآف شخصية أجنبية )

بقلم تلميذه الدكتور/ غريب جمعة

تعرفت عليه في الستينيات من القرن العشرين أثناء فترة طلب العلم بجامعة الإسكندرية ، ثم توثّقَت صلتي به بعد ذلك فرأيت فيه طرازاً فريداً من الدعاة . إنه يعمل في صمت وصبر واحتساب تحت شعاره الذي وضعه لنفسه ولم ينحرف عنه طيلة حياته وهو :

اعمل ليراك الله وحده .

وكأنه استمده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم         – المتفق عليه – حينما سُئل عن الإحسان فقال :

” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” .

وقد كان التزامه بهذا الشعار سبب محبتي له وإقبالي عليه بالزيارة تارةً وبالمراسلة والاتصال التليفوني تارةً أخرى ، حتى أحسن الظن بشخصي الضعيف فطلب مني الإشراف على تحرير مجلته الغراء ورسائله إبان وعكته الصحية زهاء سبع سنوات ، وهذا شرف لا أدعيه ، بل فضل أرتجيه من الله الذي يستر القبيح ويظهر الجميل .

واقتربت منه أكثر وأكثر فعرفت فيه الداعية المخلص الحصيف المحنك ، والمجاهد الصابر المحتسب ، والصحفي المسلم الواعي لما يدور حوله والمربي الحكيم ، والناصح الأمين ، والمسلم صاحب القلب الرحيم الذي يعيش آلام الناس باذلاً أقصى جهده لتخفيفها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .

فمن هو ذلك الرجل . . ؟ !

إنه السيد المهندس/ محمد توفيق بن أحمد سعد ، مؤسس وصاحب ” دار تبلغ الإسلام ” ومجلة ” البريد الإسلامي ” ومن قبلها مجلة     ” التقوى ” ، الذي سبق لكاتب هذه السطور أن كتب عنه مقالاً عقب وفاته [1] ، وليس ما يكتب اليوم تكراراً لما كتب بالأمس بل هو الحديث عن جانب آخر من جوانب ذلك المجاهد وتجربته الفريدة في الدعوة إلى  الله . والرجل يحتاج إلى دراسة متكاملة عميقة البحث طويلة النفس ، ولعل بعض أساتذة الدراسات العليا بكليات الدعوة وأصول الدين يوجهون طلابهم لمثل هذه الدراسة .

ولما كان مجال الدوريات ( من صحف ومجلات ) لا يتسع لأكثر من لقطات أو صور عن حياة أمثال هذا الداعية فإليك بعض هذه اللقطات من حياة أمدها الله حتى بلغت تسعين عاماً كان منها زهاء سبعة وستين عاماً في خدمة الدعوة إلى الله .

وشاء الله أن ينفع بهذه اللقطات وأن تكون شيئاً من الوفاء من تلميذ صغير لأستاذه الجليل الذي لازمه لأكثر من عشرين عاماً . وقد رحل الرجل عن دنيانا في صمت في التاسع من مايو عام 1991م ، وقد تناساه الدعاة وجفاه الإعلام الإسلامي بكل أسف ، ونحسبه لا يستحق  ذلك . ولا نزكيه على الله .

اللقطة الأولى : إذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه ( طفولة تستحق التأمل ) :

ولد – يرحمه الله – في مدينة الفيوم في الثاني من أغسطس 1902م في بيت عرف بالفضل والعلم والتقوى حيث كان والده من أعيان الفيوم في عصره ووكيلاً لأحد البنوك بها ، وكان يفتح بيته للعلماء ولقراء القرآن ولأصحاب الحاجات وللمتخاصمين ليصلح بينهم ، وكان هذا البيت المبارك بحكم موقعه – الفريد – يواجه كنيسة ويجاور أخرى وكلتاهما من أكبر وأقدم الكنائس بالفيوم . وابتدأ الطفل محمد توفيق يتردد بين المسجد والكنيسة في براءة لاتفرق بينهما ، ثم يعود لوالدته     – رحمها الله – فكانت توجهه بحنان ولطف الأم المسلمة الحكيمة حتى تربى فيه حرية التفكير من التوجيه السديد دون أن تنهره أو توبخه ليتعرف بنفسه على ما يدور داخل الكنائس ويكون له رأيه الشخصي    – فيما بعد – بناء على ما شاهده بعينيه وسمعه بأذنيه .

وذات مرة رآه والده وهو يدخل الكنيسة فكانت الطامة الكبرى والداهية الدهيا ، فهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم ينته عن تردده إلى الكنيسة ، ولكن الطفل محمد توفيق أصر على ذلك فما كان من الوالد إلا أن طرده شر طردة من البيت ( لأنه لايقبل أبداً أن يكون ابنه كافراً على حد تعبيره آنذاك ) .

وخرج ابن العشرة أعوام هائماً على وجهه يحمل كتبه ومصحفه الصغير ولا يدري أين يذهب ، لأن أقاربه لفظوه أيضاً ، عندئذ التقطه مفتش التبشير ( التنصير ) في مصر وقتها ويدعى القس جلوي فرحب به وألحقه بمدرسة إحدى الكنائس على أن يقيم بالسكن الداخلي في حجرة قريبة من حجرته . وبدأ القس يلقي عليه دروساً في مدارس الأحد ولكن الطفل حينما يعود إلى غرفته يقرأ في مصحفه يسجل الفرق بين ما سمع وما يقرأ في المصحف حتى ملأ ثلاثة كراريس . وذات يوم حدث سوء تفاهم بينه وبين القس جلوي فحمل عصاه على كاهله ورحل من الكنيسة إلى غير رجعه ، بعد أن مكث مدة عامين ، ولكن أين سيذهب ؟ إنه طريد الأسرة والأقارب . فلم يجد أمامه إلا مسجد عبد الله بك وهبي وهو من أكبر مساجد الفيوم ( من العجب أن هذا الرجل والد ممثل مشهور ) فجلس فيه ومعه متاعه الزهيد . ولما حان وقت الصلاة جاء عمه للصلاة فسأله عن سبب جلوسه وهو كذا . . . وكذا فقال لعمه : لقد تركت القس جلوي وغادرت الكنيسة وأطلع عمه على الثلاثة الكراريس فضمه . وقبله ثم أخذه وذهب إلى بيتهم ، وما أن طرق الباب ورآه أبوه مع عمه حتى صاح به : أغرب عن وجهي بهذا الولد الكافر . فقال العم ( مبتسماً ) : افتح يا أخي فإن ابنك أحسن مني ومنك . ثم كان صُلحاً بينه وبين الوالد وكان خيراً ودعاء من الوالد والوالدة نفعه الله به طيلة حياته .

اللقطة الثانية : بداية الاشتغال بالصحافة الإسلامية والدعوة إلى الله :

بدأ – يرحمه الله – اشتغاله بالصحافة الإسلامية والدعوة إلى الله حينما أسس جماعة الوعظ والدعوة الإسلامية عام 1923م وأصدر في هذا العام مجلته الأولى ” التقوى ” من صفحة واحدة وعلى ذلك فهي تعتبر من أقدم المجلات الإسلامية في مصر ولا تزال تصدر حتى اليوم بعدما طرأ عليها من التطور الكبير بواسطة جماعة الوعظ والدعوة الإسلامية بالعباسية بالقاهرة وهي غير إدارة الوعظ بالأزهر الشريف ، وانتشرت المجلة في مصر وفي العالم الإسلامي انتشاراً واسعاً بفضل الله .

ولما جاء أوان سفره إلى سويسرا في بعثة لدراسة الهندسة ترك المجلة في رعاية إخوانه من أعضاء الجماعة . وعندما حط رحاله في سويسرا لم تفتنه المدنية الغربية ولم ينس أنه جاء يطلب العلم ، وما دام يريد الدعوة إلى الإسلام فلتكن دعوته بسلوكه القويم وخلقه الكريم أولاً .

ومما خفف من حزنه على ترك نشاطه الإسلامي في مصر أنه وجد المجتمع الذي يعيش فيه يحتاج إلى أضعاف أضعاف ذلك النشاط ليعرف شيئاً عن الإسلام الصحيح . فبدأ الداعية الشاب – طالب العلم – يعرض الإسلام على من يتوسم فيه حسن الإصغاء والقبول لما يقول . وقفزت إلى ذهنه فكرة ” دار تبليغ الإسلام ” فأنشأها في مدينة بادن ( ارجاو ) عام 1929م وجعل هدفها : إعطاء الأجانب فكرة صحيحة عن الإسلام  بلغاتهم ، وتصحيح مفهومهم الخاطئ عنه نتيجة للدعايات المضادة .

ومن تدبير الله له أن الفترة التي قضاها داخل الكنيسة كانت خير معين له على الدعوة إلى الإسلام حيث كان يعرضه مقارناً بتعاليم المسيحية التي حفظها جيداً . ومن العجيب أن بعض القسس كانوا يتدارسون معه المسيحية فيجيبهم إجابة الدارس الخبير ” وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ” ( سورة فاطر : جزء من الآية 14 ) .

فلا يملكون إلا احترامه وتقدير دعوته وإن لم يؤمنوا بها بل من الطريف أن البعض كان يطلق عليه : القديس محمد توفيق !! .

ابتدت الدار تزاول نشاطها في صورة رسائل صغيرة عن الإسلام باللغة الإنجليزية والألمانية ، توزعها على الأجانب في نواديهم وأماكن تجمعاتهم . ولم يكن العمل سهلاً ميسراً بل اعترضته صعاب وصلت إلى أن شنوا عليه حرباً شعواء في الصحف ، فكان يرد عليها بموضوعية تلقم الخصم حجراً ، وربما انقلب بعضهم إلى نصير للإسلام . ولم يكتف بهذه الرسائل ، بل كان يدخل السجون والمستشفيات والنوادي ويستأجر بعض الصالات لإلقاء محاضرات عن الإسلام . ويستأجر بعض الأماكن المخصصة للإعلانات على محطات القطار ليعلن عن داره ودعوته . وكانت هناك أغنية شائعة في ذلك الوقت بعنوان : ” أواخ دوه ” ومعناها : وأنت أيضاً . فكتب على إحدى الإعلانات بالمحطة الرئيسية للقطار : وأنت أيضاً قد فهمت خطأ عن الإسلام !! ثم ابتدأ يعلن في الصحف عن رسائله التي يوزعها مجاناً فجاءته رسائل متعددة من مختلف أنحاء سويسرا والدول المجاورة فكان يرد عليها في صبر وأناة محتسباً لوجه الله .

اللقطة الثالثة : انتقال الدار إلى القاهرة وكيفية عمله فيها :

بعد أن أنهى دراسته بنجاح في سويسرا ، عاد إلى القاهرة عام 1931م وانتقلت معه دار تبلغ الإسلام وبدأ نشاطها ينمو أكثر فأكثر بحكم فهمه لطبيعة الأجانب وكيفية التخاطب معهم وأصدر رسائل الدار بلغات ثمان هي : ( الإنجليزية – الفرنسية – الألمانية – الإيطالية – اليونانية – التشيكية – الاسبرانتية – الأسبانية ) . وكان يرسلها لمن يطلبها أو مع المسافرين للدراسة بالخارج . بل إنه كان يطلب من القراء أن يوافوه بعناوين أصدقائهم الأجانب ليبعث إليهم تلك الرسائل في أي مكان في الدنيا ومن أطرف ما رواه لي : أن الدكتور/ محمود حب الله حينما أوفده الأزهر إلى أمريكا مديراً للمركز الإسلامي بواشنطن لم يجد زاداً يقدمه لرواد هذا المركز إلا هذه الرسائل . ولم يضيع الله جهده هباءاً    – ببركة إخلاصه – فبدأ بعض الأوربيين يهتمون بمعرفة الإسلام ، بل ويعتنقونه بعد قراءتهم لرسائله ثم استفسارهم منه عن بعض الأمور . وكان يعطي من يعتنق الإسلام شهادة بذلك مختومة بخاتم دار تبليغ الإسلام باعتبارها جهة لها وجودها القانوني وتعترف الدولة بها . وكان يكتب في أسفل هذه الشهادة : أي خروج على تعاليم الإسلام يلغي هذه الشهادة . حتى لا يسيئ حاملها إلى الإسلام أو إلى المسلمين أو يستغلها في الحصول على منفعة غير مشروعة وسط الأقليات الإسلامية .

أما الذين يحضرون إلى الدار فكان له معهم أسلوبه الذي يدل على توفيق الله له وبعد نظره . فقد كان يعطيهم رسالةً صغيرةً عن الإسلام ثم يطلب منهم أن يزوروه بعد فترة ثم يناقشهم في محتويات الرسالة بلباقة ، فإن وجد منهم اهتماماً أعطاهم كتاباً أكثر تفصيلاً  هو : قواعد الإسلام وأركان الإسلام حتى يعرفوا مالهم وما عليهم ثم يطلب منهم العودة إليه بعد فترة فإن وجد فيهم صدق الرغبة أعطاهم شهادة بذلك . وقد استطاع بعون الله له أن يُدخل في الإسلام أكثر من خمسة آلاف شخصية أجنبية لكل منهم ملفه الخاص الذي يحفظه عنده . ومما يدل على مصابرته أنه ظل يراسل رجلاً سبعة عشر عاماً !! حتى نطق الشهادتين أخيراً . وكان يراسله خلال هذه الفترة على أنه صديق فقط يسأل عنه ويهنئه بالمناسبات السعيدة ، فتعجب الرجل وقال : كيف تسأل عني وأنا لست بمسلم فقال – يرحمه الله – : هذه أخلاق الإسلام فكان ذلك سبباً لإسلامه .

اللقطة الرابعة : نتائج غير متوقعة . . . لكنها كانت بفضل الله :

لا شك أن نية العبد تؤثر في عمله سلباً وإيجاباً وهي أساس رفضه أو قبوله من الله عز وجل لأن قلوب العباد هي محل نظره سبحانه مصداقاً لحديث رسوله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” ( أخرجه مسلم في صحيحه ( 4/34 بر ) وابن ماجة في سنته ( 2/4143 ) وفي رواية لمسلم أيضاً ) ” إن الله تعالى لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ” [2] .

ومن هنا فإن على العبد أن يخلص نيته لله ثم يأخذ بالأسباب واثقاً أن الله معه بعونه وتأييده وتسديده . وهذا ما فعله الرجل حينما بدأ في طبع رسائل دار تبليغ الإسلام حيث كان البعض ينظر إليه نظرة إشفاق وربما إشفاقاً ممزوجاً بالسخرية قائلاً بلسان الحال لا بلسان المقال : وما قيمة هذه الرسائل وماذا تبلغه ؟ ولكن الرجل مضى في طريقه وقد نبذ وراء ظهره اشفاق المشفقين وسخرية الساخرين حتى أدخل الله في الإسلام على يديه العدد الذي أشرنا إليه آنفاً بل إن مئات الآلاف من المثقفين الأوربيين غيروا نظرتهم إلى الإسلام وقد يعجب القارئ الكريم إذا عرف أن الدار وزعت من هذه الرسائل المجانية منذ تأسيسها عام 1929م حتى 1948م ( 4,020,000 ) أربعة ملايين وعشرين ألف نسخة في الخارج وفي مصر إبان الحرب الكونية ( العالمية ) الثانية بين الجنود الأجانب . ووزعت مأة واثنين وثلاثين ألف نسخة من مجلة البريد الإسلامي منذ صدورها وحتى عام 1948م ( أي نفس العام ) [3] .

بل إن من العجب الذي لا ينقضي منه العجب أن يعلن أحد الأجانب إسلامه ثم يكتب إليه قائلاً : اسمح لي أن أذكر مناسبة اعتناقي الإسلام وإن كانت غير لائقة . لقد دخلت إحدى دورات المياه لقضاء الحاجة ووجدت على حائط المكان كمية من ورق الصحف لاستعمالها في النظافة فأخذت أتسلى بقراءة بعض هذه الأوراق فاسترعى انتباهي إعلان صغير بإحدى الصحف عن رسائلكم المجانية عن شيئ اسمه الإسلام وبه عنوانكم فكتبت إليكم فجاءتني رسالتكم وبعد اطلاعي عليها عرفت أن كل ما قرأته عن الإسلام قبلها ما هو إلا افتراءات ومغالطات تشوه محاسنه وتبعد الإنسان عن الاستزاده منه ثم تفضلتم مشكورين بالإجابة عن أسئلتي بالبيان الشامل الكافي فأحببت الإسلام واعتنقته . كم أرجو أن يضاعف المسلمون جهودهم للتعريف بهذا الدين العظيم [4] .

المخلص : ي . رايخ . زيورخ . سويسرا .

أقول : الله أكبر . . . ورقة أريد استعمالها في النظافة فيأبى الله إلا أن تحفظ من التلوث وتكون سبباً لهداية إنسان إلى الإسلام . أرأيت كيف يفعل الإخلاص مع الله ؟

وقد كتب الله لهذه الرسائل الذيوع والانتشار أكثر مما كان يتوقع – يرحمه الله – فقامت أكثر من جهة بطبعها وتوزيعها حسبة لوجه الله أيضاً ، وأرى أن أذكر على صفحات هذا المنار العالمي أسماء وعناوين هذه الجهات وفاءاً بحقها وتيسيراً للحصول على هذه الرسائل بعد أن كثرت السهام الموجهة إلى الإسلام وكثر أيضاً الراغبون في التعرف عليه بعد أحداث سبتمبر الأخيرة .

(1) مطبعة الكيلاني ( صاحبها هو الأستاذ الأديب رشاد كامل كيلاني نجل رائد أدب الأطفال الأستاذ كامل كيلاني الذي طبع        – يرحمه الله – من الرسالة الإنجليزية وحدها ربع مليون نسخة              ( 250,000 ) ( نفدت كلها والحمد لله ) . وقد كان صاحب هذا القلم هو الذي قام بنقل أصول هذه الرسائل من دار تبليغ الإسلام بالإسكندرية إلى هذه المطبعة بالقاهرة حيث كان حلقة اتصال متواضعة بين الدارين . وعنها أخذت بقية الجهات . عنوان مطبعة الكيلاني : 22 شارع غيط العدة ( وليس غيط العنب كما يظن الكثيرون ) باب الخلق – القاهرة – ج . م . ع .

(2) المركز العام لدعاة التوحيد والسنة . العنوان : 22 شارع العزيز بالله – الزيتون – القاهرة . ج . م . ع .

(3) جمعية البر الإسلامية . العنوان : مسجد حسين صدقي         – المعادي – القاهرة . ج . م . ع .

اللقطة الخامسة : وصدرت ” البريد الإسلامي ” :

تاقت نفسه إلى إصدار مجلة باللغة العربية لأهل الضاد أينما كانوا ، بعد أن استقلت جماعة الوعظ والدعوة الإسلامية بمجلة التقوى ففكر في إصدار مجلة تحمل اسم ” البريد الإسلامي ” لأنها سترسل في معظم الأحيان بالبريد ، وكان ذلك إبان الحرب الكونية الثانية وقد ذاق الأمرَّين حتى حصل على ترخيص بإصدارها من معالي عثمان باشا محرم وزير الأشغال آنذاك حيث كانت جهة عمله تتبع وزارة الأشغال ، وكان القانون ينص على : ضرورة الحصول على موافقة الوزير شخصياً لمن يرغب في الاشتغال بالصحافة الإسلامية من مرؤوسيه في أي مرفق يتبع وزارته ، ثم الحصول على موافقة رئيس الوزراء ( النحاس باشا ) للحصول على حصة الورق المخصص لأية مطبوعة ، من وزارة التموين بالسعر المخفض ولكنه لم ينجح في هذه واستمر يشتري الورق اللازم لمجلته بأسعار مرتفعة من السوق السوداء حتى آخر عدد منها .

وصدر العدد الأول في غرة محرم عام 1362هـ / فبراير1943 ولنقرأ معأ افتتاحية ذلك العدد بعنوان :

” قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ”

” مولاي جل جلالك : سبحانك اللهم فتحت عيني بحكمتك على الوجود فتنسمت عبير التوحيد ، واستنشقت أريج رسالتك ، وهديتني بفضلك إلى سواء السبيل فبهرتني حجتك العليا ، وأخذتني دعوتك كل مسلم ليبلغ رسالتك فشعرت بالحمل العظيم الذي يرزخ تحت عبئه   الإنسان ، وخلصت ربي تكاليف التبليغ من رسول كريم إلى رسول كريم حتى استقرت الأمانة على خاتم الأنبياء سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، ومنه إلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين .

مولاي جل جلالك : لئن رأى بعض المؤمنين في شخصي الضعيف ناحية ترضيك فتعاونوا معي على هذا الخير فإن ذلك من فضلك علينا ، فاللهم أجزل ثوابهم واشدد بهم أزري وأجعل منا قوة تنصرك لتستحق نصرك المبين وثبتنا على الحق حتى نلقاك يا رب العالمين . استغفرك اللهم من كل زلة وأسألك الرحمة والهداية ” .

وأترك لك أخي القارئ التعليق على هذه الافتتاحية .

وبدأت المجلة سيرتها المباركة منبراً لجميع الكتاب الإسلاميين سواء منهم من كان مشهوراً أو مغموراً ما دامت تتوافر في كتاباتهم الموضوعية والإخلاص ، وتتعهد الكتاب الناشئين حتى يستووا على   سوقهم ، وقد كان كاتب هذه السطور ممن تعلموا الكتابة في مدرسة هذه المجلة . وكانت ترسل بالبريد إلى المنتسبين لدار تبليغ الإسلام ولغيرهم في بقاع الأرض وإلى جميع الهيئات والمراكز والجمعيات الإسلامية في الداخل والخارج بالإضافة إلى توزيعها على المترددين على الدار وما أكثرهم .

وكانت في أول الأمر شهرية ثم صارت كل شهرين ثم فصلية كل ثلاثة أشهر . وكان يود أن تكود أسبوعية فيومية ولكن ظروفاً متعددةً حالت بينه وبين ذلك .

وكان يكتب عليها : توزع مجاناً حسبة لوجه الله ولا تقبل الإعلانات ولا الاشتراكات ولاالتبرعات ( اقرأها وأعطها لغيرك  مشكوراً ) .

اللقطة السادسة : جلال المنصب يتواضع لجلال الدعوة في صراحة قول وشجاعة رأي :

بينما كان يجلس الموظف الصغير الشاب/ محمد توفيق أحمد في مقر عمله الحكومي بالورش الأميرية في حي بولاق ( القاهرة ) فوجئ بأحد السعاة يخبره بأن قاضياً شرعياً مهيباً يسأل عنه بالباب فخرج للقائه فإذا به الإمام الأكبر فضيلة الشيخ الأحمدي الظواهري شيخ الأزهر آنذاك ( ولا يخفى على أحد مكانة شيخ الأزهر وجلال منصبه ) فرحب به وأكرمه بما يليق بمكانته ، ثم قال الشيخ : يا بني لقد سمعت عنك وقرأت مجلتك وتابعت نشاط دارك فوجدت فيك ما افتقده في غيرك فأحببتك وقدرتك وها أنا ذا أحضر إليك ولم أوجه إليك دعوة للحضور إلى مكتبي ، وأريدك أن تعمل معي مهندساً لمطبعة الأزهر . فشكره واعتذر له بأدب ولباقة قائلاً : لو كنت موظفاً بالأزهر لما حظيت بشرف زيارتك لي وأنا الموظف الصغير الذي لا يعرفه أحد . فقال الشيخ – يرحمه الله – ما دمت لا ترغب في العمل معي بالأزهر فأنا أطلب منك تكوين جمعية مع أصحاب الأسماء التي سأعطيها لك وأنا من ورائكم بما حباني الله من مكانة لدى المسئولين في مصر والعالم الإسلامي . وأصارحك يا بني أنك تملك حرية الحركة للعمل من أجل الإسلام أكثر مني !! وأنا شيخ  الأزهر ، لأن قيود منصبي تحول بيني وبين ما أصبو إليه لذلك فإني أريد أن أتحرك خارج حدود هذا المنصب من خلال الجمعية التي ستؤلفونها .

وهكذا يكون العلماء الربانيون والدعاة الصادقون ، وظلت العلاقة بينهما على أحسن ما يكون من المحبة في الله والتعاون والمؤازرة والعمل لخدمة دين الله بعيداً عن الشهرة والدعاية حتى انتقل الشيخ إلى جوار ربه [5] .

أما الشيخ محمد عبد اللطيف دراز وكيل الأزهر فكان يقدر جهده ويشيد به في جميع المحافل وإذا ما جاءه شخص أجنبي يريد أن يعرف شيئاً عن الإسلام أو يعتنقه قال – مداعبًا – كعادته : اذهبوا به إلى المهندس محمد توفيق مؤسس دار تبليغ الإسلام فهو الذي يخرج الناس من أديانهم !!

واستمرت الدار تؤدي رسالتها بالقاهرة حتى اضطر إلى نقلها إلى الإسكندرية لأسباب صحية ولكثرة عدد الأجانب بها ، مع وجود من ينوبون عنه في القاهرة لتجميع المراسلات وإحضارها إليه وزاد نشاط الدار أكثر وأكثر حيث فتح الله لها آفاقاً جديدةً بالإسكندرية بالإضافة إلى ما كان بالقاهرة ، وكان ذلك الانتقال في غرة المحرم1382هــ الموافق يونيو 1962م وظل بها حتى أتاه اليقين .

اللقطة السابعة : وجهة نظر جديرة بالتأمل :

لما سألته – رحمه الله – عن رفضه للاشتراكات والإعلانات والتبرعات قال : أما عن الاشتراكات فقد جعلنا رسم الانتساب إلى الدار خمسة عشر قرشاً في العام في البداية !!! أقول مرةً أخرى خمسة عشر قرشاً وليس خمسة عشر جنيهاً ، وسجلنا ألفاً وخمس مأة منتسب لم يواظب على السداد منهم إلا اثنا عشر منتسباً !!! هل تصدق ؟ وعلى الرغم من ذلك كانت مصلحة الضرائب تلاحقني إلى حد المضايقة ظناً منها أنني أجمع مبالغ طائلة من وراء هذا الرسم مما اضطرني إلى توزيع المجلة  مجاناً .

أما الإعلانات فإنني اتحرج منها لأنني حينما أعلن عن جودة سلعة معينة وأروج لها وأغري الناس بشرائها وأنا لم أجربها بل ما رأيتها . . ألا يقترب هذا من شهادة الزور ؟

وأما عن التبرعات فأنا لا أعرف مصدر المال الذي يأتيني مع حسن الظن بالمسلمين . ثم الأهم في هذا الأمر هو : ماذا يكون مصير المجلة إذا توقفت هذه الإعلانات والتبرعات ؟ لقد عرفت مجلات وصحف كثيرة توقفت حينما نضبت هذه المصادر . لذلك استعنت على أداء رسالتي بالله ثم بمرتبي الضئيل وببعض ما تركه الوالد – يرحمه الله – . وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ، وقد استعنت به سبحانه من أي عرض دنيوي أصيبه في هذا السبيل وأرجو أن أكون على عهدي معه جل جلاله .

ولما ناقشته عن سر عزوفه عن الشهرة من خلال اللقاءات الإذاعية أو التليفزيونية أو الصحفية قال : أخشى أن يصيبني الغرور والعياذ بالله . كما أننا حينما نتحدث عن دار تبليغ الإسلام فمن يدرك أن لا يقوم في المقابل عشرون دار لهدم الإسلام ؟ ( إن لم تكن قائمةً ) . إننا يا ولدي نتكلم أكثر مما نعمل وغيرنا يعمل بجد ونشاط ولا يفتح فمه بكلمة واحدة . وعلينا حينما نذكر من يدخلون في الإسلام أن نذكر بأسى وحسرة من يخرجون من الإسلام تحت ضغوط متعددة أو يصبحون زائغي العقيدة لا هم من المسلمين ولا من غيرهم إننا في حاجة إلى تضافر الجهود لإصلاح مجتمعاتنا . ولا تتصور مدى الحرج والخجل الذي أشعر به حينما يأتيني أجنبي أعتنق الإسلام ليرى المجتمع الإسلامي . ومن سوء حظي أن أحدهم جاءني بالقاهرة وكنت انتظره على محطة القطار الرئيسية وما إن نزل من القطار وسرنا قليلاً حتى توقف وقال غاضباً : هل أنا في بلد   مسلم ؟ قلت لماذا ؟ قال ألا ترى هذا الإعلان عن نوع من أنواع الخمور ؟ ثم أضاف قائلاً : الحمد لله على أنني اعتنقت الإسلام قبل أن أرى بلاد المسلمين وقد كان ذلك في الثلاثينيات من القرن العشرين . إننا يا بني لا بد أن ندعو الله على بصيرة وأن نفقه أولويات هذه الدعوة حتى لا نكون أشبه بالمحامي الفاشل الذي يدافع عن قضية ناجحة .

وغربت شمس العمر :

وكما تغرب شمس السماء فلا بد لشمس العمر من الغروب أيضاً سنة الله في خلقه . ” فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً ” ( فاطر : من الآية 43 ) .

وفي اليوم التاسع من مايو عام 1991م غربت شمس عمر ذلك المجاهد العظيم ورجعت النفس المطمئنة إلى ربها راضيةً مرضيةً – إن شاءالله – بعد هذه الحياة المديدة الحافلة بمختلف أنواع العطاء لخدمة الإسلام والمسلمين . وتوقف نهر هذا العطاء لأن قانون المطبوعات يقضي بإلغاء ترخيص الصحف والمجلات التي يصدرها الأفراد بمجرد وفاتهم ولا يسمح بنقلها أو التنازل عنها لشخص آخر حال حياتهم . ونحن نناشد المسئولين من خلال هذا المنبر العالمي أن يراجعوا أنفسهم وأن يتم إلغاء هذا القانون وليضعوا من الضوابط ما يشاءون حتى لا تنحرف مجلة أو صحيفة عن هدفها التي صدرت من أجله . . . وبعد :

فقد أطلت عليك أخي القارئ . . وعسى أن أكون قد نجحت بهذه اللقطات في تقديم صورة مصغرة – جدًا – لهذا الداعية الذي كان يقوم بعمل مؤسسة كاملة بمفرده تحت شعاره الذي وضعه لنفسه ” إعمل ليراك الله وحده ” .

ويبقى السؤال : هل يتكرر هذا النموذج من الدعاة ؟

شكر لا بد منه :

يشكر صاحب هذا القلم الإخوة القراء الأعزاء الذين اطلعوا على ما كتبه من قبل عن هذا الداعية ثم اتصلوا به يطلبون المزيد من المعلومات عنه .

وهو يحيلهم إلى كتابه الذي ألفه – بعون الله – عنه بعنوان : محمد توفيق بن أحمد سعد ، رائد تبليغ الإسلام في عيون معاصريه .

الناشر : دار البصائر ( تغير اسمها إلى دار ميراث النبوة ) – درب الأتراك – خلف الجامع الأزهر . القاهرة .

ونعوذ بالله أن يكون ذلك حديثاً عن النفس أو تزكية لها وإنما هو رد على من اتهمني – بحسن نية – بالتقصير في حق الرجل بعدم إصدار مؤلف عنه بعد التشرف بخدمة داره ومجلته هذه الفترة الطويلة .

وآخر دعوانا : اللهم طهر أعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

[1] هذا المقال بعنوان ” كلمة وفاء لوجه الله ” وكنت قد فقدت الأمل في نشره بمجلة الوعي الإسلامي بسبب الحرب العراقية الكويتية فأرسلت إلى مجلة البعث الإسلامي الهندية عدد صفر 1412هــ ثم نشرته الوعي في عدد شوال من نفس العام .

[2] فيض القدير ، شرح الجامع الصغير للمناوي . الجزء الثاني ، ص 1649 . مكتبة نزار   الباز ، مكة المكرمة ، الطبعة الأولى 1418هـ/ 1998م .

[3] مجلة البريد الإسلامي . الافتتاحية . العددان 61 – 62 ، المحرم وصفر 1347هــ/ ديسيمبر 47 – يناير 1948 السنة السادسة .

[4] بريد الخارج ، مجلة البريد الإسلامي ، العددان 164 – 163 ، رجب وشعبان 1375هــ/ مارس 1956م ، السنة الرابعة عشرة .

[5] مجلة البريد الإسلامي . العددان جمادى الأولى وجمادى الآخرة ، 1363هــ – مايو ويونيو 1944م ، السنة الثانية .