تاريخ الصحافة العربية سابقاً ودورها في نشر الأدب العربي
يوليو 25, 2020سلطانات وحاكمات من التاريخ
أغسطس 11, 2020دراسات وأبحاث :
بين الطاعون و ” كورونا فيروس ” أسبابه وتعليمه
الأستاذ همايون كبير *
إن طاعون كورونا فيروس قد ابتدأ من الصين وقد مرض به امرأة أولاً في بلاد أوهان ثم انتشر منها في نواحي البلاد ، ثم منه إلى العالم حتى وصل ذلك إلى مأتي دولة ، ومرض به كثير من الناس ومات به خلق كثير في العالم فوق مأة ألف ، وذلك بسبب سوء الأعمال ، كما أشار إليه قوله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ) [1] .
لكن هذا الطاعون عذاب للكفار وكفارة الذنوب للعاصي وسبب رفع الدرجات لغير العاصي . وقد قال عليه السلام : أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى ، وَالطَّاعُونِ ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لأُمَّتِي ، وَرَحْمَةٌ ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ [2] .
وفيه فضل الشهادة كما روى البخاري : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ) [3] .
قال أبو الحسن المدائني : كانت الطواعين المشهورة العظام في الإِسلام خمسة : طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستّ من الهجرة ، ثم طاعونُ عمواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام ، مات فيه خمسةٌ وعشرون ألفاً ، ثم طاعونُ الجارف في زمن ابن الزبير في شوّال سنة تسع وستين ، مات في ثلاثة أيام في كلّ يوم سبعون ألفاً ، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً ، وقيل : ثلاثة وسبعون ابناً ، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابناً ، ثم طاعون الفتيات في شوّال سنة سبع وثمانين ، ثم طاعون في سنة إحدى وثلاثين ومأة في رجب ، واشتدّ في رمضان ، وكان يُحصى في سكة المِربد في كل يوم ألف جنازة ، ثم خفّ في شوّال . وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين ، وفيه توفي المغيرة بن شعبة [4] .
وقال ابن الجوزي : في الجدوب وعموم الموت : أجدبت الأرض في سنة ثماني عشرة فكانت الرّيح تسفي تراباً كالرماد فسمي عام الرّمادة وجعلت الوحوش تأوي إلى الأنس فآلى عمر ألا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتّى يحيى النّاس ، واستسقى بالعبّاس فسقوا وفيها كان طاعون عمواس مات فيه أبو عبيدة ومعاذ وأنس .
وفي سنة أربع وستّين وقع طاعون بالبصرة وماتت أم أميرهم فما وجدوا من يحملها .
وفي سنة ستّ وتسعين كان طاعون الجارف هلك في ثلاثة أيّام سبعون ألفاً ومات فيه لأنس ثمانون ولداً وكان يموت أهل الدّار فيطين الباب عليهم .
وفي سنة إحدى وثلاثين ومأة مات أول يوم في الطَّاعون سبعون ألفاً وفي الثَّاني نيف وسبعون ألفاً وفي اليوم الثَّالث خمد النّاس .
وفي سنة تسع عشرة وثلاث مأة كثر الموت وكان يدفن في القبر الواحد جماعة .
وفي سنة أَربع وثلاثين وثلاث مأة ذُبح الأطفال وأكلت الجيف وبيع العقار . برغيفين واشترى لمعز الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم .
وفي سنة أَربع وأربعين وثلاث مأة عمت الأمراض البلاد فكان يموت أهل الدَّار كلهم .
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاث مأة أصاب أهل البصرة حر فكانوا يتساقطون موتى في الطرقات .
وفي سنة ثمان وأربعين وأربع مأة عم القحط فأُكلت الميتة وبلغ المكوك من بزر البقلة سبع دنانير والسفرجلة والرمانة ديناراً والخيارة واللينوفرة ديناراً وورد الخبر من مصر بأن ثلاثة من اللُّصوص نقبوا داراً فوجدوا عند الصّباح موتى أحدهم على باب النقب والثَّاني على رأس الدرجة والثَّالث على الثّياب المكورة .
وفي السّنة الَّتي تليها وقع وباء فكانت تحفر زبية لعشرين وثلاثين فيُلقون فيها ، وتاب النّاس كلهم وأراقوا الخمور ولزموا المساجد .
وفي سنة ستّ وخمسين وأربع مأة وقع الوباء وبلغ الرطل من التّمر الهنديّ أَربعة دنانير .
وفي سنة اثنتين وستّين وأربع مأة اشتدّ الجوع والوباء بمصر حتّى أكل النّاس بعضهم بعضاً وبيع اللوز والسكر بوزن الدّراهم والبيضة بعشرة قراريط وخرج وزير صاحب مصر إليه فنزل عن بغلته فأخذها ثلاثة فأكلوها فصُلبوا فأصبح النّاس لا يرون إلا عظامهم تحت خشبهم وقد أكلوا .
وفي سنة أربع وستّين وأربع مأة وقع الموت في الدّوابّ حتّى إن راعياً قام إلى الغنم وقت الصّباح ليسوقها فوجدها كلها موتى [5] .
وروي عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ : مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ” الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ . وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ ” . قَالَ يَحْيَى ، وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ ، قَالَ أَبُو النَّضْرِ : ” لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلاَّ فِرَارٌ مِنْهُ ” [6] .
تعارف الطاعون :
قال ابن منظور : الطَّاعون لغة : المرض العامّ والوباء الَّذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان .
وذكر في المعجم الوسيط : الطَّاعون داء ورميّ وبائيّ سببه مكروب يصيب الفئران ، وتنقله البراغيث إلى فئران أخرى وإلى الإنسان .
وقال النّوويّ : الطَّاعون قروح تخرج في الجسد فتكون في الآباط أو المرافق أو الأيدي أو الأْصابعِ وسائر البدن ، ويكون معه ورم وألم شديد ، وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسودّ ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجيّة كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيئ .
والطَّاعون يعبّر به عن ثلاثة أمور :
أحدها : هذا الأثر الظَّاهر ، وهو الَّذي ذكره الأطبّاء .
والثَّاني : الموت الحادث عنه ، وهو المراد بالحديث الصّحيحِ في قوله : الطَّاعون شهادة لكل مسلم .
والثَّالث : السّبب الفاعل لهذا الدّاء ، وقد ورد في الحديث الصّحيحِ : أنّه بقيّة رجز أرسل على بني إسرائيل . وورد فيه أنّه وخز أعدائكم من الجنّ وجاء أنّه دعوة نبيّ [7] .
أسباب هذا الطاعون :
لكل طاعون أسباب نلاحظها بالقرآن والسنة كما يلي :
الابتلاء :
كما قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) [8] .
وإن الله تعالى يبتلي هذه الأمة بالطاعون كثيراً وإليه أشار قوله عليه السلام : عن أبي موسى رضي اللّه عنه ، عن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنّه قال : ” فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا الطَّعْنَ ، فَمَا الطَّاعُونُ ؟ ، قَالَ : ” وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ ، وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ ” [9] .
السبب الأعظم : المعاصي والآثام :
كما قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) [10] .
عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : ” إِذَا بُخِسَ الْمِيزَانُ حُبِسَ الْقَطْرُ ، وَإِذَا كَثُرَ الزِّنَا كَثُرَ الْقَتْلُ وَوَقَعَ الطَّاعُونُ ، وَإِذَا كَثُرَ الْكَذِبُ كَثُرَ الْهَرْجُ ” [11] .
وروى ابن ماجة : عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ” [12] .
فضل الطاعون :
من مات على الطاعون فهو شهيد يوم القيامة ، كما روى البزاز :
عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَالَ : يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ فِي الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ : إِخْوَانُنَا ! وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ : إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا متْنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ تُشْبِهُ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مَعَهُمْ وَمِنْهُمْ ، فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَإِسْنَادُهُ حسن [13] .
وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ؟ ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، قَالَ : ” إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ ” ، قَالُوا : فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ” مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ” ، قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : ” وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ” [14] .
ترك الجمعة والجماعة في الطاعون وكورونا فيروس :
في مثل كرونا فيروس يجوز ترك الجمعة والجماعة وتفصيلها فيما يأتي :
- من يمرض بمثل فيروس كورونا يحرم عليه حضور الجمعة والجماعة .
- من ، يحتمل بمثل فيروس كورونا بالعلامات المشكوكة يجب عليه أن يحترز عن حضور الجماعة والجمعة .
- ومن يخاف مرض العدوى لا ينبغي أن يحضر المسجد ، لأنه لا عدوى للمرض في الإسلام لكنه قد يسبب أي أن الفيروس يتعدى عادة بإذن الله تعالى ، ولكن المرض يكون بإذن الله تعالى .
- ومن كان صحيحاً يكون له حضور الجمعة والجماعة عزيمةً وعدم الحضور رخصةً لأن الاحتياط أولى ، وأيضاً فيه أمر وإرشاد من جانب الحكومة . فيكون حضوره نفلاً كالمسافر . لأن عذر الفيروس فوق عذر البرد والمطر والسفر ، ويستدل على ذلك :
روى عن عبيد اللّه بن عمر ، قال : حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، قَالَ : أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : ” أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ” فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ ، أَوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ [15] .
وروى البخاري :
عن عبد اللّه بن الحارث ، قال : خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَذغٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ ” الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ ” ، فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ : ” فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ ” ( والرزغة : الطين القليل من مطر وغيره ) [16] .
وروى النسائي :
عن عمرو بن أوس يقول : أَنْبَأَنَا رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ مُنَادِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ فِي السَّفَرِ يَقُولُ : ” حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ . حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ . صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ” [17] .
وذكر في الموسوعة الفقهية الكويتية : النّداء بالصّلاة في المنازل : يجوز للمؤذّن أن يقول عند شدّة المطر أو الريحِ أو البرد : ألا صلُّوا في رحالكم ، ويكون ذلك بعد الأذان ، وقد روي أنّ ابن عمر أذَّن بالصّلاة في ليلة ذات برد وريحٍ ، ثمّ قال : أَلا صلُّوا في الرّحال ، ثمّ قال : إنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ أَنْ يَقُول : أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَال ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَال فَالصَّلاَةُ فِي الرِّحَال [18] .
وقال الكشميري : إن صلاةَ الجمعة عَزْمة ، فلولا أَمَرْت بهذه الكلمات أن ينادى بها في الأذان لحضرتم كلكم ، وربما تحرَّجتم ، فصلَّيت بالحاضرين ، وأعلنت بتلك الكلمات لمن أَرَاد أن لا يَحْضُرها ، ويصلِّي في بيته [19] .
الطاعون يعلمنا :
يعلمنا الصبر :
كما روى البخاري : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ ، فَأَخْبَرَنِي ” أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ ” [20] .
يعلمنا في احتياط الطعام :
كما روي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : غَطُّوا الإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَمْ يُغَطَّ ، وَلاَ سِقَاءٍ لَمْ يُوكَ ، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ [21] .
يعلمنا التوبة والاستغفار :
ويحفظ الناس وينجيهم من الطاعون الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار لأن الطاعون للمعاصي فيجب عليهم التوبة والاستغفار كا أشار إليه تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) [22] .
يعلمنا الصدقة :
كما روي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتَقَعُ فِي يَدِ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ ، وَإِنَّ اللهَ لِيَدْفَعُ بِهَا سَبْعِينَ بَابًا مِنْ مَخَازِي الدُّنْيَا ، مِنْهَا الْجُذَامُ ، وَالْبَرَصُ ، وَسَيِّئُ الْأَسْقَامُ ، سِوَى مَا لِصَاحِبِهَا مِنَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ ” . غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، لَمْ نَكْتُبْهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عُلَاثَةَ عَنْ ثَوْرٍ [23] .
يعلمنا ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
قال الشافعي رحمه الله انفس ما يداوى به الطاعون التسبيح ووجّهه بأن الذكر يرفع العقوبة والعذاب ، قال تعالى : ” فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ” ، وكذا كثرة الصلاة على النبي المحترم صلى الله تعالى عليه وسلم ، لكن مثل هذا إنما يكون مؤثراً إذا اقترن بالشروط الظاهرة والباطنة إذ ليس كل ذكر وصلاة شفيعاً عند الحضرة الإلهية [24] .
يعلمنا الدعاء إلى الله تعالى :
كما روي عن سعد ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْئ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، مَرَّةً : عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعْدٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ [25] .
وأيضاً روي عن أبي الضّحى ، عن ابن عبّاس ، حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، ” قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار ، وقالها محمّد صلَّى الله عليه وسلّم ” حين قالوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ، وَقَالُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) ( آل عمران : 173) [26] .
وإن الله تعالى توعد لصيانة أهل المدينة عن الطاعون فقط حيث روى البخاري : عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ” عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ، وَلاَ الدَّجَّالُ ” [27] .
وكذلك يعلمنا النظافة والطهارة ومداومة الوضو والسكونة في البيت وترك المنكرات والفواحش ، فالله تعالى يعيذنا عن الوباء والطاعون لا سيما من كرونا فيروس فاللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ ، وَالْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ . آمين يا رب العالمين .
* الأستاذ المساعد ، جامعة شيتاغونغ ، ( بنغال الشرقية ) .
[1] القرآن الكريم ، الروم ، الآية: 41 .
[2] أحمد بن حنبل أسد ، مسند أحمد بن حنبل ، ( بيروت: عالم الكتب ، 1419هـ – 1998م ) ، رقم الحديث : 21048 .
[3] البخاري ، محمد بن إسماعيل ، الجامع الصحيح ، ( القاهرة : دار الشعب ، 1407 – 1987م ) رقم الحديث : 3870 .
[4] النووي ، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف ( المتوفى : 676هـ ) ، الأذكار ، ( بيروت : دار الفكر ، 1994) ، ص 275 .
[5] ابن الجوزي ، المدهش ، ( بيروت : دار الكتب العلمية ، 1985م ) ، ص 70 .
[6] مالك بن أنس ( المتوفى : 179هـ ) ، الموطأ ، ( الإمارات : مؤسسة زايد ، 1425هـ – 2004م ) ، رقم الحديث : 674 .
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية ، 45 جزءاً ، ( الكويت : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ، من 1404 – 1427هـ ) ، ج 28 ، ص 329 .
[8] القرآن الكريم ، البقرة ، الآية : 156 .
[9] الطبراني ، سليمان بن أحمد اللخمي الشامي ، أبو القاسم ( المتوفى : 360هـ ) ، المعجم الأوسط ، المحقق : طارق بن عوض الله بن محمد ، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ، ( القاهرة : دار الحرمين ، د . ت ) ، رقم الحديث : 1396 .
[10] القرآن الكريم ، الشورى ، الآية : 30 – 31 .
[11] الحاكم النيسابورى ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه ( المتوفى : 405هـ ) ، المستدرك على الصحيحين ، ( القاهرة : دار الحرمين ، 1417هـ – 1997م ، رقم الحديث : 8536 .
[12] ابن ماجة ، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ، سنن ابن ماجة ، ( بيروت : دار إحياء الكتب العربية ، ( د . ت ) ، رقم الحديث : 4019 .
[13] البزاز ، أبو بكر أحمد بن عمرو ، مسند البزاز ، ( المدينة المنورة : مكتبة العلوم والحكم 2009م ) ، رقم الحديث : 4194 .
[14] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 1915 .
[15] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 632 .
[16] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 616 .
[17] النسائي ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي : ( بيروت : دار المعرفة 1420هـ ) ، رقم الحديث : 653 .
[18] الموسوعة الفقهية الكويتية ، المرجع السابق ، ج 2 ، ص 362 .
[19] الكشميري ، فيض الباري ، ( ديوبند : مكتبة مشكاة ، د . ت ) ، ج 2 ، ص 216 .
[20] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 3474 .
[21] أحمد ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 14889 .
[22] القرآن الكريم ، الرعد ، الآية : 11 .
[23] الأصبهاني ، حلية الأولياء ، ( بيروت : دار الكتاب العربي ، 1409 ) ، ج 4 ، ص 81 .
[24] إسماعيل حقي ، روح البيان ، ( بيروت : دار الفكر ، د . ت ) ، ج 1 ، ص 146 .
[25] الترمذي ، محمد بن عيسى ، أبو عيسى ( المتوفى : 279هـ ) ، سنن الترمذي ، المحقق : بشار عواد معروف ، بيروت : دار الغرب الإسلامي ، سنة النشر : 1998م ) ، رقم الحديث : 3505 .
[26] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 4563 .
[27] البخاري ، المرجع السابق ، رقم الحديث : 1880 .