جائحة كورونا وانعكاساتها السلبية والإيجابية على المجتمع
يوليو 3, 2020صحافة الأطفال والشباب في الهند : آفاق وآمال
أغسطس 12, 2020صور وأوضاع :
دعوها ، فإنها منتنة
محمد فرمان الندوي
مفاجآت يتندى لها جبين الإنسانية :
” الشرق شرق ، والغرب غرب ، لا يلتقيان ” ، هذا ما أبداه الكاتب والشاعر البريطاني رودياد كيبلنغ ( 1865 – 1936م ) ، هذه القولة ليست جملةً فحسب ، بل إنما تنم عن حضارة وحياة يعيشها الغرب منذ أمد بعيد ، فهناك فوارق وامتيازات بين شعب وشعب ، وجماعة دون جماعة فضلاً عن الشرق والغرب ، وكل ذلك على أساس اللون والجنس واللغة ، وقد جرّ ذلك إلى اشتباك حروب ومفاجآت ، يتندي لها جبين الإنسانية . وقد حدث في 25/ مايو عام 2020م في مدينة منيا بولس بولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية من خنق الأمريكي الأسود جورج فلايد البالغ من عمره 46/ عاماً ، وقد ضغط على عنقه بركبته أحد رجال الشرطة ، وهو يقول : لا أستطيع التنفس ، وقد مات فلايد بعد دقائق ، فاشتبكت الاضطرابات وأعمال الشغب في مختلف مدن أمريكا ، وخرجت المسيرات والاعتصامات في دول أخرى من ألمانيا وأسبانيا وبريطانيا وغيرها ، وجرى النهب والسرقة والإفساد ، ووصل المحتجون إلى البيت الأبيض ، حتى لجأ دونالد ترمب إلى النفق الداخلي نجاةً بنفسه ، وقد ندَّد العالم أجمع بالإضافة إلى مجلس حقوق الإنسان بهذه الجريمة النكراء ، وأمر بإعداد تقرير حول العنصرية ضد الأماركة السود . ومما يستغرب أن أمريكا تدعي بمراعاة حقوق الإنسان ، وتزعم لصيانة أعراضه ، وأنشأت لذلك كثيراً من اللجان والمنظمات العالمية والداخلية ، لكن مواطنيها السود لم يذوقوا حلاوة هذه الجمعيات والمنظمات ، وقد ذاقوا ، ولا يزالون يذوقون مرارة الحياة ، ومن بينها قتل جورج فلايد وأبناء جنسه من المواطنين السود .
هذا ليس أول ما وقع في الولايات المتحدة من إهانة للإنسانية ، بل كما أفادت الصحف أن هذه الجريمة فتحت ملف الاضطهاد الذي يتعرض لها المواطنون السود على أيدي الشرطة ، وكان أساس هذا الاضطهاد التمييز العنصري ، الذي نشأت جذوره في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الاستعمار الأوربي في القرن السادس عشر الميلادي ، ومنذ ذلك الوقت لا تزال تقع مثل هذه الحوادث حيناً لآخر ، وقد مُنح البيض كثيراً من الحقوق والتسهيلات كما حُرم السود منها ، فكان نتيجة ذلك هذه الوقائع الهائلة ، وقد عرف التاريخ رجلاً أسوأ سيرةً وسلوكاً ، اسمه هتلر ، الذي قتل آلاف مؤلفة من الناس على أساس العنصرية ، وقد سرى سرطان القومية العربية إلى جسم العرب ، فاختلطت بلحومهم ودمائهم ، فكان نتيجة ذلك ما سجله التاريخ بأمانة وصدق .
اليهود أكثر الناس عنصريةً :
كانت لدى اليهود عنصرية منذ زمن قديم ، فلا يعتبرون غير اليهود إلا أراذل وأشرار أو عصاة مجرمين ، فاليهودية ليست ديناً إرسالياً ، وكل من كان من بداية خلقه وولادته يهودياً يعتبر يهودياً ، وقد احتكروا الجنة ومنازلها ، وظنوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وزعموا أنهم : شعب الله المختار ، وقالوا : لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ( البقرة : 80 ) ، لكن هذه العنصرية لم تدفع عنهم البلاء ، ولم تغن عن عذاب الله شيئاً ، سلط الله عليهم مرتين أولي بأس شديد ، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ، وجعل منهم القردة والخنازير وألحق بهم الخزي والعار أينما كانوا إلى يوم القيامة ، وصاروا مغضوباً عليهم ، وقد فند الله دعاويهم الكاذبة بكلامه الحق : لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ( النساء : 123 ) .
وبناءً على هذا جرت محاولات اليهود من زمن قديم في الاستيلاء على الأرض المقدسة ، وقد أجلوا منها إجلاءً لسوء أعمالهم وفساد عقيدتهم ، رغم ذلك كله كانت تشتعل نار قلوبهم بالعصبية الشديدة ، فنجحوا في إنشاء دويلة باسم إسرائيل في قلب العالم العربي ، ومن ثم السيطرة على المسجد الأقصى في الحرب بين العرب وإسرائيل ، وجعلوا ينشئون مستوطنات يهوديةً منذ مدة ، حتى جاءت صفقة القرن من خلال مؤتمر السلام لأجل الازدهار في البحرين ، وهي محاولة ماكرة مشئومة ضد الأرض المقدسة ، وأبدت إسرائيل الآن هدفها عن أنها تضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ، وكل ذلك لإقامة الهيكل السليماني الذي يتمنون بناءه على أرض فلسطين . لكن أبطال البلاد عزموا على أن لا يكون هناك تدخل صهيوني ، وإن جرّ ذلك إلى إراقة الدماء وإزهاق الأنفس والأرواح .
الهندوس وانتماؤهم إلى العنصرية :
ورد الآريون الهند غير المنقسمة ، كما ذكر المؤرخون سنة 1500 قبل الميلاد ، فأزاحوا من الهند سلطة دراور ( السكان الأصلاء في الهند ) ، وذلك باستبعادهم أو بدفعهم إلى الجنوب ، وقسموا الشعب الهندي في أربعة أصناف ، وذلك على أساس العنصرية : البراهمة ( رجال الدين ) الويش ( رجال الحرب ) كهتري ( رجال الزراعة ) شودر ( رجال الخدمة ) ، فهذه الأعمال مُنحت بناءً على أن البراهمة خُلقوا حسب اعتقادهم من الرأس ، فهم ذوو احترام وقدسية ، وهلم جراً ، ولا تزال هذه التقسيمات الظالمة الجائرة توجد في المجتمع الهندي ، وتتأثر بها الطبقات الأخرى من المسلمين وغيرهم ، فبدأوا يحتقرون طبقةً دون طبقة ، ويزدرون جماعةً دون جماعة .
كان التفاوت الطبقي في فارس شديداً جامحاً ، وكان الأشراف يعتبرون أنفسهم فوق العامة ، وكان المجتمع الإيراني مبنياً على احترام النسب والحِرف ، وكان بين طبقات الأمة فجوة واسعة ، يقوم الخدام بكل احترام وأدب أمام الأمراء ، وهم رهين إشارة وطوع وأمر ، كأنهم جماد لا حراك بهم ، ويجلسون مزجر الكلاب ، وقد اخترعوا لذلك آداباً وأصولاً ، فلا يخاطبون الرؤساء والأشراف إلا بها ، ولا شك أن هذا المنهج من الحياة فيه امتهان للإنسانية . وقد شاع هذا الأسلوب في الدول المجاورة لها ، وانتقل إلى لغاتها وحضارتها ، فلها تعبيرات خاصة وجمل معينة يتمسك بها أهلها خلال الكلام والحوار – أعاذنا الله منها – .
الخلافات الإسلامية وأسباب تبعثرها :
إن وحدة المسلمين وتراصَّهم كانت مبعث فتوحات واسعة في كل الخلافات : الراشدة والأموية والعباسية والأندلسية ، والعثمانية ، وقد استنتج الباحثون من انهيار الدول الإسلامية العنصرية والعصبية الجامحة ، دام سلطان الأندلس الإسلامية نحو سبعة قرون ، لكن سرى إليها اختلاف ربيعة ومضر ، فانقمست الأندلس دويلات حقيرةً ، وأصبح المسلمون كالريش في مهب الرياح ، أما انهيار الخلافة العثمانية فقد سوَّل الشيطان العرب بأن الترك هم العجم ، وهم يحكمون العرب من مسافات شاسعة ، هذه البذرة المشئومة نشأت في صورة الشعوبية القديمة والحديثة ، ولم يمض زمن إلا ألغيت الخلافة العثمانية بيد عملاء صهيون عام 1924م ، وأصيب العالم الإسلامي من جديد بالهزيمة النكراء على أوسع نطاق ، رغم أن الخلافة العثمانية كانت شوكة الإسلام والمسلمين وقوتهم ، وتخفق راياتها على القارات الثلاث ، تهابها أوربا وآسيا وإفريقيا ، وقد حكمها أربعون خليفة ، أولهم السلطان عثمان خان ، وآخرهم السلطان عبد الحميد ، وكان أشهرهم السلطان محمد الفاتح ، الذي فتح القسطنطينية ، وأبدل اسمها باستنبول ، ومن زمن السلطان سليم اتسعت دائرة الخلافة العثمانية إلى الشام والحجاز والعراق ، لكن يا لخبث هذه العصبية والعنصرية انفلت زمام الخلافة من أيدي سلاطينها ، وانتقل إلى أحد عملاء أوربا مصطفى كمال أتاتورك ، الذي تردَّى بتركيا وسلطاتها إلى أسفل سافلين .
دعوها فإنها منتنة :
أول عنصري في الكون هو إبليس ، الذي استكبر على الله تعالى ، وقال : أنا خير من آدم ، ثم كان العنصريون في زمن الأنبياء الماضين ، تمردوا عليهم ، وقالوا : من هو أشد منا قوةً ، وأتباع الأنبياء أراذلنا بادئ الرأي ، وقد اشتدت العنصرية في الزمن الجاهلي ، فكان الناس يتقاتلون فيما بينهم على أمور تافهة ، نظراً إلى لونهم ولغتهم وجنسهم ، وقد شاعت بينهم هذه الجملة : انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، وقد يمتد هذا القتال والعراك إلى مدة لا بأس بها ، نتيجةً لذلك وجد الشعر العربي مجالاً أفسح وهو ديوان العرب وسجل حروبهم ومعاركهم ، فجاء رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وقضى على هذه العنصريات والجنسيات من أول يومه ، فهذا صهيب من الروم ، وهذا بلال من الحبشة ، وهذا سلمان من فارس ، وهذا ابن قحافة من العرب ، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماتت العصبية الجاهلية ، وانتهت العنصرية والجنسية ، وقال سيد البشر صلى الله عليه وسلم : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية ( رواه أبو داود ) ، ومرةً وقع نزاع بين المهاجرين والأنصار ، فقال المهاجر : يا للمهاجرين ! وقال الأنصاري : يا للأنصار ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوها فإنها منتنة أي قذرة ، خبيثة ( رواه البخاري ) .