48/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة الثالثة )
أبريل 20, 2022وداعاً . . شيخ اللغويين الدكتور/ عبدالغفار هلال ( 1936 – 2020م )
يوليو 11, 2022في مسيرة الحياة :
48/ سنةً
في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي
( الحلقة الرابعة )
بقلم : سعيد الأعظمي الندوي
تعريب : الأخ معصوم علي الندوي
رحلة الشيخ السيد أبي الحسن الندوي إلى سوريا :
في شهر يونيو عام 1955م وصلت رسالة الدكتور مصطفى السباعي إلى شيخنا أبي الحسن علي الندوي أنه قد تم إنشاء كلية الشريعة في الجامعة بفضل الله تعالى ، ونتيجةً لجهوده المبذولة ، فكان هذا مبعث فرح ليس لسوريا فقط ، بل لجميع الأوساط العلمية والدينية في العالم الإسلامي ، واعتبره الناس خطوةً حسنةً ، ونظراً إلى هذا التمس الدكتور مصطفى السباعي من الشيخ الندوي أن يشرِّف سوريا أستاذاً زائراً لمدة سنة أو سنتين ، في رفع مستوى هذه الكلية ، وأصرَّ على طلبه ، فقبل الشيخ الندوي هذه الدعوة لفترة محدودة كأستاذ زائر بعد استخارة من الله واستشارة مع أصحابه ، وأرسل رداً على رسالة د . السباعي ، فسر به الدكتور السباعي . وكتب إلى الشيخ الندوي أن رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي قد وافق على هذا الأمر ، وبعد تأكيد الأمر بدأ الشيخ الندوي بالتحضير لإلقاء المحاضرات . حول الشخصيات العظيمة في تاريخ الإسلام الوقت ، وكانت إقامة الشيخ الندوي في مركز الدعوة والتبليغ على طريق المحكمة في لكناؤ ، وكان يحتاج إلى كاتب يساعده في هذا الأمر ، وكنت أحضر كل يوم عنده للأخذ والاستفادة منه ، فاختارني لهذا العمل .
كنتُ مدرساً في دار العلوم منذ عام 1954م ، وقد انخرطت في سلكها ، وكان عندي أكثر من خمس أو ست حصص للتدريس ، فسألني الشيخ : أي حصة من حصصك التعليمية فارغة ؟ وكم وقتاً يمكنك أن تكون فارغاً لهذا العمل ، فأخبرته بالوضع الصحيح ، فكتب رسالةً إلى مدير دار العلوم الشيخ محمد عمران خان الندوي ، وطلب منه أن يفرغ لي اثنتين من الحصص الصباحية ، وكنت في نهاية شهر كانون الأول ( ديسمبر ) وشهر كانون الثاني ( يناير ) ، حيث كان الجو شديد البرودة ، وكان وقت الدراسة في تلك الأيام من العاشرة صباحاً إلى الرابعة مساء ، وبين ذلك استراحة للصلاة والغداء ، وكنت مغتبطاً جداً لأنه قد تم اختياري لهذه الوظيفة .
كنت أذهب إلى المركز ماشياً كل صباح ، وبفضل الله كنت أمشي بسرعة ، وأصل إلى المركز في ظرف 20 دقيقة ، وكان شيخنا الندوي في انتظاري ، وبدون أي تأخير يبدأ العمل . وكنت أستملي منه ، وكان يملي عليَّ محاضراته ، وأعود في الثانية عشرة والنصف ، وأدرس الحصة الثالثة والرابعة قبل الظهر ، والخامسة والسادسة بعد ذلك ، واستمرت هذه السلسلة لمدة سنة .
سافر الشيخ الندوي إلى دمشق على متن طائرة تابعة لشركة طيران الهند في الأسبوع الأول من شهر نيسان عام 1956م ، واستقبله الدكتور السباعي ورفقاؤه استقبالاً حاراً يليق بشأنه ، ولم يكن معه أحد كمساعد له ، فوصل سوريا ، وزاره أساتذة جامعة دمشق وأبدوا سرورهم على قدوم الشيخ الندوي رحمه الله ، ولنقرأ ما كتبه الشيخ الندوي في هذا الشأن :
” فقد طلبت مني كلية الشريعة في الجامعة السورية إلقاء محاضرات على طلابها في موضوع ديني علمي وأجبت إلى رغبتها ، حرصاً مني على التعاون مع أساتذتها في خدمة هذه المؤسسة العلمية العظيمة الناشئة ، التي يُرجى أن تقوم بدورهم في نشر العلوم الدينية وتكوين جيل علمي جديد في هذا البلد ، واخترت موضوع الإصلاح والتجديد والتعريف بكبار رجال الدعوة والعزيمة والجهاد في تاريخ الإسلام ، وقدمت إلى دمشق في آخر شعبان 1375هـ ، واستمررت في إلقاء المحاضرات إلى 19/ شوال 1375هـ الموافق سنة 1956م ، وكانت في كل يوم الأربعاء محاضرات في مدرج الجامعة الكبير ، وكانت ثماني محاضرات ” [1] .
ويتحدث الشيخ الدكتور مصطفى السباعي عن الشيخ الندوي :
” الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي عالم مصلح ، وداعية مخلص ، دأب منذ آتاه الله العلوم ، على الدعوة إلى الله بقلمه ولسانه ، وبرحلاته المتعددة إلى أقطار العروبة والإسلام ، وبجولاته الموفقة في ميادين الدعوة ، حتى إنه اليوم ليعد من أبرز أعلام الإسلام المصلحين في ديار الهند ، له تلاميذ منتشرون في كل بلد ، وله كتبه ومؤلفاته التي تتميز بالدقة العلمية وبالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة ، وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها ، عدا ما يمتاز به من روح مشرقة ، وخلق نبوي كريم ، ومعيشة تُذكرك بعلماء السلف الصالح في زهده وتقشفه وعبادته وكرامة نفسه ” [2] .
وكانت هذه الرحلة قد أتت بحاصل كبير علمياً ومعنوياً ، وقد استفاد طلاب كلية الشريعة من الشيخ الندوي كثيراً ، وكان لهذه المحاضرات أطيب الأثر على أساتذة الجامعة وعلماء دمشق ، وقد أبدوا انطباعاتهم بعد انتهاء كل محاضرة بكل أريحية وسخاء ، زار الشيخ الندوي بهذه المناسبة الأمكنة التاريخية في سوريا ، وقد انتخب عضواً للمجمع العلمي العربي بدمشق بعد هذه الرحلة .
زار الشيخ الندوي بعد دمشق لبنان ، وكان الأستاذ سعيد الدين الوليلي مرافقاً له ، فإنه عرَّف بجميع الأمكنة التاريخية ، وذهب بالشيخ الندوي إلى علماء ومشايخ لبنان ، منهم الشيخ عمر داعوق مؤسس حركة عباد الرحمن والشيخ شفيق يموت رئيس المحكمة الشرعية بلبنان ، والأستاذ محمد أسد مؤلف الطريق إلى مكة الذي كان نزيل بيروت آنذاك ، كما زار الشيخ الندوي الدكتور مصطفى الخالدي ، والشيخ الجزائري الفضيل الورتلاني ، وذهب الشيخ الندوي إلى طرابلس ، وأقام هناك في مركز جماعة عباد الرحمن ، وزار الكلية الشرعية ومدرسة ابن خلدون ومدرسة الإمام الغزالي ومركز جلال الدين الرومي ، وذهب إلى تركيا بالقطار ، وأقام هناك أسبوعين ، وبعد العودة من هذه الرحلة كتب الشيخ الندوي مذكرتها باسم : أسبوعان في تركيا باللغة الأردية ، وطبعت من مكتبة الإسلام بلكناؤ ، قرأت أنا هذه المذكرة فنقلتها إلى اللغة العربية ، وطبعت باسم : أسبوعان في تركيا .
وكان في دمشق في 26/ يونيو 1956م مؤتمر إسلامي ، حضره علماء العالم الإسلامي ، وكان الشيخ الندوي أيضاً من الذين وُجهت إليهم الدعوة للحضور في المؤتمر ، فشارك المؤتمر ، وقد رأسه الشيخ أبو الأعلى المودودي ، وكان نائب رئيس المؤتمر الشيخ الندوي ، ألقى بهذه المناسبة شيخنا الندوي كلمة بعنوان : ارتباط قضية فلسطين بالوعي الإسلامي .
في يوليو عام 1956م عزم شيخنا الندوي على الرجوع ، فخرج من دمشق ، وزار بغداد ، وأقام فيها أياماً ، لأنه لم يزرها حتى الآن ، وكان أستاذه الدكتور الشيخ محمد تقي الدين الهلالي المراكشي مقيماً في بغداد ، وكان قد درَّسه في دار العلوم خلال إقامته فيها منذ 1931 – 1934م ، فانتهز شيخنا الندوي هذه الفرصة لزيارته ، وسعد بلقائه ، وسُر به الشيخ الهلالي غاية السرور .
وكانت إقامة الشيخ الندوي ببغداد في جمعية إنقاذ فلسطين ، فزاره كثير من أهل العلم ، وقد نظموا لترحيبه حفلةً كبيرةً ، خطب فيها شيخنا حول : أزمة إيمان وأخلاق ، وطبعت هذه الخطبة في صورة رسالة مفردة ، كما طبعت في مجموعة رسائله : إلى الإسلام من جديد ، ونالت شهرةً كبيرةً .
رجع الشيخ الندوي إلى ندوة العلماء بعد شهور من هذه الرحلة العلمية والدينية ، فاستقبله وجهاء مدينة لكناؤ وأساتذة وطلبة دارالعلوم لندوة العلماء ، ونظم لاستقباله أعضاء جمعية الإصلاح بدار العلوم لندوة العلماء حفلةً ، وقدموا إلى شيخنا كلمة تحية وترحيب ، ثم خطب الشيخ الندوي خطبةً ذكر فيها تفاصيل هذه الرحلة ، وقد زار الشيخ بعد ذلك المحدث الجليل محمد زكريا الكاندهلوي ، وأخبره بجميع تفاصيل هذه الرحلة .
شاب سعودي في ندوة العلماء :
بعد عدة شهور من هذه الرحلة زار ندوة العلماء شاب سعودي للدراسة والتعلم ، وكان اسمه محمد محمود الحافظ ، جاء به والده الشيخ السيد محمود الحافظ ، فقد زار كلاهما ( الوالد والولد ) شيخنا الندوي في لكناؤ ، فسُر بقدومهما ، ورتب له نظام التربية والتعلم ، وقد أسندهما الشيخ الندوي بوجه خاص إلينا ( الأستاذ محمد الحسني وسعيد الأعظمي ) لتعليمه وتثقيفه . . . . فاستفاد من هذا النظام ، وثقف نفسه بالثقافة الدينية والعلمية ، وقد علمته أنا اللغة الأردية على طلب منه ، فبدأ يقرأ ويكتب ويتكلم بها ، مرةً سألته : لماذا اخترت ندوة العلماء للتعليم والدراسة ؟ فقال لي : لما رأيت الشيخ أبا الحسن ورأيت زهده وقناعته ، ورأيت علمه وعمله فأعجبت به ، ووقعت ندوة العلماء في نفسي كل موقع ، فآثرت أن أتعلم هنا ، والحمد لله على أنني قضيت هنا سنتين في الدراسة والاستفادة .
رجع هذا الشاب إلى المملكة ، وصار موظفاً في قسم المشاريع برابطة العالم الإسلامي ، وقد سمعت أنه تقاعد من الوظيفة ، والحمد لله أولاً وآخراً .
[1] رجال الفكر والدعوة ، ج 1 ، تقديم الكتاب .
[2] نفس المصدر .