اللواء الركن / محمود شيت خطاب قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
سبتمبر 12, 2022اللواء الركن / محمود شيت خطاب
أكتوبر 17, 2022في مسيرة الحياة :
48/ سنةً
في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي
( الحلقة السابعة )
بقلم : سعيد الأعظمي الندوي
تعريب : الأخ معصوم علي الندوي
وفاة الشيخ الطبيب السيد عبد العلي الحسني :
كان الشيخ أبو الحسن الحسني الندوي مشغولاً جداً في أداء واجباته الدعوية ومسؤولياته الفكرية ، ويستغل كل فرصة للدعوة إلى الإسلام ، والاستفادة من العلماء الربانيين ، وكان يختلف إلى الشيخ عبد القادر الرائيفوري ، والمحدث محمد زكريا الكاندهلوي ، ويزورهما أحياناً ويقضي عندهما وقتاً كبيراً ليستمد منهما القوة والنشاط والحيوية لمهمته الدينية والدعوية . مرةً أثناء إقامته في سهارنفور وصل الخبر بتفاقم مرض الشيخ السيد الطبيب عبد العلي الحسني ( الأخ الأكبر للشيخ الندوي ) ، فاستأذن منهما ورجع إلى لكناؤ على عجل ، وصل 8/ من شهر مايو ، ولكن الطبيب السيد عبد العلي قد وافته المنية يوم 7/ من شهر مايو قبل مجيئه بيوم ، وانتقل جثمانه إلى رائ بريلي مسقط رأسه ، ووري ثراه بعد انتظار .
نزل الشيخ الندوي من القطار في لكناؤ ، وراح على الفور إلى رائ بريلي ، ولكن فرغ الناس من صلاة الجنازة والدفن قبل وصوله إليه . فحزن عليه حزناً قلما يراه الناس مثله ، وكنت مع أولئك الذين كانوا ينتظرون عودة شيخنا الندوي بعد الدفن ، وكنت شاهد عيان لما أصابه من ألم وحزن شديد لهذا الحادث العظيم ، فكان قلبه ذوباً من الكمد ، ولسانه مختوماً بالصمت ، وجسمه مشلولاً من شدة الغم ، وعيناه تترقرق من الدمع ، وما إن رأى الأستاذ السيد محمد الحسني الابن الوحيد للمرحوم حتى فاض قلبه ، وما استطاع أن يخفي حزنه وألمه ، وأسبلت عيناه وانهمرت الدموع ، وبدأت رسائل التعازي والبرقيات تتدفق إليه وتتراكم من جميع الجهات .
الشيخ السيد أبي الحسن علي الندوي كرئيس جديد لندوة العلماء :
تم تعيين الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي رئيساً لندوة العلماء بعد الطبيب السيد عبد العلي الحسني في المجلس التنفيذي في 18/ يونيو 1961م ، واتفق عليه جميع الأعضاء ، وهذا منصب حساس ذو مسئولية عظيمة في ندوة العلماء ، يشمل اتخاذ قرار وتغيير جميع أمور ندوة العلماء وإسناد المسؤوليات إلى أشخاص مؤهلين وقادرين على التفكير والتثقيف والتدريب والدعوة والتفكير والتصرف ، وفقاً للظروف والأحداث . ورئيس ندوة العلماء له اختيار تام في تعيين نوابه وقت الحاجة ، ومساعدة نفسه .
وأعرب جميع الجهات عن السرور والفرح عند ما تولى الشيخ أبو الحسن علي الندوي منصب رئاسة ندوة العلماء ، واعتبره الناس المنتمون إلى ندوة العلماء بشارةً ، وبفضل الله تعالى أصبح هذا الانتخاب لندوة العلماء أكثر إشراقاً وأكثر فاعليةً . وفتح لها باباً ليعم نفعها خارج البلاد ويسمع سمعتها العالم بأسره ، ويشرق نورها ظلمات الجهل والخرافات ، وتؤدي ندوة العلماء واجبها بأحسن الطرق .
ولم تكن جامعة ندوة العلماء معروفةً على نطاق واسع خارج الهند في تلك الأيام ، ولكن في زمن رئاسته بدأ ينتشر صيتها في البلدان الأجنبية وخاصةً في العالم العربي بسرعة فائقة ، وأصبح الناس يعرفونها ويحبونها بشمولها ، وسمو أهدافها ، واعتدال مزاجها ، ووسطية فكرتها ، وإسلامية روحها .
وتوافرت فرص التعرف على عملها ورسالتها ، وبدأت تزداد أكثر من ذي قبل ، وبذل الشيخ الندوي جهوده المخلصة لتوسيع فكرة ندوة العلماء ودعوته ورسالته . ليس في المملكة العربية السعودية فقط ، ولكن أيضاً في مصر وسوريا والسودان وفلسطين والعراق والكويت ودول الخليج الأخرى ، من خلال محادثاته الدعوية ومحاضراته الفكرية وخطاباته الارتجالية العربية الدعوية ، واعترف كبار الشخصيات من هذه الدول بفكرته النبيلة ، وإخلاصه لله وشمول دعوته وجامعية رسالته ، واعترفه كذلك العلماء من دول أجنبية أخرى ولبوا على ندائه ، بل أصبحوا مقتفين لأفكاره النقدية وآرائه اللافتة للنظر وكتاباته عن الحضارة الغربية ونظام التعليم الغربي .
سلسلة خطب إسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة :
وخلال هذه المدة انعقد اجتماع الهيئة التنفيذية للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة ، وشارك فيه العديد من الشخصيات العملية والدينية والدعوية ورؤساء الجامعات في الدول العربية والأكاديميين وقادة المدارس الدينية ، ومن بينهم الشيخ السيد أبو الأعلى المودودي ، وكما شارك الشيخ الندوي في هذا المؤتمر وقدم في هذا الاجتماع اقتراحاً لمركز تعليمي ودعوي تمتاز عن غيره ، والجوانب العامة للتعليم في ضوء الفكرة الأساسية لندوة العلماء . وسلط الضوء على النظم التعليمية ووضح أهدافه الرئيسية ، وبالتالي عين الشيخ الندوي عضو المجلس الأعلى في الجامعة الإسلامية ، وارتبط بها كعضو مخلص عظيم . وبعد سنة في عام 1963م وصلت إليه دعوة لإلقاء سلسلة محاضرات إسلامية في الجامعة المرموقة ، فقبلها الشيخ الندوي واحتسبها توفيقاً من الله تعالى ، وكان العنوان الرئيسي للمحاضرات ” النبوة والأنبياء في ضوء القرآن ” ، فقام بإعداد ثماني محاضرات حول الموضوع ، وكان يرأس المجلس الشيخ المفتي عبدالعزيز بن باز ( أكبر عالم وداعية إسلامية كبيرة للمملكة العربية السعودية ) ، ولم تكن أجهزة الكمبيوتر شائعةً في تلك الحقبة ، وكان لابد من كتابة المحاضرات باستخدام الأقلام . والحمد لله ، حصل لي شرف في استملاء البياض لجميع المحاضرات ، وبهذه المسودة النظيفة رحل الشيخ الندوي إلى المدينة المنورة ، ورافقه الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في شهر مارس 1963م .
وشارك في كل جلسة من محاضرات الدفعة الأولى من طلاب دار العلوم لندوة العلماء الذين غادروا لغرض التعليم في الجامعة الإسلامية ، ومن بينهم مزمل حسين الصديقي ، وسراج الرحمن الندوي ، ومحمد يونس النغرامي ، ومظفر الحق الندوي . وكان الشيخ مبتهجاً وسعيداً للغاية بحضوره في المدينة المنورة ، وجواره لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إنشاء مجلس المشاورة :
بعد أن شهدت الهند فظاعة الشغب الطائفية وعواقبها الوخيمة اتفق العلماء على دعوة الدكتور السيد محمود لإنشاء مجلس المشاورة ، وشارك فيها علماء الهند وقادة الأمن والسلام مثل الشيخ السيد أبي الحسن على الحسني الندوي ، والشيخ محمد منظور النعماني ، والشيخ المفتي عتيق الرحمن العثماني ، والشيخ أبو الليث الندوي الإصلاحي أمير الجماعة الإسلامية في الهند سابقاً ، والشيخ محمد مسلم رئيس التحرير لجريدة ” دعوت ” . وعقد الاجتماع في القاعة السليمانية بدار العلوم ندوة العلماء في لكناؤ في 8 – 9 أغسطس 1962م ، وتم إنشاء مجلس المشاورة .
عملية جراحية في عين الشيخ الندوي :
تم إجراء عملية جراحية في عين الشيخ الندوي من قبل طبيب إيراني خبير في بومباي ، ونصح الطبيب للاحتياط والاستراحة لمدة من الزمن ، لكن سادت على الشيخ الندوي فكرة مجلس المشاورة الإسلامي إلى حد أنه لم يبال بنصيحة الطبيب وشارك في حفلات متتاليات ، وأقبل على جميع مسئولياته بقلب متحرق ، ونتيجةً لذلك لم تنجح عملية عينه .
فعاليات المجلس :
ومن الموسف جداً أن هذا المجلس الذي كان يمثل جميع طبقات المسلمين أصبح عرضةً للفوضى والانتشار فيما بعد ، وتقلصت دائرة عمله وأعيد تسميته باسم المجلس الإسلامي ، وتوقف نفوذه وتأثيره في المجتمع . وكان المجلس في بداية أمره متحمساً شديد الحماسة ، وقامت وفوده بجولات عديدة في البلاد ، بدايةً من ولاية بيهار وأوريسا وغوجرات ، شارك فيها قادة المجلس ، ورحب بالوفد ترحيباً حاراً في كل مكان . قام مجلس المشاورة الإسلامي بجولته الطويلة المهمة في ولاية ميسور ، واستمرت نحو 12 يوماً ، وشارك فيها جميع أعضاء المجلس ومسئولو الجماعات الإسلامية في الهند وممثلوها .
يعبر الشيخ الندوي عن حاله بقوله : ” لقد كانت رحلة طويلة تحتوي على أربعة آلاف وخمس مأة ميل ، قام بها هذا الوفد من مجلس المشاورة الإسلامي ، شارك فيها تقريباً جميع أعضاء المجلس البارزين والممثلين المسؤولين عن الأطراف المشاركة . وكانت زيارةً طويلةً ومكثفةً وفعالةً لم يكن من الممكن أن يقوم بها أي جماعة في الهند في الماضي القريب ” .
كتب الشيخ الندوي بإيجاز أحداث هذه الرحلة التاريخية ونشرت في مجلدات صحيفة ” ندائ ملت ” ، الصادرة من لكناؤ ، ثم جمعت في كتيب باسم ” اثني عشر يوماً في ولاية ميسور ” .
خلال هذه الرحلة ، زار الشيخ الندوي قبر السلطان تيبو الشهيد في ( سرينغاباتانام ) وعاد بانطباع غريب ، وذكر شجاعة السلطان في محاربة البريطانيين بشكل مباشر وقوله التاريخي الجدير بأن يكتب بماء الذهب : ” إن يوماً في حياة الأسد أفضل من ألف عام لحياة الخروف والنعاج ” ، وانتهت الجولة بكلماته في اجتماع عام في جولبرجا .
قرر أعضاء المجلس المشاركة في الانتخابات العامة لعام 1967م ، وصوتت فيها كوادر الحزب المختلفة . بعد ذلك حدثت خلافات خطيرة في مجلس المشاورة الإسلامي ، وانفض المجلس ، إذ تبين أن وحدة المسلمين غالباً ما تأخذ منعطفاً ، وتبدأ روح الوحدة في الانصراف ، وانفصل جزء من هذه الوحدة . وأقام بتأسيس منظمة خاصة به باسم ” مجلس المسلمين ” ، وظل ” مجلس المشاورة الإسلامي ” مهجوراً مخذولاً .