دور الوالدين في تربية الأبناء وتنمية تعليمهم وأخلاقهم النبيلة
ديسمبر 23, 2024
التاريخ ظالماً ومظلوماً
يناير 28, 2025
دور الوالدين في تربية الأبناء وتنمية تعليمهم وأخلاقهم النبيلة
ديسمبر 23, 2024
التاريخ ظالماً ومظلوماً
يناير 28, 2025

الدعوة الإسلامية :

حب النبي صلى اللّه عليه وسلم

الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي

تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي *

علامات الحب الصادق :

مما يدل على حبه الصادق أن يفضل الإنسان نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم على كل شيئ ، ويقتدي بقدوته ويستن بسنته ويتبعه في كل مرحلة من مراحل الحياة ، ويقدم كل ما جاء منه على غرائزه وشهواته .

” قال أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا بُني ! إن قدرت أن تصبح وتمسي ، وليس في قلبك غشٌ لأحد فافعل ، ثم قال لي : يا بُنيّ ، وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي  فقد أحياني ، ومن أحياني كان معي في الجنة ” ( سنن الترمذي ، رقم الحديث : ٢٨٧٣ ) .

ومن دلائل حبه الإكثار من ذكره والصلاة عليه وشوق لقائه صلى اللّه عليه وسلم ، وحب كل ما يتصل به من موطنه ومسكنه وحب مدينته التي أحبها بنفسه ، وقال فيها : ” هذه طابة ، وهذا أحد ، وهو جبل يحبنا ونحبه ” ( صحيح مسلم ، كتاب الحج ، رقم الحديث : ٥٠٣ ) .

ومنها حب أزواجه المطهرات وبناته الطاهرات وخلفائه الراشدين رضي اللّه عنهم جميعاً .

فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ” الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه اللّه ومن أبغضهم أبغضه   اللّه ” ( صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، رقم الحديث : ٣٥٧٢ ) .

وروي عن أسامة بن زيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسنَ ويقول : ” اللهم إني أحبهما فأَحبَّهما ” ( صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، رقم الحديث : ٣٥٣٧ ) .

ومن علامات حبه حب لغته وعشيرته وقومه وحب مسلكه وطريقته .

فقال عليه الصلاة والسلام : ” إن كنت تحبني فأعدّ للفقر تِجفافا ” ( سنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب ما جاء في فضل الفقر ، رقم الحديث : ٢٥٢٣ ) .

ومنها حب أمته التي آمنت بنبوته وأقرت برسالته رحمةً لها وشفقةً عليها وسعياً لهدايتها .

ومن علامات حبه كذلك أن يكره كل من أساء إليه أو حاول إيذاءه . يقول تعالى : ( لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ   ٱلْمُفْلِحُونَ ) [ سورة المجادلة : الآية ٢٢ ] .

فعصارة القول أن الحب جزء لا يتجزء من الإيمان ، فبهذا المقياس ينبغي أن يقيس المؤمن إيمانه ، ويستعرض أحواله وأعماله .

طاعة النبي صلى الله عليه وسلم :

إن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم جزء لا يتجزأ من الإيمان ، فلا يعتبر الإيمان إيماناً دون طاعته صلى الله عليه وسلم ، وهي من الحقوق الأساسية على المؤمنين نحوه ، فمن اعتقد بأن طاعته ليست بأمر ضروري ، فقد خرج عن دائرة الإيمان وأساء إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، وإن الاعتقاد بأن مهمة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لم تكن إلا تبليغ القرآن ، وقد بلّغه إلى الناس ، فيكفي الآن العمل به ، فإن هذا الاعتقاد يناقض رسالة القرآن ، ويضاد فهم القرآن وتعاليمه وتوجيهاته . فلا يمكن العمل بالقرآن دون اتباعه صلى الله عليه وسلم حيث جاءت في القرآن أحكام للعمل مطلقاً دون أشكالها التطبيقية ، فقد بيّن الرسول صلى اللّه عليه وسلم تفاصيل الأعمال وصورها وأشكالها . فمن لم يطلع على تلك التفاصيل التي جاءت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلن يستطيع أن يقوم بالتطبيق لما جاء في القرآن المجيد من الأحكام عملياً . فإن طاعته شأن ضروري ، لأن القرآن بنفسه أمر بها مراراً ، فكأن من لا يعتبر طاعته أمراً ضرورياً ، لا يأبه بحكم القرآن ، ولا يعتقده شأناً مهماً . فإنه رفض القرآن وكفر به من لم يعتقد حكمه أمراً ضرورياً واجباً . وقد ربط اللّه سبحانه وتعالى الهداية باتباع الرسول صلى اللّه عليه وسلم قائلاً : ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ ) [ سورة النور : الآية 54 ] .

وإن الهداية هي مربوطة بالطريق الذي دلنا عليه الرسول صلى اللّه عليه وسلم . فاتضح أن الإنسان كلما يزداد تمسكاً بأسوة النبي صلى اللّه عليه وسلم يكون أقرب إلى الهداية ، كما وضح اللّه تعالى في سياق طلب الهداية في سورة الفاتحة ( ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ) ثم يحدد الصراط في الآية التالية قائلاً : ( صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) أي طريق الذين أنعم اللّه عليهم . والظاهر أن أعظم هؤلاء المنعم عليهم منزلة ومكانة سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى اللّه عليه وسلم . وتبين كذلك أن الهدي معقود باتباعه .

وقد أوضح اللّه تعالى في موضع آخر من كلامه المجيد أن من يلتزم بطاعة اللّه ورسوله عليه الصلاة والسلام سيكون في معية نخبة من المؤمنين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . يقول تعالى : ( وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً ) [ النساء : الآية ٦٩ ] .

وإن هذا لشرف وكرامة من اللّه لعباده الطائعين . وقد أمر اللّه تعالى في القرآن المجيد بطاعة نبيه صلى اللّه عليه وسلم في صيغ متنوعة وفي مواضع متعددة ، يقول تعالى في سورة آل عمران : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ ) [ سورة آل عمران : الآية ٣٢ ] .

فمن أهمل طاعة اللّه ورسولِه غافلاً عنها فكأنه اختار الكفر والضلال وامتنع عن الإيمان والهداية . وإن طاعة اللّه ورسوله هي واجبة ضرورية ، إذ لا يكمل الإيمان إلا بطاعتهما .

” فإن تولوا ” أي أعرضوا ورفضوا طاعة الله والرسول صلى اللّه عليه وسلم .

فعصارة القول أن الإعراض عن طاعة اللّه ورسوله قد يوصل الإنسان إلى الكفر ، والإغماض عنها عمل خطير سيئ ، لا يجدر بالمؤمنين في حال من الأحوال ، بل ينبغي للمؤمنين أن يعتصموا دائماً بسنن نبيهم صلى اللّه عليه وسلم ، فإن أسوته أجدر وأليق بالاتباع والاقتداء كما أكد القرآن في مواطن كثيرة بأساليب متباينة .

وقد تجلى بوضوح أن طاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم هي في الواقع طاعة اللّه سبحانه وتعالى حيث قال تعالى : ( مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) [ سورة النساء : الآية ٨٠ ] .

وفي الآية الشريفة تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم وتثبيت قلبه وتخفيفه ما يلقاه من تكذيب وألم وأذى من المشركين ، وفيها تهديد خطير بأن أحداً إذا رفض قبول الحق وأعرض عن اتباع الرسول صلى اللّه عليه وسلم لم يعد على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بضرر ، فلا تعود عليه مسؤولية إجبارهم على الحق أو حفظهم من الضلال ، بل إن ضرره سيعود على من رفض وأغمض عن اتباع قدوة النبي صلى اللّه عليه وسلم وشريعته .

الامتثال الكامل :

لقد أوضح اللّه تعالى أن مجرد الإقرار بالطاعة باللسان لا يكفي ، بل لابد أن يقر بها المرء بأعماق قلبه ، فيمتثل أحكام اللّه تعالى ورسوله عليه الصلاه والسلام ، ويستسلم لها في كل مرحلة من مراحل الحياة ، فإن الإقرار باللسان دون أن يتناغم القلب ويتفاوق معه علامة من علامات النفاق . يقول تعالى : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً ) [ سورة النساء : الآية ٨١ ] .

وقد نبه اللّه تعالى على الحذر من مخالفة أحكام اللّه ورسوله والإعراض عنها والوقوع في التهاون واتباع الهوى . فقال : ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ) [ سورة المائدة : الآية ٩٢ ] .

وقال : ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ) [ سورة التغابن : الآية ١٢ ] .

وقد قرن اللّه تعالى طاعته في كثير من المواضع من كلامه بطاعة رسوله فقال في موضع : ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [ سورة الأنفال : الآية ١ ] .

ويقول : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) [ سورة الأنفال : الآية ٢٠ ] .

ويقول : ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ) [ سورة الأنفال : الآية ٤٦ ] .

طاعته منار الإيمان ومفتاح الجنان :

إن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة في كل حال من الأحوال في كل ما يشرعه من أقوال وأفعال وسنن ، لأنه وحي من اللّه كما قال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ) .

فإن أخذ ما يؤتي والانتهاء عما نهاه مسؤولية عظيمة هامة من مسؤوليات المسلمين . كما يقول تعالى : ( وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ) [ سورة الحشر : الآية ٧ ] .

وصحابته – رضي اللّه عنهم – كانوا مخاطبين أولين . وإنهم قدموا نماذج عظيمةً لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم وامتثاله ، قلما نجد أمثالها على صفحات تاريخ البشرية .

فقد روي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أنه قال : كنت ساقي القوم يوم حُرّمت الخمر ، في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ : البسر والتمر . فإذا مناد ينادي ، فقال : اخرُج فانظُر . فخرجت فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حُرمت . قال : فجرت في سكك المدينة . فقال لي أبو طلحة : أخرج فأهرِقها فهرقتها . ( صحيح مسلم ، كتاب الأشربة ، باب تحريم الخمر ، رقم الحديث : ٥١٧٣ ) .

وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك أنه قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة وأبي بن كعب شراباً من فضيخ وتمر ، فأتاهم آت فقال : إن الخمر قد حرمت ، فقال أبو طلحة : يا أنس ! قم إلى هذه الجرة فاكسِرها . فقمت إلى مهراس لنا . فضربتها بأسفله حتى تكسرت . . .   ( صحيح مسلم ، كتاب الأشربة ،رقم الحديث : ٥١٨٢ ) .

وعن جابر رضي الله عنه قال : لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فقال : اجلسوا فسمع ذلك ابن مسعود ، فجلس على باب المسجد ، فرآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : تعال يا عبد اللّه ابن مسعود . ( سنن أبي داؤد ، كتاب الصلاة ، باب الإمام يكلم الرجل في   خطبته ، رقم الحديث : ١٠٩١ ) .

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : رآني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلي ثوب مصبوغٌ بعصفر موردٌ ، فقال : ما هذا ؟ فانطلقتُ فأحرقتُه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعتَ بثوبك ؟ فقلت : أحرقته ، فقال : أفلا كسوتَه بعضَ أهلك . ( سنن أبي داؤود ، كتاب اللباس ، باب في الحمرة : ٤٠٦٨ ) .

إلى غير ذلك من الروايات التي تزخر بالأحداث التي تشكل نماذج بارزةً في باب الطاعة ، وتنم عن الامتثال والتضحية والفداء والخضوع من الصحابة الكرام رضى اللّه عنهم لأحكام الرسول صلى اللّه عليه وسلم في كل شعبة من شعب الحياة ، وقد أشار القرآن  إلى سمتهم هذه من الخضوع الكامل والإخلاص في الدين والعبادة للّه تعالى فقال : ( فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ ) [ آل عمران : الآية ٢٠ ] .

( وللحديث بقية )

* معهد الدراسات العلمية ، ندوة العلماء ، لكناؤ .