الإعجاز البياني للقرآن الكريم للدكتورة عائشة بنت الشاطئ : دراسة تحليلية
ديسمبر 11, 2023تعريف بكتاب :
الشرق الجديد للدكتور محمد حسين هيكل
بقلم : الدكتورة عائشة قدسي القدوائي *
الهند بلد عريق يعود تاريخه إلى قرونٍ مضت ، وهي ثرية بثقافات متعددة ونادرة ، كما أنها موطنٌ لجنسياتٍ مختلفة ومواقع أثرية نادرة . وقد زار الرحّالات العرب بعض مناطق الهند خلال فترات مختلفة ، وهذه الزيارات ليست مجرد مصدر للتسلية والمتعة فحسب ، بل تربط الناس بعضهم ببعض ، وتكشف عن كنوز الثقافات والحضارات . ويؤيد الدكتور محمد حسين هيكل هذه الفكرة ، مشيراً إلى أن ” زيارة المواقع الأثرية لا تهدف إلى الاستمتاع بجمال العمارة فحسب ، بل تهدف إلى فهم علاقة الإنسان بالحياة والوجود في مختلف أدوار التاريخ ” .
وقد زار الدكتور محمد حسين هيكل الهند في بداية القرن العشرين الميلادي بدعوة من الحكومة الهندية للمشاركة في المؤتمر الدولي حول دراسة تعاليم غاندي ودورها في تعزيز العلاقات الإنسانية بين الأمم . وقد سافر في أنحاء الهند المختلفة ، وشاهد بعض الأمكنة والجامعات خلال إقامته في الهند ، وتأثر بشدة بهذه الزيارة ، حيث سجّل ملاحظاته في فصلٍ من كتابه بعنوان ” الشرق الجديد ” ، وخاصةً كتابته عن مهاتما غاندي [1] وجهوده نحو استقلال الهند وصفات شخصيته القيادية البارزة .
يتكون كتاب هيكل من خمسة فصول :
- الفصل الأول : الشرق والغرب
- الفصل الثاني : الشرق في نهضته
- الفصل الثالث : البوذية
- الفصل الرابع : غاندي
- الفصل الخامس : الإسلام والحضارة الجديدة
هذا الكتاب يتألف من 792 صفحة .
بصفته محللاً سياسياً بارزاً ، يشعر محمد حسين هيكل بالجذب إلى التشابهات بين الهند ومصر ، حيث كان كلا البلدين يمران بفترات الاستعمار الخاص بهما . وكان ما يحدث في مصر مثيراً للاهتمام بالشعب الهندي ، والعكس صحيح . عندما نجحت حركة الاستقلال الهندية ، اعتبر نجاحها انتصاراً للحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية ، وخاصةً أن الهند هي قارة فضلاً عن استقلال 400 مليون شخص فقط ، بل كان يعتبر انتصاراً كبيراً وانتصاراً واضحاً للحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية ، واعتبر أيضاً حركة الاستقلال الهندية انتصاراً مجيداً وفتحاً واضحاً للحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية وجميع القيم الإنسانية النبيلة ، وكانت حركة استقلال الهند مثالاً مشرقاً في تاريخ النضال الإنساني من أجل الحرية . لذلك ، عندما دعته الحكومة الهندية للمشاركة في المؤتمر الذي عقد في نيو دلهي لدراسة تعاليم وأساليب غاندي العلمية في تعزيز العلاقات الإنسانية داخل الدول وبين الدول ، لم يتردد محمد حسين هيكل . وقبل الدعوة بشغف وبدأ في دراسة حياة غاندي وتعاليمه ، والتفكير في العديد من الأفكار العظيمة التي طرحها غاندي . وعلى الرغم من ذلك ، درس هيكل تاريخ الهند حاضرها وغابرها أيضاً . وكان موعد هذا الحدث في 17/5 يناير 1935 الميلادي .
إن الكرامة الإنسانية التي كافح من أجلها غاندي يعتبرها محمد هيكل فكرته الأساسية ، ويعترف بها بإعجاب كبير على الرغم من عدم اتفاقه مع نظرية غاندي الاقتصادية التي أصبحت معروفة باسم ” سواديشي ” [2] ، وبعض أفكاره المتعلقة بالتعليم وطريقته التجريبية ، كما يظهر محمد حسين ريبه في تلك آراءه المتقدمة ويكتب :
” قدم غاندي ، في ضوء التطور الجديد للفكر الإنساني ، برنامجاً شاملاً يشمل جميع مجالات النشاط البشري ، بما في ذلك المجالات الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، والمزيد ، وهذا البرنامج يتناول أيضاً العلاقات الدولية ، ولكن على نطاق أضيق بكثير . وقد حظي بعض أجزاء هذا البرنامج بالقبول العالمي ، ولكني أشك في أن بعض أجزائه الأخرى ، خاصةً تلك المتعلقة بالنظرية الاقتصادية ، مثل سواديشي وعجلة الغزل [3] المقبولة أخلاقياً ، ستحظى بمثل هذا القبول . ومع ذلك ، فالعلم لا يمكن أن يتراجع . إن أفكار غاندي المتعلقة بالتعليم والطريقة التجريبية الخاصة به ، والتي تسمى طريقة المشروع ، رائعة طالما لم تتجاوز حدود التعليم الابتدائي والثانوي . كما أشك في إمكانية تحقيق سواديشي والاكتفاء الذاتي لاحتياجات بلد واحد في ظل الظروف الحالية للاقتصاد العالمي المعاصر ، وعلاوة على ذلك ، فإنني أشك في إمكانية تطبيق الطريقة التجريبية في الجامعات ” ( ص 622 ) .
ومع ذلك ، قدّر محمد حسين بشكل كبير برنامجه الأخلاقي واعتبره مساهمةً رئيسيةً في تحسين حياة الإنسان . وأعجب بالتسامح الديني للمهاتما غاندي ، الذي يعني قبول جميع الأفراد من جميع الأديان والثقافات . والهدف من التسامح الديني هو رفض التطرف ، حتى يمكن لجميع أفراد المجتمع أن يعيشوا في جو من المحبة والمودة والتعاون لتعزيز المجتمع الإنساني . ويعتبر محمد حسين التسامح كأخوة حقيقية ، ويؤيد هذه الفكرة ، قائلاً : ” يمكنك الدعاء لله على الطريقة التي يفعلها أجدادك بأي طريقة تختارها ، وأنت أخ لكل من يدعو الله ، بغض النظر عن دينهم ، طالما أنتم جميعاً صادقون في إيمانكم وصلاتكم ، لأن الله هو الحق والحق هو الله في جميع الأديان .
وهنا أذكر ملخصاً لما استخلصه محمد حسين من تعاليم غاندي ، على النحو التالي :
- السلام الحقيقي هو سلام الأحرار ، وليس سلام العبيد ، وضمان هذا السلام داخل حدود دولة واحدة يضمن السلام في العلاقات بين الدول .
- الحرية الحقيقية هي حرية الروح في إيمانها بالحقيقة التي هي مقتنعة بها ومؤكدة عليها ، وليست حرية الممتلكات المادية التي تحصل عليها الروح من خلال الحق .
- قوة الروح المستمرة المستمدة من الحق أقوى من أي سلاح ، لأن صاحبها لا يهتم بما يصيبه في طريق هذه الحق ، حتى وإن كان الموت .
- جميع الديانات تمثل الحق التي يلهم الله بها خدمه المختارين ، وكلها تدعو إلى الحب والسلام ، لذا من المستحيل أن ينهض شعب ما دفاعاً عن دينه ضد شعوب أخرى ، لأن الحرب تتعارض مع طبيعة الحب والتسامح والسلام .
- التعليم والتعلم من بين حقوق الذات وأسس الاقتصاد الوطني في الزراعة والصناعة ، وينبغي أن تدعم هذه التجارة الاكتفاء الذاتي ، وليس الإضرار به .
- ومن واجب الدولة تنمية هذه المبادئ دون اللجوء إلى العنف في الشؤون العامة ، بل تنظيم الناس في هذه المسائل وفقاً للمعتقدات والإيمان ( ص 112 – 212) .
فقام الدكتور محمد حسين هيكل بزيارة للهند في النصف الثاني من القرن العشرين وقضى خمسة أسابيع هناك .
أكد محمد حسين هيكل أن ” هؤلاء ( الهنود ) مضللون بالاعتقاد بأنها تمتلك جبال الهمالايا حيث يقف جبل إيفرست ، أعلى قمة في العالم ، ويعتقد البعض الآخر أن الهند هي أرض الغابات والأدغال الكثيفة التي تغطي عشرات الآلاف من الفدادين وتضم مخلوقات مثل الأسود والنمور والفهود التي يخشاها البشر . وهم مضللون بما كتبه المسافرون الإنجليز وغير الإنجليز عن صيد الحيوانات في الهند ، ولا يصوِّر أيٌ من هذين الاعتقادين حقيقة الهند بأكملها ” ( ص 232 ) .
إن آثار الهند التي شاهدها محمد حسين في الهند حثته على التفكير العميق وربط حاضره بالماضي ، حتى اكتشف ملامح الثقافة الهندية في الماضي . شهد مختلف الحضارات القديمة خلال رحلته في الهند وأعجبه الآثار الباهرة للهند ، وقال : ” الهند غنية بالآثار بلا مقدار ، وتترك آثارها ألواناً مختلفةً من التصور الإنساني للحياة في العصور الإنسانية المختلفة . وذلك لأن الهند تأثرت بالحضارات المختلفة التي استوطنتها وتركت وراءها ما يجعل الشخص ينظر بدهشة . بالإضافة إلى لآثار الهندوسية الأصلية التي يعود بعضها إلى أكثر من ألفي عام أو أكثر ، هناك أيضاً آثارمن المغول والفرس وغيرهم ، ومن المسلمين . وهناك أيضاً آثار حديثة بناها الهنود بعضها ، وبناها البريطانيون بعضها الآخر . تدعو كل هذه المعالم إلى التأمل العميق ( ص 532 ) .
ويزعم محمد حسين هيكل أن أهم الآثار الإسلامية في الهند هي المساجد والقبور وتاج محل ، الذي هو الأكثر روعة وعظمة بينهم . تشبه القبور الهندية تلك التي كان يبنيها الفراعنة ، فكتب محمد حسين بعد زيارة القبور الهندية : ” إنها قبور بناها الإمبراطور شاه جهان لزوجته ، تماماً كما تشبه أهرامات مصر القبور التي بناها الفراعنة ليدفنوا فيها ” . تختلف القبور الهندية عن تلك التي بناها المصريون ، فكتب محمد حسين عن القبور الهندية : ” كثيراً ما أرى بجوار هذه القبور الفاخرة ، قبور مستقلة عنها ، ولا يرتبط بها بأي صلة ، وتختلف عن قبور المصريين التي ترتبط بالمساجد ” . وتختلف المساجد الهندية عن غيرها أيضاً . يقول محمد حسين عن المساجد الهندية : ” أما بالنسبة للمساجد الهندية ، فيختلفون أيضاً عن غيرهم من مساجد المسلمين ، ولم أر شيئاً مثلهم إلا مسجد الأمويين في دمشق . أما مساجد العراق وإسطنبول ، فيشبهون مساجدنا هنا في أنهم جميعاً مغطاة بالسقف ، ولكن في مسجد دمشق أو المساجد الهندية ، فإن الجانب المتصل بالقبلة مغطى بالسقف ومدعوم بالأعمدة ، في حين يظل بقية المسجد مفتوحاً للسماء ، متصلاً ببقية المسجد كجزء منه ، وكانت المساجد الهندية التي رأيتها جميعاً مبنية بشكل جميل .
أذهل محمد حسين النشاط العلمي في الهند عندما زار الجامعات الهندية ، حيث كتب : ” لا أبالغ إذا قلت إن نشاط الحركة العلمية في الهند يستحق الإعجاب ، بل حتى الدهشة . وكانت هذه الحركة العلمية من بين الأشياء التي لفتت انتباهي خلال إقامتي في الهند .
هذه هي الخصائص الثقافية للهند وشخصية غاندي وأفكاره التي نقرأ ونسمع عنها ، والتي كتبها الكاتب والصحفي والروائي والمؤرخ والسياسي المصري العظيم محمد حسين هيكل . قدَّم هيكل قسمين من كتابه ” الشرق الجديد ” حول شخصية غاندي وثقافة الهند من منظور جديد يجمع بين التحليل العميق والأسلوب المشوق . يمكننا القول بأنه لم يستطع تقديم صورة شاملة للثقافة الهندية ، ولكنه نجح بشكل ملحوظ في تقديم ملامح شخصية غاندي ، وأفكاره ، ومعتقداته ، وحركة الاستقلال ، وجهوده الجديرة بالثناء لضمان المساواة بين جميع البشر امرأةً كان أم رجلاً من كل طبقة اجتماعية .
مع ذلك ما يثير الاهتمام هو أن محمد حسين هيكل خصص فصلاً في كتابه ” الشرق الجديد ” لمهاتما غاندي ، إلا أنه لم يذكر اسمه الكامل طوال الكتاب ، باستثناء ” غاندي ” أو ” مهاتما غاندي ” . ومن الجدير بالذكر ذكر اسمه الكامل ، موهنداس كارامتشاند غاندي ، على الأقل مرةً واحدةً .
المراجع :
- محمد حسين هيكل ، الشرق الجديد ، ط 2 ، دارالمعارف ، القاهرة ، مصر ، ص 207 .
- محمد حسين هيكل ، أحاديث في آسيا ، ط 3 ، دار الشروق ، القاهرة ، مصر ، ص 324 .
* الأستاذة المساعدة في كلية كرامت حسين للدراسات العليا للبنات المسلمات ، لكناؤ ، الهند .
[1] كان موهانداس كرمشاند غاندي محامياً هندياً وقومياً مناهضاً للاستعمار ، وخبيراً في الأخلاق السياسية اشتهر بمقاومته اللاعنفية . قاد الحملة الناجحة لاستقلال الهند عن الحكم البريطاني ، ولاحقاً ألهم حركات من أجل الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم .
[2] حركة سواديشي هي حركة الاكتفاء الذاتي التي كانت جزءاً من حركة استقلال الهند ، وتهدف إلى تعزيز قطاع التصنيع في الهند والاعتماد على التصدير بدلاً من الاستيراد ، ولذلك كان الاقتصاد الهندي مغلقاً حتى عام 1990م .
[3] تشاركها لغاندي هو عجلة الغزل ترمز إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي للهند .