القرآن الكريم وافتراءات النصارى
مارس 14, 2023أسباب حيرة الشباب وعلاجها
مايو 28, 2023الدعوة الإسلامية :
الإيمان وأماراته الثلاث في ضوء الكتاب والسنة
الشيخ الحافظ محمد عمران خان الندوي الأزهري رحمه الله
( الشيخ الجليل الحافظ محمد عمران خان الندوي الأزهري من خريجي ندوة العلماء البارعين ، ومواليد 1913م بمدينة بوفال ، وكان والده الشيخ محمد إلياس خان أفغاني النسل ، درس أولاً في مدينة بوفال ، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء ، وتخرج منها في العلوم الإسلامية ( الفضيلة ) عام 1933م ، ثم واصل دراسته في جامعة الأزهر ، حيث تخصص في الدعوة والإرشاد بمصر ، عام 1939م ، وبدأ تدريس التفسير والحديث في دار العلوم لندوة العلماء بعد تخرجه منها ، إلا سنوات قضاها في جامعة الأزهر ، وحينما رجع من مصر ، فأصبح أستاذاً للعلوم الإسلامية ونائب مدير لدار العلوم ، وبعد سنوات انتخب مديراً لدار العلوم ، وظل على هذا المنصب إلى مدة طويلة ، وكان عهده في دار العلوم عهداً زاهراً ، رأيت عهده عن كثب وكنت طالباً في الدراسات العليا للتخصص في الأدب العربي ، وكان الشيخ عالماً جليلاً ، وخطبيا بارعاً ، وأستاذاً محنكاً ، وداعيةً إلى الله ، ومخلصاً في أعماله ، ومواظباً على مسئولياته التي فُوضت إليه ، وقد أنشأ في بوفال دار العلوم تاج المساجد ، كما قام بإنجاز مشاريع تاج المساجد التي لم تتم حتى الآن ، وهو عمل كبير مقبول ير جع إليه الفضل بعد توفيق الله عز وجل ، وقد زار جمهورية مصر ، والمملكة العربية السعودية ، وسري لنكا ، وليبيا وباكستان وكينيا وممباسا والكويت وبريطانيا ، وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وري يونين ، وكانت شخصيته عظيمةً ، وهو من زملاء الإمام الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ، وأحد تلامذة العلامة السيد سليمان الندوي النجباء ، وله مؤلفات وأعمال جليلة تُذكر وتُشكر ، وتوفي رحمه الله تعالى 1986م ، وصدرت له حديثاً مجموعة خطبه العلمية والدينية ، التي رتبها الأخوان العزيزان الدكتور سفيان حسان الندوي والأستاذ حمدان حسان الندوي ، وهما من أحفاد الشيخ محمد عمران خان الندوي . ننشر هنا خطبةً من هذه المجموعة تعميماً للفائدة ونفعاً للقراء . التحرير )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد قال الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) ( الأنفال : 47 ) .
أيها الإخوة ! جعل الله تعالى لكل شيئ علامةً وأمارةً ، فإذا ظهرت هذه العلامة فيه عُرف به ذلك الشيئ ، كذلك الأفراد والأشخاص إذا وجدت فيهم أمارات الإيمان والإسلام اعتبر وا أصحاب دين وإيمان ، أو أصبحوا قريباً من الدين ، وتوجد فيهم ثلاث صفات بوجه خاص .
(1) التواضع : وهو أن يعتبر الإنسان نفسه هينةً ، ولا يكثر من حسن الظن إلى نفسه ، كما لا يسيئ الظن إلى الآخرين ، وتظهر صفة التواضع من سلوك الإنسان وكلامه وسيرته وعاداته ، حينما يخالط قلب الإنسان الإيمان بالله ، قال صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله ، حتى يجعله أخس من الكلب والخنزير ( عن ابن عمر رضي الله عنهما ، تخريج مشكاة المصابيح : 5046 ) ، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول عند وفاته : وددت لو أني خرجت منها كفافاً لا علي ولا لي ، وحين أشرف على الموت قال لابنه عبد الله رضي الله عنه : ضع خدي على الأرض ، ثم قال : ويلي إن لم يغفر لي . هذا حال خليفة المسلمين سيدنا عمر رضي الله عنه الذي فتح كسرى وقيصر ، وكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وهو أفضل الصحابة رضي الله عنهم ، يقول في خلافته : يا ليتني ! كنت خضرةً تأكلني الدواب ( كتب المتمنين لابن أبي الدنيا ، ص: 26 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله ! قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ( متفق عليه برواية أبي هريرة رضي الله عنه ) هذا قول سيد الأولين والآخرين الذي بشر الصحابة بالجنة والنعيم ، لكنه يقول عن نفسه : أنا فقير إلى الله تعالى .
(2) الإخلاص : الشيئ الثاني الذي يقرب الإنسان إلى الدين ، هو إخلاص نيته وعمله لله تعالى ، وخلوه من الرياء ونيل السمعة ، فإذا كان الإنسان مخلصاً في عمله لله ، كا ن نادماً ومتأسفاً على أعماله ونشاطاته ، وكم كان سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما نادمَين على أعمالهما رغم تضحياتهما الجبارة في سبيل الله عز وجل ، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويدعو الله دعاء الخائف الضرير طول الليل ، وإذا سأله الصحابة على هذا العمل : أما غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : أفلا أكون عبداً شكوراً . ( متفق عليه برواية السيدة عائشة رضي الله عنها ) .
(3) إبداء ضريبة الحب للصحابة الكرام ، هذا هو الشيئ الثالث من أمارات الايمان ، وهو طلب المغفرة للمؤمنين السابقين ، وطلب الهداية لنفسه ، هكذا كان دأب السلف الصاح ، وقد ذكر الله تعالى : ( رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ) ( الحشر : 59 ) وقال في سورة الفاتحة : ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، وهو صراط الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، فرجال القرون المشهود لها بالخير يأتون ضمن هذه القائمة ، خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، فإذا كان في قلب الإنسان حب الصحابة فلا يدخله البغض ، والعداوة ، وإذا كان الإنسان يدعو لهم فلا يتطرق إليهم الضعف ، فالأساس في الإسلام هو أسوتهم ونهجهم ، فعلينا أن ندعو الناس إلى هذه الأسوة الطيبة ، ولا نبتغي من وراء ذلك مالاً ولا جاهاً ولا عزاً ولا سلطاناً .
أيها الإخوة ! هذه الأمارات الثلاث التي ذكرت لا بد من وجودها في الأفراد المنتمين إلى الإسلام ، وقد جمع الله تعالى هذه الأمارات في هذه الآية ، قال الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) ( الأنفال : 47 ) ، نهى الله في هذه الآية عن البطر والرياء والصد عن سبيل الله تعالى ، وهذه قاعدة مسلمة من القواعد أن الإنسان إذا مُنع من شيئ فكأنه أمر بضده ، كما ذكر الإمام البيضاوي ، وتفسير أبي السعود ، فالبطر ضد التواضع ، والرياء ضد الإخلاص ، والصد عن سبيل الله ضد الدعوة إلى الله تعالى ، فتدل الآية على أن يكون الإنسان متواضعاً ، لا بطراً ، مخلصاً في عمله ونادماً على أعماله لا مرائياً ولا متظاهراً بها ، ومتخذاً في الدعوة إلى الله منهج السلف الصالح ، وهو الجهد والجهاد في سبيل الله تعالى ، والسير والتجول في الأرض لإصلاح نفسه ولإصلاح الآخرين ، هذا الذي يزيد الإيمان واليقين في قلب الإنسان ، فمن أراد أن يسبح فليذهب في الماء لا أن يمشي على البر ، فكما أن إنجليزيا مطلعاً على قواعد السباحة جاء من كلية كالون Collin College بتكساس إلى لكناؤ ، ولا يعرف عملياً السباحة ، فكان يعلم السباحة نظرياً ، وظل مشتغلاً بها ، فلم يتعلم الطلاب السباحة عملياً سوى أصولها وقواعدها ، فكما أن لاعبي لعبة هوكي وكرة القدم يأتون إلى الساحة ويلعبون ، كذلك تظهر الدعوة إلى الله عملياً في ميدان الحياة ، سواءً طبقت على نفس الإنسان أو على الآخرين ، كذلك لا ينال الإنسان شيئاً من ظاهر العلم مالم يكن معه العمل ، هنالك ينزل نصر الله تعالى ، قال الله تعالى : إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ ، وخلق المؤمن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ ، وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ذات حركة ونشاط ، وكانت الحياة المدنية عبارةً عن الاستقامة ، وإرسال الوفود إلى المجتمعات الإنسانية لشرح معنى الإسلام . ( تعريب : محمد فرمان الندوي )