(6) الشيخ رضوان بك في ذمة الله تعالى
مايو 3, 2021
(1) البروفيسور أنيس الجشتي في ذمة الله تعالى
يونيو 2, 2021
(6) الشيخ رضوان بك في ذمة الله تعالى
مايو 3, 2021
(1) البروفيسور أنيس الجشتي في ذمة الله تعالى
يونيو 2, 2021

رجل فقدناه :

” ولكنه بنيان قوم تهدما ”

العالم الرباني الشيخ محمد ولي الرحماني : حياته وأعماله

محمد فرمان الندوي

فجع العالم الإسلامي بأسره ، والشعب الهندي بوجه خاص بوفاة العالم الرباني الشيخ محمد ولي الرحماني بن العلامة الجليل الشيخ      منة الله الرحماني ، وذلك في 20/ من شهر شعبان المبارك لعام 1442هـ ، المصادف 3/ من شهر أبريل لعام 2021م ، عن عمر يناهز ثمانين عاماً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

كانت وفاة الشيخ محمد ولي الرحماني صدمةً كبيرةً للعامة والخاصة ، أدمعت العيون ، وأحزنت القلوب ، ولم يقولوا بهذه المناسبة إلا ما أوصى به رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم : إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيئ عنده إلى أجل مسمى ، وشهد جنازته عدد كبير من الناس من طول البلاد وعرضها ، واكتظت ساحات الجامعة الرحمانية ببلدة مونغير ، بهار ، الهند ، رغم سعتها ، وكل يتمنى أن يتشرف برؤية محياه بعد وفاته ، لكن أنى له في هذا الجم الغفير والعدد الوجيه ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم : ما من رجل مسلم فيقوم على جنازته أربعون رجلاً ، لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه ( رواه مسلم في صحيحه ) ، فلم يكن هناك أربعون ألفاً ، بل ما يقارب ربع مليون من الناس ، وكلهم شهدوا بصلاحه وورعه وتقواه ، وزهده في حطام الدنيا ، فلا شك أنه مغفور ومرحوم من الله سبحانه وتعالى ، وقد صلى عليه أحد أحبائه وتلامذته الشيخ محمد عمرين محفوظ الرحماني ( سكرتير هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند ) ، وشارك وفد من ندوة العلماء في جنازته بأمر من رئيسها العام سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( حفظه الله ورعاه ) ، وقدم التعازي القلبية إلى نجليه الكريمين : الأستاذ الدكتور أحمد ولي فيصل الرحماني والأستاذ الدكتور حامد ولي فهد الرحماني ، كما أصدر بهذه المناسبة سعادة الدكتور الشيخ سعيد الأعظمي الندوي ( مدير دار العلوم لندوة العلماء ) بيان تعزية على هذه الحادثة ، نشرته الصحف اليومية ، واعتبرها خسارةً للعباد والبلاد . وعقدت ندوة العلماء حفلة عزاء بعد وفاته في رحابها ، حضرها الأساتذة والموظفون ، وكانت فيها كلمة رئيس ندوة العلماء سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي وسعادة الدكتور سعيد الأعظمي والأستاذ نذر الحفيظ الندوي بوجه خاص .

كان الشيخ الرحماني أحد أحفاد العالم الجليل الشيخ محمد علي المونغيري ( مؤسس ندوة العلماء وأول رئيسها ) ، وقد استوطن الشيخ المونغيري بلدة مونغير بولاية بهار ( الهند ) قبل وفاته عام 1927م بأعوام ، وكان من ولاية أترابراديش ، من مديرية مظفر نغر بالذات ، ثم انتقل جده إلى كانفور قريباً من لكناؤ ، وهاجر الشيخ المونغيري من كانفور إلى بلدة مونغير لأغراض دينية ، وأنشأ هناك الجامعة الرحمانية ، وقام بجولات دينية واسعة في قرى ومدن ولاية بهار ، حتى اهتدى كثير من الناس إلى الدين الصحيح ، وتابوا على يده ، وقد خلفه ابنه الكريم الشيخ منة الله الرحماني ، فكان خير خلف لخير سلف ، وقام بتوسعة أعماله الإصلاحية والدينية ، وكان علماً من أعلام الإصلاح والدعوة في الديار الهندية ، ورمزاً من رموز الحركة الإسلامية ، وعمل كداعية وقائد للأمة الاسلامية في الهند مع الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي ، انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1991م وتم دفنه في مقبرة الجامعة الرحمانية في جوار أبيه الشيخ محمد علي المونغيري رحمه الله تعالى .

ولد الشيخ محمد ولي الرحماني 5/ يونيو عام 1943م ، في هذه الأسرة الدينية والعلمية ، درس الابتدائية في إحدى كتاتيب الجامعة الرحمانية ، وواصل دراسته في الجامعة الرحمانية إلى مشكاة المصابيح ، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء لكناؤ ( الهند ) عام 1961م ، ودرس على أساتذتها وخاصةً أستاذنا الجليل سعادة الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، وكان هناك تحت إشرافه الخاص ، ثم سافر إلى دار العلوم بديوبند عام 1963م ، وتخرج منها ، ونال شهادة الفضيلة ، وبعد ما تخرج من الدراسة انتخب مدير التحرير لصحيفة نقيب ( لسان حال الإمارة الشرعية بولايات بهار وجهارخند وأريسه ) مع تدريسه وكتابة الفتاوى في الجامعة الرحمانية ، ثم أصبح مسئولاً عن شئون التعليم في الجامعة الرحمانية ، وكانت نفسه تتوق إلى أن تكون للمسلمين مكانة في   السياسة ، حتى لا تكبت أصواتهم ولا تكمم أفواههم ، فخاض في السياسة ، وحالفه التوفيق الإلهي إلى أن يكون عضواً بارزاً في المجلس التشريعي لولاية بهار حوالي عشرين عاماً ، وعشر سنوات نائب رئيس المجلس ، رغم ذلك كله لم ينقطع من شئون الدين ، ولم يتجرد من الصلاح والتقوى ، فكان يقدم قضايا المسلمين في المجلس بكل قوة ، وتسمع له كلمته ، وتكون في صالح المسلمين .

وحينما توفي والده الكريم الشيخ منة الله الرحماني عام 1991م انتخب رئيساً عاماً للجامعة الرحمانية وجميع شعبها وإداراتها ، فظل يخدم الدين والعلم ، ويوجه الناس إلى الصراط المستقيم –  إلى آخر  حياته – وكان رحمه الله أميراً للإمارة الشرعية لولايات بهار وجهارخند وأريسه ، تم تعيينه كنائب أمير لها عام 2005م ، وعمل على هذا المنصب حوالي عشر سنوات ، وفي عام 2015م بعد وفاة أميرها السادس الشيخ السيد محمد نظام الدين رحمه الله انتخب أميراً للإمارة الشرعية ، فقام فيها بأعمال جليلة وإنجازات إصلاحية انتفع بها أهالي هذه الولايات ، وكانت مثالاً جيداً للولايات الأخرى ، وانتخب الشيخ الرحماني كذلك أميناً عاماً لهيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند عام 2016م ، وكان عهد أمانته مليئاً بالقضايا الشائكة ، والأحداث القاسية ، لكنه تحمل كل ذلك بثغر باسم ، واستقامة مثالية ، وجراءة إيمانية ، حتى أعاد إلى المسلمين الهنود الشعور بالذات الذي كادوا يفقدونه في خضم القضايا والمشكلات ، فكان الشيخ الرحماني أسداً غيوراً على الإسلام ، لا يقبل الضيم والاستكانة في سبيل شعائر الإسلام وقانون الأحوال الشخصية للمسلمين بصفة خاصة .

كان الشيخ الرحماني رئيساً لكثير من اللجان والجمعيات ، وأنشأ مؤسسة الرحماني ، فكانت تنشر الفكر الإسلامي الصحيح من خلال إصدار كتب ومؤلفات ، وتعقد حفلات وبرامج دينيةً وإصلاحيةً ، كما أنشأ لإعداد الطلاب العصريين في المهارات الحديثة منبر الرحماني  ( 30 ) ، وقد كان هذا المنبر ذريعةً كبيرةً لوصول الطلاب المسلمين إلى الوظائف الحكومية في الهند ، فكان هؤلاء الطلاب خير إداريين وموظفين يديرون البلاد على قيم إنسانية ثابتة ، ولا يزال يستمر هذا المنبر في تخريج هذه الدفعات الطلابية ، ويشرف عليه نجله الأستاذ حامد ولي فهد الرحماني ، إن هذا الإنجاز العصري للشيخ الرحماني اعترفت به الأوساط الخاصة والعامة ، وقد أنشئت منابر أخرى على غراره في الهند ، وكان الشيخ عضواً للهيئة التنفيذية لجامعة علي جراه الإسلامية ، ونال وسامات وجوائز تقديراً لأعماله وجهوده العلمية والسياسية .

كان الشيخ الرحماني عالماً ربانياً ، وداعيةً كبيراً ، ومصلحاً عظيماً ، عاش حياة العلم والصلاح ، ولم يقض حياته في زاوية من الزوايا فقط ، بل خاض المعارك السياسية ، ودخل في غمار المشكلات ، لكنه خرج منها طيباً عفيفاً ، لم يدنس عرضه منها شيئاً ، وكان الشيخ الرحماني يصرح بالحق ، ولا يبالي في ذلك لومة لائم ، وكان يتكلم مع الساسة والحكام غير خائف ولا وجل ، وكان كلامه يُسمع بغاية من التؤدة ، وتصدر بسببه التوصيات والقرارات ، وقد تاب على يديه حوالي مليون من الناس ، وانتشر أتباعه في الهند .

خلف الشيخ الرحماني وراءه عدة كتب ومؤلفات ، منها تاريخ الإصلاح والتربية في العهد النبوي ، وقضية تدريس علوم التكنالوجيا في المدارس ، والعدل الاجتماعي والشعب الهندي ، والشيخ أبو المحاسن سجاد : حياته وأفكاره ، ورحلة الحج ، وخطب الرحماني ورسائل الرحماني ، ويشرف الآن بعد وفاته على جميع نشاطاته التعليمية والإصلاحية والتربوية الأستاذ الدكتور أحمد ولي فيصل الرحماني ، بارك الله في حياته و وفقه لما يحبه ويرضاه .

رحمه الله رحمةً واسعةً ، وأسبغ عليه شآبيب رحمته ، وغفر له زلاته وأدخله في جنات النعيم ، وألهم جميع أعضاء أسرته وأتباعه الصبر الجميل ، قال الله تعالى : ” كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ ” .