شخصية صنعت التاريخ
نوفمبر 19, 2023العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني كما عرفته
نوفمبر 19, 2023وفاة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي :
يا لها من حادثة
فضيلة الشيخ الدكتور السيد سلمان بن العلامة السيد سليمان الندوي *
بلغنا هذا النبأ الحزين فجأةً ، وشتت بالنا وكدر عيشنا ، فيا لها من صدمة تركت آثارها في نفوسنا ، ولم تكن أذهاننا صالحةً لسماع هذا الحادث الأليم ، كما غمرنا الحزن والأسى عند وفاة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، والواقع أن هذه الحادثة بعد وفاة الإمام الندوي تركت أثراً بالغاً في أذهان أسرته ، بل الواقع أن كثيراً من الهيئات والمؤسسات حرمت من آرائه السديدة وأقضيتهم المبرمة وقيادته الحكيمة المحكمة الجادة ، وخاصةً هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند ، لأنه قادها قيادةً حكيمةً موفقةً ، وأثبت أنه كان موفقاً مؤيداً من الله .
قضى الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي حياته في تربية خاله الإمام الندوي ، ولازمه في حله وترحاله ، فتشرب فكره وتغلغل حبه في قلبه ، حتى فاض من قلمه ولسانه ، ومما يثير العجب أنه كان يشبه خطابته وفصاحة لسانه وأسلوب كلامه .
التحقت بدار العلوم لندوة العلماء عام 1941م ، ودخلت في السنة الأولى من الثانوية ، وبعد عامين لقيته أول مرة ، وكان متقدماً مني في الدراسة بثلاث سنوات ، ولكنه يعرفني بانتمائي إلى أبي العلامة السيد سليمان الندوي كرئيس للشؤون التعليمية بندوة العلماء ، ثم توثقت العلاقة فازدادت معرفتي به ، والأمر الثاني الذي قرب بعضنا بعضاً أن أخاه الصغير قد التحق بدار العلوم لندوه العلماء ، وكان متأخراً مني بثلاث سنوات ، وكنت ألقاهما أحياناً في منزل الشيخ السيد عبد العلي الحسني ، وكان والدهما يعمل في مستوصفه . وكان كلا الأخوين يسكنان على شارع محمد علي ، أمين آباد ، ويأتيان للدراسة في دار العلوم لندوة العلماء ، وكانت سنة ولادة الشيخ محمد الرابع الحسني 1929م ، وسنة ولادتي 1932م .
أشرف على تربيته منذ صغره خاله الإمام الرباني أبو الحسن علي الحسني الندوي ، فتربى على أفكاره الوسطية النيرة ، وتأثر بنظراته المباركة وحكمته الدافقة وحميته الإسلامية الرائعة ، وتحلى بأخلاقه الجميلة وصفاته الكريمة ، واستقى من علومه وأدبه الجم ، حتى تتجلى فيه عبقريته ، ومن المعروف به على نطاق واسع أنه خليفة الإمام الشيخ الندوي ، فقد عين في حياته مديراً لدار العلوم لندوة العلماء ، ثم تولى رئاستها العامة بعد وفاته في عام 2000م ، ولم يكن هناك من هو أجدر به قانوناً وواقعاً . فقاد ندوة العلماء بالعلم والحلم ، والصبر والحكمة ، والحنكة والكياسة ، ومعلوم أن فترة رئاسته لها كانت مليئةً بالأحداث الحرجة ، ولكن قادها في حذق وبراعة ، وأثبت أن له ذكاءاً متوقداً وبصيرةً نافذةً وشجاعةً كاملةً على مواجهة الأخطار والتغلب عليها .
حينما نزلت ضيفاً على ندوة العلماء ، وحضرت في مجلسه ، ذهبت في عالم الخيال إلى الذكريات القديمة ، فتحدثنا طويلاً . ولا شك أن وفاة الشيخ لخسارة فادحة للأمة الإسلامية جمعاء ، كأن وفاته صاعقة علينا فجأةً ، ليست لنا كلمة أو تعبير نعبر بها عن حزننا العميق ، قلوبنا تدمع وإنا لفراقه لمحزونون ، أسأل الله العظيم أن يسكنه الفردوس الأعلى وينزل عليه شآبيب رحمته .
* دربن – إفريقيا الجنوبية .