الإيمان والمادية وصراعهما في الحياة الإنسانية ( الحلقة الأولى )
ديسمبر 4, 2021البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سور الملك والقلم والحاقة )
يناير 2, 2022التوجيه الإسلامي :
واقع العالم الإسلامي
للعلامة الإمام الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى
إخواني ! التناقض في حياة فرد عادي ، لغزة تحتاج إلى حلٍّ وفك وإلى ذكاء ، فكيف إذا كان التناقض في مجتمع كبير ، وكيف إذا كان في عالم واسع الأرجاء ، كبير الأهمية ، مجيد التاريخ ، أما التناقض الغريب الذي أريد أن أتحدث عنه في هذه الأمسية ، فهو أن العالم الإسلامي لم يكن في زمن من الأزمان أكثر حكومات ، وأوسع مساحة جغرافية وأعظم أهمية سياسية ، وأغنى في الطاقات والإمكانيات ، وأملك للوريد في الجسم الصناعي ، لم يكن العالم الإسلامي – في حد دراستي – وقد درست تاريخ الإسلام سياسياً وفكرياً ، وعلمياً ، وروحياً ، في إطار واسع ، وأستطيع أن أقول في ضوء دراساتي : إنني ما وجدت العالم الإسلامي في هذا التاريخ الضخم الكبير الحجم ، الواسع مساحةً زمنيةً ، إنني أجد العالم الإسلامي في فترة من فترات التاريخ أغنى وأقوى ، وأوسع منه في هذا الزمان ، ولكني أقول لكم ، والحزن يملأ قلبي ، والخجل يعتقل لساني : إن العالم الإسلامي مع هذا الحول والطول ومع هذا العدد الكبير من الحكومات ، لم يكن أهون ولا أذل ، ولا أضعف ، ولا أخف في الميزان السياسي الدولي منه في هذا الزمان ، وهذا تناقض تحار فيه الألباب .
إن العالم الإسلامي في الحقيقة كان قد ضعف في روحه المعنوية وفي شخصيته ومميزاته من زمان ، ولكن كان له اسم كبير ، وكانت له مهابة وسطوة ، كانت هنالك الدولة العثمانية ، – على علاتها ومحنها – كالسور المنيع للشرق العربي ، لا يجترئ كثير من الحكومات والشعوب الحاقدة ، أن تتسور هذا السور ، ويهين المقدسات الإسلامية والبلاد التي كانت تحت حماية الدولة العثمانية ، وقد كان شرف العالم الإسلامي وكرامته منوطةً بفذ الجزء المقدس الحبيب إلى المسلمين في العالم ، وكان للدولة العثمانية الإسم الكبير ، الحافل بالأمجاد والبطولات ، فكان يصرف الناس عن الامتحان لقوته الحقيقية ، وكان هنالك ” نظار ” [1] أو مجدار [2] على التعبير العربي القديم ، وهو العود الذي ينصبه الفلاح في مزرعته ، ويلقي عليه شيئاً من الثياب ، فيتصور الغربان والطيور أن هنالك إنساناً واقفاً ، فلا تتجاسر أن تقع في هذه المزرعة وتسبب فيه ضرراً ، فإذا سقط هذا النظار أو المجدار بريح عاصفة مثلاً ، أو عاثت فيه بعض الحيوانات الجريئة فأسقطته ، هنالك يعرف الطيور أنه ليس هنالك ما يخاف فتساقط عليها وتتلفها ، فكانت الدولة العثمانية ، وكان الإسم الكبير الذي تحمله ، وكانت الانطباعات التي كان يحملها الدارسون للتاريخ الإسلامي ، والتصور الكبير الضخم الذي كان أكثر من الحقيقة ، يمنع كثيراً من الشعوب التي كانت أقوى من الدولة العثمانية ، وكان في إمكانها أن تسيطر على بعض الممتلكات العثمانية ، ومحمياتها بسهولة من أن تجرب الوقوع في هذه الحمى ، فلما سقط هذا النظار أو المجدار ، أصبحت المزرعة مالاً سائباً ونهبة لكل ناهب ، وأصبحت الحمى مفتوحةً لا حارس لها .
هذا مثل للعالم الإسلامي إذا قسنا العالم الإسلامي بمقياس الروح الإسلامية ، وبمقياس القوة الإيمانية ، والقوة الحربية الحقيقية ، فقد كان قد تخلف فيها تخلفاً كبيراً منذ أمد بعيد ، ولكن كانت له رهبة ، وسطوة .
إن الحقيقة العالمية الخالدة أيها السادة ! أن الفرد لا يُحترم إلا إذا كان يُخشى ويُرجى ، والجماعة لا تُحترم إلا إذا كانت تُخشى وتُرجى ، وتنفع وتضر ، وكذلك الحكومات والمجتمعات ، لا يحسب لها حساب إلا إذا كانت تُخشى ، وتُرجى ، وتنفع وتضر ، تستطيع أن تضر ولو لم تفعل ذلك – بإرادة وقصد – مدة طويلة ، ولكن يجب أن يعرف الناس أنها تملك قوة النفع والضرر وإن لم تستعملها ، إن الفرد ولو كان حقيراً تافهاً كالنملة قد تُخشى ، لأنها تستطيع أن تقرص ، والعقرب تُخشى لأنها تستطيع أن تلسع ، والحية تُخشى لأنها تستطيع أن تلدغ ، والكلب يُخشى لأنه يستطيع أن يعض ، ولو حيل بينه وبين ذلك سنين وأعواماً ، وكان كلباً مدللاً أليفاً ، فلا بد من التوازن الصحيح وهو وجود صلاحية النفع ، ووجود صلاحية الضرر في وقت واحد .
فكان لا بد أن يملك المسلمون بصفة أمة ، ويملك الفرد المسلم بصفة فرد ، القدرة على النفع والضرر ، وإن لم يضر كما قلت لشرفه ، ولسماحته ، وإنسانيته الرفيعة ، وسمو رسالته ، ولو لم يأت منه الضرر والأذى قروناً عديدةً ، لا بأس ، ولكن ليعرف الزمان أنه بمكان يُرهب فيه ، ويُخشى بأسه ، يقول الله تبارك وتعالى وهو رب العالمين ، وأحكم الحاكمين : ( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [3] .
فأصبح المسلمون في الزمن الأخير ، يرجون ولا يخشون ، وينفعون ولا يضرون ، وهذا وإن كان موقفاً شريفاً في علم الأخلاق والنفس ، وفي العلم النظري والفلسفات النظرية الخيالية ، وإن كان يدل على شرف الرجل وعلمه وفضله ، وعلى نبله ، وعلى تمسكه بالمبادئ السامية ، ولكن الفطرة البشرية منذ أن فطرها الله تعالى تعودت أن تخضع للقوة ولما عند الفرد أو الجماعة من قدرة الإضرار والدفاع عن نفسه وأخذ الثأر لها ، يقول الدكتور العلامة محمد إقبال :
” إن الوردة الجميلة لا سلامة لها ولا صيانة ، إذا كان الشوك الذي خُلق ليحوطها ويصونها من الأيدي العاتية قد انحرف عن فطرته وأصبح حريراً ناعماً إذن فلا بقاء للوردة ولا حرمة لها ، واسمحوا لي أن أنشد البيتين باللغة الأردية ، لأني أرى هنا عدداً من إخواننا الباكستانيين والهنديين ليتذوقوا الأبيات في لغتها ، يقول إقبال :
تمیزِ خار و گُل سے آشکارا نسیمِ صُبح کی روشن ضمیری
حفاظت پھُول کی ممکن نہیں ہے اگر کانٹے میں ہو خُوئے حریری
يقول : إن نسيم الصباح يعرف طبائع الأشياء ، فيربي الوردة على طبيعته الخاصة وهي النعومة ، والرقة ، وينشئ الشوك على طبيعة أخرى منافية وهي الشدة والعنف ، وهذا يدل على فراسة النسيم العليل البليل الذي يهب صباحاً ، يدل على وفائه بالرسالة التي نيطت بها ووضع الشيئ في محله ، فإذا أصبح الشوك الذي يحيط ويصون الوردة الناعمة ، الوادعة البريئة ، حريراً ناعماً ، فلا بقاء للوردة ولا سلامة لها ، فكذلك لا بد للعالم الإسلامي الشريف النبيل صاحب الرسالة السامية ، والمبادئ السماوية ، والتعاليم الربانية ، حامل الرحمة الإنسانية ، وصاحب قلب خفاق ، يذوب للإنسانية الضعيفة ويسيل رقةً ورحمةً ، كان واجباً أن يكون هذا العالم الإسلامي يملك ما يرهب وما يخشى ، يملك السياج المنيع ، والسور العالي ، والجند الجاهز ، ولكن أصبح العالم الإسلامي اليوم ترجوه كل المعسكرات الآن ، المعسكرات على تناقضها في المبادئ ، وعلى ما بينهما من منافسة ومحاربة ، تلتقي على الانتفاع بالعالم الإسلامي وحلب درته وامتصاص دمه ، كلها تنظر إلى العالم الإسلامي كمادة ثرية ، ولكن ليس معسكر من المعسكرات الآن ، وليست حكومة من الحكومات الكبيرة التي تتحكم الآن في مصاير الأمم ، وفي المسيرة الإنسانية ، تخشى العالم الإسلامي فتحترمه ، إنما نسمع كلمات الاعتراف لبعض الحكومات الإسلامية والعربية ، وكلمات الاحترام في أحيان أخرى ، ولكنها كلها سياسة ونفاق ، ليس في قلب أحد من هؤلاء الساسة ، والقادة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ، خوف من العالم الإسلامي في الحقيقة .
ثم زاد الطين بلةً ، هو أنه قد عرف العالم الغربي أن هذه الحكومات التي كان يمكن أن تُخشاها مشغولة بشعوبها ، مشغولة بالصحوة الدينية التي ظهرت في هذه البلاد ، إنها في شغل شاغل ، إن همها الوحيد أن تقضي على البقية الباقية من الجمرة الإيمانية في هذه الشعوب ، فهي لا تجد فرصةً ، ولا تجد مجالاً لأن تبرز في الميدان الحقيقي وتتحدى القوة الأجنبية المحاربة للإسلام ، كالصهيونية أو الصليبية الحاقدة ، أو أن تنهض للانتصار لقضية إسلامية من قضايا الشعوب الإسلامية المضطهدة .
ومن المؤسف أن قادة البلاد الأجنبية يعرفون هذه الحقيقة ، وهذا الوضع ، أحسن ، وأكثر مما يعرفه كثير من إخواننا الذين يعيشون هذا الواقع ، وعندهم تفاصيل دقيقة ، ودراسات عميقة لواقع العالم الإسلامي اليوم ، هم يعرفون أن الجمرة الإيمانية التي كانت تخشى في الزمن القديم وهو الاستهانة بالحياة والحنين إلى الشهادة ، قد انطفأت في صدور المسلمين أو كادت تنطفئ ، وكان هؤلاء القادة الأجانب يعرفون أن المسلمين يندفعون لهتاف الإيمان ؟ ولا يفهمون إلا لغة القرآن والدين ، وإنهم لا يندفعون إلا لما فيه أجر الآخرة ، ولما فيه رضا الله تبارك وتعالى ، إن عدداً من الأقطار الإسلامية كسبت المعركة مع العدو وتغلبت عليه بفضل الهتاف بالشهادة في سبيل الله ، والهتاف بالجهاد في سبيل الله ، ولكن لما انتهى هذا الدور وخرجت من المعركة ، فأول ما تحاول وتصرف جهودها إليه هو القضاء على هذه الجمرة الإيمانية ، إلى الآن لا تزال الصلة الأقوى التي تربط المسلمين بصدر القوة التي تأتي بالمعجزات ، هي الصلة بالله تبارك وتعالى ، وبرسوله ، ولا تزال روائح الجنة تفوح مهما حاول السياسيون ، ولكن لا تزال الجمرة الإيمانية كامنةً في الرماد ، ولكن أكثر قادة البلاد عادوا ، لا يربطهم رباط بهذه اللغة الإيمانية والحمية الإسلامية ، وقد ضعفت الصلة بينهم وبين مصادر الإيمان أنه جيل قد نشأ في أحضان الحضارة الأوربية ، وكليات التربية العسكرية في عواصم أوربا ، وأساتذتهم ومربوهم يعرفون أنه قد أفلت الزمام من أيديهم ، وانقطع الخيط الذي كان يربطهم بالمجموعة الإسلامية ، وبالجماهير المسلمة . واستبدلوا به خيطاً سياسياً . والأوربيون يعرفون أن هذا الخيط إذ نفع وأفاد في بلد . فإنه لا ينفع في بلد إسلامي . منهم من درس القرآن ، ومنهم من درس تاريخ عصر الصحابة ، ومنهم من درس تاريخ صلاح الدين الأيوبي ، وتاريخ الغزوات الإسلامية ، وتاريخ الدعوة إلى الإسلام ، فهم يعرفون أن الخيط الذي يربط قادة البلاد بالجماهير المسلمة ، ليس فيه قوة أبداً ، إنه ينقطع سريعاً ، إن هذه الجماهير على ما أصابها من الوهن وعلى ما أصابها من أدواء وعلل ، وعلى ما أصابها من تدهور ، لا تزال تندفع للهتاف الديني والإيماني في كل مكان .
لقد أصبحت الأمة الإسلامية الآن هدف المآسي والمهازل في وقت واحد ، لماذا ؟ لأننا هازلون ، وهزيلون ، العالم الإسلامي أصبح هزيلاً وهازلاً ، لا جدَّ فيه ، تزور العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ، من الشرق إلى الغرب ، تجدون هناك بطراً وترفاً ، تجدون هناك فيضاً من ملاهٍ ، وملاعب ، هل هناك تناسب ، تناسب بين ما نعيشه ونمط الحياة الذي نحياه في هذه المدن الآمنة المطمئنة ، وبين ما يقع في الجزء الآخر في العالم الإسلامي ، هل إذا زار أحد من الزوار من الخارج ورأى هذه المدن ، هل يستطيع أن يفهم أن هذا جزء من الجسم الإسلامي الذي تُقطع أجزاؤه في ناحية أخرى ، هل هذه الأمة هي نفس الأمة ، هذه الأمة التي تسبح في بحر من البذخ ؟ هل هي الأمة التي أصبحت هدفاً في لبنان وفي أفغانستان ، هل هم كلهم أعضاء الأسرة ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ” مثل المسلمين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى [4] .
يقول الله تعالى :
( إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ ) ، هل نحن أمة واحدة ، يقول بعض المستشرقين : انهزم الإسلام مرات عديدة سياسياً وهزم روحياً ، وحين انهزم سياسياً هزم الفاتح المسخر المدمر روحياً .
يجب أن تخمد هذه المعركة الدامية الحامية ، هذه المعركة غير الطبيعية ، هذه المعركة الصناعية التي استنزفت جهود القادة والسادة ، وولاة الأمور ، والمفكرين في بلادنا الإسلامية ، أن تخمد وتنتهي هذه المعركة غير الحقيقية التي هي حامية بين الشعوب والجماهير والحكومة ، فالحكومات تتجه اتجاهاً آخر ، والشعوب تتجه الاتجاه القديم الإسلامي إلى الآن ، لا الحكومات نجحت في جرِّ هذه الشعوب والجماهير المسلمة ، إلى الابتعاد عن جادة الإسلام ، ولا الجماهير نجحت في إقناع هؤلاء الحكام والملوك في استخدام الطاقة الذرية الهائلة التي هي كامنة في نفوس الجماهير المسلمة وهي قوة الإيمان التي هي أقوى من الطاقة الذرية ، فإذن من الحكمة ومن المعقول والنصيحة ، ومن التوجيه الرشيد السديد أن تنتهي هذه المعركة المصطنعة التي تحدم هذا الصراع النفسي ، والصراع العملي الذي يحتدم بين من يملك الزمام ، سواء من يملك زمام التربية ، أو زمام السياسة ، أو زمام القيادة ، والذين نشأوا في أحضان الثقافة الأوربية ، وبين الشعوب المسلمة الوادعة المخلصة ، البريئة الصادقة ، القوية ، الوافية ، الوفية ، الزاكية الزكية ، البقية النقية ، أليس من الخير ، أليس من المعقول أن تنصرف كل الجهود ، والطاقات إلى استخدام هذه القوة التي لا يزال المسلمون يملكونها ، قوة الإيمان ، وقوة الفداء ، والوفاء للإسلام ، وبذل النفس والنفيس لله تبارك وتعالى .
ثم لابد أن ينهض هؤلاء الربانيون الذين ذكرنا بعض النماذج من سيرتهم ومن دعوتهم للإسلام ، في كتابنا ” رجال الفكر والدعوة في الإسلام ” و ” ربانية لا رهبانية ” فإن الربانيين الصادقين ، الراسخين في العلم ، المتبعين للسنة ، فيهم وحدهم قدرة على تربية النفوس على الإيمان والإسلام ، والخلق المستقيم ، والتمرد على المادة وعلى الشهوات ، والتغلب على المغريات المعاصرة ، كان ما زال في العالم الإسلامي هذا النمط من الربانيين ، ما خلا منهم عصر ، ولكن اجتمعت عدة أسباب ، وعدة أدوات لمحاربة هذه الربانية الصافية ، فأقول كما قال الحطيئة :
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
لنملأ فراغ الربانية المشرقة الصادقة المؤسسة على الكتاب والسنة وعلى الزهد في حطام الدنيا والانصراف إلى الآخرة ، والاشتغال بذكر الله تبارك وتعالى ، واستحضار الآخرة ، حتى نستطيع أن نجر هذه المجموعة الكبيرة إلى بر السلام ، إلى حقيقة الإسلام ، وإلى ماضى هذه الأمة .
أما بغير ذلك ، فإن العالم الإسلامي ، وإنما أتحرج أن أقول ، ولكنني أقول ، لأنه قد قال قبلي مفكر كبير وهو أكبر الكتاب في عصر أمير البيان الأمير شكيب أرسلان يقول : ” كاد أن يكون العالم الإسلامي بحراً كبحر العروض ( للشعر ) ، بحر ولا ماء ” ، بحر العروض لا ماء فيه ، أصبح العالم الإسلامي لا يحمل قوة ترهب ، ولا يحمل القوات التي هي تمنع عن هذه المآسي .
هذا هو واقع العالم الإسلامي الذي نشاركه جميعاً ولو كنت منفرداً وفي عزلة عن هذا الواقع لما اجترأت أن أقول هذا ، ولكني أشارككم كأي مسلم وكعربي ، ونصيبي ليس أقل من نصيبكم ، فيسوغ لي أن أتكلم بهذه الصراحة ، لأني لا أشهد على أنفسكم ، ولا على هذه المنطقة ولا على البلاد العربية فحسب ، بل أشهد على نفسي ، وعلى إخواني ، وعلى من أزاملهم وأشاركهم ، وأتعاون معهم .
هذا واقع العالم الإسلامي يجب أن يتغير ، وفي صالح الإنسانية أن يتغير ، وفي صالح مصير الإنسانية أن يتغير ، وإرادة الله أن يتغير هذا الواقع ، ويرجع العالم الإسلامي إلى ما كان عليه في قرون مشهود لها بالخير ، في زمن عظمة الإسلام ومجده ، ولا خير ، ولا لذة في الحياة ما دام العالم الإسلامي هكذا ، لا لذة لملتذ، ولا عزة لمعتز ، ولا قوة لقوي ، إذا كان العالم الإسلامي بهذه الصفة .
هذه كلمتي وأنا أشعر بأنها قاسية ، ولكنها صريحة ، وصادقة إن شاء الله ، وأرجو من الله أن يكون لها صدى في نفوسنا ، ويكون لها مفعول في نظام تفكيرنا ، والله الموفق والمعين .
[1] النظار الخيال المنصوب بين الزرع ، والناطور حافظ الكرم أو الزرع ، والكلمة سريانية .
[2] ما ينصب في الزرع لطرد الطير والوحش ، ويقال له الفزاعة أيضاً .
[3] سورة الأنفال : الآية 60 .
[4] حديث متفق عليه .