هل يتجرد الإنسان عن لباس الإنسانية ؟!

الأسرة الحسنية ، والدعوة إلى الله تعالى !
سبتمبر 12, 2022
كلمة عن المجلة :   
نوفمبر 5, 2022
الأسرة الحسنية ، والدعوة إلى الله تعالى !
سبتمبر 12, 2022
كلمة عن المجلة :   
نوفمبر 5, 2022

الافتتاحية :           بسم الله الرحمن الرحيم

هل يتجرد الإنسان عن لباس الإنسانية ؟!

كان من حكمة الله تعالى أن يعمر هذه المعمورة بأنواع من الكائنات والآيات البينات والصناعات المفيدة ، وقد تجلت هذه الميزة في المجتمعات البشرية بغاية من الوضوح ، وإن كان هناك خلاف من الملائكة وإنكار هذه القضية حينما تحدث الله سبحانه عن مهمة الخلافة والإشراف على جوانب هذه المهمة التي تحتوي على كرامة الإنسان وأفضليته في هذه الدنيا ، ولما بشّر بذلك ملائكة السماء أنكروا هذه العملية وأبدوا جدارتهم بكل نوع من أنواع العبودية مما يتعلق بالتسبيح والتقديس والعبادة والاستسلام ولكن الله تعالى أقنعهم بقوله : ( إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

وقد جرى حوار حول هذا المعنى بين الرب تبارك وتعالى والملائكة المقربين الذين أخبرهم سبحانه وتعالى فقال إني جاعل في الأرض خليفةً ، وقد جرى هذا الحوار بين الخالق والمخلوق وسجله كتاب الله تعالى بغاية من الأهمية فقال : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

ويلي هذا التعليم الرباني بشرى عظيمة بتعليم آدم عليه السلام جميع تلك الأسماء التي يحتاج إليها بنو آدم في حياتهم الدنيوية ، ومع ذلك عرضها على جماعة الملائكة وطلب منهم أن يذكروها أمام الله تعالى لكي يتبين صدق دعواهم ، ولكنهم اعتذروا نادمين ، وقالوا : ( لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ) ، وبعد ما قبل الله تعالى عذرهم حول معرفة ما علمهم الله سبحانه فحسب ، أمر الله تعالى آدم عليه السلام بأن ينبئهم بأسمائهم فقال : ( قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) .

ومن هنا بدأ الله تعالى إرسال عباد مخلصين إلى هذا العالم لكي يقوموا بتعليم الناس دروس وحدانية الله تعالى وتربيتهم على أسس خلقية نموذجية حتى يمثلوا العبودية الخالصة لله تعالى ويعيشوا تحت تقدير إلهي للحياة الإنسانية ، فكان ذلك أول نموذج للترابط بين الله وعباده ، وقد أدى ذلك إلى توحيد الخالق العظيم وعبادته والاتصال به في كل عمل ومناسبة وفي كل حين وآن .

فمن ثم بدأت تعاليم وحدانية الله تعالى وترك الثقةِ بالأصنام والأحجار التي كانت قد تداخلت في نفوسهم محل الدماء في العروق ، ومن ثم كانت عبادة المخلوقات الحقيرة تداخلت في الدماء والعروق ، وكانت كثرة الآلهة الطينية والحجرية والخشبية مبعث فخر واعتزاز لدى الإنسان الجاهلي الذي كان وثيق الصلة بالآلهة التي صاغها بيده ، كما كان وطيد الثقة بالأصنام التي كان قد صنعها بالحجر والطين وتناسى أن هناك إلهاً عظيماً خلق السماوات والأرض والجبال وجميع ما يتوافر في الأرض والسماء ، والأكوان كلها من آيات الله البينات يدركها كل إنسان ، ففي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار آيات بينات لا يكاد يدركها إلا أولو الألباب من عباد الله تعالى ( ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .

تدعونا هذه الآيات الصريحة إلى التأمل الواسع والدراسة الشاملة لكل ما نشاهده بأم أعيننا في الخلائق الأرضية والسماوية من آيات قدرة الله تعالى وصنائعه العالية التي لا يكاد يدركها العقل البشري ، ذلك العقل الذي يدرك سرّ الخلق والأمر قبل كل عقل وقوة مدركة ، ألا نرى كيف يشغل الغرب عقله لإدراك هذا السر العظيم ، وقد أنشأ لذلك مدارس واسعةً وجامعات كبيرةً وهي مشغولة بكشف تلك الأسرار الكونية مما يتعلق بالإنسان والكائنات الأخرى المتوافرة في هذا العالم البشري ، وقد نرى ونسمع أن بعض المتأملين في صنائع العقل المادي التي هي ملهمة من الله عز وجل – صانع هذا الكون العظيم الواسع – قد رافقهم التوفيق إلى الإيمان بالله ورسوله وبكتابه الخالد العظيم .

إننا في هذا العالم المعاصر نرى ونسمع عن إنتاجات علمية وصناعية يقوم بها رجال من الدول الكبرى ممن يوفقهم الله تعالى إلى ذلك ، لكي يطلع عليها الناس ويقدروا أنها لم تتوافر إلا بقدرة القادر العظيم الذي فتح عليهم الباب وأراد الخير للكائنات الإنسانية كلها ويسّر الاستفادة من صنائعه الكونية لكي يستفيد منها الكائن البشري وغيره من جميع أنواع الخلق في هذا العالم المادي .

من خلال هذا التفكير ندرك أهمية كتاب الله وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ونتأكد أن الدين الأخير الذي يعيش فيه المسلمون إنما هو الملجأ الأخير لأمة الإسلام في جميع الأعمال والأنشطة في هذا العالم الواسع الذي هو مدرسة عالمية متسعة لجنس الإنسان الذي خلقه الله تعالى من يوم آدم عليه السلام وأرسله إلى العالم الإنساني الذي وزعه الناس من أيام هابيل وقابيل بين إنسان يعلم مسئوليته وإنسان يعادي الأول لأنه يّعد نفسه لأداء مسئولياته فيقتله ثم يتأسف على عمله السيئ الخبيث ، فقد تحدث الله سبحانه عن هذا الواقع في كتابه العظيم فقال : ( وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لَـأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ) .

فكان قتل قابيل لأخيه هابيل مبعث الأسف ونقض للقوانين البشرية ، وقد تحدث كتاب الله تعالى هذه القصة بشيئ من التفصيل والإيضاح لكي لا تتكرر مثل هذه الجريمة في التاريخ الإنساني ، يقول الله تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) ( سورة المائدة : الآية 32 ) .

ونحن في خضم الحضارات المادية نتناسى هذه الحقائق السماوية والأوامر الإلهية ونعتقد أن إنسان العصر الأول كان مشغولاً بأعمال وأنشطة غير إنسانية لأنه لم يكن يعرف للحضارة الإنسانية معنىً ، وكان يزعم أن العالم لن يتوحد ولا يتقوى في الإنتاجات العالمية إذا كان موزعاً بين اتجاهين مضادين من النفي والإيجاب .

أما إنسان اليوم فإنه يتوزع بين السلب والإيجاب ، وذلك هو السبب الأساسي لحياة متناقضة حتى في المجالات المادية والاتجاهات الحضارية في الدول المادية ، فهذه حضارة أمريكية وتلك حضارة يابانية وحضارة ألمانية وحضارة روسية وحضارة إيرانية وحضارة هندية ، لكل واحدة منها اتجاهات خاصة بالحكم والصناعة والسياسة والحضارة ، وكلها انتهازات من جماعات انتهازية تترقب الفرص لتغليب سيطرتها من كل نوع على كل نوع آخر ، وقد يكون ذلك موزعاً بين المناطق الشرقية والغربية .

هذا ما نراه اليوم على المستوى العالمي ولذلك فإن الأخطار العالمية تتزايد وتتفاقم في عالمنا الحديث ، وتتنوع مسائل البلدان المختلفة بأسماء ومصطلحات سياسية لماعة في العالم الحديث ، وأقبلت الشعوب كلها قد تبنت طرق الجرائم الغليظة المنوعة ، ولو أدى ذلك إلى القتال والبهيمية وخلع لباس الزينة الإنسانية والارتداء بلباس البهيمية والجرائم التي تحول الإنسان بهيمةً وتجرده عن كل لباس إنساني ، فإذا هو صورة إنسانية ليس غير .

( يا أَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ . ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ . كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .

سعيد الأعظمي الندوي

6/2/1444هـ

4/9/2022م