نظرة على ترجمة ( محمد مارمادوك ) بكتال لمعاني القرآن الكريم ومميّزاتها

تجليات الأمثال في القرآن الكريم
مارس 24, 2025
رحلة إلى الأردن بين المقدسات والمعالم ( الحلقة الخامسة )
مارس 24, 2025
تجليات الأمثال في القرآن الكريم
مارس 24, 2025
رحلة إلى الأردن بين المقدسات والمعالم ( الحلقة الخامسة )
مارس 24, 2025

دراسات وأبحاث :

نظرة على ترجمة ( محمد مارمادوك ) بكتال لمعاني القرآن الكريم ومميّزاتها

الدكتور مجيب أختر الندوي *

تاريخ ترجمة القرآن الكريم إلى الإنجليزية مليئ بترجمات كثيرة قام بها المستشرقون . فظهرت أول ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن عام 1664م قام بها أليكزندر روز ( Alexander Rose ) تحت عنوان ” قرآن محمد ” The Koran of Mahmet . وكانت هذه الترجمة تعتمد على النص اللاتيني ، ولم تكن مباشرةً من العربية . وقد شابها الكثيرُ من التحريف والتشويه . هذه الترجمة بدأت تصدر في أجزاءٍ منذ عام 1664م ، وطُبعت بالكامل في عام 1718م . قام روز بتحريف اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم عمداً ليُصبح ” Mahmet ” ، كما قدم محتوياتٍ خرافيةً ومنحازةً تتهم النبي بأنه مؤلف القرآن . ورغم أن هذه الترجمة تحمل طابعاً عدائياً وتفتقر إلى الدقة ، كان المستشرقون يقدرونها تقديراً ، لأنها تُعتبر بداية لسلسلة الترجمات التي أتت بعدها .

ثم ظهرت ترجمة جورج سيل ( George Sale ) الشهيرة في عام 1734م التي تُعتبر أول ترجمة مباشرة من العربية إلى الإنجليزية ، رغم أنها حملت نزعةً عدائيةً تجاه الإسلام ، كانت تتميز بدقة أكثر ونزاهة أكثر مقارنة بالترجمات السابقة . لم يهاجم الإسلام ورسوله بشكل مباشر ، بل حاول التقليلَ من شأن القرآن ورسالة الإسلام من خلال التلاعب في الترجمة ، وهو ما يراه بعض الباحثين المسلمين شكلاً من أشكال الدهاء والخبث .

وظهرت ترجمة إدوارد هنري بالمر  Edward Henry Palmerالتي صدرت من مطبعة أكسفورد عام 1880م . سعى بالمر إلى تقديم ترجمة أدبية تعكس الجمالَ اللغوي للقرآن . وقد تميزت ترجمتُه بمطابقة دقيقة للكلمات العربية مع الإنجليزية . رغم أن بالمر حاول التحرر من أفكار رادويلبقي متأثراً بترجمة جورج سيل ، ما أدى إلى تضييق آفاق التفسير القرآني وحصره في نطاق ضيق ، على عكس الدعوة العامة للإنسانية التي يحملها القرآن الكريم .

وفي عام 1886م ، ظهرت ترجمة ج . م . رادويل ( J. M. Rodwell ) ، باسم “The Koran ” التي اعتمدت ترتيب السور وفق ترتيب النزول ، محاولة منه لفهم تطور الفكر الإسلامي . تميزت ترجمتُه بأسلوب معاصر مقارنة بترجمات سابقة ، مما جعلها مَحطَّ اهتمام المستشرقين .

وظهرت ترجمة آرثرجونآربري ( Arthur John Arberry ) ، التي ركزت على الجانب الأدبي ، وحاولت نقلَ البلاغة القرآنية بأسلوب لغوي حديث ودقيق عام 1955م . أسماها ” القرآن مترجَماً ” ( The Koran Interpreted ) ، تعتبر ترجمةً ممتازةً مقارنة بترجمات المستشرقين الآخرين . تتميز بوضوح الأسلوب وحداثته ، وجمال التعبير وسهولة الألفاظ . كان آربري حريصاً على نقل كل لفظ في القرآن بدقة دون إضافة أو حذف ، وابتعد تماماً عن التهجم أو التشويه أو الانتقاص من جمال القرآن والدين الإسلامي أو التقليل من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما يفعل بعض المستشرقين عادةً .

علق د . عبدالله عباس الندوي ” أن الأمر المشترك العام في جميع هذه الترجمات التي كتبها المستشرقون هو أنهم لم يحاولوا فهم معاني القرآن على الإطلاق ، ولم يعتمد أحد منهم البحثَ العلمي للوصول إلى الحقيقة ، لكن الأمر الذي أرادوه من وراء أعمالهم هو إبعاد بني جلدتهم عن القرآن وسيرة الرسول الكريم – عليه أفضل الصلوات والتسليم – ” [1] .

تعريف بترجمة محمد مارمادوك بكتال :

الاسم الكامل للترجمةThe Meaning of the Glorious Qur’an, an explanatory translation . تم نشرها لأول مرة بدون النص العربي من مطبعة جورج ايلين انون (George Allen & Unwin ) في لندن ومن مطبعة دار كنويف في نيويورك عام 1930م . وفي عام 1938 ، أصدرت المطبعة الحكومية المركزية في حيدر آباد طبعة تحتوي على النص العربي والترجمة الإنجليزية جنباً إلى جنب في مجلدين .

قام بكتال بإهداء ترجمته إلى نظام حيدرآباد نواب صدر جنغ بهادر اعترافاً لفضله الكبير لإتاحته الإجازة السمحة تمكن من خلالها إكمال هذه الترجمة . تحتوي الترجمة على 650 صفحةً تقريباً ، مسبقاً بكلمة المترجم ومرفقاً بموجز عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة قبل الهجرة وفي المدينة المنورة بعد الهجرة .

يعبر بكتال في مقدمة ترجمته عن إعجابه الكبير بالقرآن بقوله : ” القرآن لا يمكن ترجمته ، هذه هي عقيدة العلماء السلف وعقيدة كاتب هذه السطور . والكتاب هنا يُنقل تقريباً بشكل حرفي ، وتم بذل كل جهد لاختيار لغة مناسبة . لكن النتيجة ليست القرآن المجيد ، تلك السيمفونية التي لا تضاهي ، والتي تحرك أصواتها الرجال إلى البكاء والنشوة . إنها مجرد محاولة لتقديم معنى القرآن – وربما شيئاً من سحره باللغة الإنجليزية . لا يمكن أبداً أن يحل محل القرآن بالعربية ، ولا يُقصَد منه أن يفعل ذلك ” [2] . ( ترجمة من الباحث )

كما اهتم بذكر النسخة المستخدمة من القرآن الكريم لعمله ، وهي التي كتبها الحاج محمد ” شقَر زاده ” في عام 1246 للهجرة بتكليف من السلطان محمود . واعتمد على تفسير ابن هشام ومصادر أخرى مثل سيرة ابن خلدون وسير أبي الفداء ، مع الاستعانة بتفسير البيضاوي والزركشي وتفسير الجلالين . واعتمد على صحيح البخاري لتأكيد صحة الأحاديث . واهتم المترجم في ترجمة كل سورة بصياغة مقدمة تعريفية لمبادئ السورة الأساسية ومعارفها المحورية مع ذكر تعليقات وملاحظات وأقوال المفسرين والمؤرخين من العلماء [3] .

تمتاز هذه الترجمة بالموضوعية والدقة مقارنةً بالعديد من الترجمات السابقة التي قام بها مستشرقون غير مسلمين ، والتي كانت غالباً متحيزة أو غير دقيقة . لقد أدرك بكتال أن الكثير من المفاهيم الخاطئة حول الإسلام في الغرب تعود إلى ترجمات سابقة للقرآن ، فكانت غالباً غير دقيقة ، أو مُغرضة . وكانت تلك الترجمات إما ناتجة عن مستشرقين غير مسلمين لم يتعاطفوا مع النص الديني ، أو عن أشخاص لم يكونوا يمتلكون معرفةً كافيةً باللغة العربية وفهماً عميقاً للدين الإسلامي . تحتوي ترجمة بكتال على ملاحظات تفسيرية قصيرة جداً . وإن لغة الترجمة تتميز بأناقة ودقة وإضاءة ، لأنها ترجمة قام بها متحدث أصلي باللغة الإنجليزية ، وهذا ما يجعلها ترجمةً من الدرجة الأولى تَحظى بموافقة غالبية المسلمين .

ذكر إي آر القدوائي : ” حازت ترجمة بكتال على استحسان فور نشرها ، وقد حافظت على شعبيتها حتى اليوم نظراً للعديد من مزاياها ، وحتى الآن تم تسجيل أكثرِ من مائة وستين طبعة لها . غير أن ترجمة   عبد الله يوسف علي ( 1934 – 1937م ) تتفوق على ترجمة بكتال ، بأكثر من مائتي طبعة . ويظهر الانتشار العالمي لترجمة بكتال من خلال نشرها في أماكنَ متنوعةٍ مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند وباكستان ولبنان والسعودية وإيران والكويت وماليزيا والأردن . ورغم توفر العديد من الترجمات من قبل المسلمين ، فإن إعادة إصدار ترجمة بكتال بانتظام ، بما في ذلك إصدارها على كيندل في 23 يوليو عام 2014 ، يشير إلى مكانتها الخاصة والمتميزة بين الترجمات الأخرى ” [4] .   ( ترجمة من الباحث )

خصائص ترجمة بكتال لمعاني القرآن الكريم :

ترجمة محمد مارمادوك بكتال تُعد واحدةً من أبرز الترجمات التي قام بها مسلم غربي . هذه الترجمة تميزت بعدة خصائص جعلتها رائدةً بين الترجمات السابقة للقرآن ، حيث قدمت صورةً أكثر دقة وأمانةً عن النص القرآني مقارنة بالكثير من الترجمات الأخرى التي كانت تعتمد على مفاهيم مغلوطة أو متحيزة .

الالتزام بالأمانة الدينية واللغوية :

تميزت ترجمة بكتال بالتزامه الكبير بالأمانة في نقل معاني القرآن الكريم . كان بكتال يُدرِك أن القرآن هو كتاب مقدس يحمل رسالةً إلهيةً للمسلمين ، ولذلك حرص على تقديم ترجمةٍ تعكِس بصدق معاني القرآن بقدر الإمكان . حاول بكتال الابتعادَ عن التأويلات أو التفسيرات التي قد تؤدي إلى تشويه النص القرآني ، وركز على اختيار الكلمات التي تعبر عن المعنى الحقيقي دون تحريف أو تغيير ، على عكسِ بعضِ الترجمات السابقة التي قام بها مستشرقون غير مسلمين .

الحفاظ على البلاغة والتأثير الأدبي :

كان بكتال على دراية تامة بجماليات اللغة القرآنية ، ولذلك حرص على أن تكون ترجمته انعكاساً لجماليات النص الأصلي بقدر الإمكان ، وحاول أن يقدم لغةً إنجليزيةً قريبةً من النص العربي ، تتميز بالسلاسة والتأثير الروحاني . استخدم بكتال لغةً إنجليزيةً كلاسيكيةً تعبر عن الجلال والعظمة التي يحملها النص القرآني البليغ . اختار بكتال الأسلوب الأدبي الأنيق معبراً عن فخامة النص الأصلي .

الترابط بين المعنى والسياق :

كان بكتال يُدرِك أهمية السياق في تفسير معاني القرآن ، لم تكن الترجمة عبارة عن نقل ميكانيكي للكلمات ، بل كانت ترجمة تعكس الفهم الأعمق للسياق الذي وردت فيه الآيات . فقد اهتم بكتال بأن يقدم معاني الآيات بطريقة تحافظ على السياق الديني والثقافي الذي نزل فيه القرآن ، ما جعل ترجمته أكثر دقةً من الترجمات الأخرى .

التوازن بين الحرفية والمعنوية :

إن الترجمة الحرفية البحتة قد تؤدي إلى إضعاف المعنى ، بينما الترجمة المعنوية قد تؤدي إلى تحريف المعنى الأصلي . لذلك ، حاول بكتال إيجادَ توازنٍ بين الحرفية والمعنوية بحيثُ يتمكن القارئ من فهم النص بشكل صحيح دون أن يفقد الروحانية والمعاني العميقة للنص القرآني . فقد اختار تعبيراتٍ إنجليزيةً تنقل المعنى الحَرفي للنص العربي ، لكنه في الوقت نفسه أضاف إليها تفسيراتٍ أو تعليقات وجيزة عندما شعر أن المعنى الحرفي قد يضلل القارئ .

الحفاظ على القيم الروحية والدينية للنص :

يلتزم بكتال بنقل القيم الروحية والدينية للنص القرآني . وإن بكتال لم يكن يسعى فقط إلى نقل المعنى اللغوي ، بل كان يهدف إلى تقديم القرآن ككتاب روحي ينقل قيماً دينيةً وأخلاقيةً عاليةً . حرص على أن تحافظ ترجمته على القوة الروحية للنص الأصلي ، مما يجعل القارئ يَشعُر بقدسية النص وتأثيره الروحي حتى عند قراءته بالإنجليزية . حاول بكتال الحفاظ على هذا الجانب من خلال استخدام لغة تحتفظ بالهيبة والقدسية التي يبعثها النص القرآني في نفس القارئ . وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد ، حيث إن العديد من القراء شَعَروا بالارتباط الروحي مع النص من خلال ترجمته .

وخلاصة القول ، إن ترجمة محمد مارمادوك بكتال لمعاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية تميزت بعدة خصائص فريدة جعلتها من أهم الترجمات التي قامت بتقريب النص القرآني إلى الغرب . وعلى سبيل المثال نقدم ترجمة سورة الفاتحة فيما يلي :

The Opening

In the name of Allah, the Beneficent, the Merciful.

Praise be to Allah, Lord of the Worlds.

The Beneficent, the Merciful.

Master of the Day of Judgment.

Thee (alone) we worship; Thee (alone) we ask for help.

Show us the straight path.

The path of those whom Thou hast favoured; Not the (path) of those who earn Thine anger nor of those who go astray. [5]

خاتمة :

تفيد الدراسة أن ترجمة القرآن الكريم لها أهمية كبيرة لتعزيز الفهم وترويج تعاليمه عبر الملل والأجيال في العالم كله . ولذلك اهتم العلماء والمعنيون بالقرآن وعلومه والإسلام وتعاليمه بترجمة القرآن إلى لغات متعددة وخاصة الى اللغة الإنجليزية ، نظراً إلى ما تحمل هذه اللغة من أهمية في العصر الراهن .

ومن الترجمات الإنجليزية للقرآن الكريم ، تلك التي قام بها المستشرقون لأغراض متعددة منها شخصية ودينية وأكاديمية . وكان أكثرهم متحيزين غير عادلين في الترجمة . وكذلك قام ببعض الترجمات المترجمون المسلمون ، ولكن ترجمة بكتال تحتل مكانةً بارزةً ومرموقةً لخصائص ومزايا تميزها من غيرها من الترجمات . وهي أن محمد مارمادوك بكتال استخدم اللغة الإنجليزية الكلاسيكية الأصيلة التي يفهمها المتحدثون بالإنجليزية كلغة الأم ، ولا شك أنه قد ظهرت بعدها ترجمات كثيرة قام بها المترجمون المسلمون بلغة إنجليزية راقية ومعاصِرة ، ولكن برغم ذلك لا تقِل أهمية ترجمة بكتال نظراً إلى ما تحويها من خصائص وميزات .

تُعتبر ترجمة بكتال لمعاني القرآن الكريم حدثاً تاريخياً هاماً ، إذ أنها كانت واحدةً من الترجمات الأولى التي قدمها مسلم غربي للقرآن الكريم . نالت الترجمة قبولاً واسعاً بين المسلمين في الغرب . وذلك لأنها كانت أول ترجمة للقرآن يقوم بها شخص مسلم يتحدث بالإنجليزية كلغة الأم ، وكما أن محاولته جزءاً من جهود المسلمين لتقديم فهم أفضل وأكثر دقة للقرآن في الغرب ، وللتصدي للترجمات المُغرضَة أو غير الدقيقة التي سبقتها .

وكذلك نالت هذه الترجمة الاعتبار والاستحسان بين الأوساط الأكاديمية والثقافية ، بالإضافة إلى دورها في تقديم القرآن للغرب وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان . ومن خلال عمله ، ساعد بكتال في كسر الصور النمطية السلبية حول الإسلام في الغرب ، ولعب دوراً كبيراً في بناء الجسور بين المسلمين والمجتمعات الغربية .

* الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها ، بجامعة دهلي ( الهند ) .

[1] الندوي ، عبد الله عباس ، ترجمات معاني القرآن ، ص 35 .

[2] بكتال ، محمد مارمادوك ، The Meaning of the Glorious Qur’ân ، المقدمة .

[3] المرجع السابق .

[4] A. R. Kidwai, Muhammad Marmaduke Pickthall’s English Translation of the Quran (1930):

An Assessment, Marmaduke Pickthall: Islam and the modern world / edited by Geoffrey P. Nash.

[5] بكتال ، محمد مارمادوك ، The Meaning of the Glorious Qur’ân ، ص 20 .